إذا كنت تعاني الاحتراق الوظيفي، فمن المؤكد أنك تدرك ذلك. يصاب الإنسان بالاحتراق الوظيفي عندما يبذل طاقة ومجهوداً على نحو أكبر مما يستطيع تحمله، فيشعر بعدم قدرته على الاستمرار في العمل. الاحتراق الوظيفي ليس مسألة اجتهاد في العمل، فالعمل بجد في كثير من الأحيان ممتع ومحفز؛ يمكن أن يرهقك الاحتراق الوظيفي بغض النظر عن الجهد الذي تبذله في عملك.
في بيئة العمل، ثمة نمط شائع يسبب الاحتراق الوظيفي يسمى عقوبة الأداء العالي. تقول مديرتي السابقة الرائعة، فيليس مايو: "تحدث عقوبة الأداء عندما تنجز مهمة ما في إطار زمني ضيق جداً، فتحصل على المكافأة والثناء إلى جانب مهمة أصعب بمهلة تنفيذ أقصر"، ويتبعها مهام تزداد صعوبتها أكثر إلى أن يفشل الموظف في النهاية، أو يُصاب بالاحتراق الوظيفي نتيجة محاولاته المستميتة لتجنب الفشل. ما الأسوأ في عقوبة الأداء؟ يقع أصحاب المواهب الذين يملكون حافزاً للتحدي وتحقيق الإنجازات والذين يتمتعون بإمكانات كبيرة في فخ عقوبة الأداء بسهولة.
يؤدي بهم هذا النمط إلى الاحتراق الوظيفي بالإضافة إلى تعطيل مسيرتهم المهنية. كنت أعرف نائب رئيس أحد البنوك كان يُكلف في كثير من الأحيان بقيادة مشروعات ضخمة ذات إطار زمني ضيق، بعد مرور فترة من الزمن، لم يتمكن هذا الشخص من إنجاز هذه المهام إلا من خلال إرهاق نفسه وإجبار فرق المشروع على العمل ساعات إضافية بتهديدها بالفصل من العمل باستمرار. بدلاً من الحصول على الترقية التي كان يتوقعها، اضطر إلى البحث عن وظيفة جديدة في بنك آخر بعد أن اكتسب سمعة بأنه يفرض ضغوطاً شديدة على موظفيه ويعاملهم بأسلوب متسلط.
هل تشعر بأن هذا السيناريو مألوف؟ حتى لو كانت قصتك مختلفة، فكل حالة من حالات عقوبة الأداء تنتهي دائماً بالطريقة نفسها؛ بالفشل أو الاحتراق الوظيفي أو كليهما. إذا وقعت في هذا الفخ، يجب عليك تغيير سلوكك الشخصي لا سلوك مديرك؛ لن يغيّر المدير أسلوبه في إدارة موظفيه إذا كانوا يستمرون في قبول المهام الصعبة والمحمّلة بالضغوط. إليك بعض الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لكسر هذا النمط:
- تنبّه للمهام الصعبة التي لا يمكن إنجازها. يمكن أن يساعد إدراك السلوك الذي يؤدي إلى عقوبة الأداء في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخلص منه، انتبه إلى عبارات المجاملة المبالغ بها مثل: "أنت الوحيد القادر على مواجهة هذا التحدي". عند الرد على الطلب، تجنب رفض الطلب مباشرة أو الموافقة عليه دون تفكير. احرص على تبنّي موقف إيجابي وتجنب الجدال أو التذمر. كن حذراً وقل: "أود حقاً تولي هذه المهمة، لكن هل يمكنك منحي بعض الوقت للتفكير بأفضل خطة لتنفيذها؟"
- خذ الوقت الكافي لإعداد خطة مناسبة لا تستدعي منك أو من فريقك العمل 80 ساعة في الأسبوع. حدد الموارد اللازمة لإنهاء العمل في الوقت المحدد، مثل زيادة عدد الموظفين أو الاستعانة ببرمجيات أو استشاريين. حاول التنبؤ بالتحديات أو العقبات المحتملة التي ربما تواجهها في المشروع، وضَع خططاً مناسبة لتجاوزها.
- ناقش الخطة مع مديرك. في هذه الخطوة، حاول التحدث بإيجاز عن خطتك. يمكنك استخدام عرض تقديمي يتألف من 4 أو 5 شرائح باور بوينت (PowerPoint) أو إعداد مخطط موجز يوضح مراحل تنفيذ المهمة بجانب الجدول الزمني المقترح. حدد بوضوح المهام التي لن تكون مسؤولاً عنها، على سبيل المثال، يمكنك القول: "سيتولى فريق سلمى مهمة تعيين المحللين الماليين الجدد". لا تنسَ تقديم توصيات حول كيفية التغلب على العقبات، على سبيل المثال، يمكنك القول: "سنحتاج إلى مساعدة عادل لضمان إكمال الموافقات في الوقت المحدد".
- تفاوض مع المدير للحصول على المساعدة والموارد اللازمة لإنجاز المهمة في إطار زمني مناسب. تأكد من توضيح العواقب المحتملة إذا لم تحصل على ما تحتاج إليه، على سبيل المثال، يمكنك القول: "إذا تأخر عادل في إكمال الموافقات أسبوعاً آخر، فسوف نتأخر في تسليم المهمة أسبوعين".
- حاول التوصل إلى تفاهم مشترك مع المدير. أرسل لمديرك رسالة إلكترونية توضح الاتفاق الذي توصلتما إليه في أقرب وقت ممكن بعد الاجتماع، بهذه الطريقة، يمكنك التفاوض مجدداً بشأن تلك المهام والمسؤوليات إذا تغيرت الموارد أو اقترب موعد التسليم النهائي.
بالطبع، لن تحصل على طلباتك جميعها في المرة الأولى، لكن كلما تحسنت مهارتك في تقدير الوقت والموارد، زادت قدرتك على التفاوض للحصول على ما تحتاج إليه، فالقدرة على منع تراكم المهام مهارة أساسية للحفاظ على الإنتاجية والنجاح في بيئة العمل الحيوية، كما أنها عامل ضروري لتجنب الإصابة بالاحتراق الوظيفي.