توظيف المتميزين: خطوة واعدة أم خطر خفي؟

7 دقيقة
الأشخاص المتميزون

ظهرت الأبحاث السابقة حول استقطاب الموظفين المتميزين أن توظيف هؤلاء الأشخاص يمثّل تحدياً كبيراً ويؤدي غالباً إلى نتائج عكسية؛ إذ يجد هؤلاء الموظفون  الجدد صعوبة في تقديم الأداء المتميز الذي كانوا يقدمونه في وظائفهم السابقة. بالإضافة إلى ذلك، قد يتسبب هؤلاء بإلحاق الضرر بالمؤسسة الجديدة، وذلك من خلال عرقلة الابتكار أو تراجع أداء الموظفين الحاليين. يثير هذا الأمر الدهشة والقلق في آن معاً، وذلك في ظل ما تتطلبه عملية التوظيف من تكاليف باهظة ووقت وجهد كبيرَين.

لا تزال المؤسسات، التي تعتمد على معارف موظفيها ومهاراتهم بوصفها الأصول الأساسية والمصادر الرئيسية للميزة التنافسية، تواجه تحديات كبيرة في هذا الشأن. وبالتالي، تجد هذه المؤسسات نفسها مضطرة استراتيجياً إلى استقطاب أفضل الموظفين وأكثرهم تميزاً وتألقاً، حتى لو تطلب ذلك استقطابهم من المؤسسات المنافسة.

يُطلق على هذه الممارسة اسم "التوظيف الأفقي" (Lateral Hiring)، وتعتمد عليها المؤسسات القائمة على المعرفة، مثل شركات المحاماة الكبيرة، بدرجة كبيرة لدعم استراتيجيات نموها. يشير تقرير حديث متعلق بهذا القطاع إلى أن أكبر 200 شركة محاماة أميركية متخصصة في قانون الشركات قد تُجري نحو 3,000 عملية توظيف أفقي سنوياً على مستوى الشركاء، بمعدل سنوي يبلغ 15 عملية توظيف أفقي لكل شركة.

يثير ذلك سؤالاً مثيراً للاهتمام: إذا كان توظيف الأشخاص المتميزين غير فعّال في كثير من الأحيان، من وجهة نظر الأدبيات الأكاديمية والممارسات العملية على حد سواء، فلماذا تستمر المؤسسات باتباع هذا النهج؟

تسهم ورقة العمل البحثية الأخيرة، التي عرضناها في مؤتمر أكاديمية الإدارة (AOM) ومؤتمرات أخرى، في الإجابة عن هذا السؤال من خلال تناول موضوع التوظيف الأفقي للكفاءات في القطاع القانوني في المملكة المتحدة. راقبنا أداء 2,700 محامٍ متميز يعملون في أكثر من 100 شركة محاماة متخصصة في قانون الشركات في المملكة المتحدة على مدى 17 عاماً (من عام 2000 إلى عام 2017) وذلك لمعرفة إذا كانت الأقسام التي وظفت أشخاصاً متميزين حققت أداءً أفضل في العام التالي مقارنة بالأقسام المماثلة التي لم تفعل ذلك. يمكننا تصنيف المحامي على أنه متميز إذا كان مدرجاً في "دليل تشامبرز القانوني" (UK Chambers Legal Directory) السنوي في المملكة المتحدة. يشير تضمين اسم المحامي في هذا الدليل إلى أنه يحظى بتقدير زملائه وعملائه واعترافهم بأنه من بين المحامين المتميزين في قسمه أو مجال تخصصه خلال تلك السنة. في سياق دراستنا، حددنا الأداء وفقاً للتصنيف الذي حصل عليه كل قسم في دليل تشامبرز. بالإضافة إلى تحليلنا للبيانات الإحصائية، أجرينا مقابلات مع بعض صنّاع القرار الرئيسيين في شركات المحاماة التي خضعت للدراسة، وشمل ذلك الإدارة العليا ومسؤولي التوظيف، بالإضافة إلى المحامين المتميزين أنفسهم.

كشفت دراستنا عن تراجع أداء الأقسام التي وظفت أشخاصاً متميزين بنسبة 10% تقريباً في العام التالي مقارنةً بتلك التي لم تستقطب مثل هؤلاء الموظفين.

لكن عند تحليل النتائج التي توصلنا إليها بدقة، وجدنا بعض الحالات التي يمكن أن يكون فيها توظيف الأشخاص المتميزين مجدياً ويحقق نتائج إيجابية.

المشكلة الرئيسية في توظيف الأشخاص المتميزين

هناك العديد من النقاشات التي تعارض فكرة توظيف الأشخاص المتميزين. أولاً، تبرز مشكلة قابلية نقل الأداء الفردي والنجاح الشخصي إلى البيئة الجديدة. فقد أظهرت الأبحاث أن الأداء الفردي للموظفين المتميزين يعتمد بدرجة كبيرة على العوامل المرتبطة بالمؤسسة والفريق. عند تعيين موظف متميز، فإن هذه العوامل لا تنتقل معه بسهولة مثلما تنتقل معرفته ومهاراته. فالأداء المتميز يكون غالباً نتيجة جهد جماعي، ويعتمد على مساهمات العديد من الأشخاص الآخرين ودعمهم، ويشمل ذلك الزملاء المهنيين في فريق هذا الموظف المتميز نفسه وفي أقسام المؤسسة المختلفة، بالإضافة إلى الموظفين الإداريين وفريق الدعم والعملاء.

يعتمد الأداء أيضاً على الإجراءات الروتينية والأنظمة وثقافة العمل التي تختلف من مؤسسة إلى أخرى. عندما ينتقل الموظفون المتميزون إلى مكان عمل جديد، فإنهم يفقدون شبكات الدعم والأنظمة التي كانت تساعدهم على تحقيق أدائهم المتميز. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن الموظفين المتميزين يواجهون صعوبة في التكيف مع أنظمة مؤسساتهم الجديدة والإجراءات الروتينية المتبعة وشبكة العلاقات والثقافة، وذلك نظراً لتمسكهم الشديد بأساليب العمل الناجحة التي اعتمدوا عليها في السابق. في الواقع، يرى العديد من هؤلاء الموظفين أنهم غير مضطرين إلى تغيير طريقة عملهم بسبب مكانتهم المتميزة، وبدلاً من ذلك يتوقعون أن تتكيف المؤسسة الجديدة مع أسلوبهم، أي قد يتوهمون أنهم يتمتعون بموهبة استثنائية لا نظير لها.

ثانياً، من المهم مراعاة ردود فعل الموظفين الحاليين في المؤسسة الجديدة؛ إذ ربما يكون بعض هؤلاء متميزين أيضاً أو يتطلعون إلى أن يصبحوا كذلك. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات التي أُجريت على العلماء والمصرفيين الاستثماريين أن استقطاب الموظفين المتميزين الجدد يؤثر سلباً في أداء الموظفين الحاليين. فمن الممكن أن يشعر الموظفون الحاليون بالاستياء جرّاء توظيف مثل هؤلاء الأشخاص وما يحظون به من اهتمام وموارد. وقد يشعرون بالقلق بشأن فرص تطورهم الوظيفي وسمعتهم داخل المؤسسة. ومن الممكن أن يفسروا عملية التوظيف على أنها عدم ثقة في قدراتهم وآفاقهم المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن وجود العديد من الموظفين المتميزين في الفريق نفسه قد يعرقل التعاون السلس فيما بينهم؛ إذ يتنافسون للحصول على المكانة والموارد، ما يؤدي في النهاية إلى فشل الفريق في تحقيق أقصى استفادة من أفراده المتميزين. وبالتالي، يمكن أن يؤدي توظيف الأشخاص المتميزين إلى تعرّض الشركات لخطر تحفيز سلوكيات غير تعاونية أو حتى عدائية، ما يعوق دمج هؤلاء الموظفين ويضعف قدرة الشركة على تحقيق الفائدة الكاملة من عملية التوظيف.

لذلك ليس من المستغرب أن تفشل نسبة كبيرة من عمليات التوظيف الأفقي (تصل إلى 50% أو أكثر بحسب بعض التقديرات) في غضون بضع سنوات، ما يدفع الموظف المتميز للانتقال إلى وجهة جديدة.

متى تكون عملية توظيف الأشخاص المتميزين ناجحة ومتى تكون غير مجدية؟

تؤكد النتائج التي توصلنا إليها النقاط التي ذكرناها سابقاً، إذ تبين أن الأقسام التي وظفت محامين متميزين كان أداؤها أقل خلال السنة الأولى التي تلت عملية التوظيف مقارنة بالأقسام الأخرى التي لم تستقطب مثل هؤلاء الموظفين. وبلغت نسبة التراجع النسبي في الأداء نحو 10%.

وعلى الرغم من ذلك، فإن دراستنا تُظهر أيضاً بعض التباين في النتائج، مع وجود حالتين يمكن أن يكون فيهما توظيف الأشخاص المتميزين فعّالاً.

يتمثل السيناريو الأول في انضمام موظف متميز إلى قسم يحتوي على العديد من الموظفين المتميزين بالفعل. في هذه الحالة، ينخفض التراجع في الأداء بنسبة تصل إلى 74%.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في انضمام موظف متميز إلى أحد أقوى الأقسام وأكثرها تميزاً في المؤسسة. في هذه الحالة، يتلاشى تراجع الأداء تماماً، وتحقق الأقسام التي وظّفت الأشخاص المتميزين أداءً أفضل مقارنة بالأقسام التي لم توظّف مثل هؤلاء الأشخاص. في الواقع، نلاحظ تحولاً بنسبة 162% من الأداء النسبي السلبي إلى الأداء النسبي الإيجابي.

من المهم الإشارة إلى أن هاتين الحالتين يمكن أن تتقاطعا أيضاً. في الواقع، تتحقق أفضل الظروف لتوظيف الأشخاص المتميزين عندما ينضم هؤلاء إلى أحد أقوى الأقسام في المؤسسة الجديدة ويكون هذا القسم الجديد أفضل من القسم الذي كانوا يعملون فيه سابقاً. في هذه الظروف، تشير النتائج إلى تحول بنسبة 270% من الأداء النسبي السلبي إلى الأداء النسبي الإيجابي.

حددنا أيضاً الحالات التي يمكن أن يكون فيها توظيف الأشخاص المتميزين فكرة سيئة. والعديد من هذه الحالات هي ببساطة عكس الحالات الإيجابية التي ذكرناها أعلاه، مثل الحالات التي ينضم فيها الموظف المتميز إلى قسم أضعف نسبياً داخل المؤسسة، أو أن ينتقل من قسم ذي أداء عالٍ إلى قسم ذي أداء أقل. قد تتداخل هذه الحالات فيما بينها وتحدث مجتمعة، ما يزيد احتمالية فشل عملية التوظيف.

على الرغم من ذلك، فقد حددنا أيضاً حالة ثالثة تتمثل في تراجع أداء القسم بمرور الوقت. في مثل هذه الحالة، قد يؤدي توظيف الأشخاص المتميزين إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها. يثير هذا الأمر القلق والدهشة، إذ تشير بياناتنا إلى أن المؤسسات تلجأ في مثل هذه الحالة إلى استقطاب أصحاب الكفاءات والمواهب من الخارج.

عملية توظيف الأشخاص المتميزين محفوفة بالمخاطر

يُظهر بحثنا أن توظيف الأشخاص المتميزين في معظم الحالات قد يؤثر سلباً في الأداء. وعلى الرغم من ذلك، فهناك بعض الحالات الاستثنائية المهمة التي قد تنجح فيها هذه العملية وتحقق نتائج إيجابية منذ اليوم الأول.

1) يكون توظيف أصحاب الكفاءات المتميزين أكثر فعالية في القسم الذي يضم موظفين متميزين بالفعل.

هناك اعتقاد شائع بأن كثرة الموظفين المتميزين في الفريق قد تؤدي إلى نتائج عكسية، لكن تشير أبحاثنا إلى عكس ذلك، فكلما زاد تألق الموظفين المتميزين الموجودين مسبقاً في الفريق، زادت فرصة نجاح عملية التوظيف الجديدة.

من المرجح أن يكون سبب ذلك هو أن الموظف الجديد في مثل هذه الحالات ينظر إلى هذه الخطوة على أنها تمثّل تقدماً في حياته المهنية، وبالتالي يكون أكثر استعداداً للتكيف مع البيئة الجديدة. في الوقت نفسه، من غير المرجح أن ينظر الموظفون الحاليون إلى الموظف الجديد على أنه يشكّل تهديداً لهم، ومن المرجح أن يتصرفوا بطريقة تعاونية تساعد على دمج هذا الموظف بسرعة في الفريق. في هذا السياق، من المرجح أن يستفيد الفريق والمؤسسة عموماً من مهارات الموظف الجديد وكفاءته وعلاقاته واستثمار هذا التعاون بين الموظفين القدامى والجدد.

باختصار، يبدو أن توظيف الأشخاص المتميزين يكون أكثر فعالية عندما ينضمون إلى فريق يحتوي بالفعل على موظفين متميزين.

2) يجب أن يكون الفريق الذي ينضم إليه الموظف المتميز من بين أفضل الفرق وأكثرها تميزاً داخل المؤسسة.

يمكن أن يسهم توظيف الأشخاص المتميزين في تعزيز أداء الفرق الجيدة والمتميزة أصلاً، ولكنه غالباً لا يُجدي نفعاً عندما يتعلق الأمر بتحسين أداء الفرق الضعيفة. باختصار، تحقق الفرق ذات الجودة العالية نتائج أفضل حتى عندما يتعلق الأمر بقدرتها على احتواء الموظفين المتميزين ودمجهم والاستفادة منهم.

هناك العديد من الأسباب التي تفسر ذلك. فمن الممكن أن تضم أفضل الفرق بالفعل ألمع الموظفين وأفضل الكفاءات، وبالتالي، من المرجح أن تكون أكثر قدرة على تحقيق الشروط التي ناقشناها أعلاه. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تمتلك هذه الفرق الموارد والإمكانات، مثل الأنظمة القوية والإجراءات الروتينية الفعّالة والعلاقات المتينة المطلوبة للتكيف مع التغيرات الناجمة عن توظيف شخص متميز. من الممكن أيضاً أن يُنظر إلى هذه الفرق على أنها مصدر للميزة التنافسية في أنحاء المؤسسة كافة. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تواجه محاولات تعزيز الاستثمار فيها معارضة من الأقسام أو الفرق الأخرى داخل المؤسسة، بل يمكن حتى أن تحظى بالدعم والتعاون.

باختصار، من المرجح تفاعل بقية أقسام المؤسسة مع عملية التوظيف بطريقة إيجابية والاستثمار فيها وتكريس الجهود لإنجاحها، وهو أمر مهم جداً في الحالات التي تتطلب تعاوناً بين الأقسام المختلفة.

3) استقطاب الموظفين المتميزين لا يمكنه إيقاف التدهور في المؤسسة والحد من المشكلات.

من المهم تقييم مسار أداء الفريق قبل اتخاذ أي قرار. على الرغم من أن توظيف الأشخاص المتميزين في فرق تعاني التدهور وتراجع الأداء قد يبدو فكرة استراتيجية جيدة لحل هذه المشكلة، فمن الممكن أن تكون هذه الخطوة غير مجدية وقد تؤدي حتى إلى تفاقم الوضع. في مثل هذه الحالة، من المتوقع أن تكون الإجراءات الروتينية والأنظمة والممارسات والعلاقات القائمة بالفعل تحت ضغط شديد، وبالتالي، تضعف القدرة على التعامل مع التغيرات الناجمة عن انضمام الموظف المتميز الجديد. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشعر الموظفون الحاليون، حتى لو كانوا متميزين، بالضغط وقلة الثقة بأنفسهم، وبالتالي، من المرجح أن يعارضوا انضمام الموظفين الجدد، ما يؤدي إلى اضطرابات إضافية تؤثر سلباً في جودة العمل داخل القسم. لذلك، احرص على إجراء عملية التوظيف في الفرق التي تحقق أداءً جيداً بالفعل.

في حال الالتزام بهذه المبادئ، من الممكن أن يكون توظيف الأشخاص المتميزين مجدياً، أما في الحالات الأخرى، فستكون هذه الفكرة سيئة عموماً.

وفي هذه الحالات تحديداً، تُنصح المؤسسات بالاعتماد على استراتيجيات أخرى لإدارة المواهب، مثل رعاية الموظفين الحاليين ودعمهم وتطويرهم ليصبحوا متميزين، والتركيز على استبقاء الموظفين المتميزين بالفعل. على الرغم من ذلك، فإنه يجب على المؤسسات ألا تقلق عند مواجهة احتمالية فقدان موظفيها المتميزين، إذ لا يوجد دليل واضح على أن الشركة التي ستوظفهم ستستفيد بالضرورة من هذه الخطوة. وبالتالي، يجب ألا يؤدي فقدان أحد هؤلاء الموظفين إلى اتخاذ قرارات متسرعة لجلب موظف متميز بديل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي