عندما نسمع بشركات من قبيل "كوداك" و"سيرز" و"بوردرز"، فلا شك أن مجرد طرح اسم أي منها كفيل بأن يذكرنا بحجم المعاناة التي تكابدها هذه المؤسسات في البقاء على قيد الحياة في خضم تكنولوجيا هذا العصر والبدائل اللانهائية التي يوفرها. لكن وراء كل واحدة من هذه الشركات تكمن قصة أعمق لقائد واحد على الأقل "معزول" أو كان "معزولاً" عن الواقع الحقيقي لشركته.
ولا شك بأن هذه المنطقة الخطرة التي لا يعلم القادة فيها ما يجهلونه نتيجة لعدم اطلاعهم على الوقائع الفعلية تعتبر حرجة للغاية. بيد أن القادة، ولا سيما الكبار منهم، يفشلون في السعي وراء المعلومات التي تجعلهم يشعرون بعدم الارتياح أو أنهم يفشلون في التفاعل مع الأفراد الذين يتحدون أفكارهم، وهنا نستعمل كلمة "تحدي" بالمعنى الإيجابي لها. ونتيجة لذلك، فإن هؤلاء القادة يفوّتون فرصة تحويل الآراء القائمة على بصيرة عميقة والموجودة في أطراف الشركة إلى إجراءات قيمة في صلب هذه الشركة.
ناندان نيليكاني، رائد أعمال هندي، ومسؤول حكومي، وسياسي شارك في تأسيس شركة "إنفوسيس"، وعيّنه رئيس الوزراء الهندي ليكون رئيساً لهيئة تحديد الفرص الفريدة في الهند، يؤمن بأن الإبقاء على قناة التواصل هذه مفتوحة في أي منصب قيادي هو أمر في غاية الحيوية.
وقد قال لي نيليكاني خلال نقاش دار بيننا مؤخراً ما يلي: "إذا كنتَ قائداً، بوسعك أن تحشر نفسك داخل شرنقة... ولا سيما شرنقة الأخبار السارة. فالجميع يقولون: "الأمور تسير على ما يرام وليس هناك من مشكلة"، وفي اليوم التالي يتضح أن كل شيء خاطئ".
فكيف يمكن للقادة حماية أنفسهم من العزلة في بروجهم العاجية في القمة؟ بالنسبة لنيليكاني، مفتاح الحل لهذا الأمر يكمن في العامل الحيوي التالي: أن يثابر القائد على طرح الأسئلة غير المريحة وتلقي هذا النوع من الأسئلة.
"لماذا نحن على ما نحن عليه؟" هذا هو السؤال الذي ألهمه ليؤلف كتابه الذي حمل عنوان "تَخيُّل مستقبل الهند: فكرة الأمة المتجددة" (Imagining India: The Idea of a Renewed Nation)، والذي يناقش فيه وضع التعليم والسكان والبنية التحتية في بلاده. فبعد عمله مع هيئة تحديد الفرص الفريدة في الهند، والذي هدف إلى إنشاء قاعدة بيانات حكومية لكل سكان الهند (اعتبرت "أكبر مشروع اجتماعي على سطح الكوكب")، وفي أعقاب حملته الأخيرة لصالح حزب المؤتمر الوطني الهندي، دفعه سؤال آخر هو "كيف تجعل الأطفال يطالعون وكيف تجعل الأطفال يتعلمون الحساب" إلى تطوير حل قابل للتطبيق على نطاق واسع يهدف إلى جسر الهوة التعليمية التي تعاني منها الأجيال الشابة في الهند وأجزاء أخرى من العالم. ويظل السؤال العريض، وغير المفاجئ ربما، والذي يمثل السمة الأساسية لرحلة نيليكاني في عالم القيادة هو: "ما الذي بوسعي فعله لتحقيق أفضل أثر ممكن لصالح أكبر عدد ممكن من الناس؟".
بيد أن نيليكاني يدرك أن قوة الأسئلة لا تعتمد على الاستفسارات التي نطرحها على أنفسنا فحسب: وإنما هي تنبع أيضاً وفي الأغلب من الأسئلة غير المريحة التي يطرحها الآخرون علينا. وهو يعتقد أن التشجيع على هذا الحوار الثنائي وفي الاتجاهين، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالأسئلة، هو أمر في غاية الأساسية.
يقول نيليكاني: "أبذل جهدي وعن وعي لا لأرسي فقط ثقافة قائمة على الانفتاح، وإنما أعمل أيضاً على ضمان وجود خطوط للتواصل مع مجموعة واسعة من الناس، لأن الأخبار السيئة قد لا تأتي مباشرة".
وفضلاً عن تشجيع نيليكاني لثقافة طرح الأسئلة التشكيكية، فإن لديه طريقة أخرى لتنقية القضايا من التحويرات التي يضفيها إليها الموظفون ضمن المؤسسة خشية "إيقاظ العملاق النائم". فهو يذهب مباشرة إلى المنبع – أي إلى زبائنه.
يشرح نيليكاني الأمر قائلاً: "لقد واجهت عدة حالات حالات كانت تتضمن وجود خط مباشر يسمح للزبائن بالتواصل معي شخصياً ليسألوني عن أمر معين. وكنت أعلم بمشكلة ما قبل عدد من الأشخاص حتى. لذلك أعتقد أنه من المهم أن يكون المرء كمانعة الصواعق التي تجتذب آراء الناس، الجيد منها والسيئ".
ليس نيليكاني هو القائد الوحيد الذي يمارس هذا النوع من تبادل المعلومات بالاتجاهين بغية الحصول على المعلومات التي تكون غالباً خارج متناول يد القائد في عمله اليومي. فهذه القيمة الأساسية ساعدت العديد من الشركات في البقاء على الرغم من التعقيدات التي تطبع الأسواق في هذه الأيام، وذلك من خلال تشجيع هذه الشركات للقادة على التشكيك الدائم باستراتيجيتهم وفعاليتهم في كل فرصة سانحة. فقد كشف إد كاتمول، من شركة "بيكسار"، على سبيل المثال، أن "السمة المميزة لوجود ثقافة صحية ومبدعة تكمن في جعل الناس يشعرون بالحرية في طرح أفكارهم وآرائهم وانتقاداتهم. ونتيجة لذلك، فقد أوجد صندوقاً للأفكار الخلاقة في "بيكسار" يسمح للموظفين بطرح أفكارهم بأمان والمساعدة في تطوير القصص من مجرد قصص باهتة إلى تحفة فنية".
تساعد عادة طرح الأسئلة الصحيحة والتفاعل الجيد مع الآخرين داخل المؤسسة وخارجها القادةَ على رؤية الأمور بما يتجاوز "الشرنقة" الوقائية التي قد يحاول زملاؤهم في العمل إبقاءهم داخلها. إلا أن هذه العادات تتجاوز بكثير الزمان والمكان الحاليين. فهي تترك أثرها أيضاً على الجيل المقبل من قادة قطاع الأعمال.
يقول نيليكاني: "عندما تكون في طور بناء مؤسسة، فإنك وبكامل وعيك تبني شيئاً سيتجاوزك. فهو سيكون قائماً بما يتجاوزك، وسينمو بما يتجاوزك، وسيحافظ على نفسه بما يتجاوزك... فالأمر يتعلق بإرساء ثقافة وقيم تدوم".
إن إرساء الشركات، والجمعيات الأهلية، والحكومات، على حد سواء، لثقافة تعتمد على الصراحة يجعلها قادرة على تمكين القادة المستقبليين من عدم التوقف أبداً عن تحدي الوضع الراهن، وعن تحدي بعضهم البعض، بغية تحقيق أثر مستدام وإيجابي. وصحيح أنك قد لا تكون معجباً دائماً بما تراه وتسمعه، لكن الأفضل لك أن يكون لديك خيار تغيير مسارك الآن عوضاً عن معرفة ذلك بعد فوات الأوان غداً، أي بعد أن يكون قد سبق السيف العذل.
يقول نيليكاني: "كان زميلي ورئيسي السابق يردد المقولة التالية: "يجب أن تصلني الأخبار السيئة بالمصعد، أما الأخبار السارة فبوسعها ارتقاء الدرج سيراً على الأقدام".