ما الذي يجعل الموظف سعيداً في عمله؟

4 دقيقة
الموظف السعيد في العمل

اعتقد الناس في الماضي أنك لست مضطراً لأن تكون سعيداً في عملك حتى تنجح. وبأنك لست مضطراً إلى أن تحب الناس الذين تعمل معهم، أو حتى مشاركة القيم معهم. فالموظف السعيد في العمل لا يعني أنه الموظف الناجح. كان الاعتقاد السائد "أن العمل ليس شأناً شخصياً". لكن هذا الكلام خاطئ تماماً ولا معنى له.

فالأبحاث التي أجريها شخصياً (والتي تشمل عشرات الشركات ومئات الناس)، إضافة إلى الأبحاث التي يجريها أشخاص من قبيل عالم الأعصاب ريتشارد ديفيدسون، وفيلينور سوبرامانيان راماتشاندران، وشون آكور، تشير وبشكل متزايد، إلى الحقيقة البسيطة التالية: الموظف السعيد في العمل أفضل من غيره. كما أن الأشخاص الذين يتفاعلون إيجابياً مع وظائفهم وزملائهم يعملون بجد أكبر وهم أذكى.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر السعادة على صحتنا البدنية والنفسية.

ومع ذلك، فإن هناك عدداً كبيراً ومرعباً من الأشخاص غير المتفاعلين إيجابياً مع عملهم، فوفقاً لتقرير مثير جداً لشركة "غالوب" (Gallup) عام 2013، فإن 30% فقط من القوى العاملة في أميركا متفاعلة بشكل إيجابي مع عملها. وهذا يؤكد ما رأيته أنا في عملي. فليس هناك إلا قلة من الأشخاص "الملتزمين عاطفياً وفكرياً" بمؤسساتهم. وهناك عدد لا يُستهان به من الأشخاص الذين لا يعيرون أدنى اهتمام لما يحصل حولهم في مكان العمل. وبالنسبة لهم، يوم الأربعاء ليس سوى منتصف الأسبوع الذي يقربهم أكثر من يوم الجمعة آخر يوم عمل في الأسبوع. وهناك الفئة الأخرى والتي يبلغ عددها واحداً من كل خمسة موظفين وتُعتبر منفصلة تماماً عما يحصل، ولا يهمها إطلاقاً ما يجري في الشركة بل تسعى إلى تخريب الأجواء، وفقاً للتقرير نفسه من شركة "غالوب"، فإن هؤلاء الأشخاص هم من يفشلون المشاريع، ويطعنون زملاءهم في ظهرهم، وهم عادة من ينشر الفوضى في مؤسساتهم.

ذكر تقرير "غالوب" أيضاً، أن تفاعل الموظفين مع مكان عملهم ظل ثابتاً على مدار السنين على الرغم من حالات الصعود والهبوط التي شهدها الاقتصاد. والنتيجة مرعبة: نحن غير متفاعلين مع عملنا إيجابياً، ولم نكن متفاعلين معه منذ فترة طويلة.

لا يُعتبر العمل مع الأشخاص غير المتفاعلين مع عملهم ولا السعداء فيه أمراً ممتعاً على الإطلاق، وهو لا يضيف أي قيمة. كما أنه يؤثر على مؤسساتنا (وعلى اقتصادنا) بطريقة سلبية عميقة للغاية، والأمر يصبح أكثر سوءاً عندما يكون المدراء هم الأشخاص غير المتفاعلين مع عملهم. لأنهم إذا كانوا كذلك فإنهم ينقلون عدوى موقفهم هذا إلى الآخرين. فعواطفهم وذهنيتهم تؤثر على أمزجة الآخرين وأدائهم بشكل هائل. وفي نهاية المطاف، شعورنا مرتبط بما نفكر فيه وبطريقة تفكيرنا. بمعنى آخر، التفكير يؤثر على العواطف، والعواطف بدورها تؤثر على التفكير.

اقرأ أيضاً: بحث يكشف العلاقة بين نوعية العمل والسعادة.

حان الوقت إذاً لكي نحارب أخيراً الخرافة القائلة إن المشاعر غير مهمة في مكان العمل. فالأبحاث العلمية تدعمنا في مقولتنا هذه، حيث إن هناك ارتباطات عصبية واضحة بين المشاعر والأفكار والتصرفات. فعندما نكون في خضم عواطف سلبية قوية، فإن الأمر يشبه أن نسير وأعيننا معصوبة. فنحن نركز كل اهتمامنا على مصدر الألم. كما أننا لا نعالج المعلومات، ولا نفكر بطريقة خلاقة، ولا نتخذ قرارات جيدة. كما أن الإحباط، والغضب، والتوتر تسبب إيقاف جزء منا عن العمل، وتحديداً الجزء المفكر والمتفاعل لدينا. وبالتالي فإن حالة عدم التفاعل هي بمثابة استجابة عصبية ونفسية طبيعية للعواطف السلبية التي تجتاحنا.

لكن ليست العواطف السلبية فقط هي ما يجب علينا مراقبته بحذر. فالعواطف الإيجابية المفرطة تترك التأثير ذاته أيضاً. فبعض الدراسات تظهر أن السعادة المفرطة يمكن أن تجعلك أقل إبداعاً وعرضة للانخراط في سلوكيات خطرة (لنتذكر كيف أننا نتصرف كالحمقى عندما نقع في الغرام!). فعلى صعيد العمل، رأيت مجموعات من الناس متحمسين بشدة في مؤتمرات للمبيعات وفي الحفلات التي تنظمها الشركات لرفع معنويات موظفيها. لكن ليس هناك الكثير من التعلم والابتكار الذي يحصل خلال هذا النوع من الاجتماعات. وإذا ما تعاطى الناس الكحول خلال هذه المناسبات، فإن مجموعة جديدة تماماً من المشاكل ستظهر.

اقرأ أيضاً: مفتاح العملاء السعداء هو الموظفون السعداء.

فإذا كنا قادرين على الاتفاق بأن حالاتنا العاطفية في مكان العمل مهمة، فماذا يجب أن نفعل لزيادة التفاعل وتحسين الأداء؟

خلال السنوات القليلة الماضية، درست مع فريقي في "معهد تيليوس للقيادة" (Teleos Leadership Institute)، حالة عشرات المؤسسات، وأجرينا مقابلات مع آلاف الأشخاص. والنتائج المبكرة حول الارتباطات الموجودة بين مشاعر الناس وتفاعلهم مذهلة. فكلام هؤلاء الناس يشير إلى وجود تشابهات واضحة فيما يريدونه ويحتاجونه، بغض النظر عن أصلهم أو هوية الجهة التي يعملون لديها أو الوظيفة التي يؤدونها. ونحن نفترض غالباً أن هناك فروقاً ضخمة بين مختلف القطاعات، وفي أنحاء العالم، لكن نتائج الأبحاث تناقض هذا الافتراض.

فلكي يكون الشخص متفاعلاً بالكامل وسعيداً، فإن كل الناس تقريباً يقولون لنا إنهم يريدون 3 أشياء:

الرؤية المستقبلية ذات المغزى: فعندما تحدث الناس مع فريقنا البحثي حول الأشياء الناجحة وغير الناجحة في مؤسساتهم، وأكثر شيء ساعدهم أو أعاقهم، فقد تطرقوا إلى "الرؤية". فالناس يريدون أن يكونوا قادرين على رؤية المستقبل ومعرفة وضعهم فيه. وكما نعلم من عملنا مع ريتشارد بوياتزيس، فإن الناس يتعلمون ويتغيرون عندما تكون لديهم رؤية شخصية مرتبطة برؤية المؤسسة، والمؤسف في الأمر هو أن قلة من القادة فحسب يرسمون صورة جذابة للمستقبل، وهم لا يجيدون التواصل. ونتيجة لذلك فإنهم يخسرون الناس.

الإحساس بوجود غاية وهدف: يريد الناس أن يشعروا بأن عملهم مهم، وأن مساهماتهم تساعد في تحقيق شيء مؤثر فعلياً. وباستثناء من يقبعون في قمة الهرم في المؤسسة، فإن تحقيق القيمة لصالح المساهمين ليس هدفاً ذا مغزى يكفي لإثارتهم ودب الحماسة فيهم. فهم يريدون أن يعلموا بأنهم ومؤسساتهم يقومون بشيء "كبير" يُعتبر مهماً بالنسبة للناس الآخرين.

العلاقات العظيمة: نعلم بأن الناس ينضمون إلى مؤسسة ويتركون مديراً وراءهم. فالعلاقة المتنافرة مع المدير هي شيء مؤلم تماماً. وكذلك هي العلاقات مع الزملاء الآخرين. فقد أخبرنا القادة والمدراء والموظفين جميعهم بأن العلاقات الوثيقة القائمة على الثقة والدعم هي شيء مهم جداً بالنسبة لحالتهم الذهنية وبالنسبة لاستعدادهم لتقديم المساهمات إلى هؤلاء الزملاء.

إذا جمعنا هذه العوامل معاً، فإن علوم الدماغ وأبحاثنا التي أجريناها على المؤسسات تفند الخرافة القديمة القائلة إن العواطف لا أهمية لها في مكان العمل، بل تثبت فعلياً أن العواطف مهمة جداً في العمل. والسعادة أيضاً مهمة. ولكي يتفاعل الناس بشكل كامل، فهم بحاجة إلى رؤية ومعنى وغاية وعلاقات متناغمة.

تقع على عاتق الأفراد مسؤولية إيجاد الطرق التي تسمح لهم بأن يعيشوا قيمهم في العمل وأن يبنوا علاقات عظيمة. وتقع على عاتق القادة مسؤولية خلق بيئة تسمح للناس بالازدهار والارتقاء. والأمر بسيط وعملي: إذا كنت تريد الحصول على قوى عاملة متفاعلة مع عملها إيجابياً، فعليك الاهتمام إلى عملية وضع الرؤية، وربط عمل الناس لديك بالغاية الكبرى للشركة، ومكافأة الناس المتناغمين مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب عليك الكف عن محاولات البحث عن السعادة في العمل؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي