الميزة الرقمية العظيمة المرتقبة في المستقبل

13 دقيقة
تفاعلات العملاء

الشركات الذكية تستخدم مخطَّطات البيانات لاكتشاف الحلول الفريدة لمشاكل العملاء.

من بين 4,000 مُنتَج يُباع على منصة أمازون كل دقيقة، يتم تقديم نحو 50% منها للعملاء من خلال محرك التوصية المخصَّصة. وعندما تزور الموقع الإلكتروني للشركة، فإن خوارزمياته تختار مجموعة متنوعة من المنتجات من بين نحو 353 مليون صنف وترتبها لك وفقاً لتوقعاتهم لما تريده في تلك اللحظة بالتحديد. ويتم دعم هذه التوصيات من خلال برنامج أمازون للمخطَّط البياني للشراء المتطور باستمرار، وهو عبارة عن تمثيل رقمي "للكيانات" الموجودة في العالم الحقيقي التي تعبّر عن أي شيء تخزِّن عنه المعلومات، مثل العملاء والمنتجات والمشتريات والفعاليات والأماكن والعلاقات والعلاقات المتبادلة فيما بينها. ويربط المخطَّط البياني للشراء في أمازون سجل الشراء ببيانات التصفح على الموقع وبيانات المشاهدة على منصة برايم فيديو (Prime Video) وبيانات الاستماع على منصة أمازون ميوزك (Amazon Music) والبيانات المستمدة من الأجهزة التي تدعم المساعد الذكي الافتراضي أليكسا (Alexa). وتستخدم خوارزمياتها أساليب تعاونية للترشيح (التصفية) تتضمن عدداً من العوامل، مثل التنوع (مدى اختلاف الأصناف الموصى بها) والتفرد (كم هي مدهشة) والجدة (كم هي جديدة)، وذلك لتوليد بعض من أكثر التوصيات تعقيداً على هذا الكوكب. وبفضل البيانات الغنية واعتماد واحد من أكثر أساليب التخصيص المتميزة في القطاع، تهيمن أمازون في الآونة الحالية على 40% من سوق التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة، بينما يستحوذ أقرب منافسيها، وول مارت، على حصة سوقية لا تتجاوز 7% فقط.

ولكي تستطيع التنافس مع أمازون، أعلنت جوجل في أبريل/نيسان 2021 عن طرح برنامج شوبنغ غراف (Shopping Graph)، وهو نموذج مدعوم بالذكاء الاصطناعي يوصي بالمنتجات للمستخدمين في أثناء بحثهم. إذ يبحث أكثر من مليار شخص عن المنتجات على جوجل كل يوم، ويربطهم برنامج شوبنغ غراف بأكثر من 24 مليار صنف معروض من ملايين التجار عبر الشبكة العنكبوتية. ويعتمد البرنامج على "المخطَّط البياني للمعرفة" (Knowledge Graph) غير المسبوق من جوجل الذي يرصد المعلومات المرتبطة بالكيانات في شبكته الواسعة وبالعلاقات فيما بينها، بما في ذلك البيانات المقننة وغير المقننة من نظام أندرويد والبحث الصوتي والتصويري وامتدادات متصفح كروم ومساعد جوجل وجيميل (Gmail) والصور والخرائط ويوتيوب ومنصة جوجل السحابية (Google Cloud) وجوجل باي (Google Pay). ومن خلال مخطَّط التسوق الخاص بها شوبنغ غراف الذي يتيح لنحو 1.7 مليون تاجر عرض الأصناف المعروضة ذات الصلة عبر جوجل باستخدام أدوات بسيطة ولكنها مترابطة، فإن جوجل على استعداد لمواجهة تحدي أمازون.

ترصد مخططات البيانات كيف يعيش الناس حياتهم وكيف يعملون ويلعبون ويتعلمون ويتواصلون اجتماعياً ويتعاملون ويسافرون ويمارسون أي نشاط آخر يمكن أن يرتبط بالأنشطة التجارية.

وتعتمد مخطَّطات البيانات المُستخدَمة في شركات مثل أمازون وجوجل على بيانات المُنتَج قيد الاستخدام، أي البيانات المتعلقة بسلوك العملاء في أثناء استخدامهم للمنصة أو المُنتَج، لرصد عمليات التواصل والعلاقات والعلاقات المتبادلة بين الشركة وعملائها. تجدر الإشارة إلى أن مفهوم مخطَّط البيانات مستوحى من نظرية مخطَّط الشبكة الاجتماعية والمخطَّط البياني، حيث يتم تعريف المخطَّط الاجتماعي البياني على أنه تمثيل للترابط المتبادل بين الأفراد الذي يتم تصويره كنقاط التقاء (عُقد)، بالإضافة إلى العلاقات فيما بينهم مع الأصدقاء والزملاء والمشرفين وما إلى ذلك، ممثلة في شكل روابط.

وهذا المفهوم مستمد من أبحاث عالم النفس الاجتماعي ستانلي مليغرام الذي قدّم على مدى العقدين الماضيين رؤية مفيدة لتحليل هيكل وديناميات المؤسسات والقطاعات والأسواق والمجتمعات. وقد أسهمت فيسبوك في شيوع المخطَّط الاجتماعي الرقمي عام 2007 عندما استحدثت منصة فيسبوك (Facebook Platform)، وهي أداة سمحت لمطوري البرمجيات ببناء تطبيقات تم دمجها في نظام تدفق معلومات الموقع وروابط العلاقات.

وتستخدم شركات التكنولوجيا الرائدة مخطَّطات البيانات لتخصيص توصيات العملاء وتحديث المنتجات وتحسين الإعلانات والمزيد. وتشمل أكثر الأمثلة نجاحاً في اتباع هذه الطريقة كلاً من مخطَّط الشراء في أمازون ومخطَّط البحث على جوجل والمخطَّط الاجتماعي على فيسبوك ومخطَّط الأفلام على منصة نتفليكس ومخطَّط الموسيقى على منصة سبوتيفاي ومخطَّط السفر على منصة إير بي إن بي ومخطَّط التنقل على منصة أوبر ومخطَّط التخصصات المهنية على منصة لينكد إن، التي تستفيد كلها من الجمع المستمر لبيانات المستمدة من تفاعلات العملاء، إلى جانب الخوارزميات الخاصة، وذلك للتغلب على المنافسين بكل الطرق، بدايةً من إنشاء المُنتَج، وصولاً إلى تجربة المستخدم. وتناقش هذه المقالة كيفية استفادة الشركات من أفضل ممارسات رواد مخطَّطات البيانات والتعلم منهم لاكتساب ميزة تنافسية جديدة.

الآثار المترتبة على وجود شبكات البيانات

إذا أردنا فهم مخطَّطات البيانات، فعلينا أن نفهم أولاً الآثار المترتبة على وجود شبكات البيانات التي تحدث عندما تجعل البيانات التي ينشئها المستخدمون في أثناء تفاعلهم مع ُمنتَج أو خدمة أكثر قيمة للمستخدمين الآخرين. وعلى عكس الآثار المباشرة المترتبة على وجود الشبكات، حيث تنمو قيمة الخدمة مع انضمام مستخدمين إضافيين (كما هي الحال مع فيسبوك أو لينكد إن)، فإن الآثار المترتبة على وجود شبكات البيانات لا تتطلب زيادة أعداد المستخدمين لتعزيز قيمة الشبكة. إذ تولّد المشاركة المستمرة للمستخدمين الحاليين بيانات أوسع وأعمق للمُنتَج قيد الاستخدام، ما يسمح للخوارزميات بإحداث نتائج مُحسَّنة باستمرار. على سبيل المثال: تسهم كل عملية بحث تجريها جوجل، التي تبلغ 2 تريليون عملية سنوياً، في مساعدة الشركة على إثراء "المخطَّط البياني للمعرفة" وتحسين محرك بحثها، الذي يؤدي إلى تحسين نتائج البحث أكثر وأكثر للمستخدمين. وعلى النقيض من ذلك، فإذا توقف المستخدمون عن المشاركة في المنصة، فإنه يتقادم ويغدو أقل فائدة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مخطَّطات البيانات تخلو من الجمود ولا تعكس المعلومات في لقطة سريعة مأخوذة في لحظة معينة، بل تُعتبر عملية ديناميكية تعكس ما يطلق عليه علماء البيانات "البيانات الحركية". ويعد هذا جزئياً سبب استحالة رسم مخطَّط البيانات يدوياً. إذ تعد التكنولوجيا عنصراً ضرورياً لجمع البيانات وتفسيرها في الوقت الحقيقي عن ملايين الوحدات من منتجات الشركة التي قد يتفاعل معها المستهلكون في مختلف أنحاء العالم في أي لحظة.

عوامل نجاح مخطَّط البيانات

يجمع رواد مخطَّط البيانات البيانات السلوكية للعملاء ويدمجون ما تعلموه بسرعة لتحسين كل جوانب منتجاتهم وخدماتهم. ويعملون باستمرار على تحسين كيفية تصنيف بيانات المُنتَج وتوصيفها وكشف النقاب عن العلاقات بين الكيانات، حتى تتمكن الخوارزميات من تقديم العروض بشكل أفضل من أجل تقديم توصيات مخصَّصة. كما يعملون باستمرار على تحديث خوارزمياتهم بحيث تستند التوصيات المخصَّصة إلى أحدث البيانات وأكثرها صلة بعمليات البحث، ما يساعد على تحسين تواصل العملاء واستدامته. والآن دعونا نلقِ نظرة على السلوكيات الرئيسية للشركات التي تستخدم مخطَّطات البيانات بنجاح.

تتعلم على نطاق واسع وبسرعة. ترصد مخطَّطات البيانات كيف يعيش الأفراد حياتهم وكيف يعملون ويلعبون ويتعلمون ويستمعون ويتواصلون اجتماعياً ويشاهدون ويتعاملون ويسافرون وينفقون أموالهم وكيف يمارسون أي نشاط آخر يمكن أن يرتبط بالأنشطة التجارية. وقد أتاحت الرقمنة إمكانية مراقبة بيانات العملاء وتدوينها في كل هذه المجالات على نطاق واسع وبسرعة. على سبيل المثال، يحلل المخطَّط الاجتماعي في فيسبوك بيانات 2.8 مليار فرد وأنشطتهم الاجتماعية من لحظة إلى أخرى: ما يفعلونه، ومَن يطلبون صداقته ومَنْ يلغون صداقته، وأين يسافرون، والعلامات التجارية التي يتحدثون عنها، والأفلام التي يشاهدونها والموسيقى التي يستمعون إليها، إلخ. ويرصد مخطَّط التخصصات المهنية على منصة لينكد إن في الوقت الحقيقي كيفية استجابة 774 مليون مهني يعملون في أكثر من 50 مليون شركة ويلتحقون بأكثر من 90,000 مؤسسة تعليمية لإعلانات الوظائف الشاغرة وتحديثات الحالة ومقاطع الفيديو المباشرة. علاوة على ذلك، تعمل المنصة على توجيه أعضائها إلى كيانات أخرى استناداً إلى المهارات التي يمتلكونها، وذلك من خلال إبراز الإعلانات الموجَّهة إلى المستخدمين واقتراحات التعلم وموجز الأخبار، وغيرها الكثير. وتعد لينكد إن الآن شركة تابعة لشركة مايكروسوفت وجزءاً من منظومتها، ما يسمح لها بإنشاء مخطَّط بياني أكثر حيوية.

ويتم تخزين بيانات العملاء في الشركات التقليدية في شكل سجلات مستقلة في قواعد بيانات وظيفية مختلفة. وللحصول على ميزة رقمية، يجب على الشركات تنظيم البيانات كمخطَّط بياني للتفاعلات التي يمكن تحليلها بواسطة الخوارزميات التي توفر رؤية ثاقبة وتقدم قيمة مخصَّصة لكل عميل.

تستخدم مخطَّطات البيانات لإثراء عروض المنتجات. ينظم رواد مخطَّطات البيانات معارفهم وخبراتهم في شكل مخطَّطات بيانية يمكن قراءتها آلياً باستخدام مجموعة من المفاهيم، مثل التسوق أو السفر أو البحث، عبر مختلف الفئات. انظر مثلاً إلى مخطَّط السفر في شركة إير بي إن بي. حيث يستعرض قائمة بأكثر من 7 ملايين منزل، تم وسمها في ضوء الكيانات (المدن والمعالم والفعاليات، وما إلى ذلك)، والسمات (مثل مراجعات العملاء وساعات العمل)، والعلاقات فيما بينها لتحقيق تحسن مستمر في التوصيات حول نوع المنزل المعروض للإيجار، ليس هذا فحسب، بل وللتوصية أيضاً بأفضل الأماكن المناسبة لتناول العشاء أو أفضل الأوقات لزيارة المعالم السياحية. تسمح هذه القدرة على توسيع نطاق منتجات شركة إير بي إن بي بتقديم خدمات لعملائها بشكل أفضل من الفنادق التقليدية التي يتم تخزين بياناتها في صوامع منعزلة بمختلف الإدارات (حجوزات الغرف، وخدمات الاستقبال والإرشاد لتقديم توصيات المطاعم، وحجز مواعيد جلسات التدليك في المنتجع الصحي، وما إلى ذلك). وبالمثل، تعمل نتفليكس باستمرار على تحسين كيفية عرض الأفلام والبرامج التلفزيونية وتصنيفها عبر 75,000 نوع (تماماً كما تفعل منصة سبوتيفاي مع الموسيقى والمدونات الصوتية).

وقد تمكنت جوجل من بناء شيء أكثر قوة، حيث يمثل "المخطَّط البياني للمعرفة" التابع لها العلاقات بين الكلمات والمفاهيم بطرق تساعد خوارزمياته على فهم السياق العام. ويتيح هذا لمنصة جوجل الرد على الاستفسارات الشفهية مثل: "مرحباً، جوجل، يُرجى حجز تذكرتين لدار الأوبرا يوم الأربعاء المقبل وتحويلهما إلى جوجل باي". ونظراً لأن المعرفة الأساسية يتم تمثيلها على شكل مخطَّط بياني، فإن الخوارزميات تفهم ما يطلبه المستخدم، فهي تعلم أن "دار الأوبرا" أحد المعالم السياحية الجذابة في روما، وأن يوم الأربعاء المقبل يوافق 25 مايو/أيار، وأن "الحجز" يعني شراء التذاكر، وأن "التكلفة" تتضمن استخدام بطاقة ائتمان مخزنة (على عكس المعاني الأخرى لهذه الكلمات). ومع كل استعلام وتفاعل مع العميل، يتم تنقيح "المخطَّط البياني للمعرفة" ليعكس العلاقات الجديدة مع تغير المعاني.

وانظر أيضاً إلى استعلام البحث من قبل متسلقة جبال متحمّسة تسلقت جبل آدمز وترغب في تسلق جبل فوجي بعد ذلك. قد تسأل هذه المتسلقة: "ما الذي يجب أن أفعله بشكل مختلف للاستعداد لتسلق جبل فوجي مقارنة بتسلق جبل آدمز؟". يتطلب الحصول على إجابة اليوم إجراء عمليات بحث متعددة، لكن جوجل تعمل على نموذج جديد بروابط معرفية أكثر تعقيداً (مصحوبة بترجمة سلسة إلى مختلف اللغات) للاستجابة بشكل أكثر فاعلية لمثل هذه الاستفسارات.

وللتنافس مع عمالقة الشركات الرقمية، سل نفسك: هل توجد المعرفة حول منتجاتنا في شكل مجموعات بيانات منفصلة، أم أننا نطور مخطَّطات بيانية يمكن قراءتها آلياً لتحديد أنماط التفضيل لعملائنا؟

تربح لحظات الحقيقة مع العملاء. تم اختيار 2% فقط من توصيات نتفليكس من قبل 456,000 مستخدم في عام 2001. وارتفعت النسبة إلى 80% وبلغ عدد المشتركين في نتفليكس أكثر من 200 مليون مشترك في عام 2020. وتستخدم نتفليكس مخطَّط الأفلام للفوز بـ "لحظة الحقيقة": نافذة تتراوح مدتها بين 90 ثانية إلى دقيقتين يقرر خلالها المشاهد مشاهدة شيء ما على نتفليكس أو الانتقال إلى مكان آخر. وتعمل نتفليكس على تخصيص شاشتها الرئيسية وتحديثها بطريقة حسابية لتقديم توصيات موجَّهة باستمرار لكل مشترك. وفي عام 2015، تجنّبت نتفليكس إلغاء اشتراكات من المشتركين بقيمة تتجاوز 1 مليار دولار سنوياً بفضل محرك التوصيات المخصَّص التابع لها.

ولكي تربح لحظات الحقيقة، تجري فيسبوك اختبارات أ/ب على 3 مليارات مستخدم في الوقت الحقيقي تقريباً لتخصيص موجز الأخبار الاجتماعية لكل مستخدم. وقبل أن تعرض فيسبوك منشوراً، فإنها تعمل على فرز قائمة من الاحتمالات وتضيقها إلى حوالي 500 احتمال تشير أنماط السلوك السابقة إلى أن المستخدم قد يتفاعل معها على الأرجح. ثم تعمل الشبكة العصبية المملوكة حصراً لمنصة فيسبوك على تسجيل المشاركات وتصنيفها قبل ترتيبها في مجموعة متنوعة من أنواع الوسائط، مثل النصوص والصور والأصوات ومقاطع الفيديو التي تتخللها الإعلانات.

وعلى عكس فيسبوك التي تمتلك مكتبة للمحتوى الرقمي يمكن إتاحتها لعملائها في جميع أنحاء العالم بصورة فورية (وفقاً للقيود القانونية)، فإن قدرة أوبر على تلبية حاجة العميل إلى الانتقال تعتمد على مدى توافر المركبات في وقت محدد وفي موقع جغرافي محدد. وهكذا فإن لحظة الحقيقة في أوبر تتمثّل في الدقائق الخمس التي لا يمانع العملاء في انتظارها لوصول السائق. حيث تتعقب شركة النقل التشاركي السائقين والركاب الذين يفتحون تطبيقاتهم على هواتفهم الذكية (إذ كانت تتعقب المستخدمين في السابق حتى إذا لم يكونوا يستخدمون التطبيق، وهي سياسة مثيرة للجدل اضطرت إلى تغييرها عام 2017 بعد ردود الفعل السلبية من جانب العملاء) وتستخدم هذه البيانات لتحليل أنماط الطلب المحتملة. ثم تقدم حوافز للسائقين ليكونوا متاحين في مواقع مختارة. وتعمل الشركة باستمرار على تحسين خوارزميات توجيه مساراتها لكسب العملاء في لحظة الحقيقة.

على الرغم من أن الكثير من الشركات تدعي أنها تتمحور حول العملاء، فإن القليل منها يستخدم مخطَّطات البيانات والخوارزميات بالطريقة التي تستخدمها بها هذه الشركات الرائدة. سل نفسك: هل نستخدم خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لنقدم للعملاء عروض منتجات أكثر دقة من أي وقت مضى للتأكد من تفاعلهم مع منتجاتنا بدلاً من المرور عليها مرور الكرام؟

يجب على الشركات استخدام الخوارزميات بطرق تعزز الثقة المتبادلة، ويجب أن تحرص على اكتساب الحق في جمع البيانات وتحليلها.

البداية

أول ما يجب على الشركات التي ترغب في أن تظل قادرة على منافسة الشركات الرائدة في إنشاء مخططات البيانات أن تدرك أن الاستراتيجية الناجحة لا تعتمد على وجود كميات كبيرة من المعلومات فحسب. إذ يتعلق الأمر بجمع بيانات ذات الصلة بالمُنتَج قيد الاستخدام في الوقت الحقيقي لتحقيق الآثار المترتبة على وجود شبكات البيانات وبناء الميزات التنافسية. وعندما تلاحظ الشركات المزيد من تفاعلات العملاء مع منتجاتها، فإنها تجمع بيانات أكثر ثراءً، وعندما تبيع المزيد من المنتجات لمجموعة أكثر تنوعاً من المستخدمين، فإنها بذلك تجمع بيانات أكثر تنوعاً تساعدها على زيادة التميز في عروضها. ويجب على الشركات التي لا تستخدم مخطَّطات البيانات أو التي لم تنجح بعد في فعل ذلك أن تتخذ الخطوات التالية للحاق بالركب:

1. تطوير استراتيجية تخطيط البيانات.

احرص في البداية على إشراك المسؤولين التنفيذيين الذين يمتلكون خبرة معرفية في قطاع العمل وحثهم على التعاون مع علماء البيانات لوضع تصور لمخطَّط بياناتكم وفحص مساره المستقبلي ورسم صورة توضيحية للآثار التجارية الظاهرية. وقد أقدم الكثير من الشركات التي لا تمتلك موارد أمازون أو نتفليكس على اتخاذ هذه الخطوة فعلياً. على سبيل المثال: تأسست شركة ستيتش فيكس (Stitch Fix) عام 2010 كمنصة لتقديم خدمات التوصية بالأزياء المناسبة لكل شخص على يد طالب في كلية إدارة الأعمال، وقد تجاوزت قيمتها السوقية الآن 1.6 مليار دولار بفضل مخطَّط الأزياء.

وتوضح شركة كورسيرا كيف يمكن للمنافسين الجدد استخدام مخطَّطات البيانات لقلب السوق رأساً على عقب. حيث تقدم الجامعات التقليدية دورات وشهادات بأسلوب موحَّد للجميع، وفي المقابل تعمل شركة كورسيرا في مجال التعليم بالأسلوب ذاته المُتبَع في نتفليكس أو أمازون. إذ توفر تجربة مخصَّصة عبر الإنترنت من خلال وحدات تعليمية قابلة للتجميع ويمكن استهلاكها على فترات متفاوتة وفي مواقع جغرافية متباينة وبمستويات مختلفة من الصعوبة وبأسعار متنوعة. وتستخدم مخططها المهاري لتخصيص التعلم مدى الحياة بطرق تعجز الجامعات التقليدية عن تحقيقها.

سل نفسك كيف تقدم بياناتك ميزة فريدة لعملك. قد تمتلك "أدوات ربط البيانات" المملوكة لك حصراً والتي تسمح لك بمراقبة المعلومات التفصيلية غير المتاحة للآخرين عند نقطة الاستخدام. وقد تأتي ميزتك من نطاق البيانات الفائق (عمق بياناتك وثرائها) والوصول إلى البيانات التكميلية من الشركاء. وقد تكون سرعة بياناتك أكبر من غيرك (البيانات الحركية مقارنة بالبيانات العَرَضية للمنافس التي تخضع للمعالجة المجمعة). فكّر في كيفية زيادة الحجم والنطاق والسرعة من خلال عمليات الاستحواذ (انظر مثلاً إلى استحواذ شركة مايكروسوفت على لينكد إن وأكتيفجن) أو التحالفات (مثل شراكة جوجل مع شوبيفاي).

2. تطوير الخوارزميات الخاصة.

لم يعد من المناسب إجراء مختلف أنواع التحليل بشكل مستقل. وتستخدم الشركات الرائدة في استخدام مخططات البيانات خوارزميات خاصة لإجراء التحليل الوصفي ("ماذا حدث؟")، والتحليل التشخيصي ("لماذا حدث ذلك؟")، والتحليل التنبؤي ("ماذا يمكن أن يحدث؟")، والتحليل التوجيهي ("ماذا يجب أن يحدث؟") ضمن إطار شامل. ويمكنك تطوير البنية التحتية لمخطط البيانات من البنى المؤسسية القديمة المصممة لتحليل البيانات غير النشطة (بطريقة المعالجة المجمعة والتحليل المستقل) لتحليل البيانات الحركية في الوقت الحقيقي. احرص على إجراء مقياس معياري لخوارزمياتك مقارنة بخوارزميات الآخرين الذين يعملون في القطاع ذاته، ومقارنتها بالخوارزميات الأخرى في فئتها. على سبيل المثال، إذا كان مقياس نجاحك هو المدى الذي يتصرف به العملاء بناءً على توصياتك، فكيف يتحسن أداء محرك التوصيات في شركتك مقارنة مع أداء الشركات الرائدة، مثل نتفليكس وسبوتيفاي وأمازون؟

3. تعزيز الثقة المتبادلة.

لا شك في أن الشركة المؤتمنة على بيانات العميل تتحمل مسؤولية كبيرة. وينظر معظم العملاء إلى أجهزة الكمبيوتر والخوارزميات وتعلم الآلة باعتبارها صناديق سوداء معقدة، ويعتقد الكثيرون أن بياناتهم يتم استخدامها (بل وإساءة استخدامها) للإسهام في زيادة ثراء وقوة الشركات الرقمية. ويجب عليك تطوير طرق لاستخدام خوارزمياتك بطريقة تعزّز الثقة المتبادلة، ويجب أن تحرص على اكتساب الحق في توليد القيمة وتحليلها وتقديمها من خلال البيانات. اشرح ما تفعله باستخدام لغة يمكن للمستهلكين فهمها.

إذ تتآكل الثقة عندما يشعر المستهلكون بأنه يتم إساءة استخدام بياناتهم. وقد أصبحت فيسبوك العنوان الأبرز لهذا المأزق. فقد اتهم المبلّغون عن المخالفات من فريق علوم البيانات في فيسبوك الشركة مباشرة في الآونة الأخيرة باستخدام بياناتها وخوارزمياتها لتضخيم المحتوى التحريضي وتعزيز التفاعل على الموقع، وغيرها من الأمور، على الرغم من إجراء بحث داخلي خاص أثبت أن ذلك سيضر كلاً من المستخدمين والمجتمع. وقد نفى مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، هذه المزاعم قائلاً: "إن الحجة القائلة بأننا نروج عمداً للمحتوى الذي يثير غضب المشتركين من أجل الربح أمرٌ غير منطقي بالمرة. فنحن نجني الأموال من الإعلانات، ويخبرنا المعلنون باستمرار بأنهم لا يريدون عرض إعلاناتهم بجوار المحتوى الضار أو المثير للغضب". وتعتمد قدرة زوكربيرغ على إصلاح الضرر على كيفية استخدام فيسبوك لخوارزمياتها وبياناتها الشخصية في كافة عملياتها ومستوى الشفافية التي تتواصل بها مع المستخدمين.

ويجب على كل شركة استثمار الموارد ليس فقط في الجوانب التقنية للخوارزميات ولكن في شرح ما تفعله بطرق يفهمها المستهلكون ويشعرون تجاهها بالارتياح. ويتوقع العملاء بشكل متزايد أن يتم إطلاعهم على كيفية عمل المنتجات الرقمية وتقديم الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتطلب الدول أن تعمل الشركات على تكييف عمليات معالجة البيانات مع القوانين المحلية. على سبيل المثال، تطبّق ألمانيا قوانين صارمة في الحفاظ على الخصوصية، وبالتالي فإن منصة علي بابا تحتاج في ألمانيا إلى استراتيجية بيانات مختلفة عن تلك التي تستخدمها في الصين. ويجب أن تتواصل مع المستهلكين في كلا الدولتين بطرق تعزز الثقة المتبادلة.

4. تحديث المؤسسة.

يجب على قادة الشركات تخصيص الموارد اللازمة لتحديث البنية التحتية التكنولوجية المطلوبة لمخططات البيانات. إذ يجب عليهم توظيف المواهب المتمكنين من أدواتهم في كل من علم البيانات وإدارة الأعمال. ويجب عليهم هيكلة تنظيم البيانات باعتباره النسيج الذي يربط جميع أجزاء المشروع معاً، مع إدراك أن المؤسسات الحديثة يجب أن توفق بين فصيلين متنافسين قويين: أولئك الذين يؤمنون بالقوة الهائلة للبيانات والخوارزميات لحل المشكلات وأولئك الذين لا يؤمنون بها. يحدد هذا التوتر الثقافة التشغيلية للمؤسسات الحديثة. ولك أن تنظر مثلاً إلى كيفية موازنة ريد هاستينغز، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، بين الجاذبية التحليلية لوادي السيليكون والجاذبية الإبداعية لهوليوود.

5. تحويل مخطط البيانات إلى قيمة نقدية.

عندما يتم إنشاء مخططات البيانات لدعم الاستراتيجية وتشكيلها، فإنها تكشف أن القيمة لا تكمن فقط في كيفية تصميم المنتجات وتصنيعها ولكن أيضاً في كيفية حلها لمشاكل محددة للعملاء. حيث ستساعدك الرؤى الثاقبة المستمدة من مخططات البيانات على اختيار آليات تحقيق الدخل بأنسب الطرق ورسم مسارات واضحة تمتد من البيانات وصولاً إلى نتائج الأعمال. ويمكنك الدفاع عن إيراداتك وأرباحك الحالية من خلال توصيات مقنعة تستند إلى الآثار المترتبة على وجود شبكات البيانات، بالطريقة ذاتها التي تستخدم بها نتفليكس البيانات في الوقت الحقيقي لتحسين فرص استبقاء العملاء. يمكنك أيضاً استخدام مخططات البيانات لتطوير طرق أكثر دقة لزيادة تدفقات إيراداتك وأرباحك من خلال السعي وراء جذب موارد جديدة ذات قيمة، تماماً كما فعلت آبل عندما أقدمت على اقتحام مجالات بطاقات الائتمان والتلفزيون والرعاية الصحية. ويمكنك شن هجوم مضاد في الأسواق التي اكتسب فيها المنافسون خبرة واسعة في استخدام مخططات البيانات، كما فعلت ديزني عندما نجحت في اقتحام مجال البث التدفقي من خلال ديزني+.

ميزة إعادة التشكيل

لقد رأينا جميعاً اللافتات المعلقة أمام مطاعم ماكدونالدز التي تعلن عن "تقديم أكثر من (س) مليار وجبة"، وشاهدنا العدد يرتفع على مر السنين. لكن تتبّع عدد شطائر البرغر التي يتم بيعها كل عام سلوك عفا عليه الزمن. ولا يهتم رواد مخططات البيانات بالأرقام المجردة، ولكنهم يهتمون بطرح الأسئلة التالية: هل لدينا بيانات حول المكان الذي يشتري منه كل مستهلك شطائر البرغر؟ وفي أي وقت؟ وماذا يشرب معها؟ وماذا يفعل قبل شراء البرغر أو بعده؟ مَن هم عملاؤنا وما هي أعمارهم ومستوى دخلهم وموقعهم الجغرافي وتفضيلاتهم وأنماط حياتهم، إلخ؟ وكيف يمكننا تلبية المزيد من احتياجاتهم حتى ينفقوا في مطاعمنا مبالغ أكبر مما ينفقونه في أي مطعم آخر، وكيف نجعلهم يشعرون بالثقة في أنهم حصلوا على قيمة مقابل أموالهم، ويواصلون العودة إلينا؟

ستسهم مخططات البيانات في إعادة تشكيل المنافسة في كل قطاع في وقت أقرب مما يتوقعه معظم الناس. وقد حان الوقت لأن تتجاوز كل شركة استخدام البيانات في تحسين الكفاءة التشغيلية وتدرك الميزة التنافسية لمخططات البيانات. ويجب أن يستثمر كبار القادة في تحديث هياكل البيانات في شركاتهم لتكوين تصورات شاملة في الوقت الحقيقي حول كيفية تفاعل المستهلكين مع منتجاتهم وخدماتهم. ويمكن للقادة في ظل وجود هذا الهيكل تطوير طرق فريدة لحل مشاكل العملاء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي