المقومات التي تجعلك “متعدد الثقافات”

5 دقائق
مقومات متعدد الثقافات

لقد سمعت عن المجتمعات والجماعات المتعددة الثقافات، ولكن هل أعملت العقل في الأفراد متعددي الثقافات وما يضيفونه إلى المؤسسات؟ عادة ما يفكر الأفراد متعددو الثقافات - كالصينيين والكنديين والأتراك والألمان والعرب والأميركان - بشأن المسائل العالمية المتعلقة بمكان العمل ويتصورونها ويتصرفون حيالها ويستجيبون لها بأساليب أكثر تعقيداً من أقرانهم أحاديي الثقافة. فما هي مقومات متعدد الثقافات؟

إن بعض متعددي الثقافات يترجمون أوجه الاختلافات هذه إلى نجاح مهني. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على 100 مدير من المدراء المهاجرين في أميركا يعملون في وادي السيليكون أن المدراء المهاجرين الأميركيين فكروا بطرق أكثر تعقيداً من المدراء الذين رأوا أنفسهم ينتمون إلى ثقافات تعود للبلد التي أصلهم منها أو ثقافات أميركية فقط. ولذلك، صنفهم أقرانهم على أنهم مدراء أكفاء، وترقوا في السلك الوظيفي أسرع.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل بنجاح عبر الدول واللغات والثقافات المختلفة؟

مقومات متعدد الثقافات

وكثيرون تكتنفهم الحيرة حيال ما إذا كانوا متعددي الثقافات. وهل يعني انتسابك إلى آباء أو أجداد مهاجرين أو العمل على المستوى الدولي أو العيش في مدينة متعددة الثقافات أنك شخص متعدد الثقافات؟

هذا سؤال يجد حتى الخبراء صعوبة في الإجابة عنه، لأن التعددية الثقافية تُعرف بعدة سبل مختلفة. على سبيل المثال، يؤكد بعض الباحثين بأن سكان هونغ كونغ متعددو الثقافات نظراً للتاريخ الاحتلالي للمدينة. وعلى النقيض، يعرف الآخرون الأفراد متعددي الثقافات بقدرتهم على العمل بفعالية في أكثر من ثقافة واحدة، كإتقانهم للعديد من اللغات أو تحليهم "بعقليات متعددة الثقافات"، بمعنى أنهم قادرون على التفكير بسبل تعكس ثقافات متعددة.

انطلاقاً من أننا فريق دولي مكون من ستة أشخاص يمثلون 16 ثقافة مختلفة، فقد قررنا تبديد هذه الحيرة بدمج أفضل أجزاء التعريفات السابقة كلها. وبذلك، أدركنا أن الناس يمكن أن يكونوا متعددي الثقافات بدرجات متفاوتة. وبعد أن اطلعنا على 183 مقالة في مجالات تتراوح بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس - وكذلك في مجالي الإدارة والتسويق - عرفنا التعددية الثقافية لدى الأفراد بأنها الدرجة التي يعرفون بها أكثر من ثقافة واحدة ويتماهون معها ويهضمونها.

كيف تقيم مستوى التعددية الثقافية لديك؟

أجب عن الأسئلة التالية بخصوص كل بُعد لتقييم مستوى تعدديتك الثقافية. فكر في الثقافة بمعناها الواسع: إنها تشمل الثقافات القومية والثقافات المجتمعية التي تضم الأمم (الثقافة العربية مثلاً) والثقافات الإقليمية داخل الأمم (الثقافتين البنغالية والبنجابية في الهند مثلاً) والثقافات الهجينة والمتقاطعة (على سبيل المثال، ثقافة الميتي Métis الأصلية).

ما مدى إلمامك بكل من ثقافاتك؟

هل تتعدى معرفتك بثقافاتك "المعرفة المستمدة من الكتب"؟ وما مقدار معرفتك عن قيم أصحاب تلك الثقافات وفرضياتهم الثقافية الأساسية ومعتقداتهم وسلوكياتهم النموذجية؟ وما مدى إلمامك بتواريخهم وأبطالهم وتقاليدهم وعاداتهم ومؤسساتهم الاجتماعية؟ وما مدى إتقانك للغاتهم؟ وإذا سُئلت عن تلك الثقافات، فكم عدد النقاط الثقافية المميزة التي يمكنك حصرها في بضع دقائق؟ استخدم إجاباتك لتضع نفسك في مكان ما على هذا البعد، مستعيناً بطيف الاحتمالات المدرجة أدناه.

  • أحادي الثقافة: مستوى عال من المعرفة بثقافة واحدة
  • متعدد الثقافات شيئاً ما: مستوى عال من المعرفة بثقافة واحدة، ومستوى متوسط من المعرفة بثقافة أخرى
  • متعدد الثقافات على نحو معتدل: مستوى عال من المعرفة بأكثر من ثقافة واحدة
  • متعدد الثقافات بقدر كبير: مستوى عال من الإلمام بأكثر من ثقافتين

اقرأ أيضاً: 3 طرق لتحديد الاختلافات الثقافية ضمن أي فريق عالمي

إن مستوى إلمامك بالعديد من الثقافات تتجلى فائدته خصيصاً في إنجاز مهام متقاطعة الثقافات. لننظر مثلاً إلى هايدي، وهو موظف ياباني-أميركي يعمل في أحد الفروع الأميركية لشركة يابانية. أدرك هايدي أن رسائل المقر الرئيس يمكن أن تربك زبائنه الأميركيين، لأنهم استخدموا هيكلاً شائعاً في اليابان يبدأ بالمعلومات الثانوية وصولاً في نهاية المطاف إلى المشكلة الأساسية. وبدلاً من تمرير الرسائل المترجمة كما هي حرفياً، استغل هايدي معرفته متعددة الثقافات لإعادة صياغة الرسائل بشكل مباشر أكثر، ما جعل زبائنه يتلقون تلك الرسائل بشكل أفضل.

وعليه، إذا كانت لديك معرفة عميقة بأكثر من ثقافة واحدة، فيمكنك استغلاها لتمكين التفاهم بين الثقافات في شركتك.

إلى أي مدى تتماهى مع أكثر من ثقافة واحدة؟

غالباً ما يجد الذين يتماهون مع أكثر من ثقافة واحدة صعوبة في الإجابة عن السؤال التالي: "من أي بلد أنت؟" كم عدد الثقافات التي تخطر ببالك عندما تجيب عن هذا السؤال؟ وهل تقول "نحن" (بدلاً من "هم") عندما تتكلم عن أصحاب هذه الثقافات؟ وعندما ينتقد أحد هذه الجماعات، فهل يخالجك شعور بالإهانة على المستوى الشخصي؟ استخدم إجاباتك لتضع نفسك في مكان ما على بُعد التماهي هذا.

  • أحادي الثقافة: تتماهى مع مجموعة ثقافية واحدة.
  • متعدد الثقافات شيئاً ما: تتماهى في المقام الأولى مع ثقافة واحدة، وبقدر أقل مع ثقافة أخرى.
  • متعدد الثقافات على نحو معتدل: تتماهى بقوة مع أكثر من ثقافة واحدة.
  • متعدد الثقافات بقدر كبير: تتماهى مع أكثر من ثقافتين.

يمكن أن يساعد التماهي مع أكثر من ثقافة واحدة على تسهيل العلاقات مع الآخرين، بما في ذلك العلاقات بين الشركات. على سبيل المثال، مقارنة بالموظفين البريطانيين لشركة مستحضرات تجميلية مقرها المملكة المتحدة، استغل موظفو الشركة الصينيون-البريطانيون هوياتهم الثقافية المزدوجة لبناء قدر أكبر من الثقة مع الموظفين في الشركات الصينية الشريكة الجديدة. ولقد ساعدت علاقات الثقة التي أقامها الموظفون الصينيون-البريطانيون مع الموظفين العاملين في شركتهم البريطانية وشريكتهم الصينية في نهاية المطاف الموظفون الصينيون-البريطانيون على بناء تحالفات ناجحة بين شركاتهم.

إذا كنت تتماهى مع أكثر من مجموعة ثقافية واحدة، فيمكنك استغلال شبكة علاقاتك لتوصيل الناس بعضهم ببعض عبر ثقافاتك.

إلى أي مدى هضمت أكثر من ثقافة واحدة؟

للإجابة عن هذا السؤال، تفقد قيمك ومعتقداتك وفرضياتك. هذا سؤال إشكالي، حيث إننا لا ندري غالباً كيف تشكل الثقافة أعمق جوانب أنفسنا وذواتنا. إلى أي مدى تؤثر الثقافات المختلفة على نظم القيمة الخاصة بك؟ هل تفكر في الأمور من منظور أكثر من ثقافة واحدة؟ وهل تؤثر تلك الثقافات على النحو الذي تشعر به؟ إلى أي مدى تستخدم القيم والمعتقدات والفرضيات المنتمية إلى أكثر من ثقافة واحدة عند اتخاذ القرارات؟ هل تجد نفسك منغمساً بلا وعي في سلوكيات ثقافية مختلفة وفقاً للموقف الذي تعيشه؟ استخدم إجاباتك لتضع نفسك في مكان ما على بُعد الاستيعاب هذا.

  • أحادي الثقافة: استوعبت ثقافة واحدة.
  • متعدد الثقافات شيئاً ما: استوعبت ثقافة واحدة أساسية وثقافة ثانية بقدر أقل.
  • متعدد الثقافات على نحو معتدل: استوعبت أكثر من ثقافة واحدة بالكامل.
  • متعدد الثقافات بقدر كبير: استوعبت أكثر من ثقافتين بالكامل.

عندما تهضم أكثر من ثقافة واحدة، يمكّنك ذلك من اكتساب مهارات تفكير أكثر تعقيداً، والتوصل إلى حلول مبتكرة للمشكلات. وعندما يستوعب الناس أكثر من منظومة ثقافية واحدة استيعاباً حميماً، تتجلى لهم أساليب جديدة للمزج بينها، ما يفضي بهم إلى ابتكارات. على سبيل المثال، تم تكليف موظف من شركة لوريال (L’Oréal) الفرنسية - الإيرلندية - الكمبودية بتطوير منتجات العناية بالبشرة للسوق الفرنسية. وكان يدرك على نحو أفضل من زملائه الفرنسيين أن عملية تطوير المنتج الفرنسي تعرقلها تعريفات فئاتها الصارمة. فبينما يرى زملاؤه الفرنسيون مساحيق التجميل ومنتجات العناية بالبشرة فئتين منفصلتين، وجد هذا الموظف فرصة سانحة للمزج ما بين الفئتين كما هو الحال في قارة آسيا. ولذلك، فقد قدم للسوق الفرنسية كريماً ملوناً لشد الوجه، وسرعان ما انتشر وذاع صيته بين الناس. وحتى مثل هذا التغيير البسيط في ظاهره غالباً ما يكون شاقاً، لأن معتقداتنا الثقافية هي التي تصنع إطاراً للفئات التي نراها في العالم.

لو استوعبت أكثر من ثقافة واحدة، فبإمكانك محاولة استغلال ذلك للمساعدة في الوصول إلى حلول مبتكرة لمعضلات محل عملك الدولية.

***

امزج بين إجاباتك الثلاثة عن الأسئلة الواردة أعلاه لتحديد مستوى تعدديتك الثقافية. إذا وضعتك إجاباتك وراء "أحادي الثقافة" على جميع الأبعاد الثلاث، فهذا يعني أنك تتحلى بمستوى ما من التعددية الثقافية بوسعك استغلاله لمساعدتك على إنجاز مهام متعددة الثقافات وإقامة علاقات بين الناس وتطوير حلول مبتكرة وأنك تمتلك مقومات متعدد الثقافات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي