لماذا نشتري المنتجات المرتبطة بأماكن أو أشخاص أو ماضينا؟

4 دقائق
المنتجات المرتبطة بأماكن أو أشخاص

ملخص: تشير توجهات السوق الحالية إلى أن العديد من المستهلكين يبحثون عن منتجات محلية وصنعها أشخاص حقيقيون وتقليدية أو على الأقل تُذكّرهم بطفولتهم. ونظراً إلى أن الرقمنة والعولمة جعلتا حياتنا الاجتماعية والعملية افتراضية ومتسارعة ومعتمدة على الأجهزة المحمولة بصورة متزايدة، أصبح عدد متزايد من الأشخاص يشعرون أنهم فقدوا استقرارهم العاطفي. يحتاج العملاء إلى الشعور بالراحة والهدوء، ويلبون هذه الحاجة عن طريق شراء المنتجات المرتبطة بأماكن أو أشخاص أو مرتبطة بالماضي. يمكن لخبراء التسويق الاستفادة من هذه المشاعر من خلال تكييف مزيجهم التسويقي لاستهداف شرائح العملاء بطريقة استراتيجية مع زيادة حاجة العملاء إلى هذا الشعور بالهدوء والراحة والاستقرار.

 

تشير توجهات السوق الحالية إلى أن العديد من المستهلكين يبحثون عن منتجات محلية وصنعها أشخاص حقيقيون وتقليدية أو على الأقل تُذكّرهم بطفولتهم.

نرى ذلك في قطاع الأغذية، على سبيل المثال، في شكل تزايد أسواق المزارعين وزيادة الطلب على منتجات المخابز التقليدية يدوية الصنع و"حركة محبي الطعام المحلي" (locavore movement) والعودة إلى العلامات التجارية المتخصصة في منتجات البقالة التقليدية خلال جائحة "كوفيد-19". وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة "إتسي" (Etsy)، وهي سوق عبر الإنترنت للمنتجات المصنوعة يدوياً، عن وصول عدد المستخدمين إلى 81.9 مليون مستخدم وتحقيق مبيعات إجمالية للبضائع بقيمة 10.3 مليارات دولار حول العالم في عام 2020 (Etsy 2021). هذه التوجهات تثير الدهشة عند النظر إليها في ضوء العولمة والرقمنة وهوس المجتمع الحديث بالتكنولوجيا والابتكار.

ما الذي يدفع كل هذا؟ نجادل في ورقة بحثية حديثة بأن هذه التوجهات تنبع من حاجة المستهلكين المتزايدة إلى الشعور بالراحة والهدوء والاستقرار. ونظراً إلى أن الرقمنة والعولمة جعلتا حياتنا الاجتماعية والعملية افتراضية ومتسارعة ومعتمدة على الأجهزة المحمولة بصورة متزايدة، أصبح عدد متزايد من الأشخاص يشعرون أنهم فقدوا استقرارهم العاطفي. يحتاج العملاء إلى الشعور بالراحة والهدوء، ويلبون هذه الحاجة عن طريق شراء المنتجات التي تربطهم بالأماكن والأشخاص والماضي. على سبيل المثال، توفر أسواق المزارعين منتجات تأتي من موقع قريب محدد جيداً، ويزرعها ويبيعها أشخاص حقيقيون يمكن للعملاء بناء علاقة شخصية معهم، وغالباً ما تُزرع بطرق أكثر اتساماً بالطابع التقليدي أو بمزيج من الطرق التقليدية والمتوارثة.

كشفت دراسة استقصائية أجريناها مع لجنة تمثيلية للمستهلكين في الولايات المتحدة أن المستهلكين الذين تأثر عملهم اليومي وحياتهم الشخصية بشكل أكبر بالتوجهات الرئيسية مثل الرقمنة والنمو الحضري والتغييرات العالمية لديهم حاجة أكبر إلى الشعور بالهدوء والراحة. غالباً ما كان أعضاء اللجنة الذين سجلوا درجات عالية في هذه الحاجة يؤدون الكثير من الأعمال المكتبية على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وكان وضعهم الاجتماعي والاقتصادي أفضل، وكان لديهم اعتقاد قوي بأن "كوفيد-19" قد جعل حياتهم في حالة تغير مستمر، كما أنهم يعيشون في المدن الكبرى.

كان هؤلاء المستهلكون أكثر اهتماماً بشراء المنتجات التي تربطهم بمكان معيشتهم وشعوبهم وماضيهم. وفي تجربة أجريناها، وجدنا أن المشاركين كانوا على استعداد لدفع مبلغ أكبر بنسبة 60% مقابل صابونة مغلفة كمنتج مستقل مصنوع يدوياً مقارنة بمنتج صناعي تقليدي لأنها منحتهم شعوراً أقوى بالارتباط بالمكان والأشخاص والماضي.

الشعور بالراحة والهدوء ينطوي على آثار مهمة. فقد وجدنا في دراسة استقصائية أخرى أن المشاركين الذين استخدموا التفاح المحلي بدلاً من التفاح غير المحلي في خبز الفطائر أفادوا بشعورهم أنهم أكثر قوة وأمناً واستقراراً وأيضاً أكثر قدرة على تحمل الشدائد. فالشعور بالراحة والهدوء والاستقرار يشبه وجود أساس قوي يمنح الأشخاص القوة والمرونة.

يمكن لخبراء التسويق الاستفادة من هذه المشاعر من خلال تكييف مزيجهم التسويقي لاستهداف شرائح العملاء بطريقة استراتيجية مع زيادة حاجة العملاء إلى هذا الشعور بالهدوء والراحة والاستقرار. إلى جانب التعريف بالمنتج المستقل أو التأكيد على أنه من مصدر محلي، يمكنهم تسليط الضوء على الأشخاص الذي عملوا على منتجاتهم، واختيار تصميمات للمنتجات والمتاجر يغلب عليها الطابع التقليدي، واستخدام قنوات توزيع مثل أسواق المزارعين لتمكين هؤلاء العملاء من بناء صلة أفضل بالأماكن والأشخاص والماضي الذي تذكّرهم به هذه المنتجات.

على سبيل المثال، نجحت سلسلة متاجر البقالة النمساوية "بيلا" (Billa) على مدار السنوات الماضية في أن تكون علامة تجارية تُشعر العملاء بالراحة والهدوء من خلال تسهيل ربطهم بالأماكن والأشخاص والماضي. فقد عرّفت الشركة في حملة إعلانية قومية أطلقتها مؤخراً عملاءها على المزارعين الموردين للإشادة بمنتجاتهم والتعرف عليهم. وأنشأ أداء جوني كاش لأغنية غوردون لايتفوت الكلاسيكية "إذا استطعت أن تقرأ عقلي" (If You Could Read My Mind) رابطاً موسيقياً بالماضي، ما أدى إلى تعزيز الصور والتأكيد على تقاليد المزارعين المحليين الذين تمت الإشارة إليهم بإيجاز بأنهم "الأشخاص الذين يجعلوننا نشعر بالراحة والهدوء". على الرغم من صعوبة استخلاص استنتاجات سببية من بيانات الرصد، فإن تطور مبيعات العلامة التجارية لعام 2020 يشير إلى قوة التسويق القائم على ربط العملاء بالأماكن والأشخاص والماضي. شهدت "بيلا" أكبر زيادة في المبيعات (+6.89%) من بين جميع العلامات التجارية للبيع بالتجزئة التابعة لمجموعة "ريفه" (REWE) المالكة لـ "بيلا"، وفي تقرير صدر مؤخراً عن المجموعة تم تحديد التركيز على المنتجات الإقليمية كأحد عوامل النجاح الرئيسية. أوضح مدير التسويق في "بيلا" على وسائل التواصل الاجتماعي: "لا شيء يشعرنا بالهدوء والراحة أكثر من جذورنا".

تُعد شركة "لاش" (Lush) لمستحضرات التجميل مثالاً أيضاً على استخدام هذا النوع من التسويق بنجاح. بالإضافة إلى الإنتاج اليدوي والتصميم التقليدي للمتجر والعبوات، تمنح "لاش" كل منتِج "وجهاً" من خلال وضع صورة رقمية له على منتجاته ويرسمها مصممو الغرافيك مع اسمه الأول. أشار موظف سابق في "لاش" إلى أحد أسباب اتباع هذه الاستراتيجية قائلاً: "لإنشاء رابط بينك وبين الشخص الذي صنع [المنتج]". يبدو أن هذه الجهود تؤتي ثمارها؛ فقد انعكست في مبيعات العلامة التجارية السنوية التي تجاوزت 900 مليون جنيه إسترليني في العام الذي سبق الجائحة (2019)، وهي زيادة قدرها 300% تقريباً مقارنة بعام 2012. يؤكد بحثنا هذه العلاقة؛ فقد أدى تسليط الضوء على الأشخاص وراء المنتج إلى زيادة رغبة المستهلكين بنسبة 27% في الدفع مقابل نوع معين من الكعك في تجربة متوافقة مع الحوافز.

هناك دليل آخر مثير للاهتمام على هذا المفهوم في منتَج "وي باي يوبلاي" (Oui by Yoplait) من شركة "جنرال ميلز" (General Mills)، وهو زبادي فاخر على الطريقة الفرنسية مع روابط واضحة بالماضي: إذ يباع الزبادي في وعاء زجاجي، مع طباعة كلمة "Oui" واسم النكهة المحددة (كالفراولة) بخط اليد، في إشارة إلى الأوقات المميزة التي كنا نقضيها مع جداتنا. ومن المثير للاهتمام أن البحوث الحديثة تُظهر أن الخطوط اليدوية (مثل: DJB This is Me وMoon Flower) وحدها يمكن أن تجعل المنتجات أكثر صلة بالأشخاص وبالتالي فإنها تزيد المبيعات. ففي تجربة ميدانية نُشرت في "مجلة بحوث المستهلكين" (Journal of Consumer Research)، كان عملاء متجر يقدم الشوكولاتة أكثر ميلاً إلى حد كبير إلى شراء الشوكولاتة عندما كُتب على العبوة بخط يدوي (17%) مقابل خط مكتوب آلياً (3%). وصفت شركة "نيلسن" (Nielsen) هذا الزبادي بأنه "ابتكار خارق" وحقق أكثر من 100 مليون دولار في مبيعات السنة الأولى لشركة "جنرال ميلز" على الرغم من أنه في فئة متعسرة وتشهد تراجعاً.

يبدو أن التسويق القائم على المنتجات المرتبطة بأماكن أو أشخاص أو ربط العملاء بالأماكن والأشخاص والماضي هو أداة حقيقية وعملية لتقديم عروض منتجات وخدمات أكثر نجاحاً. ويشير بحثنا إلى أن هذا النوع من التسويق قد يكون واعداً بوجه خاص في أوقات الركود من العام عندما يحتاج المستهلكون إلى بذل المزيد من الجهد "لإعادة" ارتباطهم بالأماكن والأشخاص والماضي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي