لسنوات عديدة، بحثت الشركات والجامعات والمؤسسات غير الربحية عن سمات النساء الناجحات، وعن الأسباب التي تجعل النساء أقل عرضة لدخول مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولماذا بمجرد دخولهن، يواجهن تحديات غالباً ما تجعلهنّ يخرجنّ من هذه المجالات. في بحث سابق، وجدنا نحن في مركز ابتكار المواهب (Center for Talent Innovation) أنّ النساء يغادرنّ مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بأعداد كبيرة: إذ أنّ 52% من النساء ذوات المؤهلات العالية للعمل في مجال العلوم أو التكنولوجيا أو الشركات الهندسية يتركن وظائفهن. كما وجدنا وآخرون، أنّ الثقافات المحيطة بالنساء العاملات في تلك المجالات ظهرت، مراراً وتكراراً، على أنها تحدّي لهنّ بشكل خاص.
ومع ذلك، تمكنت العديد من النساء الأخريات من بناء مهن ناجحة بدرجات عالية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كيف فعلنّ بذلك؟ أدت دراسة بحثية جديدة قمت بإجرائها في مركز ابتكار المواهب (من خلال دراسة استقصائية تمثيلية على الصعيد الوطني أُجريت على 3,212 شخصاً يمتلك شهادات معتمدة من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ومن خلال عشرات المقابلات الإضافية والمحادثات الجماعية المركزة) إلى الكشف عن علامات النجاح للنساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
اقرأ أيضاً: بحث: النساء تفوز بجوائز العلوم إلا أنّ الرجال يفوزون بالأعرق من بينها
قمنا بالتعريف المباشر للنجاح على أنه: الرضا عن عملك، والحصول على الاحترام حيال خبرتك، وتلقي وظيفة من مستوى عالي. وجدنا أنّ حوالي 1/5 من النساء اللواتي يعملن حالياً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يتبعن هذا التعريف. لفهم كيفية القيام بذلك، درسنا ما يميز النساء الناجحات عن النساء الأخريات في تلك المجالات، وقمنا بتحديد 6 عوامل رئيسية.
يستحيل الإثبات من خلال تحليل البيانات ما إذا كانت هذه الاستراتيجيات قد دفعت هؤلاء النساء إلى الأمام، أو ما إذا كان عملهم في مناصب أكثر نجاحاً هو الذي يسمح لهم بالازدهار بهذه الطرق. يمكنني بعد 10 سنوات من الدراسة والتشاور مع النساء العاملات في شركات التكنولوجيا والمقابلات ومجموعات الاهتمام أن أستنتج بكل ثقة أنّ هذه الاستراتيجيات الست تساعد النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على تحقيق النجاح، بغض النظر عن مدى دعم أو عدائية ثقافات الشركات التي يعملن فيها.
6 طرق لمساعدة النساء العاملات في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات
الثقة بالنفس
قدم كل من كاتي كاي وكلير شيبمان في كتابهم "شيفرة الثقة" (The Confidence Code) حالة مدعومة بالأبحاث عن انعدام الثقة لدى العديد من النساء المحترفات. تتعرض ثقة النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للمهاجمة والإهانات العلنية التي تعتبر أنّ احتمالية نجاح النساء هي احتمالية قليلة، كما تشير الاقتراحات أيضاً إلى أنّ الاختلافات "الفطرية" بين الرجال والنساء تجعل المرأة أقل ملاءمة لوظائف العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. تفيد الأبحاث الحديثة إلى أنّ الرسائل المتعلقة بتوظيف النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات غالباً ما تعزز الفكرة القائلة أنّ الرجال أفضل بطبيعتهم في تلك المجالات. لا عجب أنّ أقل من 2 من كل 10 نساء لم يحققن النجاح في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قلن أنهنّ واثقين للغاية من قدراتهم. وتشير 39% من النساء اللواتي حققن النجاح في تلك المجالات إلى امتلاكهنّ لهذه الثقة. لا تزال هذه النسبة تعبّر عن أقلية، ولكنها أكبر نسبة حتى الآن.
اطلب التقدير على أفكارك
إنّ الأفكار التي تولّد الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هي الأكثر شيوعاً، وهي علامات على وجود زملاء استثنائيين. لكن 82% من النساء في تلك المجالات يقلنّ أنه يتم تجاهل مساهماتهنّ. نحن نسمع، في المقابلات ومجموعات الاهتمام، أنه يتم سرقة أفكار النساء باستمرار. قد يكون شعورك بأنك غير مسموع شعوراً مزعجاً بشكل خاص ومشتت. يُعتبر رد الفعل الشائع هو السماح للحادثة بالمرور من دون أي تعليق: ما يقارب 3 من كل 10 نساء ممن عانين من هذا ذكرنّ بأنهنّ لم يقلن أي شيء في آخر مرة حدث معهنّ أمر مشابه.
اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن للمدراء فعله من أجل إبقاء النساء في قطاع الهندسة؟
لكننا نرى أنّ النساء الناجحات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هم أكثر عرضة للتحدث عندما يتم تجاهلهن. قامت 40% من النساء الناجحات بمواجهة الوضع، استجابة لآخر مرة تم تجاهل مساهماتهنّ، مقارنة بـ26% فقط من النساء الأخريات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. يمكن أن تكون هذه المواجهات سريعة ومهذبة. على سبيل المثال، تقود الدكتورة فيلما ديليفو، المديرة في شركة بوز ألن هاملتون (Booz Allen Hamilton)، الأعمال في مجالي العلوم والهندسة. إذا قام أحد الأشخاص بتكرار فكرتها بعد أن شاركتها بالفعل، كما لو كانت فكرته الخاصة، تعيد مشاركة الموضوع وتقول: "يسعدني جداً أنك توافق على الفكرة التي عرضتها. دعني أشاركك ببعض الأفكار الإضافية ". بهذه الطريقة، تستعيد ديلفيو الفضل في الفكرة، وتوضح قدرتها على تطويرها، وتستمر قدماً بالمحادثة.
الاستثمار في شبكات الزملاء
قد يبدو الانخراط في الشبكات في بعض الأحيان أمراً غير مريح أو تبادلي، وخاصة بالنسبة لنا نحن غير المنفتحين بطبيعتنا. والحقيقة هي أنّ بناء العلاقات مع الآخرين يزيد من الثقة، ما يؤدي إلى نتائج جيدة في العمل. في بحثنا، نجد أنّ المرأة الناجحة تستثمر بقوة في شبكات الزملاء. فهن مرجحن أكثر من غيرهن من النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لمساعدة زملائهنّ على الاتصال بقادة العمل، والمخاطرة بسمعتهنّ للدفاع عن أفكار ومهارات زملائهنّ، ومساعدتهنّ أيضاً على استعادة سمعتهن بعد ارتكاب خطأ. هذه هي بعض المخاطر الكبيرة التي يواجهنها نيابة عن زملائهنّ، ما يدل على مستوى عميق من الثقة بأنّ سمعتهن الخاصة لن تتضرر نتيجة لذلك.
الاستثمار العميق يؤتي ثماره. في المقابل، تظهر دراستنا أنّ النساء اللواتي شملهنّ الاستطلاع، واللواتي حققن نجاحاً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يمتلكن زملاء يدعمون أفكارهنّ في الاجتماعات أكثر من النساء الأخريات في تلك المجالات، ومن الأرجح أنّ يكون لديهنّ زملاء يضمنون حصولهنّ على التقدير على أفكارهن. لا تقوم النساء الناجحات في تلك المجالات فقط ببناء شبكات جانبية تضمن حصولهنّ على التقدير والدعم لأفكارهنّ في الاجتماعات، بل تتيح لهنّ هذه الشبكات فرصة الوصول إلى أروقة السلطة. نصف النساء الناجحات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تقلن أنّ الزملاء هم من وصلهنّ بالزعماء الكبار (مقارنة بـ36% من النساء الأخريات).
قم ببناء مجموعة محمية
وجدنا في تقرير النساء الناجحات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أنّ غالبية النساء تدافع عن أحد الأشخاص في شركاتهنّ (37% فقط من النساء الأخريات في نفس المجالات يفعلنّ ذات الشيء). بصفتهم مدافعات، هنّ يقدمنّ حماية هادفة لآخرين داخل المؤسسة. من المرجح أن يدافعن عن ترقية مجموعتهنّ المحمية، ويحددن النقاط الضعيفة في أدائهم، ويساعدن على إصلاحها، ويدافعن عنهم عندما يتعثرون. لكن هدف هذه الرعاية ليس إيثاري فقط. بدلاً من ذلك، وكما وجدنا في المقابلات، اكتشفت العديد من النساء الناجحات في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أنّ رعاية الآخرين تساعدهنّ على بناء سمعتهن الخاصة كقادة يتميزن بموهبة عظيمة، ويمكن أيضاً مساعدتهنّ في الحفاظ على وجود وقوة مهاراتهنّ الحالية.
على سبيل المثال، قامت سوزان بنفيلد، نائبة الرئيس التنفيذي ومدير الابتكار في شركة بوز ألن هاملتون، بتعيين موظفة محمية في الشركة، كانت تتمتع الموظفة بخبرة في مجال البيانات والنظم المتعلقة بالصحة، والذي صادف أن يكون مجالاً تحتاج بنفيلد إلى معرفة المزيد عنه. لم تساعد بنفيلد فقط في تعيينها في منصب تنفيذي في الشركة، بل وقدمت لها التوجيه والمساحة للتعلم عن العمل، مساعدة إياها في تطوير جدول أعمال في مؤسسة كبيرة. في غضون ذلك، قامت الموظفة بتوسيع معرفة بينفيلد حول أنظمة الرعاية الصحية، ما عزز قدرتها على تولّي دور أكبر في العمل. واليوم، تواصل كلتاهما في التقدم، وقامت كل منهما بإنشاء علاقات قوية وسمعة جيدة مع كبار قادة الشركة.
كن حقيقياً
يعتقد الكثيرون أنه من الضروري بذل جميع جهودك حتى تتلاءم مع العمل، ولكن المرأة التي حققت نجاحاً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات غالباً ما تكون حقيقية وواقعية في عملها، حتى لو كان عليها أن تعدل من نفسها قليلاً من أجل العمل. تظهر الدراسة نسبة مدهشة، إذ أنّ 78% من النساء الناجحات في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قلن بأنهنّ يتبعن شخصيتهنّ الحقيقية في العمل، مقارنة بـ58% من النساء الأخريات في تلك المجالات. على سبيل المثال، قامت روزا راموس-كوك، المديرة الإدارية لتقنية عمليات الخدمات المشتركة للمستهلكين في مصرف أوف أميركا (Bank of America)، بالقول لنا أنّ أسلوب قيادتها هو الاستماع إلى مخاوف الموظفين المشرفة عليهم قبل العمل معهم، من أجل التمكن من صياغة رؤيتها لمؤسسة العمل. عُينت قبل عملها في مصرف أوف أميركا كمسؤولة عن فريق كان أعضاؤه موظفين ذكور، حيث اقترح أحد الزملاء أنه عليها أن تتصرف بصرامة أكثر. مانعت راموس-كوك تلك النصيحة. بدلاً من ذلك، شددت على التواصل والعمل الجماعي، وسعت لجعل مرؤوسيها الجدد يعملون معاً لحل المشاكل بدلاً من التنافس للحصول على تأييدها في عملهم. وبفضل التزامها بأسلوبها القيادي التعاوني الحقيقي، نجحت راموس-كوك في إدارة فريق عمل واكتسبت سمعتها كقائد استثنائي، ما أدى إلى حصولها على مزيد من الفرص في مجال الإدارة.
حدّد إطار علامتك التجارية
تميل النساء الناجحات في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من وظيفتهنّ أو وصفهنّ الوظيفي. من المهم ألا نخجل من الاعتراف بأهمية مساهماتهنّ، لأن ذلك يُعدّ عاملاً ضرورياً لتطوير علاماتهنّ التجارية وسمعتهن. تقول إيمي فيلاسينور، كبيرة المهندسين في شركة كوالكوم، أنها أدركت مع مرور الوقت أنّ ما جذبها إلى عملها لم يكن فقط خبرتها التقنية، بل الهدف الذي ستحققه. هي تنساق بالطريقة التي تستطيع بها التكنولوجيا تشكيل حياة الناس في جميع أنحاء العالم، وتستطيع التكلم عن ذلك بكل سلاسة. وبمجرد اتباعها لذلك الاهتمام بالهدف وقيامها بتحديد إطار رؤيتها للمشاريع بتلك الطريقة، تطورت علامتها التجارية في القيادة. تقول فيلاسينور: "غالباً ما يتم وصفي بأني متحمسة ومندفعة، وأعتقد أنّ سبب ذلك هو أنني لا أخاف من توغل شغفي في كل ما أقوم به. فقد سمح لي هذا بالتركيز على هدف العمل وتأثيراته".
تتخذ النساء الناجحات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات عدداً من الخطوات لتغذية علاماتهنّ التجارية الشخصية، غالباً أكثر من النساء الأخريات في تلك المجالات. هنّ يتحدثن في الاجتماعات والمؤتمرات، ويعملن في مناصب إدارية، ويقمن بجعل مهارتهنّ أو إنجازاتهنّ معروفة. كما يجتمعن مع أشخاص خارجيين أو يبقين على اتصال مع المشغّلين وشركات التوظيف من أجل الحفاظ على الاتصال بمجالات عملهنّ. وأيضاً يتطوعن للعمل في مناصب قيادية ضمن مجموعات موارد الموظفين (ERG) أو مجموعات الاهتمامات المشتركة، ويحضرنّ المؤتمرات ومناسبات التواصل. كما أنهنّ منفتحات في أجزاء من حياتهم الشخصية التي تربطهنّ بالآخرين في مكان العمل.
تمتلك النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إحدى أصعب الوظائف، وربما أكثرها ربحاً في العالم. لكن معرفة كيف تجني هذه الأرباح، واستثمار مواصفات وسلوكيات المرأة الناجحة، في هذه المجالات هو أبعد ما يكون عن الوضوح، لا سيما في بيئة يسيطر عليها الذكور. لا يجب أن تقع مسؤولية تحسين التنوع الجندري في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على عاتق النساء فقط، ولكن يمكن أن يكون التغيّر في النظام تغيّر بطيء. قد يساعد اعتناق عوامل النجاح هذه وتطبيقها النساء اللواتي يرغبن في أن يصبحوا اليوم لاعبات قويات على تحقيق ذلك، حتى لو وجدن أنفسهنّ في ثقافات شركة قوية.
اقرأ أيضاً: