الملتزمون بعملهم معرضون للإرهاق!

4 دقائق
الإرهاق بسبب الإلتزام

أحبت دانية مكان عملها الجديد وكانت متحمسة بشكل كبير للعمل فيه، وكان مدراؤها مسرورين جداً لالتزامها العالي، واحترافها، وتفانيها في العمل. لقد عملت لساعات طويلة للتأكد من أنّ فريق عملها موجه بدقة، وكانت تسلّم عملها في الوقت المحدد له، وتتأكد من أنّ أداء فريقها لا يقل مستواه عن الممتاز. لكنها أصيبت بالإرهاق بسبب الإلتزام، ففي الشهرين الأوائل، نظمت عملية التسويق لمؤتمر ضخم بمفردها، كما رتبت جميع التفاصيل المتعلقة به، وجمعت له المعلومات بشكل كامل. كان ذلك عملاً مذهلاً منها. 

على الرغم من ذلك، ففي الأسابيع الأخيرة التي سبقت الحدث، بلغت درجة توتر دانية مستوى رهيباً، وعانت من أعراض إرهاق شديد، اشتملت على الشعور بالإنهاك جسدياً، وعاطفياً، إضافة إلى الاكتئاب، كما عانت من مشاكل في النوم. فتم نصحها بأخذ إجازة من العمل. لذا لم تحضر دانية المؤتمر أبداً، واحتاجت لفترة استشفاء طويلة قبل أن تستعيد عافيتها وأدائها السابقين. لقد نتجت أعراض الإرهاق لديها عن التوتر  لمدة طويلة، واستنزاف مواردها مع مرور الوقت.

هل يعني الالتزام الازدهار في العمل أم لا؟

يشكل التزام الموظفين القلق الرئيسي لقادة الموارد البشرية، حيث يناقش المدراء والباحثون المهتمون، عاماً بعد عام، إحصائيات غالوب الصادمة التي تقول أنّ 7 من أصل 10 موظفين أميركيين يبدون عدم الالتزام. فأصبحت كيفية رفع سوية التزام الموظف هي الشغل الشاغل للشركات، والمستشارين على وجه العموم.

اقرأ أيضاً: كيف نساعد موظفي قطاع الرعاية الصحية على تجنب الإنهاك؟

إنّ النتائج الإيجابية للالتزام تتضمن: إنتاجية أعلى، وجودة في العمل، وأمان مرتفع، والحفاظ على الموظفين. وتُعد هذه النتائج ثابتة للدرجة التي قام بعض الباحثين كأرنولد باكر، أستاذ العمل، وعلم النفس التنظيمي، في جامعة إيراسموس روتردام، وزملاؤه، بربط الالتزام بالعمل بتجربة "الازدهار في العمل". وبالمثل، قالت إيمي ريشلي، أستاذة في علم النفس التثقيفي في جامعة جورجيا، وزملاؤها "أنّ التزام الطلاب في المدارس هي علامة على الازدهار".

إنّ للالتزام بالعمل منافعه من دون أدنى شك، وجميعنا نلاحظ أننا عندما نلتزم بشكل كبير بعمل ما بغية الوصول إلى هدف معين، فإننا نختبر أموراً ليست إيجابية دائماً: كمستويات عالية من التوتر. وهنا تختلف الأمور، وتصبح أكثر تعقيداً.

أجريت دراسة حديثة من قبل مركزنا للبحوث في جامعة ييل (Yale) للذكاء العاطفي، بالتعاون مع  مؤسسة فاس (Faas)، والتي طرحت شكوكاً حول الفكرة التي تقول "أنّ الالتزام تجربة مفيدة بحتة". واختبرت هذه الدراسة مستويات الالتزام والإرهاق، عند 1,000 موظف أميركي. وأظهرت الدراسة أنّ الالتزام تجربة إيجابية بحتة، لدى بعض الأشخاص، فاثنان من كل خمسة موظفين في دراستنا أبدوا التزاماً عالياً، وإرهاقاً منخفضاً. كما أبدى هؤلاء مستويات عالية من النتائج الإيجابية (الشعور بمشاعر إيجابية، واكتساب مهارات جديدة)، ونتائج سلبية منخفضة (الشعور بمشاعر سلبية، أو البحث عن عمل آخر). ندعو هؤلاء بالمجموعة الملتزمة بشكل مثالي.

وعلى الرغم من ذلك، تظهر هذه البيانات أنه واحد من كل خمسة موظفين أبدوا التزاماً وإرهاقاً عاليين. ندعو هذه المجموعة بالمجموعة الملتزمة المرهقة. هؤلاء الموظفون شغوفون بعملهم، لكن تتولد لديهم مشاعر متباينة بشدة حوله، فيبدون مستويات عالية من الاهتمام، والتوتر، والإحباط. بينما يظهرون سلوكيات محببة كاكتساب مهارات عالية، حيث يبدي موظفو هذا النموذج الواضح، نوايا تحول كبيرة في هذه العينة، بشكل يفوق المجموعة غير الملتزمة. ما يعني أنّ الشركات معرضة لخطر خسارة بعض أكثر موظفيها اجتهاداً، وحماساً، ليس بسبب انعدام الالتزام، بل بسبب تجارب متزامنة من التوتر العالي والإرهاق.

كيفية الحفاظ على الالتزام المرتفع لدى الموظفين دون تعرضهم للإرهاق خلال هذه العملية

في الوقت الذي تنصب فيه جهود الموارد البشرية على التساؤل عن كيفية تعزيز التزام الموظفين، نحن بحاجة فعلاً لاتخاذ طريقة مختلفة، ونتساءل عن كيفية تعزيز عملية الالتزام لدى الموظفين مع تفادي تعرضهم للإرهاق خلال هذه العملية. لدينا هنا الفروق الرئيسية التي توصلنا إليها بين الموظفين الملتزمين بشكل مثالي الموظفين الملتزمين المرهقين التي يمكن أن تلقي الضوء حول كيفية ذلك:

تحدّث نصف الموظفين الملتزمين بشكل مثالي عن تمتعهم بموارد عالية، كدعم المشرفين، والمكافآت، والتقدير، والفعالية الذاتية في العمل، لكنهم في المقابل، فإن متطلباتهم قليلة، كانخفاض عبء العمل، وتدني البيروقراطية البطيئة، وكانت متطلبات التركيز والانتباه تتراوح من منخفضة إلى معتدلة. وفي المقابل، فالتجارب المماثلة في ما يتعلق بالموارد العالية، والمتطلبات المنخفضة، كانت نادرة ضمن الموظفين الملتزمين المرهقين (4 في المئة)، فغالبيتهم وهم (64 في المئة) أكدوا أن متطلباتهم ومواردهم عالية.

هذا يمنح المدراء إشارة إلى النقطة التي يجب البدء منها لدعم موظفيهم للوصول بهم إلى التزام مثالي. ففي سبيل دعم الالتزام، من الضروري توفير الموارد التي يحتاجها الموظفون للقيام بعملهم بشكل جيد، والشعور بالرضا تجاه أعمالهم، والتعافي من عوامل التوتر التي يختبرونها خلال العمل.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مشاعر التعب والخوف والذعر عند الأزمات؟

إنّ العديد من أقسام الموارد البشرية، الذين يعرفون الموظفين الذين يشعرون بالتوتر، يقدمون لهم برامج الصحة لمحاربة التوتر، عن طريق الطعام الصحي، أو التمارين، أو التركيز الذهني. وفي الوقت الذي نعلم فيه أنّ التوتر المزمن ليس جيداً للموظفين، لا تُعتبر مبادرات الشركة للعافية الطريقة الأساسية للاستجابة للتوتر. فتظهر بيانتنا أنّ مبادرات العافية قد تكون مفيدة، لكن المشكلة الأكبر هي العمل بحد ذاته. لذا يجب أن يعمل مدراء الموارد البشرية مع مدراء الخطوط الأمامية لمراقبة حجم المتطلبات التي يفرضونها على الأشخاص، كما عليهم الموازنة بين المتطلبات، والموارد. فكلما ارتفع حجم متطلبات العمل، كلما احتاج الموظفون للدعم، والشكر، ولفرص التعافي من التوتر أكثر.

الأهداف المرنة

يشكل التحدي حافزاً كما قلنا سابقاً. وفي الوقت الذي تبدو فيه تلك الفكرة صحيحة، قد ننسى أنّ التحديات الكبرى غالباً ما تكلف غالياً، وحالات الإنجاز التي تشكل تحدياً لا تسبب القلق، والتوتر، حتى بالنسبة لأكثر الأشخاص حماساً فحسب، بل تقود إلى الإجهاد. وتتباين الأبحاث حول الأهداف المرنة، فبالنسبة لبعض الأشخاص، يقود تعقب الهدف الطموح إلى أداء أعلى مما إذا كانوا يتعقبون هدفاً عادياً. بينما تقود هذه الأهداف المرنة بعض الأشخاص لفقدان الحافز، أو التعرض للمخاطر، أو تقودهم للاستقالة.

اقرأ أيضاً: كيف تكون عطوفاً مع الآخرين من أجل تجنب الإنهاك؟

يمكن أن يساعد المدراء وقادة الموارد البشرية موظفيهم عن طريق تخفيف المتطلبات التي يفرضونها عليهم، والتأكد من واقعية أهداف صاحب العمل، وإعادة التوازن لعبء العمل الملقى على عاتق الموظفين الذين يُثقل كاهلهم بالكثير من العمل، بحجة مهارتهم وإنتاجيتهم بشكل خاص، كما بإمكانهم زيادة الموارد المتوفرة للموظفين، وهذا لا يتضمن الموارد المادية فقط، كالوقت والنقود، بل يشمل الموارد غير الملموسة كالتعاطف والصداقة في مكان العمل، وإراحة الموظفين في الأوقات التي تخلو من العمل، وذلك عن طريق تجنب مراسلة الأشخاص إلكترونياً بعد ساعات العمل، والتقيد بمبدأ أنه لا عمل في المساء، أو خلال العطل، والتشجيع على استراحة الغداء في وسط النهار. إذ يُعتبر التوازن أمراً مهماً جداً.

البيانات واضحة

إنّ الالتزام أمر مهم جداً، وهو ما يجب أن نناضل من أجله، كقادة، وموظفين. لكن ما نريده هو التزام ذكي، التزام يقود إلى الحماس، والحافز، والإنتاجية من دون إرهاق. فيجب أن تتوازن المتطلبات المتزايدة على الموظفين مع الموارد المتزايدة، خاصة قبل مواعيد التسليم الهامة، وخلال أوقات التوتر الأخرى، وذلك من أجل تجنب الإرهاق بسبب الإلتزام.

اقرأ أيضاً: كيف يتفادى المدراء إنهاك موظفيهم؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي