“لماذا؟” صرخ الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط في وجه أحد مدراء محافظه الاستثمارية: “لماذا قررت زيادة الاستثمار؟ بم كنت تفكر حينها؟”.

تمتمَ مدير المحفظة بحجة ضعيفة لم تصمد أمام حجة الرئيس التنفيذي ولو لثوانٍ.

عندما غادر المدير المكتب، التفت الرئيس التنفيذي إلي وقال غاضباً: “كيف يمكننا عكس مسار الخسارة؟”.

فأجبت: “ليس بهذه الطريقة”.

يتوقع القادة ذوو الأداء العالي الكثير من أنفسهم ومن الموظفين حولهم، وهم مُحِقون في ذلك، ولكن عندما لا يحقق الموظفون هذه التوقعات، إما أن تكون طريقة تعامل القادة مع خيبة أملهم حافزاً يعيد الموظفين إلى مستوى الأداء العالي، وإما أن تدخلهم في دوامة من الإخفاق.

لمست هذا العجز الخطير عند العديد من القادة الأقوياء؛ فهم يشجعون موظفيهم عندما تسير الأمور على ما يرام، ولكن عندما تتراجع النتائج يفقدون أعصابهم أو ينسحبون.

أسمع كثيراً عبارة “يجب أن أحاسبهم” من القادة الذين يقسون على موظفيهم عندما يظهرون نتائج مخيبة للآمال، كما يرددون عبارة: “ربما صرخت في وجههم قليلاً، لكنهم ناضجون بما فيه الكفاية لتفهّم ذلك”.

قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن ما الأهم، محاسبتهم أم تحسين أدائهم؟ فهناك فرق كبير بينهما.

نعم، من الضروري أن يتحمل الموظفون مسؤولية نتائجهم، وعليهم أن يعلموا أنهم لم يحققوا التوقعات المطلوبة منهم، لكن الموظفين ذوي الأداء العالي عموماً يعلمون مسبّقاً أنهم مقصرون ويأخذون ذلك التقصير دائماً على محمل الجد.

بعبارة أخرى، لا تتمثل مشكلتهم في إدراك تقصيرهم وتحمل مسؤوليته. ما مشكلتهم إذاً؟ مشكلتهم هي استعادة الثقة الكافية للإقدام على المجازفة اللازمة لتحقيق النجاح بعد الإخفاق.

إن كنت قائداً عالي الأداء نافد الصبر، فمن الصعب عليك دعم موظفيك خلال الأوقات الصعبة

لأن استجابتك الطبيعية التلقائية على ضعف الأداء تتمثل في الغضب من نفسك ومن الآخرين. لكن استجاباتنا الطبيعية التلقائية تأتي غالباً بنتائج عكسية (وهذا ما أستفيض بالحديث عنه في كتابي الجديد “أربع ثوانٍ” (Four Seconds). نشعر غالباً أن الغضب هو الاستجابة المناسبة في بعض الأوقات، لكنه دائماً يزيد الطين بلة.

فكيف يجب أن تكون استجابتنا إذاً؟

  1. خذ نفساً عميقاً (الثواني الأربعة المذكورة في العنوان)، هدِّئ من روعك قدر الإمكان وبما يكفي لتعطيل استجابتك التلقائية. في تلك اللحظات راقب استجابتك التلقائية. كيف تتعامل مع الأداء الضعيف؟ هل تغضب؟ هل تشعر بالتوتر؟ هل تشعر أنك بحاجة إلى مساعدة؟ هل تشعر بفقدان القدرة على التواصل؟ يتمثل دورك في توفير ما يحتاج إليه الموظفون لتحقيق الأداء المطلوب، وليس ما تحتاج إليه أنت لتخفف عن نفسك.
  2. حدد النتيجة التي تريدها، وهي واضحة في هذه الحالة: تحسين الأداء. حدد إجابتك أكثر. ما الذي يحتاج إليه هذا الموظف تحديداً من أجل معالجة مشكلة الأداء الضعيف أو الإخفاق المحددة؟ ربما كان تحديد استراتيجية أقوى، أو توليد الأفكار لأساليب مختلفة، أو تحديد ما حدث بطريقة مناسبة، أو ربما يحتاج الموظف إلى معرفة أنك تثق به وأنك إلى جانبه.
  3. ولكن ما لا يحتاج الموظف إليه هو الشعور بالخوف أو العقاب، وهذا ما نُشعره به عندما “نحمّله المسؤولية” في حالة من الغضب.
  4. اختر استجابة تحقق النتيجة التي تريدها، ولا تظهر استياءك الواضح أصلاً أكثر.

يحتاج الموظفون إلى الشعور بارتباط أكبر مع قادتهم في الأوقات الصعبة؛ يجب أن تتوافر لديهم أسباب الثقة بك، كما يجب أن يشعروا بثقتك بهم.

تدفعنا استجابتنا الغريزية للانسحاب والتواصل بطريقة أقل إيجابية، وعلينا كبح هذه الغريزة والتواصل أكثر. وهذا يعني إجراء المزيد من اللقاءات خارج المؤسسة، والمزيد من المحادثات بين كبار المسؤولين التنفيذيين، وكذلك بين كبار المسؤولين التنفيذيين وبقية موظفي المؤسسة.

كبح أحد الرؤساء التنفيذيين الذين أعرفهم جماح رغبته في التعامل بقسوة مع موظفيه بعد عام صعب لم تحقق الشركة فيه أهدافها، فقد جرَّب التعامل بقسوة سابقاً لكن دون نتيجة تُذكر. تحدثنا عن شعور الموظفين بالإحباط حينها، بالإضافة إلى عدم حصول أي منهم على مكافأة تحقيق الأهداف، فأراد تقوية عزيمتهم بشيء منافٍ للمنطق: كافَأهم.

أخبرَهم بأنه على الرغم من أنهم لم يحصلوا على مكافآتهم بسبب النتائج، فلا يخفى عليه وعلى كبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين كم عملوا بجد، ثم أعلن أن فريق كبار المسؤولين التنفيذيين سيعطي حصة من تعويضاته لبقية موظفي الشركة. دفع الولاء والعزيمة الجديدان اللذان ظهرا على إثر تلك الحادثة إلى تحول كبير في أداء الشركة.

عقد رئيس تنفيذي آخر أعرفه اجتماعاً مقرراً مع الفريق المسؤول عن مشروع تجريبي رفيع المستوى من الممكن أن يتولى حصة كبيرة من عمل أحد العملاء. تعثّر الفريق وواجه المشروع التجريبي العديد من المشكلات، بعضها بسبب أخطاء ارتكبها أعضاء الفريق، فأعدَّ الرئيس التنفيذي كلمة مقتضبة ليبيّن لهم أهمية ذلك المشروع، ومدى اعتماد الشركة عليه، وضرورة حل المشكلات وإنجاح المشروع.

ولكن عندما دخل إلى غرفة الاجتماع ونظر إلى وجوه المهندسين، لم يتجرأ أحد منهم على النظر في وجهه، فأخذ نفساً عميقاً وغيّر خطته على الفور. عَلِم أنهم بحاجة إلى العزيمة والتفاؤل الآن أكثر من أي وقت مضى، ووثق بهم. بدأ الاجتماع كما خطط له مسبّقاً؛ فبدأ كلمته قائلاً “هذا المشروع مهم جداً لنجاحنا”، ثم غيّر خطته وقال: “أعلم أنكم تفعلون كل ما بوسعكم لإنجاح المشروع. أريد لهذا المشروع التجريبي أن ينجح. وإن لم ينجح فلا بأس، سننجح في غيره. أنا أؤمن بقدراتكم وأثق بأنكم تفعلون كل ما بوسعكم. شكراً لكم”.

فضاعفوا جهودهم واستطاعوا إنجاح المشروع التجريبي، وفي النهاية حصلوا على المشروع الكبير.

وبالعودة إلى سؤال الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط. كيف يمكنك عكس مسار الخسارة؟ خذ نفساً عميقاً، ثم قدِّم الدعم اللازم لتحسين الأداء في المرة المقبلة.