ملخص: الأمر الوحيد المؤكد في العودة المرتقبة إلى المقرات المكتبية هو أنها محاطة بالكثير من الغموض. إذ لن يقتصر الأمر على عمل فريقك بطريقة مختلفة، بل سيمتد ليشمل عملاءك ومورّديك وشركاءك الذين سيعملون هم أيضاً بطريقة مختلفة. أضف إلى ذلك التغييرات الجذرية التي تعرّض لها الكثير من الأفراد خلال معايشتهم لتداعيات الجائحة العالمية. وستجد أن هناك موظفين متلهفون للعودة إلى العمل بشدة ويخافونه في نفس الوقت، وستجد أيضاً موظفين مترددين في العودة إلى العمل. ويتطلب الانخراط في هذه المحادثات الاستعداد لها أكثر من المعتاد. وتستعرض كاتبة المقالة الكثير من المزالق التي يجب توخي الحذر منها، كما تقدّم بعض التوجيهات الإرشادية لوضع الخطط الملائمة للعودة إلى العمل بالتعاون مع أعضاء فريقك.
هل تخشى إجراء المحادثات مع أعضاء فريقك حول العودة إلى المقرات المكتبية؟ أو ربما عدتم بالفعل إلى مقر العمل، ولكنك تريد إخبار أحد مرؤوسيك المباشرين بأن طريقة العمل المتفق عليها أثبتت فشلها. قد يكون من الصعب أن تجري حواراً آمناً وبنَّاءً حول العودة إلى المقرات المكتبية. ومن المفارقات العجيبة أن بعض الأخطاء التي قد ترتكبها تنبع من رغبتك في أن تكون مديراً لطيفاً ومهتماً بمراعاة ظروف الآخرين. وإليك بعض المزالق التي يجب توخي الحذر منها خلال هذه المحادثات، بالإضافة إلى بعض الاستراتيجيات التي ستسهم في الشعور بمزيد من الثقة حول كيفية التعامل معها.
مزالق يجب الحذر منها
أولاً: احرص على مراعاة الوضوح التام حول قواعد العمل في المؤسسة. ابدأ بالتحقق من ملاءمة القرارات التي يتم اتخاذها لأسلوب العمل في مؤسستك بشكل عام. هل تحافظ شركتك على بصمتها العقارية بالكامل أو تشجع الأسلوب المرن لحجز الحيز المكتبي؟ هل توجد سياسة رسمية بشأن عدد أيام الحضور إلى المقرات المكتبية؟ وهل مواعيد العمل المرنة مسموح بها؟ إذ يجب ألا تتعارض قراراتك مع المبادئ التوجيهية الرسمية للشركة، حتى إن كنت لا تقصد ذلك، لذا ابدأ من هذه النقطة قبل التحدث إلى فريقك.
فقد لاحظت أن بعض القادة يطلبون من أعضاء فرقهم الإدلاء بآرائهم حول أسلوبهم المفضل للعودة إلى المقرات المكتبية قبل أن تتضح أمامهم الصورة حول الأسلوب الملائم من وجهة نظر المؤسسة. ولكم أشعر بالسعادة حينما أرى أن الكثير من المدراء يبدون التعاطف والكرم في نهاية هذه التجربة المرهقة، ولكن الأسلوب المتساهل قد يؤول بكل أسف إلى الفشل أو يؤدي إلى الشعور بالاستياء من الترتيبات المُتخَذة. وكل هذه المواقف تضر بالصالح العام. فاحرص بدلاً من ذلك على أداء واجبك حتى تصل إلى خطوة إجراء المحادثة وأنت تعرف الأشياء غير القابلة للتفاوض.
ثانياً: لا تنشغل كثيراً بالوصول إلى حل مُنصِف من وجهة نظر الجميع. فالإنصاف غاية لا تُدرك؛ لأن الوظائف المختلفة تتطلب ترتيبات مختلفة بطبيعة الحال. واحرص على مراعاة طبيعة دور كل شخص ومواءمة مسؤولياته مع مختلف المنهجيات. فقد يحتاج المساعد الإداري إلى العمل من المقر المكتبي للشركة حتى يستطيع إنجاز غالبية مهماته، في حين أن الموظف المسؤول عن إعداد العروض يمكنه إنجاز نصيب الأسد من عمله في أي مكان.
وسيعتقد بعض أعضاء الفريق أن سياستك غير منصفة إذا لم تكن موحَّدة بالنسبة للجميع، في حين سيعتقد البعض الآخر أن سياسة العمل غير منصفة إذا لم تأخذ في الحسبان الاختلافات في طبيعة الأدوار والمسؤوليات. ومن هذا المنطلق لا يوجد تعريف واحد لكلمة "مُنصف". المهم أن تكون واضحاً بشأن التعريف الذي تستخدمه، وأن تراعي الشفافية فيما يتعلق بالأسباب الداعية إلى اعتماد هذا التعريف المُستخدم.
ثمة خطر آخر يتمثل في محاولة الوصول إلى حل مثالي لكل فرد حتى تصل إلى صيغة ترضي كل أعضاء الفريق في هذا الموقف. لكن حينما تفكر في الأسلوب الأصلح للمؤسسة والخيار الأفضل لوظيفة الفرد، فمن المهم أيضاً أن تفكر في ترتيبات العمل التي تصب في مصلحة الفريق بأكمله، وذلك من خلال طرح السؤال التالي: كيف يتواءم دور كل شخص مع أدوار زملائه في المجموعة، وما هي خطة العودة إلى العمل التي ستصب في مصلحة دعم التعاون المشترك فيما بينهم وتشجيع الحميمية وتعزيز الثقافة الإيجابية التي تسعى إلى إرساء دعائمها؟ واعلم أن مسؤولياتك كمدير تُملي عليك الاهتمام ليس فقط بتمكين الأفراد من أسباب القوة، ولكنك مسؤول أيضاً عن قوة فريقك بالكامل.
العمل على وضع خطة تجريبية
الآن بعد أن أصبحت على دراية بالمخاطر، يمكنك العمل على وضع خطة. احرص على إرساء بعض المبادئ التوجيهية التي يجب اتخاذ ترتيب العمل لكل فرد في ضوئها. يمكنك استخدام هذه المبادئ لرسم الحدود حول الجوانب المهمة بالنسبة لك كقائد، مع ترك مساحة للأفراد لوضع الترتيبات المناسبة لكل منهم. فعلى سبيل المثال: قد يكون لديك مبدأ توجيهي ينص على أن "العميل يأتي في المقام الأول"، بحيث يتم أولاً تقييم كل ترتيبات العمل المقترحة في ضوء تأثيرها على عملائك. وقد يكون لديك مبدأ ينص على أن "التلاقي معاً يمثل أهمية خاصة"، وهو ما يعني ضرورة تخصيص يوم محدد في الأسبوع يَحضُر فيه كل أفراد الفريق إلى المقر المكتبي في الوقت نفسه. يمكنك استخدام أسلوب "البحث عن وقت للتركيز" ومطالبة كل فرد بتخصيص نصف يوم كل 3 أيام في الأسبوع للعمل دون التعرض لأي مقاطعات في بيئة تشجّع على الإنتاجية. وسيوفر بدء المحادثة في ضوء هذه المبادئ التوجيهية حدوداً مفيدة مع إتاحة بعض الحرية لأعضاء فريقك من أجل وضع خطة تناسبهم.
بمجرد أن تتضح أمامك الصورة حول الجوانب غير القابلة للتفاوض من وجهة نظرك، احرص على الإفصاح عن هذه المبادئ، وحدد موعداً للتحدث مع كل فرد على حدة. ولكي تستعد لهذا الموقف جيداً، اطلب من الجميع التفكير في الجوانب التي تمثل لهم أهمية خاصة وفي بعض الخيارات المتاحة لعودتهم إلى المقر المكتبي. وتعبر هذه المعلومات على قدر كبير من الأهمية لأنك تريد أن يشعر أعضاء الفريق بالاستعداد لتوصيل رغباتهم بطريقة فاعلة. وإذا أجريت المحادثة معهم فجأة ودون سابق إنذار، فقد لا تكون الصورة واضحة أمامهم بشأن ما يريدون أو قد لا يكونون واثقين بخصوص كيفية صياغة طلبهم. فلا تفاجئ الموظفين بموضوع مهم كهذا.
وعندما تلتقي بهم للتحدث عن رغبات كل فرد، ابدأ بسؤالهم عما إذا كانت لديهم أي أسئلة حول المبادئ التوجيهية. واحرص على توضيح المبادئ الثابتة غير القابلة للنقاش والجوانب التي يمكن التوصل فيها إلى حلول إبداعية. وتجنب القفز مباشرة إلى سؤال أي منهم: "متى تريد أن تحضر إلى المقر المكتبي؟"، واطلب منهم بدلاً من ذلك الإفصاح عن تصورهم لترتيبات العمل التي تحقق نتائج إيجابية من وجهة نظرهم. ويمكنك صياغة سؤالك على النحو التالي: "أنا مهتم بأفكارك الخاصة حول ترتيبات عودتك إلى العمل. فما المعايير التي تمثل لك أهمية خاصة؟"، وهذا أسلوب رائع لمناقشة أي مسألة خلافية، وليس لمناقشة العودة إلى العمل فقط. فإذا فهمتما العوامل المهمة قبل القفز إلى الحلول المحتملة، فستتجنب اقتراح أفكار قد يقابلها الطرف الآخر بالمقاومة والرفض، كما ستتجنب الإجابات المصطنعة بكفاءة أكثر. وأحب أن أفكر في هذا الأمر بطريقة المعادلات الجبرية: بمجرد تحديد معادلات بعضكما، يمكنكما حل المجهول بطريقة ترضي الطرفين.
وحينما تكشفان معياريكما على الطاولة، ستتمكنان من العمل على التوصل إلى ترتيبات تجريبية. وتذكر ضرورة الحرص على المرونة قدر الإمكان في ضوء معاييرك. على سبيل المثال: إذا كان أحد المساعدين الإداريين في الفريق يرغب بقوة في العمل من المنزل لبعض الوقت، فقد تكون هناك طريقة لتشكيل فريق من المساعدين الذين يمكنهم التعاون معاً في المهمات المكتبية، بحيث يمكن تخصيص يوم أو يومين في الأسبوع لكل منهم لمزاولة العمل من المنزل، وذلك من خلال استخدام البريد الإلكتروني وأداء المهمات الأخرى التي يمكن أداؤها بكفاءة أكثر دون التعرض للمقاطعة في المقر المكتبي. كن مبدعاً، وطبّق مبدأ فن الممكن.
مراجعة الخطة التجريبية وإعادة صياغتها
قد تشعر في هذه المرحلة بالارتياح لأن لديك خطة وتحرص على المضي قدماً في تنفيذها. ولكن تتبقى أمامك خطوة واحدة أكثر أهمية. فبمجرد أن تجد حلاً عملياً يبدو قابلاً للتنفيذ، اتفق على تاريخ محدد لمراجعة الخطة. على سبيل المثال: قد تقرر إجراء مراجعة سريعة بعد أول أسبوعين، بالإضافة إلى إجراء تقييم رسمي بعد 6 أسابيع. بهذه الطريقة، يمكنكما الشعور بالأريحية لأنكما تعلمان أنكما ستبذلان كل ما في وسعكما لإنجاح الخطة وأن هناك فرصة لتغييرها إذا لم تحقق النجاح المنشود.
ومع اقتراب الموعد المتفق عليه، اطلب من الجميع إعادة النظر في ترتيبات العمل الحالية الخاصة بكل منهم والتفكير في أي مشكلات أو مخاوف تتعلق بالخطة وتنفيذها. على سبيل المثال: هناك فرق بين وجود مشكلة في الخطة (فقد تعتقد، مثلاً، أنه سيكون من المفيد أن ينضم مازن إلى اجتماعات الفريق عن بُعد، ولكن على الرغم من جهود مازن، فإن الأمر بدا صعباً للغاية) ووجود مشكلة في تنفيذ الخطة (إذ يبدو أن مازن يجري مهمات متعددة في أثناء انعقاد الاجتماعات عن بُعد). واطلب من الموظف إجراء تقييم لالتزاماتك وسلوكك أنت أيضاً. واحرص على إعداد ملاحظاتك الخاصة لتقييم التجربة بالطريقة ذاتها. ويمكنك تنظيم الأمر على النحو الأتي:
وحينما تشرع في تقييم التجربة، ابدأ بالمشكلات المتعلقة بالخطة نفسها، بدلاً من المشكلات المتعلقة بالتنفيذ. وأفصح عن أي معايير أو اعتبارات لم تأخذها في الحسبان عند صياغة الخطة التجريبية، ثم اعمل على حل المشكلات حتى يتوافر لديك خيار جديد يمكنك تجربته. واحرص على أن يكون سلوكك مشجعاً. فهذه تجربة جديدة، وينبغي ألا تتفاجأ إذا لم يكن الحل الأول مثالياً. ولا تكف عن التكرار حتى تتوصل إلى أفضل حل للمؤسسة والفريق والفرد. وأعود وأكرر ضرورة الاتفاق المسبق على الموعد الذي ستراجع فيه الترتيبات المُتخَذة.
وإذا لم تكن المشكلة تتعلق بالترتيبات المُتخَذة، بل ترتبط بكيفية فشل أحدكما أو كليكما في الالتزام بها، فيجب أن تُقرّا بذلك. ومن الأفضل أن تبدأ بنفسك أولاً وأن تُبدي انفتاحك على التعليقات والملاحظات. يمكنك أن تسأل الطرف الآخر: "هل كان هناك أي جوانب قصَّرت فيها وتسببت في فشل الخطة؟"، أو يمكنك بدلاً من ذلك اتباع إحدى الطرق المفضلة لديّ لطلب التعليقات الصعبة، وذلك من خلال طرح السؤال التالي: "ما الذي راق لك في طريقة إدارتي لهذه الترتيبات وماذا كنت تتمنى أن أفعل غير ذلك؟"، إذ يبدو لسبب ما أن سؤال الآخرين عمّا يتمنونه يخفف من حدة اللغة بما يكفي ليصارحوك بما يريدون وبالطريقة التي يتمنون أن تسير بها الأمور.
وأخيراً: إذا أبدى الموظف قبوله لخطة العودة إلى العمل ولكنه لم يلتزم بها، فهذه مشكلة تتعلق بإدارة الأداء. تعامل مع هذه المشكلة كما تتعامل مع أي مشكلة في الأداء، وضّح له توقعاتك التي كنت تأملها، وقدّم له ملاحظاتك حول السلوك الذي لاحظته، وعرّفه على انعكاسات سلوكه على العمل أو الفريق أو عليك أنت شخصياً، ثم اسأله عما سيفعله من الآن فصاعداً لتلافي هذه المشكلة. وإذا استمرت المشكلة، فقد تحتاج إلى تصعيد العقوبات الجزائية وتقليل العروض المتاحة أمامه حول حرية العمل والاختيار تدريجياً.
فالشيء الوحيد المؤكد في العودة إلى المقرات المكتبية هو أنها محاطة بالكثير من الغموض. إذ لن يقتصر الأمر على عمل فريقك بطريقة مختلفة، بل سيمتد ليشمل عملاءك ومورّديك وشركاءك الذين سيعملون هم أيضاً بطريقة مختلفة. أضف إلى ذلك التغييرات الجذرية التي تعرّض لها الكثير من الأفراد خلال معايشتهم لتداعيات الجائحة العالمية. وستجد أن هناك موظفين متلهفون للعودة إلى العمل بشدة ويخافونه في نفس الوقت، وستجد أيضاً موظفين مترددين في العودة إلى العمل. ويتطلب الانخراط في هذه المحادثات الاستعداد لها أكثر من المعتاد. وستلاحظ أن هذا الاستثمار يستحق الجهد المبذول لأنك ستبدو أكثر وضوحاً وثقة في النفس وتعاطفاً عندما يحين الوقت.