توقف عن قراءة المقالات التي تتحدث عما يفعله الناجحون

4 دقائق
Key to success

من منّا لا يحب قراءة المقالات ذات العنوان: “كيف تحقق النجاح؟”، فهي ممتعة وسهلة المشاركة، وهو ما يفسّر وجود الكثير من هذه المقالات. وغالباً ما تكون النصائح التي تعطيها هذه المقالات منطقية. نشر “المنتدى الاقتصادي العالمي” مقالاً بالتعاون مع “بزنس إنسايدر” (Business Insider)، عرضا فيه 14 أمراً يفعله الناجحون قبل الإفطار. تحتوي هذه القائمة على أمور مثل شرب الماء وترتيب السرير. كما نشرت “فوربس” قائمة تشير فيها إلى أن جميع الناجحين يشتركون بهذه الميزة: “يعلمون متى يتمسكون بشيء ومتى يتركونه”. أما هذه المجموعة من موقع “إنتربرونور” (Entrepreneur) فتنصح القارئ بالتوقف عن رؤية المشاكل، والبدء برؤية الفرص. في حين يشجع هذا المقال من “إينك” (Inc) القراء على التخلي عن طلب القبول الاجتماعي والانغماس في رؤية نقاط ضعفهم الشخصية.

لكن في حين أن هذه المقالات ممتعة للقراء، فإنها تُحدث ضرراً. هناك العديد من الأسباب التي تجعل عدم القيام بهذه الأشياء مفيداً فحسب ، بل إنها تضر أيضاً صناع القرار والمدراء ورجال الأعمال

الدليل يعتمد على القصص الفردية

تعتمد معظم النصائح في هذه المقالات على التفسير غير الموضوعي لقصص فردية، لا على تحليلات علمية معيارية. فالنصيحة إذا لم تتبع منهجاً يعتمد على الدليل، فلن تتمكن من تقييم مدى صلاحيتها. كذلك فإن التحليل المجتزء للقصص الفردية، يجعل الخط الفاصل بين السبب والنتيجة غير واضح. على سبيل المثال، هل هذا الشخص ناجح لأنه تفادى الاجتماعات؟ أم أنه كان قادراً على تفادي الاجتماعات بسبب نجاحه؟ هناك عدة تصرفات يتبعها الأشخاص الناجحون (مثل عدم الاكتراث لظن الآخرين بهم أو تفادي الاجتماعات أو ترتيب الأولويات أو قول لا لكل شيء تقريباً)، والتي تكون من الكماليات التي يتمتع بها الناجحون جداً، وفقط بعد أن يصبحوا ناجحين في أعين الآخرين. لذا، فإن أسلوب حياتهم يكون نتيجة نجاحهم، وليس العكس.

لا تنطبق الأبحاث على السياقات المختلفة دوماً

تعتمد بعض المقالات على الأبحاث بدرجة كبيرة، مثل هذا المقال الذي نشرته “هارفارد بزنس ريفيو”، باستثناء أنه غالباً ما ترتبط الأبحاث الأكاديمية بالسياق جداً. لنأخذ على سبيل المثال موضوع المثابرة باعتباره أحد معايير التنبؤ بالنجاح. صحيح أن الأبحاث ومحاضرات “تيد” (TED) التي قدمتها أنجيلا داكوورث عن هذا الموضوع مقنعة، إلا أن تحليلاً تجميعياً أجري حديثاً على فعالية المثابرة ولّد شكوكاً حول فكرة فوائده الواسعة. مثلما يحدث في العادة مع المسائل المعقدة، تكون الحلول وتطبيقاتها أكثر تشابكاً وتعقيداً من الطريقة البسيطة التي تُعرض بها، وتعتمد كثيراً على السياق والظروف التي يجد الناس أنفسهم فيها.

الفشل لا صوت له

في كتاب “البجعة السوداء” (The Black Swan)، يذكر نسيم طالب القصة التي رواها سيسرو عن الشاعر اليوناني دياغوارس من ميلوس. عندما قيل لدياغوراس إن الدعاء ينجي البحارة من الغرق، تساءل عن أولئك الذين يغرقون رغم دعائهم. فالدعاء مرغوب لأن كل الناجين كانوا من الذين دعوا. لكن إذا دعا كل الناس ونجا القليل منهم، فالدعاء إذاً لا معنى له. فهو يبدو ذو معنى فقط لأولئك الذين نجوا والآخرين الذين رأوهم.

هذا ما يدعوه العلماء نزعة البقاء. يطلق نسيم طالب على هؤلاء الغارقين لقب “الدليل الصامت”. وهذه هي النتائج التي لا نستطيع رؤيتها. وغيابها يؤدي إلى تقدير مغلوط حول فعاليّة بعض الأفعال.

فقد استنتجنا من الأبحاث التي أجريناها نحن وغيرنا من علماء السلوك، بأننا ماهرون جداً في التعلّم مما نشاهده ونختبره مباشرة (مثل قصص النجاح ذائعة الصيت)، لكننا وبنفس الدرجة عاجزون عن التسليم بصحة ما لا نراه (مثل العدد الكبير من حالات الفشل المغمورة). ما يدفعنا لتقديرنا المتحيز أن النجاح حتمي أكثر مما هو عليه في الحقيقة.

لو أخذنا حالة يتم فيها تسجيل عدد المحاولات الفاشلة، فسيتعين علينا اعتبار أن جميع الذين لم ينجحوا هم إما سذج أو تفكيرهم محدود، كلما كانت نصائحنا أكثر تخصيصاً وتحديداً. لذا، فإن التحليلات القائمة على الناجحين فقط تُهمل احتمالية وجود أشخاص يطبقون نفس الاستراتيجيات، لكنهم يفشلون مع ذلك.

إن العنصر الأساسي المفقود في كل هذه المقالات، الذي هو المعلومة التي يحتاجها صناع القرار لتقدير فرصهم الحقيقية للنجاح كذلك -هو القيمة الأساسية. فكم عدد الأشخاص والأفكار والمؤسسات الذين بدؤوا بنية النجاح؟ وما هو عدد الذين تقدموا فعلاً في النهاية؟ كلما زاد الفرق بين هذين الرقمين، انخفضت قيمة النصائح المحددة أو أي صيغة من تحليلات “خصائص الذين ينجحون” أقل.

ولكي تكون النصيحة في مكانها الصحيح، يجب أن يتطابق المنشأ والأحلام والظروف (إلى حدّ كبير) بين الشخص الذي نلقي الضوء عليه والشخص الذي نود نصحه. إلا أن المسار المهني والحالة الأسرية والحياة الاجتماعية والأولويات والرؤى تختلف كثيراً مقارنة بأولئك الذين وُصفوا بالناجحين من قبل خبير معين. فإذا علمنا الأشياء التي اضطروا لفعلها والتضحية بها من أجل النجاح، ربما لن نرغب بتبادل الأماكن معهم. إذاً، هناك ثمن للفرص التي قد تضيع إذا ما قررنا اتباع نصيحة ما، حتى لو كانت هذه النصيحة في ظاهرها غير مؤذية. فإذا أخذنا النصائح على محمل الجد، فهي ستضطرنا لتقديم تنازلات نحن بغنى عنها أو الانخراط في أعمال لا تتوافق مع شخصياتنا. على سبيل المثال، إذا قررت أن تستيقظ في الساعة الخامسة كل صباح لأن مجموعة من الناجحين يفعلون ذلك، وكنت مبرمجاً لتقديم أفضل ما عندك في ساعات الليل المتأخرة، فإنك بهذه الحالة تؤذي نفسك وتقلل فرصك للنجاح.

أخيراً، لا تواجه مقالات “كيف تنجح” المكتوبة عن قصص شخصية من هذه المشاكل فحسب، إنما أيضاً مقالات “كيف تربح” على مستوى الشركات تحمل المشاكل نفسها. والسبب الرئيسي هو أن الزمن يتغير والعالم يتطور والتكنولوجيا تتقدم. وبالنتيجة، فإن معظم نصائح النجاح، خصوصاً في عالم الأعمال، ستصبح بالية أسرع مما يتوقع البعض. على سبيل المثال، عندما بدأ جيمس كولينز وفريقه بحثهم من أجل الكتاب الأكثر مبيعاً من “جيد إلى عظيم” (Good to great)، أجروا مقارنات لبعض الشركات العظيمة مع شركات شبيهة لها لكنها فشلت في تحقيق مستوى مماثل من النمو (لتفادي نزعة البقاء التي تحدثنا عنها). ولكن للأسف، عانت معظم الشركات العظيمة من المشاكل بعدما بيع ملايين النسخ من الكتاب. كما عانت قصص النجاح التي ذُكرت في كتاب أسبق وأكثر مبيعاً أيضاً “في البحث عن التميز” (In search of Excellence) من المشكلة نفسها. فالعالم في تغيّر دائم، ومثله أسرار النجاح.

من السهل معرفة وضع ما على أنه نجاح أو فشل بعد حدوثه. هذا ما يجعلنا نطلق على القدرات التي تستطيع تمييز الفرص أو التي يمكنها معرفة متى يجب الاستمرار أو البقاء بالقدرات السحرية. وقد يكون بالمقدور اكتشاف أحد تحليلات هذه التحديات وإدراكها لاحقاً. بدقة عالية في حين أنه على البقية منا مواجهة هذه التحديات في مستقبل ضبابي ودائم التغيّر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .