لا أحد يحب أن يكون أداؤه في العمل متدنياً. فذلك أمر محرج ومربك أيضاً. لكن الكثير منا مرّوا بأوقات عجزوا فيها عن أداء عملهم كما هو متوقع منهم. إلا أن الخبر السار هنا أنه ليس من المستحيل إيجاد حلّ لهذه المشكلة. بل يمكن تغيير أدائك المتدني وإنقاذ سمعتك عن طريق الوعي واتباع الطرق الموثوقة والحصول على الدعم المناسب.
ما يقوله الخبراء
يقول ريتشارد هاكمان، أستاذ سيكولوجيا المجتمع والمؤسسات في كلية "إدغار بيرس" بجامعة "هارفارد"، ومؤلف كتاب "قيادة الفرق: إعداد المرحلة لأداء رائع" (Leading Teams: Setting the Stage for Great Performances): "عادة، لا يدرك المرء أن أداءه متدنٍ". وأحياناً يخبرك مديرك أو زميلك في الفريق أو ممثل الموارد البشرية أن عملك ليس بالمستوى المعهود، ولكن هاكمان يؤكد أن ذلك يحدث أقلّ مما ينبغي. سواء تحققت بنفسك من أن أداءك متدنٍ أو قام شخص آخر بذلك، يبقى الاعتراف به هو الخطوة الأولى في طريق الحل. وكما يقول جان فرانسوا مانزوني، أستاذ القيادة وتطوير المؤسسات في المعهد الدولي لتطوير الإدارة (آي إم دي)، ومؤلف مساعد لكتاب "متلازمة الإعداد للفشل: كيف يتسبب المدراء الجيدون بفشل أشخاص عظماء" (The Set-Up-to-Fail Syndrome: How Good Managers Cause Great People to Fail): "إذا كان أداؤك متدنياً، فمن المؤكّد أن الجميع يعرف ذلك. وإذا كان الجميع يعرف ذلك فلتعترف به، لأن هذا أقل أمر يثبت أنك تعيش معهم في العالم ذاته". وبمجرد اعترافك بأدائك المتدني، فإنك تحتاج فقط إلى اتباع التوجيهات التالية لتحسين وضعك.
تقبل سوء أدائك وافهمه
يقول هاكمان: "كلنا نمتلك قدرة مذهلة على الإدراك الرجعي الذي يجعلنا نبرر ما نواجهه من صعوبات بمقولة: (ليس ذنبي)". ويُعتبر الدفاع عن أنفسنا أمراً سهلاً عندما لا نبذل الجهد اللازم في العمل، وذلك يعود خصوصاً لعدم وضوح الأسباب الكامنة وراء الأداء المتدني. وغالباً ما تكون هناك مجموعة أسباب معقدة لذلك. وربما يكون أداء الإدارة ضعيف أو أنك توليت قيادة فريق ضعيف. وسواء كانت هناك بيانات واقعية كأرقام المبيعات أو التقييمات المتكررة من قبل مديرك أو نظرائك أو التقارير المباشرة، فإن موازنة المعلومات أمر مهم. إذ يقول مانزوني: "إن الشخص الذي يعاني من الصعوبات يميل إلى إرجاعها لعوامل خارجية أكثر من اللازم". ويعود هذا بنسبة كبيرة إلى التحيز للمصلحة الشخصية. فقد تعتقد أن مناطق مبيعاتك عسيرة أكثر من غيرها أو أن فريقك أشد صعوبة من غيره على سبيل المثال.
ومع أن هذه الأمور ربما تكون حقيقية وصحيحة، لكن من المحتمل أن تسهم بعض جوانب سلوكك الشخصي في فشلك أيضاً. وهنا ينصح مانزوني بإلقاء نظرة فاحصة على أدائك وأن تميّز بين ما يمكنك تغييره وما لا يمكنك تغييره. كما يقترح هاكمان أن تطلب آراء زملائك لتستطيع فهم سبب عدم تمكنك من الوصول إلى أهدافك بصورة أفضل. ولكن افعل ذلك دون طرح سؤال "ما رأيك بعملي؟" ببساطة.
يقول هاكمان: "إن طلب التأكيد على تقييمك الشخصي أو نفيه هو أمر بنّاء ومساعد أكثر من طلب الإجابة عن سؤال مفتوح عن أدائك".
اطلب المساعدة
يحث مانزوني على التكلم بصراحة مع مديرك إذا كنت تُخفق في عملك. فالكثير من المدراء يتقبلون طلب المساعدة أكثر من تقبلهم للتبريرات والتوضيحات التي غالباً ما تترافق مع الأداء المتدني. ولذلك ينبغي عليك تحديد ما تطلبه. إذ يقول مانزوني: "سيستجيب الآخرون أكثر لطلبك المساعدة، وذلك إذا وضّحت لهم كيف يمكنهم مساعدتك، وأبديت لهم أيضاً أنك تتحمل مسؤولية ما يقع ضمن نطاق سيطرتك".
إلى جانب ذلك، يمكن أن يكون إشراك الآخرين من نظرائك ومرشديك وحتى المرؤوسين المباشرين مفيداً أيضاً. اطلب تقييمات لأدائك ونصائح لمساعدتك على تطويره. فهذه النقاشات تفيد في أمرين اثنين. أحدهما، المساعدة على الاستفادة من إلقاء نظرة أعمق على سلوكك الشخصي، والثاني، جعل الآخرين يعلمون أنك تسعى لحل المشكلة. ومعرفتهم لذلك تزيد من احتمال أن تحظى بتأييدهم عند تقييمهم لأدائك في المستقبل.
حدّد ما يجب التركيز عليه
ينصح هاكمان باستخدام قائمة من 3 بنود لتقييم الأسباب الكامنة وراء الأداء المتدني.
1- الجهد: هل أبذل ما يكفي من الوقت والجهد في العمل؟
2- الخطة: هل أعمل بذكاء بدلاً من الاعتماد على الروتين؟
3- الموهبة: هل أملك المهارات والمعارف والقدرات اللازمة لأداء عملي بشكل جيد؟
يقول هاكمان: "ستظهر لك بعض الأمور الواقعية التي يمكن فعلها لتطوير أدائك بمجرد طرح هذه الأسئلة الثلاثة البسيطة على نفسك". وما عليك سوى استخدام الإجابات لتحديد الموضع الذي يجب تركيز جهودك عليه.
استعد سمعتك
ربما تدرك أن سمعتك قد تضررت فور البدء في تغيير أدائك. ويقول هاكمان: "إن الإشارة الأهم والأكثر صحة ووضوحاً، هي أن تكون الشخص الذي يتم اختياره وطلبه فعلياً لأداء العمل الأصعب ذي الأهمية الأكبر، أو تكون من يتم تجاوزه أو يتم غضّ النظر عنه عندما يكون هناك أمر مهم حقاً".
إذا حصل وتم التغاضي عنك، فعليك أن تكون حذراً جداً فيما يخصّ مظهرك أمام الآخرين. فيقول مانزوني: "ليس عليك أن تحسّن أدائك فحسب، بل عليك جعل الآخرين يرون ذلك أيضاً".
وفور تحقيقك بعض التقدم شارك نجاحك مع الآخرين. واطلب منهم تقييم أدائك لتتأكد أنهم يرون التطورات. حيث ينصح هاكمان بقول أشياء مثل: "لقد كنت أقوم ببعض الأمور من أجل تحسين درجة أدائي للعمل. هل لاحظت أي تحسن؟ هل هناك أي أمور إضافية تنصحني بالتفكير فيها؟". ولكنه ينبّه إلى أن السمعة تتغير ببطء، فالتحسينات تحتاج إلى بعض الوقت كي يلاحظها الآخرون، وسيحتاج الناس إلى وقت أكثر ليبدؤوا فعلياً بالبحث عنك وطلبك لأداء الأعمال المهمة.
إن فشلت كل الطرق، ففكر في التغيير
ربما تجد في بعض الأحيان أن استعادة سمعتك ضمن بيئة العمل أمر شديد الصعوبة. ولا يلاحظ الآخرون تطورك على الرغم من إحرازك تقدماً كبيراً. ويمكنك أيضاً إدراك أن أداءك متدنّ بسبب شعورك بعدم الانتماء إلى العمل أو أنه لا يثير اهتمامك. وفي كلتا الحالتين فكر في الانتقال إلى فريق جديد أو العمل مع مدير جديد. وكما يقول هاكمان: "أحياناً يكون الانسحاب هو أفضل خيار فعلاً".
بعض المبادئ التي يجب تذكرها
ما عليك فعله:
- ميّز ما يمكنك وما لا يمكنك التحكم به.
- كن صادقاً في طلب النصح والتقييم.
- حاول إشراك الآخرين في جهودك لتحسين أدائك حتى يروا ويقدروا أدائك.
ما لا يجب عليك فعله:
- أخذ موقف دفاع فيما يتعلق بأدائك المتدنّي ومحاولة إلقاء اللوم على عوامل خارجية أو أشخاص آخرين.
- الافتراض أن الآخرين سيلاحظون تقدمك لمجرد أنك تحرز تقدماً.
- البقاء في عمل أصبحت معروفاً بأدائك المتدني فيه باستمرار.
دراسة الحالة 1: طلب المساعدة
عملت كوثر محللةً في شركة محاسبة عالمية لمدة 6 أشهر عندما أُسند إليها تحليل أقسام الشركة في مشروع الاستراتيجية. وكان إنجاز التحليلات يتم بواسطة النسب والتوقعات المركبة للنمو السنوي، وكانت كوثر مسؤولة عن تجميع المعلومات المناسبة في الجدول. وتم تقييمها سابقاً بأنها لا تتعلم استخدام برنامج "إكسل" بالسرعة اللازمة وغالباً ما تحتاج إلى وقت أطول من المتوقع لإنجاز مهماتها. واعترفت بأنها كانت غير منظّمة في أداء عملها. وعندما طلب مديرها الاجتماع معها من أجل مراجعة الجدول الذي كانت تعمل عليه شعرت بالتوتر.
وبعد عدة دقائق فقط من بداية الاجتماع، بدأ المدير في الإشارة إلى عدد من الأخطاء. ووضّح لها أنها لم تكن على قدر التوقعات وعليها إثبات إمكانيتها في اكتساب المهارات التي تنقصها في استخدام برنامج "إكسل". حينها شعرت كوثر بالذعر، ولم تعرف كيف ستفعل ما طُلب منها، وشعرت بأن المدير لم يكن يؤدي دوره معها بصورة جيدة. وفكرت بالاستقالة. ولكنها لم تفعل، بل طلبت المساعدة من زميلها، وهو نظير لها بدأ العمل في الشركة قبلها بعام واحد. وقام بمساعدتها بصبر لتتعرف على أخطائها لجعل الجدول فعالاً.
لقد جعلتها هذه التجربة تدرك أن هذا النوع من التحليلات ليس ضمن مكامن قوتها وأن مديرها لم يكن يساعدها في اكتساب المهارات التي كانت تحتاج إليها.
واستطاعت كوثر استكمال المشروع، ولكن عند انتهائها منه طلبت نقلها وتعيينها لدى مدير آخر حيث كان أسلوبه مطابقاً أكثر لأسلوبها العملي والمبني على العلاقات. فبقيت في الشركة لخمس سنوات وأصبحت هي نفسها مديرة ذات أداء عالٍ.
دراسة الحالة 2: برهن أنك تنوي التغيير فعلاً
كان يعمل خلدون مدير ارتباط في النشاط الثقافي لشركة استشارات استراتيجية كبيرة عندما تولى إدارة مشروع مجهد فيه مخاطرة كبيرة. وكان حسام زميله معروفاً بأدائه المتدني وأوكل له العمل رفقته في هذا المشروع.
كان أمام خلدون خياران: إما أن يُبقي حسام مشغولاً ببعض الأعمال حتى يتم نقله إلى مكان آخر، أو أن يقدم له التدريب والدعم الذي يحتاجه لإنجاز عمل حقيقي والنجاح فيه. وكي يستطيع اتخاذ قرار باختيار أحد هذين المسارين، جلس خلدون مع حسام وسأله عن رؤيته لأدائه. فأكد حسام أن أداءه كان متدنياً وعبّر عن رغبة حقيقية في التحسّن. حيث أشار خلدون إلى أن حسام كان دقيقاً ويمتلك قابلية لنقد نفسه، ما أثبت وجود إمكانية لديه للتحسّن.
ولأن حسام طلب المساعدة وأظهر رغبته في التغيير، كان خلدون راغباً في استثمار وقته وجهده لمساعدته. فأوكل إلى حسام مشروعاً محدداً جداً يتوافق مع مهاراته واهتماماته وحدّد توقعاته بوضوح. وكان خلدون صارماً أكثر من عادته فيما يخص التقييم، فطلب من حسام الحضور بصورة دورية ليعملا معاً على تحديد ما نجح وما لم ينجح. وبفضل دعم خلدون تمكن حسام من المساهمة بفعالية في المشروع. وبعد 6 أشهر طُلب من حسام مغادرة الشركة. وعلل خلدون ذلك بأن هذه الشركة لم تكن المكان المناسب له في نهاية الأمر. ولكنه استطاع أن يصبح ذا أداء عالٍ في مجال مختلف.