الموظفون في دول الخليج بين الضغط النفسي والسعادة

2 دقيقة
unsplash.com/ian dooley

صدر خلال الأسبوع الماضي تقريران مثيران للاهتمام؛ الأول من شركة الاستشارات ماكنزي يقول إنه بناء على استطلاع رأي أربعة آلاف موظف في دول الخليج العربي من الإمارات والسعودية وقطر والكويت، تبين أن واحداً من بين كل ثلاثة موظفين يعاني من "الاحتراق الوظيفي"، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي الذي هو واحد من كل أربعة يشعرون بالاحتراق الوظيفي، واللافت أيضاً أن 36% ممن شملهم الاستطلاع بينوا أن لديهم النية لترك وظائفهم، وهي نسبة أعلى بمرتين من النسبة العالمية في هذه الفترة من الموظفين الذين يرغبون بترك وظائفهم.

هذا هو التقرير الأول، أما التقرير الثاني، فهو ما أصدرته حكومة الشارقة عن نتائج تطبيقها لنموذج العمل لأربعة أيام في الأسبوع على مدار عام كامل. فمنذ بداية عام 2022 اعتمدت حكومة الشارقة في مؤسساتها الحكومية دوام العمل من الاثنين إلى الخميس فقط، ثم أعلنت النتائج التي تزامنت مع صدور تقرير ماكنزي، وأشار استطلاعها لموظفيها ومتعامليها إلى أن نسبة سعادتهم ورضاهم عن العمل وإنتاجيتهم ارتفعت بين 80 و90%.

خلاصة الأمر، بأن آلاف الموظفين عبر تقرير ماكنزي يقولون إنهم يعانون من أعراض تراجع في الصحة العقلية والنفسية، وهي نسبة بلغت الثلثين حسب التقرير، ويعتقد ثلث المشاركين أنهم مصابون بالاحتراق الوظيفي، وأكثر من الثلث لديهم تحضيراتهم للاستقالة من العمل والبحث عن عمل أفضل وأكثر راحة ومتعة. في حين يأتي تقرير حكومة الشارقة لينقل لنا بأن الموظفين زادت سعادتهم وصحتهم العقلية وقلّت إجازاتهم المرضية بعد تطبيق نموذج عطلة الأيام الثلاثة.

والسؤال الآن، هل يكمن حل مشكلة الاحتراق الوظيفي التي طرحها الآلاف من الموظفين في تقرير ماكنزي، بأن نعتمد نموذج العمل لأربعة أيام فقط وانتهى الأمر؟

لا شك في أن ما كشفه تقرير ماكنزي عن ارتفاع نسبة أعراض الأمراض النفسية والاحتراق عند الموظفين لدرجة تبلغ أعلى من المعدل العالمي هي مؤشر خطير، لكنها لا تكشف عن مشكلة عدد أيام العمل بمقدار ما تكشف عن بيئة العمل الضاغطة وغير المناسبة في ظل التطور الذي يحصل في العالم وظهور الأجيال الجديدة.

وقبل أن نتحدث عن نموذج العمل لأربعة أيام وإمكانية تطبيقه في مختلف الشركات الخاصة والحكومية، دعونا نتحدث عن بيئة العمل، فقد يكون العمل الكثير المتطلّب والضاغط سبباً معروفاً في التسبب بالإنهاك النفسي ومن ثم الاحتراق الوظيفي، وهو ما يمكن أن يحدث في القطاع الخاص، لكن بالمقابل قد يكون الملل في الوظيفة سبباً بالاحتراق الوظيفي، وهو ما قد يحصل في الكثير من الوظائف الحكومية في منطقتنا.

كما قد تكون السلطة الصارمة لإدارة الشركة وعدم منح المجال للانتقاد والتعبير عن الرأي والمشاركة سبباً في الاحتراق الوظيفي، حيث يصنَّف العديد من الدول العربية بأنه من الدول ذات المسافة البعيدة في السلطة بين الرؤساء والمرؤوسين، وهو ما يجعل المرؤوس في حالة ضغط تتطلب منه تنفيذ الأوامر دون مشاركة ودون تعاون أو استمتاع في العمل.

يمكننا أن نلمس العقلية التقليدية السلطوية للمدير في المنطقة العربية، بالهيبة التي يفرضها حضوره والألقاب التي يتطلبها والبروتوكول الذي يحتاجه الموظف للتحدث معه، كما يمكن أن نلمسها حينما نرى أن نسبة كبيرة من الشركات والمؤسسات العربية وخاصة الحكومية عادت بعد جائحة كوفيد-19 إلى ما كانت عليه من عمل في المكتب دون تغيير ولا بأدنى شعرة نحو العمل الهجين أو العمل عن بعد، بينما تتحرك الشركات العالمية نحو طرح نماذج العمل الهجين والعمل عن بعد والعمل لأربعة أيام مستفيدين من الدروس المستفادة من تجربة كوفيد.

خلال الجائحة، تحركت دول الخليج على مستوى الحكومات ووقعت وزاراتها اتفاقيات مع مؤسسات لتشجيع العمل المرن والعمل عن بعد، لكن التطبيقات مازالت بحاجة لدفعة تشريعية وتنظيمية تحفز المؤسسات في الحكومة والقطاع الخاص على العمل المرن والمناسب للعصر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي