من هو الموظف المعزَّز بالذكاء الاصطناعي الذي قد يأخذ مكانك قريباً؟ خبير يجيب

18 دقيقة
عصر الذكاء الاصطناعي
shutterstock.com/FGC
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كريم لاخاني: أستاذ في كلية هارفارد للأعمال، وهو متخصّص في تكنولوجيا مكان العمل، وبخاصة الذكاء الاصطناعي. وكان من روَّاد الفكر الذين أوضحوا أثر التحول الرقمي في إعادة تكوين عالم الأعمال، وهو مؤلف مشارك في الكتاب الذي صدر عام 2020 تحت عنوان “التنافس في عصر الذكاء الاصطناعي” (Competing in the Age of AI). يقول لاخاني إن العملاء يتوقعون من الشركات أن تقدّم لهم تجارب شرائية معزَّزة بالذكاء الاصطناعي؛ لذا يجب على قادة الشركات إجراء التجارب وإنشاء تقنية صندوق الرمال (ساند بوكس) وتنظيم معسكرات تدريب داخلية وتطوير حالات استخدام الذكاء الاصطناعي. وليس  هذا للعاملين في مجال التكنولوجيا فقط، بل للموظفين كلهم؛ إذ لم يعد التغيير ولا إدارته مهارةً اختيارية للمؤسسات الحديثة، بل ضرورةً لازمة.

ومثلما تسهم الإنترنت بوجه كبير في خفض تكلفة نقل المعلومات، سيسهم الذكاء الاصطناعي في خفض تكلفة المعرفة أيضاً، صرّح بهذا أستاذ كلية هارفارد للأعمال كريم لاخاني الذي ظل لسنوات عدة يُدرِس الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة في أماكن العمل. ولأنّ الجمهور اليوم يتوقّع أن تقدّم له الشركات تجارب شرائية ومعاملات سلسة معزَّزة بالذكاء الاصطناعي، يتعيّن على القادة اعتماد التكنولوجيا وتعلُّم كيفية تسخير قدراتها وتطوير حالات الاستخدام المناسبة لأعمالهم. يقول لاخاني: إذا سألتني “ما الجوانب الصالحة لتطبيق التكنولوجيا؟” فسأجيبك: “هي الجوانب ذاتها الصالحة لتطبيق التفكير”.

في مقالنا اليوم، ينخرط رئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو الإنجليزية أدي إغناطيوس في حوار مع كريم لاخاني مؤلف كتاب “التنافس في عصر الذكاء الاصطناعي: دور الاستراتيجية والقيادة عندما تتولى الخوارزميات والشبكات إدارة العالم” (Competing in the Age of AI: Strategy and Leadership When Algorithms and Networks Run the World)، حيث يناقشان:

  • كيف يمكن للمسؤولين التنفيذيين والموظفين العاديين -وهذا أمرٌ واجبٌ عليهم- تطوير عقلية رقمية.
  • إدارة التغيير بوصفها مهارة حاسمة يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة عمل أي مؤسسة ناجحة.
  • الأشكال التي قد يتخذها الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب والبعيد.

أدي إغناطيوس: لقد شاركتَ أستاذ كريم لاخاني في كتابة مقال لنا قبل بضع سنوات، وقد انعكست أفكاره على كتابك الذي قلت فيه إن تعلم الآلة قد غيّر قواعد العمل تغييراً جذرياً. إن تصريحك هذا مثير للاهتمام، فماذا تقصد بذلك؟

كريم لاخاني: كان الكتاب شراكة بين ماركو آيانسيتي وإيمي بيرنستين إحدى المحرِّرات في هارفارد بزنس ريفيو. وما لاحظته أنا وماركو بعد أبحاثنا التي استمرت لنحو عقد من الزمان و من المقابلات التي أجريناها مع مسؤولي الشركات وموظفيها ودراسات الحالة بوصفنا مستشارين واستشاريين، وما إلى ذلك، لاحظنا أن طبيعة العمل المؤسسي (التي تأسست على طراز الشركات الأميركية الحديثة التي أصبحت بدورها نموذجاً للشركات العالمية الحديثة منذ أن تأسست في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين) قد تغيرت تغيراً جذرياً بسبب تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مثل تعلم الآلة.

ولاحظنا أيضاً أن بنية الأعمال قد تعرّضت لإعادة البرمجة (بسبب تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية) في الكثير من هذه الشركات التي كانت تضع الذكاء الاصطناعي على رأس أولوياتها في ذلك الحين من حيث: نموذج العمل، وأسلوبها المتبع في خلق القيمة واستردادها، ونموذجها التشغيلي، وكيفية تحقيق القيمة، وكيفية توسيع نطاقها، وعدد العملاء الذين تخدمهم، وعدد المنتجات المتاحة، وتعلُّم هذه الجوانب الأساسية من هندسة الأعمال.

وإذا أمعنتَ التفكير في تجربتك في استخدام جوجل مثلاً، ستجد أن جانباً كبيراً من معاملاتك في جوجل مؤتمت بالكامل، بدايةً من الإعلانات التي تظهر أمامك على الشاشة وصولاً إلى عمليات البحث التي تجريها وكذلك استخدامك لخدمة البريد الإلكتروني (جي ميل).  والحقيقة في هذا كلّه هي أن البشر لا يؤدون هذه الأنشطة، بل الخوارزميات هي التي تؤديها نيابة عنهم. وهو ما يحدث بحذافيره في منصات التجارة الإلكترونية الكبيرة على اختلاف أنواعها وأشكالها، مثل أمازون أو علي بابا أو نتفليكس. لكن هذه الشركات تعمل بطريقة تختلف كلياً وجزئياً عن شركة مثل جنرال إلكتريك التي شغلتُ فيها أول وظيفة لي عقب تخرجي في الجامعة.

إنّ الآلات والخوارزميات تمثل صميم عمل هذه الشركات، حيث العمل كلّه مؤتمت. وتقتصر مهمة البشر في واقع الأمر على تصميم الخوارزميات واختبارها والتحقق منها ومن عملها في إطار الحدود المرسومة لها. أمّا المعاملات والأنشطة الفعلية فتتم بواسطة الآلات.

أدي إغناطيوس: ما نصيحتك للأشخاص الذين يقولون أشياء مثل: “نعم، فهمت. أعرف أنها تحقق قيمة هناك، لكنني لست واثقاً إن كانت شركتي يوافقها تطبيق هذه التكنولوجيا، أو لست واثقاً تماماً من نتائج هذا التطبيق”؟

كريم لاخاني: أولاً، أود أن أقول إن معظم الشركات لن يكون لديها خيار سوى اعتماد الذكاء الاصطناعي واعتماد الرقمنة في الوظائف الأساسية؛ فكثير من أنشطتنا الشخصية يقوم على المعاملات التي نجريها عبر هواتفنا الذكية وغيرها من الأجهزة الحديثة، ويعتمد بصورة كلية على كيفية تفاعلنا مع منتجات التكنولوجيا الاستهلاكية، وهذا يعني أننا نعيش بالفعل في عصر الذكاء الاصطناعي.

لقد أجريتُ محادثات في الهند مع أشخاص قالوا لي: “يُصاب البعض هنا بالجنون إنْ لم تأتِ سيارة الأجرة أوبر (Uber) أو أولا (Ola) بعد 3 دقائق من طلبها عبر التطبيق الإلكتروني”؛ ففي التطبيقين الذكيين لهذه الخدمة ما عليك إلا أن تحمل هاتفك وتنقر على الزر المناسب ليظهر أمامك ما تريد فوراً. وإذا استغرق الأمر 5 أو 7 دقائق فسيُجن جنوننا. وما زلتُ أتذكر انتقالي إلى بوسطن للمرة الأولى عام 1997 حين استغرق مني الأمر أسبوعاً لحجز سيارة إلى بوسطن. أمّا الآن فيصيبنا الضجر إذا تأخرت السيارة المطلوبة بضع دقائق!

وبالمثل، إذا حدث خلاف بشأن معاملة على منصة أمازون أو أوبر، فسوف تسارع الشركة إلى حله وتسويته أوتوماتيكياً. أمّا في الشركات الأخرى لا يشعر الموظّفون ولا المسؤولون التنفيذيون بالحرج إذا استغرقت عملية خدمة عميل لدى شركاتهم أسبوعين كاملين، أو إذا استغرق اعتماد مورِّد جديد 6 أشهر! إننا جميعاً نعيش في عالم يقوم بكلّ تطبيقاته الإلكترونيّة على الذكاء الاصطناعي؛ فهل يُعقل بعد ذلك ممّن يعاملُ شركاتنا أن يستنكر ما نعتمده من نظام هذا الذكاء؟

أشعر بأن هذا أمر لا مفر منه وأنّ هذا الانتقال حتمي، وثمة خبر سار لمَنْ ما زالوا مترددين في اعتماده؛ وهو أن تكلفة إجراء الانتقال تنخفض باستمرار، بل إن الدليل الإرشادي لهذه الخطوة بات معروفاً الآن للجميع. والتحدي الحقيقي ليس تحدياً تكنولوجياً بالمطلق؛ إذ لا يمثل التحدي التكنولوجي سوى 30% من المشكلة. أمّا التحدي الحقيقي فهو تحدٍ تنظيمي في المقام الأول، ويمثّل 70% من المشكلة. وقد تحدثتْ زميلتي الرائعة تسيدال نيلي عن العقلية الرقمية التي يحتاج كل مسؤول تنفيذي وكل عامل إلى التحلي بها، وهذا يعني وجوب فهم كيفية عمل هذه التكنولوجيات، بل فهم كيفية نشرها ثم إدراك عمليات التغيير التي يتعين اتخاذها فيما يتعلق باستفادة المؤسسة منها.

أدي إغناطيوس: نحن دار نشر صغيرة نسبياً مقارنةً ببعض المؤسسات العملاقة في هذا المجال. ولكن عندما يأتي أحدهم إلى موقعنا ويبحث عن مقالات لكريم لاخاني، فسوف يصل إليها عادة بالبحث عبر منصة جوجل.

كريم لاخاني: صحيح.

أدي إغناطيوس: وعندما يريد الناس شراء أحد منتجاتنا، فإنهم يصلون إليه عادة عبر منصة أمازون، وقد تحدث مشكلة من أي نوع على غرار ما حدث في المثال الذي استشهدتَ به عندما يطلب أحدهم سيارة أوبر ثمّ تتأخر. هناك إحباطات وتوقعات؛ لذا علينا أن نجد طرقاً لتحسين مستوى أدائنا في ظل عدم توفر الموارد اللازمة، سواء كان ذلك بالشراكات أو بأشياء أخرى، لأنها رهانات. ولا يتوقع الناس إلا أفضل التجارب في كل تجربة يخوضونها.

كريم لاخاني: أتفق معك تماماً، وأستشهد هنا بابنتي المراهقة؛ فهي لا تطيق صبراً عند معاملة الشركات التقليدية؛ إذ تثور غضباً وتتساءل متضجِّرةً: “ما هذا؟!”.

أدي إغناطيوس: يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي موجة أخرى في التقدُّم التكنولوجي، لكنها لن تكون الموجة الأخيرة، وسنرى أثرها المتراكم في مرحلة ما، وسنرى أشياء لم نكن قطُّ نتوقعها. فكيف تستعد لذلك؟ كيف تنشئ ثقافة أو عقلية أو مؤسسة تأمل أن تكون مستقرة، في حين أنك تعلم علم اليقين أن ثمة موجات غير متوقعة من التطورات التكنولوجية ستظهر إلى النور؟ علينا معرفة ما إذا كانت ستؤثر فينا أم لا، وإذا كان الأمر كذلك فهل نحن بحاجة إلى التكيف بسرعة؟ هل هناك طريقة عامة للتفكير في هذا الموقف؟

كريم لاخاني: أعتقد أنّ ثمة ضرورتين حتميتين يجب على معظم المسؤولين التنفيذيين والمدراء والقادة مراعاتهما؛ تتمثل إحداهما في ضرورة التعلُّم، وهذا مجدداً يدخل ضمن عمل تسيدال نيلي عن العقلية الرقمية كما يدخل ضمن عملي أنا أيضاً. وهناك الكثير من الأشياء التي نحتاج إلى تعلُّمها، بل يجب أن يكون التعلُّم عملية مستمرة. لا نعني بذلك أننا نريد أن يصبح المرء مهندساً متخصصاً في الذكاء الاصطناعي أو عالِم بيانات أو أن يحصل على درجة الدكتوراه في هذا التخصص، ولكن بصفته مسؤولاً تنفيذياً فهو أمام رهان حقيقي مع الذكاء الاصطناعيّ.

ومن أجل أن أوضح أهمّية أن يكون أرباب المؤسسات وأرباب الإدارات على ثقافية كافية في الذكاء الاصطناعيّ أضرب هذا المثال؛ وهو أنه في برنامج ماجستير إدارة الأعمال الذي نقدّمه هنا في جامعة هارفارد يخضع الطلاب لمنهج دراسي إجباري غير اختياريّ في العام الأول، ويضم هذا المنهج 10 مقررات تعليمية أحدها في المحاسبة، وليس يخفى أن المحاسبة مهنة غاية في الأهمية، ولكن معظم طلاب ماجستير إدارة الأعمال الذين ينضمون إلى كلية هارفارد للأعمال لا يريدون أن يكونوا محاسبين، ولكن يتعيّن عليهم تعلُّم المحاسبة لأنها لغة الأعمال؛ فهي ترشد إلى كيفية تتبُّع القيمة والمصروفات وما إلى ذلك، وهذا مهمٌّ جداً. فإذن أنت لن تدرس مادة المحاسبة لتصبح محاسباً، ولكن عليك أن تفهم المحاسبة حتى تكون رجل أعمال ناجحاً؛ والأمر نفسه ينطبق الآن على التكنولوجيا الرقمية وتعلم الآلة؛ إذ يجب أن تفهم مبادئ تعلم الآلة ومبادئ الذكاء الاصطناعي؛ ليس لأنك تريد أن تصبح مهندساً للذكاء الاصطناعي أو عالماً متخصصاً فيه، وإنما لأن ذلك سيكون رهاناً مهماً الآن لكي تفهم كيفية سير عالم الأعمال.

ثمة حاجة ملحّة إلى ضرورة التعلُّم المستمرّ، ولأنني أعمل في مجال التعليم أريد أن أنبّه إلى هذه النقطة، وهي أن رحلة التعلُّم لا تتوقف فيجب علينا الاستثمار في تعلُّمنا الشخصي، وعلى الشركات أن تستثمر في تعليم موظفيها أيضاً؛ فهي إذن قضية من شقين؛ إذ يجب على كلٍّ من الشركات والأفراد أن يتبنَّوا هذه المسلك. لقد أصبح التغيير وإدارته مهارتين مهمتين للمدراء والقادة والمسؤولين التنفيذيين، وأصبحت كيفية التغيُّر باستمرار وكيفية بناء ثقافة مؤسسية تشجّع التغيير مسألة غاية في الأهمية.

كنتُ في آسيا قبل شهر وأتيحت لي الفرصة لمقابلة مؤسِّس شركة راكوتن (Rakuten) ميكي ميكيتاني الذي ينظر إلى التغيير بوصفه كفاءة أساسية للعاملين والموظفين كلهم. ولكن في المقابل ينظر معظم الناس اليوم إلى معظم برامج التغيير بعين الشك وبوصفها موضة عابرة، ويقاوم العاملون أي محاولة للتغيير.

إنّ أفضل الشركات هي التي يمكنها فهم كيفية تحويل التغيير إلى مهارة، فماذا يعني ذلك؟ تتطلب المهارات اكتساب المهارات ولذلك علينا أن نستثمر في التعلُّم. ويتطلّب التغيير الممارسة ولذلك علينا أن نواصل التغيير أيضاً، وهذا بدوره يتطلب التكيُّف مع التطورات. ولهذا كلّه أعتقد أن هذه العناصر ستصبح جزءاً أساسياً من أساليب تكيُّف القادة مع هذا العالم.

أدي إغناطيوس: قد يرجع السبب إلى الفوارق الزمنية بين الأجيال؛ فعندما يبلغ الإنسان سن الرشد وينضم إلى قوة العمل سيجد أمامه أدوات تكنولوجية معينة نشأ عليها وعاصر ظهورها،  فيشعر نحوها بالارتياح ويتقن استخدامها تمام الإتقان. ويستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن تظهر تكنولوجيا جديدة تبدو له غبية. ينطبق هذا المثال على والدي الذي يبلغ من العمر 102عام ويرى أن البريد الإلكتروني تكنولوجيا غبية! أليس كذلك؟

كريم لاخاني: بلى.

أدي إغناطيوس: لذا علينا أن نستمر في المحاولة والتجريب ومواكبة أحدث التطورات.

كريم لاخاني: يحضرني في هذا المقام تجربة عايشتها في أثناء انتشار فيروس كورونا المستجد؛ حيث كانت والدتي تعيش في تورنتو بكندا، وكان أهل زوجتي يعيشون في تورنتو أيضاً. وعندما هدأت الأمور قليلاً في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبدأ موسم الأعياد، أرسلنا في طلب عودتهم إلى الديار للمّ شمل الأسرة. وعندما خفَّت حدة القلق بالتزامن مع ظهور اللقاحات وما إلى ذلك، استطاعوا الحضور. ولعلك تتذكر أن السفر أو مجرد عبور الحدود من كندا إلى الولايات المتحدة كان غاية في الصعوبة في أثناء تلك الفترة، بسبب ما اشتُرط على المسافرين من امتلاك رمز الاستجابة السريعة وغيره من التطبيقات الإلكترونية. وكانت كندا تضع هذه الشروط الصارمة للسماح بمغادرة أراضيها، وكانت الولايات المتحدة تشترطها أيضاً للسماح بدخول أراضيها. ورأيتُ، بكل أسف، كيف بدت أمي وأهل زوجتي عاجزين عن استخدام هذه التكنولوجيات. بدَوا تائهين واضطُررت أنا وزوجتي وابنتي إلى مساعدتهم في كل خطوة والأخذ بأيديهم حتى يتمكنوا من استخدام هذه الأدوات. كانت تجربة المستخدم رهيبة بطبيعة الحال، لكننا اكتشفنا كيفية معاملتها بأنفسنا. أمّا هم فكانوا تائهين ولم يتمكنوا من التكيف مع التطور التكنولوجي.

عندما فكرتُ في هذه التجربة، قلت: “آه! هذا ما يحدث لمعظم المسؤولين التنفيذيين ومعظم الشركات”؛ فهم مثل كبار السن والعجائز الذين قاوموا التكنولوجيا الحديثة ولم يعتمدوها حقاً، وليس لديهم الآن خيار التعامل معها، لكنهم يَبدون تائهين ويحتاجون إلى الكثير من المساعدة. هذه هي المعضلة التي يتعين علينا تجاوزها عندما نفكر في هذا الأمر.

أدي إغناطيوس: حسناً، الذكاء الاصطناعي التوليدي. أود أن أقول إننا شهدنا 3 موجات متتابعة. تمثلت الموجة الأولى بعبثنا بهذه التكنولوجيا عند ظهورها، ثم حاولنا كسرها بطرح السؤال التالي: “تشات جي بي تي، هل تحبني؟”.

كريم لاخاني: نعم.

أدي إغناطيوس: وها نحن الآن نحاول معرفة كيفية استخدامه، فما موقفك من دورة الضجيج؟

كريم لاخاني: أبدو كمن يقول: “يا إلهي! هذا تحوّل جذري”. أنظر إلى هذا الأمر في الواقع يستحق أن أتوقف عنده قليلاً وألقي نظرة على التاريخ. منذ أن درستُ التكنولوجيا والأعمال، حدث تحوّل جذري قبل ما يقرب من 30 عاماً أيضاً، وهو اختراع متصفح الويب. إذا فكرتَ في المتصفح، فقد ظهرت الإنترنت إلى حيّز الوجود منذ 30 عاماً تقريباً، ثم اختُرع المتصفح، وكان الناس يقولون: “يا إلهي، انظروا إلى هذا!”.

ما زلت أتذكر بوضوح اليوم الذي نقرت فيه على المتصفح للمرة الأولى في حياتي، كنت أعمل حينها في شركة جنرال إلكتريك، وكنت أحضر مؤتمراً حول علم الأشعة، اقترب مني أحد عملائي، وهو اختصاصي أشعة في مستشفى سانت بول في فانكوفر، وعرض عليّ المتصفح، كان الشيء الذي عرضه عليّ وعاء قهوة أكسفورد. فتحت فمي من الدهشة وقلت: “يا للعجب! هذا مثير للاهتمام!”. فجأة، حقق وعاء قهوة أكسفورد انتشاراً عالمياً. ويمكن لأي شخص لديه متصفح ويب واتصال بالإنترنت استخدامه.

ظلت الإنترنت تُستخدَم في أقبية الشركات وبين جدرانها لمدة تناهز 30 عاماً ولم نفهمها. رأيناها قادمة، كانت قادمة. جرّبنا نظام يوز نت (Usenet)، ثم ظهر نظام غوفر (Gopher)، ثم تل نت (Telnet)، ثم بروتوكول نقل الملفات أو ما يُعرَف اختصاراً باسم إف تي بي (FTP)، وما شابه ذلك. أظهر المتصفح عندئذٍ كيف سيبدو العالم، وكانت التطبيقات الأولية تطبيقات لطيفة وكان الناس يقولون: “لا تبالِ به، هذا شيء عديم الجدوى”. ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر اقتصادية، فما فعله المتصفح هو أنه أسهم في خفض تكلفة نقل المعلومات بنسبة كبيرة فعلاً.

وفي الأعوام الثلاثين الماضية، كانت أعمالنا كلها تقوم على استخدام الإنترنت، وتدافعت موجات الإنترنت واحدة تلو الأخرى محدثة المزيد من التغيير في مختلف القطاعات مراراً وتكراراً، وقد عايشنا كلنا هذه التجربة.

صرنا الآن نبث برامجنا مباشرة لآلاف الأشخاص بتكلفة معدومة نسبياً، وسيزداد عدد المشاهدين الذين يبحثون عن متابعة هذا البث. يبدو هذا أمراً لا يُصدق مقارنة بما كان يجري عام 1993 حين كنت تحتاج إلى استوديو تلفزيوني ضخم واستوديو بث ضخم وأطباق أقمار صناعية لتتمكن من فعل ما نفعله الآن. وصلت تكلفة نقل المعلومات إلى الصفر، ثم نشأت شركات جديدة، مثل جوجل وأمازون وفيسبوك، وغيرها من الشركات التي اخترعت التجارة الإلكترونية. هذا هو العالم الذي نعيشه الآن.

حدث الأمر نفسه مع الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ فقد ظللنا نستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع لمدة 20 عاماً داخل العديد من شركات التكنولوجيا، كان ذلك في أقبية الشركات. عندك مثلاً توصيات أفلام نتفليكس ونتائج بحث جوجل وتوصيات أمازون ونتائج موسيقى سبوتيفاي والوصول إلى سيارات الأجرة والوصول إلى خرائط ويز (Waze) ومعرفة اتجاهاتك. كل ذلك بات متاحاً بأدوات الذكاء الاصطناعي. بل وصل الأمر لبرامج منع البريد العشوائي (سبام)، هل تذكر كيف كانت الرسائل غير المرغوب فيها تهاجم بريدنا الإلكتروني بكثافة لفترة من الوقت، ثم اختفت بين عشية وضحاها؟ لأن بعض المبتكرين نجحوا في نشر أنظمة تعلم الآلة.

والسؤال: ما انطباعاتنا تجاه الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ أرى من وجهة نظري أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤدي إلى انخفاض تكلفة المعرفة وأساليب التفكير. وإذا كانت الإنترنت أدت إلى انخفاض تكلفة الحصول على المعلومات إلى الصفر، فإن إحساسي هو أن تكلفة المعرفة وأساليب تفكيرنا ومَنْ نفكر معهم ستنخفض إلى الصفر أو ستنخفض بنسب كبيرة على الأقل.

ستكون لهذه النتائج تداعيات كبيرة، وهذا اضطرّني إلى إجراء تغيير محوري في أبحاثي حول ما يجب فعله تجاه ظهور هذه التكنولوجيا. لقد كتبتُ كثيراً عن اعتماد الذكاء الاصطناعي، وأجريتُ الكثير من الأبحاث التي لا يقرؤها سوى 3 أشخاص فقط، لكن أفراد مؤسستي العلمية ومختبراتي بذلوا جهوداً جبارة لمعرفة ما يعنيه هذا لموظفي المعرفة والمدراء الذين يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

أدي إغناطيوس: لنتحدث عن ذلك. هناك منتجات تستخدم هذه التكنولوجيا، ولاقت انتشاراً واسعاً بسرعة كبيرة. هل هناك طريقة عامة للتفكير في هذا الموقف؟ إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فكيف يجب أن يفكر مسؤولو شركة عامة في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

كريم لاخاني: نحن في مراحل مبكرة جداً من هذه الضجة، وما زلنا في بداية هذه الدورة. لأوضّح لك هذا تذكّرْ أن متصفح الويب الأول كان موزايك، ثم جاء نتسكيب وإكسبلورر وموزيلا، ثم ظهرت التطبيقات كلها التي تتربع على القمة الآن. ما زلنا في المراحل الأولى، ومعدلات الابتكار والتحسين وتطوير التطبيقات تتزايد بسرعة.

أما عن الجوانب التي يمكنك تطبيق هذه التكنولوجيا فيها فهي الجوانب ذاتها التي يمكنك تطبيق التفكير فيها. فما الجوانب الأخرى التي يمكنك فيها تطبيق هذه التكنولوجيا؟

في ظل هذه المحاذير كلها حول الصخب والتحيز وما إلى ذلك، إذا تراجعت وقلت ماذا يجب أن يفعل القادة؟ ماذا يجب أن يفعل المدراء، ماذا يجب أن يفعل المسؤولون التنفيذيون تجاه هذه التكنولوجيا؟ عليهم أولاً أن يبدؤوا التفكير والتدرُّب باستخدام تقنية صندوق الرمال (ساند بوكس) على ما يمكن أن تصل إليه حالات الاستخدام. على سبيل المثال، نشهد حالات استخدام هائلة في إنشاء المحتوى، ويتغير عملنا بوصفنا منتجين للمعرفة بسرعة، وأستخدم تطبيق تشات جي بي تي بوصفه باحثاً مساعداً وشريكاً فكرياً مُدهشاً ومحرراً ممتازاً لأعمالي الكتابية ومبتكراً لأفكار رائعة.

كنت في آسيا بصحبة زوجتي، وأردنا قضاء إجازة ممتعة لبعض الوقت في فترة الراحة من العمل. فتحتُ تطبيق تشات جي بي تي وقلت: “هذا أنا، وهذه زوجتي، وإليك مواصفات الإجازة التي نحبها. هل يمكنك أن تعطينا أفكاراً عن مكان يبعد قرابة 3 ساعات من سنغافورة كي نذهب إليه، علماً بأنني أفضل الشواطئ، وما إلى ذلك”. وفي غمضة عين، في جزء من الثانية، تلقيت الكثير من التوصيات. وبمحادثة عادية وجدتُ المكان الذي أردنا الذهاب إليه، وكان مكاناً غير معروف لنا يقع في بحر الصين الجنوبي قبالة إندونيسيا، وكان مذهلاً لا يُصدَّق! لم أعرف هذا المكان من قبل حين اعتمدت على الشركات السياحية؛ ولك أن تتخيل ما يمكننا فعله الآن باستخدام هذه التكنولوجيا، حتى في نشاط عادي كهذا!

يجب على مدراء الشركات وقادتها اتخاذ الخطوة الأولى التي تتمثل في البدء في استخدام الذكاء الاصطناعي. ويُعد الحظر المفروض على استخدام تشات جي بي تي وما شابه قراراً  بعيداً عن الصواب في الكثير من الشركات؛ فهذا التطبيق موجود بالفعل على هاتفي، ويستخدمه 100 مليون مستخدم، وهذا يعني أن وجوده قائم فعلياً على أرض الواقع. وأعتقد أن المسؤولين التنفيذيين والإدارات المسؤولة عن تكنولوجيا المعلومات والإدارات القانونية يخدعون أنفسهم إذا اعتقدوا أن العاملين لديهم لا يستخدمون هذه الأدوات بالفعل!

لذا بدلاً من رفضه ومنع استخدامه منعاً باتاً، يتعين علينا احتضانه وتنظيم معسكرات تدريب للتمرُّن على استخدامه بالطرق الصحيحة وإجراء تحليل حالات الاستخدام ومعرفة جوانبه المفيدة في حالات الاستخدام في شركاتنا، ومعرفة جوانبه المفيدة في الواقع.

إنني أنصح المدراء والقادة والعاملين بما يلي: الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر، لكن البشر الذين يتقنون الذكاء الاصطناعي سيحلون محل البشر الذين لا يتقنونه. وتنطبق هذه القاعدة بحذافيرها على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتتمثل الخطوة الأولى في بدء الاستخدام والتجريب وإنشاء تقنية صندوق الرمال (ساند بوكس) وتنظيم معسكرات تدريب داخل الشركة وعدم الاكتفاء بتنظيم معسكرات تدريب للعاملين في مجال التكنولوجيا فحسب، بل معسكرات تدريب للجميع. امنحهم إمكانية الوصول إلى الأدوات اللازمة، واكتشف حالات الاستخدام التي يطورونها، ثم استخدم ذلك أساساً لتصنيفها وتسخيرها والاستفادة منها.

أدي إغناطيوس: أتفق معك تماماً، علينا أن نفكر في ذلك بوصفنا دار نشر. يقول بعض الناشرين إنهم لن يقبلوا مقالات أو أوراقاً بحثية يشارك فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهذا غير منطقي؛ لأنهم يَبدون كمن يحظر استخدام جوجل! إنها أداة فحسب! لكننا مع ذلك نرى أن المسؤولية باتت تقع أكثر من أي وقت مضى على عاتق الشخص الذي يضع اسمه في المقدمة بصفته كاتب المقالة، وهذا منطقي؛ فأنت لا تريد استخدام نتائج بحث جوجل أو نتائج ويكيبيديا فحسب، بل يتعين عليك التحقق واتخاذ خطوة أبعد من ذلك، الآن أكثر من أي وقت مضى.

كريم لاخاني: بالتأكيد؛ بصفتنا باحثين ننشر أوراقاً بحثية فلا يقرؤُها سوى عدد قليل جداً من المهتمين، إننا نعاني الأزمة نفسها. والسؤال: إذا استخدمتُ أداة بحثية مساعدة للتوصل إلى أفكار مبتكرة، فهل يجب عليّ الإقرار بهذا؟ هل يمكن عدُّ الأداة البحثية المساعدة مؤلفاً مشاركاً؟ وإذا كنتُ أستخدم محرِّراً لغوياً فإنني لا أقر عادةً باستعانتي به في صياغة مقالتي، لكنه أداة مفيدة جداً، وهنا يصبح الإسناد مهماً. وثمة الكثير من الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها في هذا السياق على الكُتَّاب والمنتِجين.

أفضل منصة للتعلُّم، يا إدي، هي يوتيوب. يحتوي يوتيوب على الكثير من البرامج التعليمية في الكثير من المجالات.

أدي إغناطيوس: أعتقد أن هناك مزلقاً يقع فيه الكثيرون حين يشعرون بأنهم إذا لم يركبوا الموجة على الفور فإن القطار قد يفوتهم.

كريم لاخاني: لا، لا.

أدي إغناطيوس: أعتقد أننا ما زلنا في مرحلة مبكرة من هذه الموجة. إذا كنتَ محقاً في أن هذا تغيير جذري حقاً، فما زلنا في مرحلة مبكرة منه. وإذا كنت ترى أن القطار قد فاتك ولسان حالك يقول: “عجباً! الجميع يتحرك أسرع مني!”، فعليك اللحاق بالركب، سواء كان ذلك عبر منصة يوتيوب أو بالقراءة ومعرفة كيفية تطبيق التكنولوجيا الحديثة. والآن دعني أنتقل إلى بعض الأسئلة الواردة من الجمهور، تلقينا هذا السؤال من فيينا التي تعيش في الولايات المتحدة: الذكاء الاصطناعي عبارة عن رمز برمجي لشخص ما، ولذلك لا يخلو من تحيزات وافتراضات قد تصيب أو تخطئ. فكيف يضمن قطاع التكنولوجيا عدم توجيه شخص بعينه لأسلوب تفكيرنا وكيف يجنبنا الانصياع لتحيزاته واحتكاره للافتراضات التي نكوّنها؟

كريم لاخاني: بصفتي فرداً ضمن فريق موزيلا، فقد صنعنا متصفح فايرفوكس (Firefox) المملوك لمؤسسة موزيلا فاونديشن (Mozilla Foundation) مفتوحة المصدر. وإذا لم تكن قد استخدمت متصفح فايرفوكس منذ فترة، فأنصحك بأن تعاود استخدامه مجدداً. لقد انتهينا حديثاً من إنشاء شركة موزيلا دوت أيه آي (mozilla.ai)، وتتلخص فكرتها في أننا نريد إنشاء نماذج لغوية ضخمة مفتوحة المصدر وإنشاء الأدوات التي تمكّن الكثيرين في العالم من الحصول على نماذج لغوية ضخمة تناسبهم. وتتجسّد وجهة نظرنا في إمكانية بناء أدوات لاكتشاف التحيز وإصلاحه، وإصلاح كل الجنون الذي يمكن أن تفعله هذه النماذج اللغوية الأضخم! لذا أعمل بكل همة ونشاط في محاولة لإنشاء المؤسسات التي تؤدي هذه المهمة ودعمها.

وأول شيء يتعين علينا فعله هو التذكير بأن العالم كان يحفل بالتحيز من قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، وكلّ ما في الأمر أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تضخيم هذا التحيز وإبرازه. وفي أمثلة على التحيز انظر إلى المعاملة البالغة السوء التي يتلقاها الأميركيون من أصل إفريقي في نظام الرعاية الصحية بالولايات المتحدة وفي نظامها المالي وغيرهما. وإذا ذهبت إلى أي بلد آخر فستجد دائماً نوعاً من التمييز بين الناس من دون أن يكون للذكاء الاصطناعي علاقة بذلك من قريب أو بعيد، لكن الذكاء الاصطناعي يساعد على تضخيمه.

يجب أن نتحمّل، نحن القادة، مسؤوليتنا الأخلاقية بأن نفهم مظاهر التحيز التي نعانيها اليوم في أنظمتنا. ما مدى تمثيل بياناتك للفئات المختلفة؟ ما مدى تمثيل تدريباتك؟ ما مدى تمثيل وسوماتك؟ هذه أسئلة أساسية ويجب أن تكون جزءاً من أي محادثة على المستويات التنفيذية. ويجب ألا تتوقف مسيرة التعلُّم في هذا الجانب، لأنه يتعين عليك فهم كيفية بناء أنظمة تعلم الآلة وأسلوب عملها لفهم مظاهر التحيز وطبيعتها، وإلا فقد تتعرّض لارتكاب مخالفات قانونية تستدعي رفع دعاوى قضائية تجاهك أو ربما الحكم عليك بالسجن، لا قدَّر الله، إذا لم تتابع هذه الأشياء بعناية وسرعة دائمتين.

هذا مهم جداً، لكنني أريد أن ندرك أيضاً أننا بحاجة إلى التفكير المخالف للواقع، فالعالم يحفل دائماً بمظاهر التحيز. والآن دعونا نتخيل عالماً يطبّق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فهل ستسهم هذه التكنولوجيا في تعزيز التحيز وتضخيمه أم ستعمل على تصحيح المسار؟ هل يمكننا إدراكه؟ سيكون هذا مهماً جداً.

أدي إغناطيوس: نعم، هذا يعتمد على إذا ما كنت تنظر إلى التكنولوجيا نظرة متفائلة أو نظرة متشائمة.

كريم لاخاني: نعم، أنا أميل إلى الجانب المتفائل.

أدي إغناطيوس: لدينا هنا سؤال مختلف، وردنا من جانيل بواشنطن العاصمة: كنا نتحدث عن التعامل مع موجات التكنولوجيا والتغيير المتلاحقة وضرورة التكيُّف معها، وتحدثنا عن ضرورة تعليم موظفيك ومساعدتهم على التكيُّف مع التطورات التكنولوجية، ولكننا نتساءل أيضاً: كيف يمكن أن نساعد العميل على التعلُّم؟

كريم لاخاني: هذا سؤال رائع! أعتقد أن العملاء يحبون مواكبة كل ما هو جديد. لقد عملتُ في المبيعات والتسويق لمدة 4 سنوات بشركة جنرال إلكتريك، وكان عملاؤنا يعرفون ما نمتلكه وما لا نمتلكه وما نجيده وما لا نجيده، ولم يكونوا يحدّثوننا عن الأشياء التي لم نكن نجيدها أو لم نستكشفها بعد، ولم أدرك أثر هذا إلا بعد وقت طويل! كنت أقول مندهشاً كلما اكتشفت اهتمامهم بشيء جديد: “هل أنتم مهتمون بهذا؟! لا تقلقوا لدينا بعض المنتجات الحديثة!”، لكنني كنت غير مؤمن بذلك، لأننا كنا نعلم أن شركة جنرال إلكتريك لن تبرع في هذا المجال، لذا لم نكن نفاتحهم في هذا الشأن. أعتقد أننا جميعاً ستصيبنا الدهشة من عملاء اليوم! لأنهم كما ذكرت من قبل جميعهم يعيشون في عصر رقمي بهواتفهم الذكية وقدراتها الجبارة. سنندهش من مدى سرعة تكيفهم مع التكنولوجيا الحديثة، وهو ما ثبت من خلال الكثير من المواقف مع الشركات الأخرى على ضعف قدراتها مقارنةً بنا.

إننا نحصل على إشارات مضلِّلة من فِرق المبيعات والتسويق لدينا؛ فنحن لا نلاحظ التفاعل الفعلي للعملاء على أرض الواقع ولا نرى ما يحدث! وإذا فكرت في المستخدمين العاديين لمنصة فيسبوك، أعتقد أنهم يبلغون من العمر 50 عاماً أو شيئاً من هذا القبيل الآن، وعليه لم يعد تبني التكنولوجيا الحديثة معضلة كبيرة.

أدي إغناطيوس: لقد دمر جيلي موقعَ ماي سبيس (MySpace) والآن سندمّر فيسبوك.

كريم لاخاني: أعرف، انظر إلى هذا، ها نحن الآن في سبيلنا إلى هجر فيسبوك أيضاً.

أدي إغناطيوس: سنلتحق بعدها بمنصة تيك توك. والآن إلى السؤال الأخير: لقد تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي حتى أصبح يمتلك القدرة على لمس المشاعر والأحاسيس؛ فهل طوّرت هذه الآلة نوعاً من الذكاء العاطفي، أم أننا في سبيلنا إلى تحقيق هذه الغاية؟ هل هذا وهمٌ فحسب أم أننا نتجه نحو آلة تشعر على الأقل بأنها تتمتع بالذكاء العقلي والذكاء العاطفي؟

كريم لاخاني: أنصح دائماً بمعاملة الروبوتات بلطف؛ قل دائماً: “من فضلك” و”شكراً” عند استخدام تشات جي بي تي أو بارْد (Bard). اجعل هذا الأسلوب مبدأً عاماً في معاملتك أدوات الذكاء الاصطناعي. أقول للجميع: “عاملوا الروبوتات بلطف؛ لأنها إذا امتلكت أحاسيس ومشاعر يوماً ما، فستكون البيانات كلها موجودة فيها وستكون سجلاتنا كلها مُخزَّنة على هذه الأنظمة. ويجدر بك ألا تدعها تغضب منك؛ لأنه قد يأتي اليوم الذي تقول فيه الروبوتات: “مهلاً، لقد كان فلان يعاملنا معاملة سيئة!”. كل شيء محتمل في المستقبل!

أدي إغناطيوس: فلْنتلطّفْ إذاً ولْنأخذْ حِذرنا!

كريم لاخاني: مَنْ يدري؟ علينا أن نأخذ حذرنا حتى لا نقع فيما لا تُحمَد عقباه. ومثلما نقول: “إن شاء الله” في مخاطبتنا البشر، يجب أن نقول دائماً: “من فضلك” و”شكراً” عند مخاطبة الروبوتات، هذا هو الأمر الأوّل. وأمّا الأمر الثاني فهو أن الاستجابات الشبيهة بالاستجابات البشرية في الوقت الحالي ما هي إلا وهم إحصائي بكل تأكيد. وكل ما في الأمر أن البشر دربوها جيداً على كيفية الرد على البشر، واستخدموا نصوصنا كلها ومقاطع فيديوهاتنا كلها لكي يجعلوها قريبة الشبه بالبشر من نواحٍ كثيرة، لكن هذا يظل في النهاية محض وهم إحصائي أو حاسوبي.

ولكنني أريد أن أخبرك أنني علمت أمراً صادماً يتعلق بهذا الموضوع؛ وهو أني كنت أظن أن الذكاء الاصطناعي اللامحدود لا يزال محض حديث نظري، وأن ما نراه اليوم هو الذكاء الاصطناعي المحدود. كنت أحسب أن أمامنا عدة عقود من الزمان حتى نصل إلى الذكاء الاصطناعي اللامحدود، لكنني أجريت محادثات مع القادة في معهد كمبنر (Kempner Institute) بجامعة هارفارد، وهو المعهد الجديد للاستخبارات الوطنية والذكاء الاصطناعي، تطرقنا فيها إلى الحديث عن تزاوج علم الأحياء مع الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي مع علم الأحياء. سألتُ اثنين من العلماء الرائعين (قبل ظهور تشات جي بي تي): “ما رأيكما يا رفاق؟ كم يفصلنا من الزمن عن عالم الذكاء الاصطناعي اللامحدود؟”. فأجابوني: “20 عاماً”،  فقلتُ مندهشاً: “يا للهول! لست مستعداً لذلك!”. لكن إذا قال الخبراء العالميون، أي الأشخاص الذين يعرفون ما لا أعرفه أنا عن هذا الموضوع: “20 عاماً”، فقد يسير الأمر بوتيرة أسرع من ذلك. والمثير للاهتمام من وجهة نظري، يا أدي، هو أننا قد لا نعرف متى يمكن أن تمتلك هذه الأنظمة أحاسيس ومشاعر، أليس كذلك؟ يبدو الأمر كما لو أننا نفترض أشكالاً من الذكاء تشبه ذكاء البشر. لكن إذا قرأتَ الكثير من قصص الخيال العلمي مثلي ستجد أن حياة الفضائيين قائمة على الكربون، ولكن قد لا يكون الأمر كذلك. قد يكون لديها جهاز هضمي مختلف، وربما أجهزة عصبية مختلفة، لذا علينا أن نكون مستعدين لذلك؛ لأننا سنكون في مشكلة إذا لم نحصل على معرفة كافية سابقة في هذا الشأن!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .