سيفهم من يتخذ العمل في التدريس أو إلقاء المحاضرات أو تيسيرها مصدراً للرزق أهمية بناء صلة مع الحضور، فمن الضروري أن نبدو طبيعيين محاولين تجنب الملل في الاجتماعات الافتراضية، وأن نجعل جمهورنا يضحك ويشعر وبالراحة ويتفاعل معنا جيداً، وربما أن يستغرق تماماً فيما نقدمه. ولهذا يبدو إنشاء هذا الجو في بيئة افتراضية أمراً غير طبيعي ومحرجاً، لأننا لا نرى الجمهور أمامنا بصورة شخصية.
وبناء على عملي كأستاذ جامعي، أصارع الآن مع صعوبة التدريس وإلقاء العروض التقديمية في عالم يسوده فيروس "كوفيد-19"، وبدأت مؤخراً في بث محاضراتي على الإنترنت نتيجة لهذا الوباء. ولكني أعمل في التدريس والتيسير على الإنترنت من قبل أن تبدأ هذه الأزمة، وألقيت كلمات رئيسية عدة مرات كان الحاضرون فيها بالمئات، وشاركت في اجتماعات افتراضية كعضو وكمستشار أيضاً. كما قدمت تدريباً لأشخاص في مناطق مختلفة حول العالم، وكنا جميعاً نحدق في دائرة الكاميرا الصغيرة أعلى شاشات الكمبيوتر المحمول (اللاب توب) أو الأجهزة اللوحية.
ما الذي تعلمته بشأن التدريس والتيسير على الإنترنت من هذه الخبرات المختلفة على مدى الأعوام القليلة الماضية؟ تعلمت أنه أمر مختلف تماماً، وليس مجرد اجتماع شخصي أو محاضرة على شاشة. وعلى الرغم من ضرورة السعي لتحقيق نفس الأهداف التي نسعى لتحقيقها في المحاضرات واللقاءات على أرض الواقع، إلا أننا نحتاج إلى أدوات مختلفة.
كيفية تجنب الملل في الاجتماعات الافتراضية
ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، أود تقديم بعض النصائح التي يمكنها مساعدتك على التأقلم مع الاختلافات والاستفادة إلى أقصى حد من صيغة قد لا تكون قد اعتدت عليها بعد.
أضف شيئاً من الخصوصية
قد يبدو المحيط الافتراضي غريباً تماماً بسبب المسافة الجسدية والنفسية الكبيرة، ولذلك، يجب أن نبتكر. بداية، أفضل أن أصل إلى الاجتماع الافتراضي باكراً، كي أتمكن من تحية المشاركين عند ظهورهم على الشاشة واحداً تلو الآخر والانخراط في أحاديث صغيرة ودية قبل بدء الاجتماع الأساسي. كما أشجع المشاركين على تشغيل كاميراتهم إن أمكن بهدف تعزيز التواصل الشخصي. لأن البعض يحتاجون إلى وقت لتحضير أنفسهم كي يشعروا بالراحة والقدرة على الحضور عبر الفيديو. وعادة، أعلمهم مسبقاً إذا ما كانت هناك حاجة لاستخدام الفيديو.
كما أحاول أن أتخيل رد فعل من أتعامل معهم، وخصوصاً إذا كنت ألقي عرضاً أمام مجموعة كبيرة، بما أنه ليس بالضرورة أن أتمكن من رؤية ردود أفعالهم هذه كما في العروض على أرض الواقع. مثلاً، عندما أنظر إلى الكاميرا أعلى الشاشة، أحرص على رسم ابتسامة ودودة متفاعلة وإطلاق ضحكة بين الحين والآخر والتحدث بنبرة ودودة متفاعلة. قد يبدو ذلك تمثيلاً في بعض الأحيان، ولكنه لا يبدو مزيفاً لي أنا على الأقل، بل أعتقد أنه ضروري من أجل إنشاء الأثر الدافئ الجاذب الذي أسعى لإنشائه.
وأخيراً، أحاول أن أخاطب المشاركين وأشير إليهم بأسمائهم، وأدعوهم لاستلام المنصة والمشاركة إذا شعروا بالراحة للقيام بذلك. وباستخدام ميزة الدردشة التي تشير إلى كل شخص وما يقوله إلى جانب صور الفيديو المترافقة مع أسماء المشاركين، يصبح التيسير ذو الطابع الشخصي أسهل.
عبر عن ترحيبك وحضورك
عندما ننظر إلى الشاشة عادة، ننظر إليها ببرود من دون تفاعل ونحن جالسين على الأريكة المريحة لمشاهدة العرض التلفزيوني المفضل أو الاستماع إلى حلقة دراسية عبر الإنترنت (ويبينار) أو فيديو تعليمي. ولكن عندما تعمل على تيسير اجتماع على الإنترنت، يجب أن تظهر بشخصية متفاعلة ونشطة في بيئة لا تساعد على ذلك بالضرورة.
وهناك عدة أمور صغيرة يمكنك فعلها كي تضفي دفئاً افتراضياً على الاجتماع. بداية، حاول أن "تنظر" إلى المشاركين "مباشرة" عن طريق النظر إلى الكاميرا قدر الإمكان. يمكن أن يكون ذلك صعباً، وخصوصاً إذا كانت صورة المشاركين بعيدة عن موضع الكاميرا على جهازك. ولذلك، أنقل عادة صور المشاركين يدوياً إلى أقرب نقطة من موضع الكاميرا، كي أتمكن من "النظر" إليهم مباشرة ورؤية استجابتهم في نفس الوقت.
يمكنك أيضاً محاولة التأكد من وضع الكاميرا في زاوية تجعل صورة وجهك مريحة لنظر المشاركين. عندما بدأت بالعمل عبر الإنترنت، أخطأت ووضعت جهاز اللاب توب على المكتب وأملت الشاشة لرفع الكاميرا باتجاه وجهي، ما أدى إلى ظهور منخريّ بوضوح للمشاهدين.
تماماً كما هو الحال في الاجتماعات على أرض الواقع، توجد قواعد وقوانين ثقافية خاصة بالاجتماعات عبر الإنترنت، كما يتمتع كل نوع من هذه الاجتماعات ببيئته الخاصة. لنأخذ مثلاً محاضرة ألقيها على طلاب جامعيين، أو اجتماع مع مساهمين في مشروع استشاري، سيكون من اللطيف تحويل الكاميرا إلى قطتي المستلقية بجانب قدمي على الأرض. وهذه طريقة رائعة لإدخال شيء من الدفء والتواصل. ولكن، لن أستخدم الأسلوب ذاته أثناء إلقاء كلمة رئيسية افتراضية على جمهور من ممثلي الشركات أو عرض تقديمي تعليمي لمسؤولين تنفيذيين، فهذه البيئة تتمتع بطابع رسمي أكثر. ولذلك، أبدأ غالباً بقصة شخصية أو سؤال للتصويت أو أطلب من المشاركين كتابة أسماء المناطق التي يتصلون منها. وكل ذلك من أجل إنشاء جو ذي طابع شخصي أكثر توافقاً مع بيئة الاجتماع.
تعود على تأخر التقييمات
مؤكد أن إلقاء عرض تقديمي افتراضي يعني أن تتعلم تقبل تلقي الآراء والتقييمات بطريقة مختلفة. مثلاً، عندما ألقي كلمة رئيسية افتراضية، لا أتلقى عادة أي آراء أو تقييمات لأدائي في الوقت الحقيقي. لا أرى أحداً يومئ برأسه، ولا جمهوراً يضحك، ولا أحظى بفرصة للتجول في القاعة والتفاعل مع الحاضرين. وفي اللقاءات عبر الإنترنت، يمكنني إلقاء خطاب كامل لمدة 30 -40 دقيقة وإنهائه، دون أن يكون لدي أي فكرة عن مدى فهم الجمهور للفكرة قبل أن أتحدث مع الجهة المنظمة للفعالية فيما بعد.
في بداية الأمر، اعتبرت ذلك مثيراً للقلق بل ومشتتاً للانتباه أيضاً، إذ كانت أفكاري حول أدائي وكفاءته تعترض الأداء نفسه. ولكن مع مرور الوقت، تعلمت أن أتوقع هذه المشاعر وأذكّر نفسي بأن محاضراتي عبر الإنترنت فعّالة جداً عموماً، حتى وإن لم أتلق أي تأكيد على ذلك لفترة طويلة بعدها.
حول الجلسة إلى نشاط تفاعلي
أحاول دائماً أن أجعل عروضي التقديمية على أرض الواقع ممتعة وتفاعلية، وباستخدام الأدوات المناسبة يمكنك جعل العالم الافتراضي تفاعلياً بذات الدرجة، إن لم يكن أكثر. على سبيل المثال، أستخدم ميزة الدردشة دوماً، فهي تمكنني من التعليق في الوقت الحقيقي أثناء الحديث، كما أستطيع إدخال المشاركين في نقاش. على سبيل المثال، قد أقول: كتبت أمل وجهة نظر رائعة بخصوص الاختلافات الثقافية في الديناميات الجماعية، ويبدو أن لؤي لديه وجهة نظر مماثلة يود إضافتها، أيرغب أي منكما في شرح هذه النقطة لنا بتفصيل أكبر؟ إحدى أهم ميزات الوضع الافتراضي هو أنه يزيد سهولة المشاركة، فتحصل على الأفكار والرؤى من أشخاص قد لا يفضلون عادة التحدث في الاجتماعات على أرض الواقع.
وغالباً ما أستخدم ميزة التصويت على منصات الإنترنت في بداية الجلسة أيضاً. فهي طريقة جيدة للاستعداد للنقاش وفرصة مبكرة لإشراك الحاضرين ومساعدتهم على التفاعل.
كما بدأت باستخدام حجرات الاجتماع المنفصلة (break-out rooms) على منصة "زوم" (Zoom)، وهي تمكنني من توجيه مجموعات صغيرة من الطلاب بصورة فورية إلى حجرات الدردشة الخاصة بهم لمناقشة قضية أو مسألة قبل تقديمها للمجموعة الأكبر. أما بالنسبة للعمل كميسر، فلدي الفرصة للانضمام إلى هذه الغرف بنفسي إذا رغبت في ذلك، كما لو كنت أتجول بين المجموعات في القاعة في فعالية أيسرها على أرض الواقع. وعندما أصبح جاهزاً، أعيد الجميع إلى الاجتماع العام بنقرة على زر الفأرة.
نتأقلم جميعنا مع العمل بطرق جديدة، وسيُخرج الانتقال إلى منصات الإنترنت كثيراً منا من مناطق راحتهم. ومن الضروري أن نعترف أنه على الرغم من اختلاف طريقة العمل هذه وصعوبتها نوعاً ما، إلا أنها تتمتع بعدة مزايا أيضاً. وربما كانت أهم ميزة هي أنها تتيح استمرار التواصل والتفاعل فيما بيننا في فترة عصيبة على الجميع، ولهذا عليك محاولة تجنب الملل في الاجتماعات الافتراضية.