لماذا لا يلتزم الموظفون بتنفيذ الاستراتيجية؟

3 دقيقة
تنفيذ الاستراتيجية
يورغ غرويل/غيتي إميدجيز

ملخص: لا يكفي أن تُبلغ موظفيك بأهداف استراتيجيتك وغاياتها وتأمل أن ينجح التنفيذ. تشرح المؤلفة في هذه المقالة التحول من العقلية التشغيلية (التي تركّز على تنفيذ الاستراتيجية) إلى العقلية السياقية (التي تركز على السياق الذي تنفّذ فيه الاستراتيجية) حتى تتمكن من تحديد العقبات الخفية التي تحبط التنفيذ الأمثل للاستراتيجية، وذلك حتى تتمكن من معالجتها قبل أن تتفاقم.

حدد الباحثان روبرت كابلان وديفيد نورتون في عام 1992 4 عقبات أمام التنفيذ الفعال للاستراتيجية، وهي: عدم فهم السياق، وضعف التواصل، والحوافز غير المترابطة، والميزانيات غير المترابطة. توسّع خبراء آخرون في هذه القائمة على مر العقود وحددوا عقبات إضافية مثل الأهداف غير المتوائمة والموارد غير الكافية والتتبع الضعيف للأداء. ومع ذلك، ما زال التنفيذ الناجح للاستراتيجية يمثل تحدياً مستمراً حتى اليوم. هل بسبب التواصل الضعيف للقادة؟ أم أن المشكلة الجوهرية تكمن في مكان آخر؟

لا تكمن المشكلة الحقيقية في أساليب تنفيذ الاستراتيجية، بل في جوانب نفسية. عندما يبحث القادة في العقلية اللازمة لإحداث تغيير ناجح، عليهم أن يدرسوا أولاً ما الذي سيسهم في تصوّر هذا التغيير. وهذا يعني أنهم بحاجة إلى تبنّي عقلية سياقية بدلاً من العقلية التشغيلية، وهي عقلية تنظر إلى المشهد التنظيمي بأكمله وتحدد العقبات النفسية المستترة التي تعوق التقدم.

إليك طريقة التحوّل من العقلية التشغيلية إلى العقلية السياقية حتى تتمكن من تحديد العقبات الخفية التي تحبط التنفيذ الأمثل لاستراتيجيتك، وذلك حتى تتمكن من معالجتها قبل أن تتفاقم.

فهم السياق العام الذي تعمل الاستراتيجية فيه

لا تعمل الاستراتيجية بمعزل عن بيئة العمل المحيطة بها، إذ تؤثر هذه البيئة على مدى تقبّل المؤسسة لها.

إليك مثالاً من أحد عملائنا، أطلق قادة الشركة استراتيجية كلية جديدة بعد أشهر من العمل خلف الأبواب المغلقة. وعندما قدموا هذه الاستراتيجية للموظفين قابلوها بالتحفظ والشك والتردد. لم يكن ذلك بسبب ضعف التواصل فحسب، بل بسبب البيئة المؤسسية أيضاً. اتسمت عمليات الشركة بالصرامة والتسلسل الهرمي طوال عقود من الزمن، ولم تحظَ أقسامها بأي نوع من الاستقلالية في صناعة القرار، فأبسط القرارات كان يجب أن توافق عليها لجنة توجيهية مسبّقاً. لذا، عندما أُعلن عن الاستراتيجية الجديدة، تبنّى الموظفون عقلية "الانتظار والترقب" وانتظروا توجيهات صريحة من القيادة بدلاً من اتخاذ إجراءات بناءً على الاستراتيجية. لم يكن لديهم أدنى حماسة للاستراتيجية الجديدة، ولا قبول لها.

لدراسة السياق المؤسسي في مؤسستك وتحديد العقبات المحتملة للاستراتيجية، راجع سياساتك وإجراءاتك وهيكلك التنظيمي الحالي. ما الذي يضع العقبات أمام الموظفين للمبادرة وصناعة القرار؟ ما الذي يسبب الارتباك أو التردد؟

فهم العقبات المعرفية

تبقى المشكلات المؤسسية الناجمة عن الاستراتيجيات السابقة عالقة في أذهان الموظفين، ويُشار إلى ذلك باسم "التركة التاريخية"؛ أي الخبرات والتصورات والمواقف السابقة التي تؤثر على قبول التغيير. تعوق هذه العقبات المعرفية تنفيذ الاستراتيجية الجديدة حتى قبل طرحها.

وضع عميل آخر استراتيجية جديدة لشركته مؤخراً، حيث كلف قادة أقسامها بمهمة تهيئة فِرقهم وإثارة الحماسة وتوفير إرشادات التنفيذ الخاصة بهم. كانت هذه الاستراتيجية خامس استراتيجية تصدر خلال عامين، لذلك اعتبرها الموظفون مجرد خطة سريعة الزوال، وشعروا بأنها لن تختلف عن الاستراتيجيات الفاشلة التي سبقتها. لم يتحمس الموظفون لتبنّيها خوفاً من بذل الجهد في سبيل استراتيجية ستتغير مرة أخرى في غضون أشهر.

يمثل ذلك سبباً آخر لحاجتك إلى دراسة تاريخ مؤسستك مع الاستراتيجيات لمعرفة ما حدث معها في الماضي، ونتائج تلك التجارب، ومشاعر الموظفين الجماعية تجاهها. استخدام مزيج بسيط من الدراسات الاستقصائية والمقابلات النوعية مع المدراء والموظفين. ما تجاربهم السابقة مع تنفيذ الاستراتيجيات؟ ما الذي تسبب في حدوث المشكلات ولماذا حدثت؟

معالجة الشكوك والمشكلات غير المعلنة التي يتجاهلها الجميع

بمجرد أن تتعرف على الوضع الراهن، حدد المخاوف التي ذُكرت مراراً وتكراراً حتى لو بدت غير منطقية أو تافهة، من الضروري معالجة هذه العقبات النفسية بطريقة استباقية قبل بدء تنفيذ الاستراتيجية. المهم هو التعرّف على المشكلات والاعتراف بها وتقديم أسباب وحلول واضحة.

بالعودة إلى مثالنا السابق، كيف يمكن أن تختلف النسخة الأخيرة من الاستراتيجية عن سابقاتها؟ أولاً، اعترف صراحةً بما حدث في الماضي. ثانياً، قدّم أمثلة وحالات من الواقع الفعلي مؤكداً أن مخاوف الموظفين مفهومة وفي محلها. ثالثاً، أوضح الاختلافات الرئيسية التي تبرهن على حدوث التغيير في السياق الحالي وتثبت صحته. في الحالة المذكورة، كان دخول منافس جديد إلى جانب التغييرات التي طالت المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين من العوامل المحفزة لتجديد الالتزام بالاستراتيجية.

تابع التغييرات الضرورية

سيعتبر الموظفون كل ما سبق كلاماً فارغاً في حال لم تعالج العقبات الخفية فعلياً، وقد تكون بعض العقبات معقدة أكثر من غيرها. لنفترض مثلاً أنك اكتشفت في الدراسة التي أجريتها أن شخصاً معيناً في الشركة كان يعرقل التقدم باستمرار في السابق. قد تكون هناك قيود تحد من قدرتك على نقل ذلك الشخص أو إقالته، وذلك بناءً على أهميته ومنصبه. ولكن هذا لا يعني أن تتجاهل المشكلة وتأمل ألا يلاحظها الموظفون.

قد تحتاج إلى بعض الوقت لتحديد الحل الدائم، الأمر الذي قد يتطلب مناقشات واجتماعات وتدريبات متعددة أو تعيين موظفين إضافيين. لا تكتفِ بالتزام الصمت مع الموظفين حول هذه المشكلة إلى أن تحلها بالكامل، بل قدّم حلاً مؤقتاً قصير الأجل، قد يكون إجراءً بسيطاً مثل تغيير آلية الموافقة على العمليات أو تحويل مسؤوليات ذلك الشخص مؤقتاً.

لا يكفي أن تُبلغ موظفيك بأهداف استراتيجيتك وغاياتها وتأمل أن ينجح التنفيذ. بل ركّز على معرفة السياق التاريخي الذي يؤثر في سلوكيات الموظفين وعقلياتهم وقدم حلولاً له. يمكن للقادة بهذه الطريقة بناء المصداقية وتغيير تصورات الموظفين عبر إزالة العقبات النفسية الخفية، ما يمهد الطريق أمام تنفيذ الاستراتيجية بنجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي