في عام 1990، فتح قانون الأميركيين أصحاب الهمم عالماً جديداً لملايين الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مطالبة الأعمال بتسهيل الوصول إلى أماكن وجودها. ويحرص قادة الأعمال الذين يتطلعون إلى المستقبل على سهولة الوصول إلى فضاءاتهم الرقمية أيضاً، وتبنيها للتصميم العالمي الذي سيساعدها على الاستفادة من أسواق المستهلكين الجدد. لكن الكثير من الأعمال، ومن بينها سلسلة مطاعم "دومينوز بيتزا"، تجعل الوصول إلى مواقعها الإلكترونية أمراً مستحيلاً (غالباً عن غير قصد). وفي وقت سابق من هذا الشهر، أشارت المحكمة العليا إلى أنه يجب على جميع الشركات أن تتمتع بأداء أفضل، حيث أنّ إمكانية الوصول المادية وإمكانية الوصول الرقمية وجهان لعملة واحدة.
وفي حين ينظر البعض إلى هذا التطور على أنه عبء من المكلف مقاومته، نحن نرى فيه فرصة لتبني الابتكار والمواهب الجديدة. في 2017، قدنا دراسة بعنوان "الإعاقات والدمج" (Disabilities and Inclusion) في "مركز ابتكار المواهب" (Center for Talent Innovation) كشفت إمكانات ابتكار ضخمة في تعيين الموظفين أصحاب الهمم وتمكينهم لأنهم يبرعون في تصميم المنتجات للزبائن ذوي الاحتياجات الخاصة.
كيف وصلنا إلى هذه النتيجة؟ بدأت الحالة عندما لم ينجح غويلرمو روبلز، وهو رجل يعاني من ضعف البصر، في محاولة طلب بيتزا باستخدام نظام "دومينوز" عبر الإنترنت. استخدم روبلز برنامج قارئ شاشة شهير يحوّل المحتوى الرقمي إلى كلمات منطوقة، لكن شركة "دومينوز" لم تنشئ موقعها الإلكتروني لكي يكون متوافقاً مع أجهزة قارئ الشاشة. وفي القضية التي رفعها روبلز ضد شركة "دومينوز بيتزا"، قال إنّ سلسلة مطاعم البيتزا انتهكت حقوقه بموجب قانون الأميركيين ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي وقت سابق من هذا العام، أيدته محكمة فيدرالية وأوضحت في حكم صادر بالإجماع أنّ قانون الأميركيين ذوي الاحتياجات الخاصة انطبق على المواقع الإلكترونية لشركة "دومينوز" وتطبيقاتها. وبدلاً من القبول بالقرار وتحديث موقعها الإلكتروني، قدّمت الشركة التماساً للمحكمة العليا التي رفضت القضية وأبقت على الحكم الذي أصدرته المحكمة الأدنى. وتواجه الشركات الآن أمراً قضائياً ببناء مواقع إلكترونية تمتثل لقانون الأميركيين ذوي الاحتياجات الخاصة، وإلا فستتعرض لخطر المقاضاة.
والمفارقة العجيبة هنا أنّ من المحتمل أن تنجح "دومينوز" بالفعل من خلال خسارة الحكم في المحكمة. إذ يشكل المهنيون من ذوي الاحتياجات الخاصة شريحة أكبر وأكثر قيمة مما يعتقد كثير من قادة الأعمال. في دراستنا، وجدنا أنّ 30% من الموظفين الإداريين ينطبق عليهم تعريف الحكومة الاتحادية لامتلاك إعاقة ما. وتجني الشركات مكافآت عندما تشير إلى أنها مؤسسات نادرة توفر ثقافة تدعم هذه المجموعة من المواهب. وهي تعلم أنّ الامتثال لقانون الأميركيين ذوي الاحتياجات الخاصة يمثل خطوة صغيرة في اتجاه جميع المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال شمول كل من المستهلكين والموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة.
إذن كيف تستفيد من الابتكار الذي يتحقق بشمول المستهلكين والموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة في عملك؟ توجد ثلاث طرق لذلك.
1. اعترف بإمكانات الابتكار لدي الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة.
ما لا تدركه الكثير من الشركات هو أنّ الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة غالباً ما يتمتعون بقدر كبير من الابتكار لأنهم يواجهون المشاكل ويحلونها كل يوم. وفي الحقيقة، أشار الموظفون والمتخصصون في مجال الموارد البشرية الذين قابلناهم إلى أنه عادة ما يتمتع الموظفون من ذوي الاحتياجات الخاصة بصفات مثل الرشاقة والمواظبة والدافعية والتخطيط الاستراتيجي والإبداع، بالإضافة إلى مهاراتهم الفنية. ووفقاً لدراستنا الاستقصائية التمثيلية على الصعيد الوطني، والتي أجريناها على آلاف من المهنيين، يمتلك 75% من الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة (مقارنة بـ 61% من الموظفين دون إعاقة) أفكاراً من شأنها أن تحقق قيمة لشركاتهم. ونحو نصف هذه الأفكار سيخدم سوق الإعاقة.
2. أنشئ بيئات احتوائية تمكّن المهنيين ذوي الاحتياجات الخاصة.
لا تقم بتعيين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لغرض الامتثال للقوانين فحسب. استمع إليهم ومكّنهم وكافئهم. نحو نصف (48%) الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمتلكون أفكاراً من شأنها أن تحقق قيمة لشركاتهم يفشلون في كسب تأييد لهذه الأفكار. وإضافة إلى ذلك، قال أكثر من ثلثهم إنهم واجهوا تمييزاً أو تحيزاً سلبياً في شركاتهم. ويشعر أكثر من النصف (57%) بالتوقف في مساراتهم المهنية. ولا بد من تغيير ذلك.
اجعل وسائل التأقلم متاحة وشفافة ويسهل الوصول إليها. وفِّر إفصاحاً وتدريباً على وسائل التأقلم للموظفين. الموظفون الذين يفصحون عن إعاقاتهم لأغلب الموظفين الذين يتفاعلون معهم في العمل يزيد احتمال شعورهم بالسعادة أو الرضا عادة في العمل إلى أكثر من ضعفي الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يفصحون لأي شخص (65% مقابل 27%). اطلب من القادة ذوي الاحتياجات الخاصة أن يكونوا نماذج يُحتذى بها وأن يشاركوا قصصهم.
وعلاوة على ذلك، أنشئ ثقافة من القيادة الاحتوائية. يعني 41% من الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ليس لديهم قادة فِرق احتوائيون، من التمييز أو التحيز. وينخفض ذلك الرقم إلى 26% بوجود قيادة احتوائية.
قم بتوظيف قائد بارز يركز على دمج الإعاقة حيثما أمكن ذلك. لقد حققت شركة مايكروسوفت تقدماً سريعاً منذ تطبيق هذه الخطوة.
3. وسِع تعريف الابتكار.
من المفارقة أنّ شركة "دومينوز" كانت معروفة بأنها من كبرى الشركات المبتكرة لأنها تفوقت في تسليم البيتزا عبر الطلب السريع من الإنترنت. لكنها خسرت جزءاً كبيراً من السوق بعدم امتلاكها لموقع إلكتروني أو تطبيق محمول يسهل الوصول إليه. ووفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإنّ 3.4 ملايين أميركي بعمر 40 عاماً وأكثر مصابون بالعمى أو ضعف البصر. وتقول تقديرات أخرى لـ "مشاكل الرؤية" إنها موجودة لدى 21 مليون أميركي. ما أسواق أنواع الإعاقات الأخرى التي فوّتتها "دومينوز"؟
عندما تبتكر الشركات "لشريحة ضيقة" (edge case)، ينتهي بها الأمر غالباً بصناعة منتجات وتقديم خدمات تصبح عادية فيما بعد. خذ الترجمة التوضيحية (closed captioning) على سبيل المثال، التي قامت الحكومة الأميركية بتطويرها أولاً للأشخاص الصّم، وشركة "أو إكس أو غود غريبس" (OXO Good Grips) لمستلزمات المطابخ، التي نشأت لتوفير مستلزمات تخدم من يعانون من التهاب المفاصل. هذه الابتكارات يتبناها الكثيرون جداً الآن.
من الحكمة أن تتبنى الشركات مبادئ التصميم العالمي. وهذا يعني التصميم للجميع، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الإعاقة. وهنا يكمن جوهر الابتكار. ويمكن للشركات تبني مثل هذه المبادئ على نحو أفضل، بوجود الموظفين ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن فرقها.
ومن المحتمل أنّ القادة الذين يشعرون بالقلق إزاء أنّ قضية روبلز ضد شركة "دومينوز بيتزا" ربما تتسبب بتدقيق مكلف للموقع الإلكتروني، يفوّتون بالفعل فرصاً عظيمة. وستساعدهم إعادة النظر في دمج جميع المستهلكين على الالتزام بالقانون والوصول إلى موظفين قيّمين، وأسواق استهلاكية جديدة، وبالتالي تقديم ابتكارات مربحة.