كيف ساعدني تخصيص وقت للمطالعة في تنظيم يومي؟

6 دقائق

قبل 6 أشهر من الآن، وجدت نفسي غارقاً في خضم بحر من المعلومات السهلة. فالإنترنت، وكل الأمور الجميلة الموجودة على الشبكة مثل ويكيبيديا، وتويتر، والمدونات الشخصية، وصحيفة نيويوركر، والبريد الإلكتروني، وفيديوهات (TED)، وفيسبوك، ويوتيوب، وبازفيد، وحتى هارفارد بزنس ريفيو، توفّر مصادراً غير محدودة للمتعة وبلمسة واحدة.

نعم، تمنحنا هذه المصادر قدراً كبيراً من السعادة. لكنها لا تخلو من المعاناة أيضاً. فهي تسببت بتشتيت انتباهي في العمل، كما أنها كانت تشتت انتباهي وأنا مع أفراد عائلتي وأصدقائي، وتجعلني متعباً دائماً، ونزقاً، وأغرق في جو من التوتر الناجم عن تلهفي الدائم للحصول على المعلومات الرقمية. لقد كان توتري بنكهة إلكترونية، وكأنه مكوّن من البايتات والبيتات الموجودة على شاشاتي. ووصلت إلى درجة الإنهاك التام.

كل هذه الأمور قفزت فجأة إلى واجهة اهتماماتي وتركّز انتباهي عليها عندما أدركت وبمنتهى الرعب (وإن لم أكن قد تفاجأت ربما) بأنني لم أقرأ سوى 4 كتب طوال العام بأكمله، أي أنني لم أقرأ إلا كتاباً واحداً كل 3 أشهر. أي ثلث كتاب في الشهر الواحد. أنا أعشق المطالعة. والكتب هي شغفي وحياتي. فأنا أعمل في عالم النشر، وأنا مؤسس ليبريفوكس (LibriVox)، وهي أكبر مكتبة للكتب الصوتية المجانية المتاحة لعامة الناس في العالم، كما أقضي معظم وقتي في إدارة برس بوكس (Pressbooks)، وهي عبارة عن شركة لبرمجيات إنتاج الكتب على الإنترنت. وربما تكون لدي رواية غير منشورة تائهة في زاوية ما في أحد رفوف مكتبتي.

أنا أعشق الكتب. ومع ذلك، لم أكن أطالعها. وبالفعل، لم "أكن قادراً" على القراءة. حاولت، ولكن ما أن كنت أصل إلى الجملة الثالثة أو الرابعة، حتى أجد نفسي إما أتفقد بريدي الإلكتروني أو أغط في نوم عميق.

وبدأت أتساءل بيني وبين نفسي: هل إذا ما درّبت نفسي على قراءة الكتب سأتمكن من التعامل مع التوتر الناجم عن المعلومات في بقية أوقات حياتي؟ هل يمكن أن يكون الحل لمشكلة هذا التدفق الزائد للمعلومات هو الحصول على هذه المعلومات بوتيرة أبطأ؟ وتساءلت أيضاً إذا كان سم الأفعى يُستعمل كترياق لإنتاج مواد مضادة للسموم في الجسم، فهل يمكن للكتب وبالطريقة ذاتها أن تكون مصدراً بطيئاً للمعلومات لتكون بذلك ترياقاً للتوتر الناجم عن التدفق الدائم للمعلومات الرقمية؟ كما تساءلت أيضاً ما إذا كانت قدرتي على المحافظة على تركيزي في العمل وفي البيت وأثناء المطالعة يمكن أن تُعالج من خلال العثور على طرق تساعدني في استعادة تركيزي من جديد "في قراءة كتاب مثلاً؟".

كيف نفهم أدمغتنا؟ الجزء الأول: الدوبامين، واللذة، وتعلّم العادات السيئة

لقد بدأت الأبحاث في مجال علوم الأعصاب تساعدنا على فهم أسباب تصرّفنا بالطريقة التي نتصرف بها مع أنظمة المعلومات الحديثة المتاحة لنا. فقد تبين أنّ أدمغتنا تفضّل المعلومات الجديدة على أي شيء آخر (بما في ذلك الغذاء والجنس، وفقاً لبعض الدراسات). فالمعلومات الجديدة، والتي تصلك ربما بعد الضغط على زر التحديث في بريدك الإلكتروني أو الإشعار بورود تغريدة على تويتر، تحمل لك وعداً يحرّض على إفراز أحد النواقل العصبية في الدماغ (أي الدوبامين)، والدوبامين يجعلنا في حالة استنفار أكبر بانتظار احتمال حصولنا على اللذة والمتعة، كما أنّ أدمغتنا مفطورة على البحث عن الأمور التي تؤدّي إلى إفراز الدوبامين.

وثمة حلقة تعلم ضمن هذه العملية: المعلومات الجديدة + الدوبامين = اللذة. وحلقة التعلم هذه تجهز المسارات العصبية في دماغك و"تعلمه" بأنه سيحصل على مكافأة ما إذا ضغط على زر التحديث في البريد الإلكتروني (حتى لو لم تكن هذه المكافأة تتعدى تلقي رسالة أخرى من شخص في قسم المحاسبة).

هذه الحلقة تتعزز في كل مرة تشاهد فيها شريط فيديو ثانياً، أو ثالثاً أو خامساً حول القطط على فيسبوك، وهي حلقة يصعب كسرها. ويبدو الأمر وكأن مئات مليارات الدولارات التي أنفقت على الهندسة وتصميم المنتجات استثمرت في بناء الآلة المثالية التي ستبقينا في حالة من التشتت الذهني، وبناء النظام المثالي لتحفيز مسارات عصبية معينة تؤدي إلى حصول تغيير في طريقة عمل أدمغتنا.

كيف نفهم أدمغتنا، الجزء الثاني: الطاقة التي نبددها في التنقّل السريع بين الأمور

على الرغم من أنّ إدمان الانجذاب نحو المعلومات الجديدة هو جانب واحد للمشكلة، إلا أنّ الجانب الآخر يتمثّل في التكلفة التي يتكبدها الإنسان جراء الانتقال السريع من شيء إلى آخر ثم العودة إليه مجدداً.

تبلغ نسبة وزن الدماغ البشري العادي 2 في المئة من وزن الجسم، لكنّه يستهلك 20 في المئة تقريباً من الطاقة، بحسب ما خلص إليه عالم الأعصاب دانيال ليفيتين. والنشاط الذي يمارسه الدماغ هو ما يقرر حجم الطاقة الفعلية التي يستهلكها: فعندما تكون في حالة استرخاء أو تحدّق من النافذة إلى الخارج، فإنّ دماغك يكون "في وضع الراحة" ويستهلك 11 كالوري/سعرة حرارية في الساعة. أما القراءة المركزة لمدة ساعة فستستهلك ما يصل إلى 42 كالوري/سعرة حرارية تقريباً. لكن معالجة الكثير من المعلومات الجديدة يحتاج إلى ما يُقارب 65 كالوري/سعرة حرارية/ في الساعة. كما أنّ الانتقال من موضوع إلى آخر يُعتبر أمراً أسوأ.

ففي كلّ مرة تترك عملك لتقرأ رسالة إلكترونية استلمتها، فإنّ ذلك لا يكلّفك وقتاً فقط، وإنما يكلّفك طاقة أيضاً. فكما يقول ليفيتين: "الناس الذين ينظمون وقتهم بطريقة تسمح لهم بالتركيز لن ينجزوا قدراً أكبر من المهام فحسب، بل سيكونون أقل تعباً وأقل استنزافاً من الناحية الكيماوية العصبية بعد الانتهاء من إنجاز هذه المهام".

ما الذي علينا فعله؟

تُعتبر المعلومات الرقمية السريعة جزءاً أساسياً من يوم عملي: فهناك لوحة مفاتيح الكمبيوتر، والشاشة الكبيرة المتوهجة، والاتصال مع الإنترنت، والبيانات الواردة والبيانات الصادرة، والأزمات التي يجب التعامل معها، والنيران التي يجب إخمادها. وعلى الرغم من أنني أستطيع إدخال بعض التغييرات على الطريقة التي أتعامل بها مع يوم عملي، فإنّ من شبه المستحيل بالنسبة لي، لا بل بالنسبة لمعظمنا، أن نهرب من تدفق المعلومات الرقمية خلال ساعات العمل. وبالنسبة لي، فقد حققت نجاحاً في بداية الأمر بإبعاد نفسي عن هذا التدفق للمعلومات الرقمية في حياتي الشخصية خارج سياق العمل.

لقد حاولت "العودة إلى المطالعة" وتركيز جهودي على قراءة الكتب، وذلك لإخراج نفسي من هذا التيار المتدفق في المعلومات الرقمية، واستعادة علاقتي مع ذلك النمط الأبطأ من المعلومات، وهو نمط كان يشعرني بلذة كبيرة في السابق.

وقد استقر بي المطاف على استعمال ثلاث قواعد صارمة تحقق هدفين: فهي تساعدني في العودة إلى المطالعة مجدداً، كما أنها تمنحني استراحة من العبء الرقمي المستمر. وإليكم القواعد الثلاث لكي تعاودوا القراءة مجدداً:

عندما أصل إلى المنزل من العمل، أبعد كمبيوتري المحمول (وجهاز الآيفون). لعل هذا التغيير كان أكثر ما أخافني – فالناس يتوقعون منا بأن نكون مستنفرين وجاهزين دائماً للرد، ولا سيما الرد على الاتصالات التي لها علاقة بالعمل. أما في حالتي، فليس هناك سوى القليل من الرسائل الإلكترونية التي تصلني في العاشرة والربع مساء و"تحتاج" إلى الرد مباشرة. بالتأكيد هناك بعض الأوقات الاستثنائية التي يحتدم العمل فيها فاضطر إلى العمل مساء، ولكن بشكل عام أنا أعتبر أن ذهابي إلى عملي صباحاً بذهن صاف، أهم بكثير من الذهاب بذهن مثقل ومتعب جراء الرد على العديد من الرسائل الإلكترونية في الليلة السابقة.

بعد العشاء خلال عطلة نهاية الأسبوع، لا أشاهد التلفزيون أو شبكة نتفليكس للأفلام، ولا أتصفح الإنترنت. لعل هذه الخطوة هي ما ترك أكبر أثر لدي. فعملية الاسترخاء التي تستغرق ساعة أو ساعتين بعد العشاء هي بالنسبة لي الفترة الزمنية الحقيقية الوحيدة التي تخلو من أي نشاط خلال يومي. وبالتالي، بعد أن يخلد الأطفال إلى النوم، فإنني لا أعود إلى طرح السؤال حتى، وإنما أستل كتابي وأبدأ القراءة. وفي غالب الأحيان أكون وقتها قد أصبحت في السرير. وفي بعض الأحيان أجد نفسي أطالع كتاباً في ساعة مبكرة جداً. كنت أعتقد أنّ هذا التغيير سيكون هو الأصعب، لكن تبيّن لي أنّه الأسهل. وبالتالي، فإنّ تخصيص الوقت للمطالعة مجدداً كان مصدراً للمتعة الحقيقية (كما أنني استمتع ببرامج التلفزيون التي بت "أشاهدها" أكثر من أي وقت مضى).

لا للشاشات المضيئة في غرفة النوم (لكن لا بأس من استعمال جهاز كيندل Kindle). لقد كانت هذه هي خطوتي الأول للابتعاد عن العبء الهائل للمعلومات الرقمية. وحتى لو لجأت إلى الغش في القاعدتين السابقتين بين الفينة والأخرى، إلا أنّ هذه هي القاعدة الوحيدة التي لا أخرقها. فعدم وجود جهاز آيفون أو آيباد بجانب سريري يعني بأنني لا أشعر بالإغراء لكي أتفقد بريدي الإلكتروني عند الثالثة والنصف فجراً، أو أدخل إلى موقع تويتر عند الخامسة صباحاً، عندما أستيقظ باكراً جداً. عوضاً عن ذلك، وعندما تنتابني لحظات الأرق أو أستيقظ باكراً، أمد يدي إلى كتابي (وعادة ما أغط في النوم مباشرة).

لقد ترك اتباع هذه القواعد الثلاث أثراً عميقاً على حياتي. فقد أصبح لدي وقت أكبر، بما أنني لم أعد ألاحق كل معلومة جديدة مهما كانت صغيرة. كما أنّ العودة إلى عادة المطالعة منحتني المزيد من الوقت للتأمل والتدبر والتفكير، وزادت من تركيزي ومن المساحة الذهنية الإبداعية لحل مشاكل العمل. كما أنّ معدلات التوتر والشدة لدي باتت أقل، في حين زادت طاقتي.

لا شك في أنّ التعامل مع هذا التدفق الكبير من المعلومات الرقمية في مكان العمل، وفي حياتنا الشخصية، سيظلّ تحدياً مستمراً لنا جميعاً في السنوات والعقود القادمة. كما أنّ تدفق المعلومات الرقمية سيصبح أسرع وأكبر حجماً. فعمر الإنترنت لا يتجاوز العقدين من الزمن، كما أنّ عمر الهواتف الذكية لا يزيد على 10 أعوام.

لا زلنا نتعلّم كيف نعيش في عصر المعلومات، وكيف نبني نظاماً للبشر وليس للمعلومات. وسوف نحسن أداءنا في هذا المجال كبشر وكبناة للتكنولوجيا. وفي هذه الأثناء، ستكون مطالعة الكتب مجدداً أمراً مساعداً لنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي