عندما أصبحت مايا الرئيسة التنفيذية للتسويق في إحدى شركات السلع الاستهلاكية، بدأت تلاحظ أن الرئيس التنفيذي يطرح عليها أسئلة دقيقة وتفصيلية متكررة حول الجداول الزمنية للحملات التسويقية، وهو أمر بدا أنه غير معتاد بالنسبة لشخص في مثل مكانتها ومستواها الوظيفي. تعاملت في البداية مع تدخلات الرئيس التنفيذي على أنها نوع من ممارسة الإدارة التفصيلية، لكن هذه التدخلات كانت تخفي في الواقع مخاوفه العميقة وغير المعلنة بشأن قدرتها على تنفيذ المهام بسرعة ومرونة. لم تكن مايا تدرك أن الرئيس التنفيذي بدأ يشك فيما إذا كان قد اتخذ القرار الصحيح بتوظيفها.
في الوقت نفسه، لاحظ النائب الأول لرئيس الشركة للموارد البشرية، أحمد، أن زملاءه في فريق القيادة أصبحوا يكتفون بإرسال ممثلين عنهم لحضور جلسات تقييم كبار الموظفين من أصحاب المواهب، بدلاً من حضورها بأنفسهم كما كانوا يفعلون سابقاً. ازداد إحباط أحمد بسبب ضعف تفاعلهم ومشاركتهم، لكنه لم يدرك أن سلوكهم يعكس تصوراتهم غير المعلنة بأنه لا يحسن استثمار وقتهم بفعالية، وربما يرون أيضاً أن طريقة إدارته للاجتماعات تعكس نمطاً إدارياً غير فعّال، وأن القسم الذي يقوده يعاني تضخماً وظيفياً وضعفاً في الكفاءة التشغيلية.
يوضح هذان السيناريوهان تحدياً شائعاً في القيادة يتمثل في إدراك متى تُخفي التفاعلات التي تبدو مجرد إجراءات عملية ملاحظات أعمق. عندما يفشل القائد في اكتشاف التلميحات غير المباشرة التي قد تدل على ملاحظات مهمة، فإنه يفوّت فرصة فهم المعلومات المهمة المتعلقة بأعماله أو علاقاته أو مؤسسته والتفاعل معها. ويمكن أن يتعرض لهذا الفشل في اكتشاف الملاحظات من المستويات كافة، من مرؤوسيه الذين يعملون تحت إشرافه، أو من رئيسه المباشر، أو من نظرائه في المستوى نفسه، أو من الجهات الخارجية مثل المستثمرين أو أعضاء مجلس الإدارة أو العملاء أو المورّدين أو الشركاء الاستراتيجيين. وبغض النظر عن الجهة التي يحدث فيها هذا الفشل في التواصل أو تلقي الملاحظات، فإن النتائج المترتبة عليه تكون وخيمة، ويشمل ذلك اتخاذ قرارات سيئة وتكرار الأخطاء وتوتر العلاقات وتباطؤ النمو.
لماذا تظل الملاحظات المهمة والضرورية مخفية أو غير معلنة؟
على الرغم من وجود عدد كبير من الكتب والمقالات والدورات التدريبية التي تشجع الناس على تقديم ملاحظات مباشرة أو التحدث بصراحة أو قول الحقيقة، فإن الملاحظات المهمة جداً تظل غالباً غير معلنة، أو في أفضل الأحوال تصل بطريقة غير مباشرة، أو تكون مخفية ضمن التفاعلات اليومية الروتينية أو الأسئلة أو الاقتراحات التي تبدو بسيطة وسطحية. ما هو سبب ذلك؟
أولاً، يتردد مقدمو الملاحظات غالباً في تقديم رسائل مباشرة، ولا سيما إذا كانت لديهم مخاوف من النتائج المحتملة أو إذا كانت ثقافة المكان الذي يعملون فيه لا تشجع على التحدث بصراحة ووضوح. ثانياً، في بعض الأحيان يظن الأشخاص أنهم قدموا الملاحظات بوضوح في حين أن طريقة تعبيرهم لم تكن كافية أو صريحة، على سبيل المثال، يمكن أن يقول شخص: "لقد صححتُ الخطأ نفسه 3 مرات، أليس من الواضح أنني غير راضٍ عن العمل؟" أخيراً، قد لا يدرك الأشخاص الذين لديهم انتقادات أو اقتراحات أنهم يمتلكون ملاحظات مهمة تستحق المشاركة. ربما ينشغلون بإنجاز المهام واحدة تلو الأخرى، أو لا يدركون مخاوفهم الحقيقية، أو يفتقرون إلى الكلمات المناسبة للتعبير عن حدسهم وأفكارهم، أو ربما لا يعرفون تماماً الرسالة الجوهرية والمهمة التي يجب عليهم إيصالها.
بغض النظر عن السبب، فإن بقاء الملاحظات غير واضحة أو مخفية يترك القادة في حالة جهل بما يجري حولهم. وتظل المخاوف الرئيسية غير معلنة، وتُهمل إشارات التحذير المبكرة، ولا تصل الرؤى القيّمة إلى القادة. وعندما تتفاقم المشكلات وتصبح واضحة بحيث لا يمكن تجاهلها، يجد القادة أنفسهم يتساءلون: "لماذا لم يخبرني أحد بذلك قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟".
كيفية اكتشاف التلميحات غير المباشرة التي قد تدل على ملاحظات مهمة والتعلم منها
يمكن للقادة اتخاذ خطوات عملية للكشف عن التلميحات غير المباشرة وضمان الحصول على المعلومات المهمة حقاً. إذا كنت ترغب في ضمان حصولك على الملاحظات التي تحتاج إليها، فيمكنك تجربة هذه الاستراتيجيات الأربع:
1. ابحث عن التلميحات غير المباشرة
تشبه التلميحات غير المباشرة التي قد تدل على ملاحظات مهمة التيارات التي تترك تموجات خفيفة تحت سطح المياه الساكنة وتُخلّف آثاراً أو إشارات يمكن رصدها إذا كنت تعرف كيفية ملاحظتها. من خلال تدريب فضولك على التعرف إلى هذه الإشارات، يمكنك الكشف عن المخاوف غير المعلنة قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مشكلات أكبر. إليك 3 مؤشرات رئيسية يجب الانتباه لها:
- تكرار الأسئلة أو الاقتراحات حول تفاصيل تبدو صغيرة
إذا تكرر تركيز أصحاب المصلحة على اقتراحات أو أسئلة تبدو بسيطة في ظاهرها، فقد يكون ذلك مؤشراً على مخاوف عميقة وغير معلنة بشأن القدرات أو الجاهزية أو الأداء. تتراكم عادةً هذه التفاعلات البسيطة والإشارات غير المباشرة لتشكّل ملاحظات غير معلنة تعكس تصورات عن وجود نقاط ضعف خفية أو ثغرات في أسلوب القيادة.
- زيادة المشاركة في القرارات التكتيكية. عندما يبدأ البعض بالتدخّل فجأة، سواءً من خلال الحضور المباشر أو إرسال من ينوب عنهم، للمشاركة في القرارات التي لا تقع ضمن نطاق مسؤولياتهم عادة، أو عندما يطلبون إجراء مراجعات أكثر من المعتاد، فقد يكون ذلك مؤشراً على تراجع مستوى الثقة.
- انخفاض غير متوقع في مستوى المشاركة. عندما يقلل الأشخاص مستوى مشاركتهم أو تفاعلهم دون توضيح السبب، فمن الممكن أن يكون ذلك إشارة إلى عدم رغبتهم في المشاركة أو تراجع أهمية العمل بالنسبة لهم، وفي كلتا الحالتين يمكن أن يشير ذلك إلى مخاوف متزايدة بشأن فعالية القيادة أو التوافق الاستراتيجي.
إذا لاحظت مثل هذه الأنماط، فلا تتجاهلها، بل حاول أن تفهم أسبابها بفضول واهتمام حقيقيَين. واسأل نفسك: "ما هي الأمور أو المشكلات التي لم يصرَّح بها علناً؟ ما هي المخاوف التي قد تكون مخفية خلف هذه التصرفات البسيطة؟" كلما أسرعت في فهم الرسالة أو المغزى الحقيقي من هذه التصرفات، تمكنتَ من التعامل معها ومعالجتها بسرعة قبل أن تتفاقم.
مثالان عمليان
واصلت الرئيسة التنفيذية للتسويق، مايا، تقديم بيانات الجداول الزمنية التي كان يطلبها رئيسها التنفيذي باستمرار، لكنها بدأت تتساءل عمّا إذا كانت هناك مخاوف أخرى لديه لم يعبّر عنها صراحة. فبدأت بملاحظة أنماط الطلبات التي يقدمها، ما أثار فضولها لمعرفة الأسباب المحتملة التي تدفعه للسؤال باستمرار عن الجداول الزمنية للتنفيذ.
بعد أن تجاوز النائب الأول لرئيس الشركة، أحمد، مشاعر الاستياء والإحباط نتيجة عدم اهتمام زملائه بالاجتماعات التي يعقدها كما بدا له، أدرك أن انخفاض مستوى مشاركتهم قد يعكس أسباباً أعمق. وتساءل عن الأسباب المنطقية أو المبررة التي تفسر اختيارهم إرسال ممثلين عنهم بدلاً من حضور الاجتماعات بأنفسهم.
2. وفّر بيئة آمنة تسمح للآخرين بالتعبير عن الحقيقة
يحرص الأفراد على تقييم المخاطر المرتبطة بإخبارك الحقيقة الكاملة، سواءٌ أدركت ذلك أم لا. وكلما ازداد شعورهم بالأمان أكثر، كانوا أكثر استعداداً لمشاركة الملاحظات المهمة التي تحتاج إليها، وقلّ شعورهم بضرورة التحلي بالشجاعة والجرأة للتعبير عن ذلك.
تتمثل إحدى الطرق لزيادة شعور الآخرين بالارتياح عند تقديم ملاحظاتهم صراحة في جعل تقديم الملاحظات وعرضها جزءاً طبيعياً وأساسياً من عملية التعلم المستمرة. يمكن صياغة ذلك على النحو الآتي:
- "أنا أسعى إلى تعزيز قدراتي القيادية، وأقدّر وجهة نظرك وأحرص على الاستفادة من ملاحظاتك. ما هي نقاط الضعف والجوانب التي قد أغفل عنها ويجب أن أكون على دراية بها؟"
- "أود سماع وجهة نظرك حول مضمون رسالتي وأثر ما طرحتُه في اجتماع اليوم. ما هي الإشارات أو ردود الفعل التي لاحظتَها؟ وكيف تلقيتها أنت شخصياً؟"
- "بحكم منصبك، قد تكون لديك رؤية مختلفة وتلاحظ أموراً قد أغفل عنها. ما هي الأنماط أو المخاوف التي تعتقد أنه يجب عليّ أن أنتبه إليها؟"
قد يشعر الآخرون بالتردد في تقديم ملاحظات صريحة ومباشرة، حتى عندما يُطلب منهم ذلك. في هذه الحالات، قد يكون من المفيد طلب مشورة استراتيجية أو نصائح توجيهية بدلاً من ذلك. يمكن أن تسهم إعادة صياغة الطلب بهذه الطريقة في تقليل الحواجز والاستفادة من رغبة الناس الطبيعية في تقديم المساعدة، وتؤدي غالباً إلى رؤى قيّمة حول ثغرات الأداء وفرص التطوير. يمكن صياغة ذلك على النحو الآتي:
- "في إطار تطوير مسيرتي المهنية، أسعى دائماً للتحسين. ما هو الشيء الذي تعتقد أنه يمكنني فعله بطريقة مختلفة لتحسين أدائي؟"
- "بناءً على خبرتك ووجهة نظرك، كيف كنت ستتعامل مع هذا التحدي بطريقة مختلفة عن طريقتي؟"
- "إذا كنت تعمل على توجيه شخص يواجه ظروفاً مماثلة، فما هي الإرشادات التي ستقدمها له؟"
قد تضطر في بعض الحالات إلى توضيح الأنماط التي تلاحظها وطرح سؤال صريح عمّا إذا كانت هناك أمور مهمة يجب عليك معرفتها. يتيح هذا الاعتراف المباشر لأصحاب المصلحة التعبير عن مخاوفهم التي كانوا مترددين في طرحها بوضوح وصراحة. يمكن صياغة ذلك على النحو الآتي:
- "لاحظتُ أن هذا الموضوع يتكرر في العديد من المحادثات. هل هناك مشكلة أكبر أو مخاوف أعمق يجب علينا مناقشتها؟"
- "يبدو أن هذا الموضوع يتكرر في تفاعلاتنا ونقاشاتنا. ما هي المشكلات الأساسية وغير المعلنة التي يجب علينا معالجتها؟"
- "ألاحظ أن هذا النمط قد يشير إلى أمر مهم، هل يمكنك مساعدتي على فهم إذا كانت هناك جوانب أخرى يجب استكشافها والنظر فيها؟"
مثالان عمليان
بعد أن أثار اهتمام الرئيس التنفيذي بالجداول الزمنية فضول مايا، قالت له مباشرة: "لاحظتُ أنك تركّز على الجداول الزمنية، هل هناك ما يقلقك بشأن سرعة التنفيذ، أو أي أمور أخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فأود أن أفهم ذلك من أجل تحسين الأداء والوصول إلى أفضل النتائج".
على نحو مماثل، تحدّث أحمد إلى زملائه كل على حدة وقال: "لاحظتُ تكرار نمط معين في حضور الاجتماعات المتعلقة بكبار الموظفين من أصحاب المواهب، أود أن أعرف إذا كانت هناك مشكلة أو جانب ما في طريقتنا الحالية لا يناسبك، أو إذا كانت لديك اقتراحات حول كيفية تحسين هذه الاجتماعات".
3. استمع لتتعلم
بغض النظر عن السؤال الذي ستطرحه، يعتمد اكتشاف التلميحات غير المباشرة على قدرتك على الاستماع بفعالية. يختلف نمط الاستماع الذي نحتاج إليه ويمكن أن يُحدث فرقاً عن نمط الاستماع الذي يمارسه معظمنا؛ فهو لا يهدف إلى إثبات وجهة نظرك أو الدفاع عن موقفك أو التظاهر بالاهتمام. يعني الاستماع بهدف التعلم التركيز بعمق ووعي والسعي لفهم أهم الرسائل التي يحاول الطرف الآخر إيصالها إليك، وفيما يلي طريقة إتقانه:
تحلَّ بالصبر وامنح الطرف الآخر بعض الوقت. عندما تطلب الملاحظات من شخص لم يعتد تقديمها سابقاً، فقد يفاجئه هذا الطلب ويشعره بالارتباك. إذا التزم الصمت، فلا تتسرع في كسر هذا الصمت، بل امنحه فرصة لترتيب أفكاره. قد تضطر إلى تأجيل النقاش واستئنافه لاحقاً عندما يكون الطرف الآخر مستعداً. يمكنك تهيئته لهذا الأمر من خلال عرض السؤال عليه سلفاً وإخباره بأنك ترغب في معرفة أفكاره في اجتماعكما القادم. على سبيل المثال، يمكن أن تقول: "أود معرفة وجهة نظرك حول هذا الموضوع. هل يمكنك التفكير في هذا الأمر، ومناقشته معي عندما نلتقي في المرة المقبلة؟"
تابع استكشاف الملاحظات وتعمق أكثر. بمجرد أن يبدأ الطرف الآخر بالتعبير عن آرائه، لا تفترض أن أول ما يذكره هو الملاحظة الوحيدة أو المهمة التي يريد إيصالها، ولا سيما إذا كان متردداً في تقديم الملاحظات، فقد يبدأ بتقديم ملاحظة سطحية أو اقتراح غير مهم أو يتجنب الحديث بطريقة مباشرة لمعرفة رد فعلك. وبمجرد أن يبدأ الكشف عن بعض الملاحظات، شجعه على التعمق أكثر من خلال طرح أسئلة المتابعة، مثل: "هذا مثير للاهتمام، هل يمكنك توضيح ذلك؟" أو "ملاحظاتك مفيدة جداً، هل يمكنك أن تذكر مثالاً على ذلك؟" أو "رائع، هل هناك ملاحظات أخرى تود تقديمها؟".
أعِد صياغة ما سمعته لتتأكد من فهمك له. أخيراً، لا تتسرّع في الرد قبل أن تتأكد من استيعابك للملاحظات. لتجنب هذا المزلق، أعد صياغة ما سمعته وتحقق ممّا إذا كنت قد فهمته بطريقة صحيحة. على الرغم من فعالية هذه الاستراتيجية وأثرها الكبير، فإنها غير مستثمرة بالكامل؛ إذ يجب أن تكون جزءاً من أدوات أي قائد. تعمل هذه الاستراتيجية على تحسين فرص فهمك لما يقوله الطرف الآخر بدقة، بالإضافة إلى أنها تشير إلى مدى احترامك وتقديرك لآرائه، لأنك تأخذ الوقت الكافي للتحقق من أنك فهمت رسالته بالضبط.
مثالان عمليان
بعد أن طرحت مايا السؤال السابق الذي ذكرناه، اعترف رئيسها التنفيذي بأنه قلق بالفعل بشأن قدرة الشركة على التكيف بسرعة مع تغيرات السوق، وعندما طلبت منه توضيح مزيد من التفاصيل، قال إن قلقه يمتد ليشمل أقسام الشركة كافة. ثم قالت مايا: "ولكن للتأكد فقط، هل تشعر بالقلق تحديداً تجاه قسم التسويق؟" فأكد الرئيس التنفيذي أنه بالفعل يشعر بالقلق بشأن سرعة تنفيذ مهام التسويق، وقدّم بعض الأمثلة التي تعكس مخاوفه.
واكتشف أحمد أن زملاءه يرون اجتماعاته غير فعالة، الأمر الذي أدهشه، لأنه كان دائماً يبذل الكثير من الوقت والجهد في وضع جداول عمل مفصّلة ودقيقة تتيح للجميع الفرصة للتعبير عن آرائهم. بعد أن طلب أمثلة محددة على ذلك، تبيّن له أن زملاءه المشغولين كانوا يفضّلون الحصول على التحديثات والأسئلة سلفاً وأن تُخصص الاجتماعات فقط لمناقشة القضايا المثيرة للجدل التي تتطلب تفاعلاً مباشراً.
4. كافئ الطرف الآخر على شجاعته وجرأته في تقديم الملاحظات
بعد سماعك للملاحظات، من الضروري أن تقدم دعماً معنوياً إيجابياً للشخص الذي طرحها لأنه كان أكثر صراحة معك مقارنة بالماضي.
إذا لم يعتد هذا الشخص تقديم الملاحظات باستمرار في الماضي، فمن المحتمل أنه كان يشعر بعدم الارتياح والتردد عند التعبير عن آرائه صراحةً. لذلك، اعترف بجهوده وعبّر عن تقديرك لصراحته واشكره على الوقت الذي خصصه والشجاعة التي تحلّى بها من أجل طرح وجهة نظره.
تجدر الإشارة إلى أن التعبير عن التقدير لا يعني بالضرورة أنك توافق على ملاحظات الطرف الآخر أو تلتزم باتخاذ الإجراءات التي يأملها، بل يشير ذلك إلى أنك تقدّر آراءه وأنك مستعد للاستفادة من معارفه والتعلم من ملاحظاته. والأهم من ذلك هو أن هذا يُمثل استثماراً في العلاقة، لأن طريقة استجابتك لملاحظاته ستحدد مدى استعداده لمواصلة تقديم الملاحظات بصراحة في المستقبل أو كتمانها.
تقع على عاتقك الآن مسؤولية دراسة الملاحظات وتقييمها وتحديد الإجراءات المناسبة بناءً عليها. لتسهيل هذه المهمة، يمكنك الاستعانة بصديق أو مدرب أو مرشد مهني. بمجرد أن تفعل ذلك، احرص على المتابعة والتواصل مع الأشخاص الذين قدموا هذه الملاحظات مجدداً. أوضح لهم كيف تعاملت مع ملاحظاتهم وإذا كنت تخطط لاتخاذ أي خطوات بناءً عليها. اطلب منهم إبداء ردود فعلهم وملاحظاتهم وإذا كانت لديهم أي جوانب إضافية يعتقدون أنه يجب عليك النظر فيها (مع تأكيد أنك غير ملزم بتنفيذ ما يقولونه). هذا الأسلوب في المتابعة ضروري لضمان استمرارهم في تقديم الملاحظات بصراحة، لأنك تظهر لهم أنهم لا يضيّعون وقتهم أو جهدهم عندما يفعلون ذلك.
مثالان عمليان
على الرغم من أن المحادثة الصريحة بين مايا ورئيسها التنفيذي كانت مؤلمة وصعبة في البداية، فقد ساعدتها على تطوير نهج تسويقي أكثر مرونة مع تضمين مقاييس سرعة التنفيذ بانتظام في تقاريرها. توجهت مايا إلى الرئيس التنفيذي وعبّرت عن امتنانها لملاحظاته، وعرضت عليه نهجها الجديد وسألته عمّا إذا كان يلبي توقعاته ويعالج مخاوفه. وبعد فترة وجيزة، أشار الرئيس التنفيذي إلى أن ثقته في حملات فريق التسويق أصبحت في أعلى مستوياتها.
وعلى الرغم من شعور أحمد بالانزعاج في البداية، فقد عمل على إعادة تصميم أسلوبه في إدارة الاجتماعات وشكر زملاءه على صراحتهم. وفي غضون بضعة أشهر، أدرك أن الكثير من القضايا التي كان يعقد الاجتماعات لمناقشتها يمكن التعامل معها بكفاءة أكبر بكثير عبر الرسائل الإلكترونية، وعندما أصبح يدعو لعقد الاجتماعات الضرورية فقط، ارتفعت نسبة حضور المسؤولين التنفيذيين وتحسّن التعاون بين الأقسام بدرجة كبيرة.
تمثّل الفجوة بين الملاحظات التي يحتاج إليها القادة والملاحظات التي يتلقونها بالفعل أحد أهم العوائق التي تعرقل تحسين الفعالية القيادية، ولكن من الممكن معالجتها. من خلال تطوير المهارات اللازمة لاكتشاف التلميحات غير المباشرة التي قد تدل على ملاحظات مهمة وتهيئة بيئة آمنة نفسياً للحوار الصريح والاستماع بفضول واهتمام حقيقيَين وتشجيع الصراحة، يستطيع القادة تحويل هذه التفاعلات العادية إلى فرص استثنائية للنمو. في بيئات الأعمال التي يكون فيها التكيف أمراً بالغ الأهمية، يحقق القادة الذين يكتشفون التلميحات غير المباشرة ويستفيدون منها باستمرار ميزة تنافسية لا مثيل لها، فهم يلاحظون الجوانب والتحديات التي يغفل عنها الآخرون، ويعالجون المشكلات الصغيرة قبل أن تتفاقم، ويؤسسون ثقافات قائمة على الثقة وقادرة على الصمود أمام أصعب الظروف والتحديات.