كيف تدعم زميلك المصاب باضطراب ثنائي القطب؟

6 دقيقة
الموظفين المصابين باضطراب ثنائي القطب
فريق هارفارد بزنس ريفيو/جورج بيترز/ليودميلا بوختي/غيتي إميدجيز

ملخص: سواء كان القادة يعلمون أو لا، من المحتمل أن يكون بعض موظفيهم مصابين بالاضطراب الثنائي القطب. يناقش هذا المقال 3 تدابير يمكن للمؤسسات اتخاذها لإبراز أفضل ما في الموظفين المصابين بهذه الحالة، وهي تعديل الخصائص الوظيفية، وتدريب المدراء على دعمهم، وتعزيز ثقافة الأداء والتعاطف.

يعاني أكثر من 40 مليون بالغ حول العالم، بما فيهم 3% من البالغين في الولايات المتحدة، الاضطراب الثنائي القطب. يُظهر هؤلاء الأشخاص غالباً مستويات أعلى من المتوسط من القدرة على الإبداع والتعاطف والتحمل، ومع ذلك، لا يحقق الكثير منهم كامل إمكاناتهم في العمل حتى مع وجود هذه الميزات. نعتقد أن أحد أسباب ذلك يعود إلى جوانب دون المستوى الأمثل في تصميم الوظائف والممارسات الإدارية والثقافة المؤسسية التي يمكن تعديلها لزيادة فعالية الموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب. نقدم في هذا المقال 3 تدابير يمكن للمؤسسات اتخاذها لإبراز أفضل ما في الموظفين المصابين بهذه الحالة.

يطلق بعض المختصين على الاضطراب الثنائي القطب اسم "مرض الرؤساء التنفيذيين" نظراً لانتشاره بين رواد الأعمال وكبار القادة، ولكنه بالطبع يصيب أعداداً كبيرة من العاملين في مجموعة واسعة من المهن والوظائف. هو حالة نفسية مزمنة تتسم بفترة واحدة على الأقل من المزاج الجيد والطاقة المرتفعة (الهوس في النوع الأول من الاضطراب الثنائي القطب والهوس الخفيف في النوع الثاني من الاضطراب الثنائي القطب) بالإضافة إلى المزاج السيئ والطاقة المنخفضة في أثناء نوبات الاكتئاب. لهذه الحالة تأثير كبير على طريقة عمل المصابين بها، ولكن يمكنهم التحكم في الأعراض بفعالية عن طريق الأدوية والعلاج والحفاظ على الروتين.

عند وضع توصياتنا، اعتمدنا على الأبحاث المتاحة تحديداً حول الموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب مثل الدراسات التي توضح الروابط بين الهوس وريادة الأعمال الناجحة. كما اعتمدنا على أبحاثنا الخاصة حول رفاهة الموظفين عموماً، بما فيها العديد من الآثار الجانبية الشائعة للإصابة بإعاقة في العمل مثل الشعور بالوحدة وانعدام الأمان النفسي (كونستنس)،  والأمراض النفسية (مثل الرهاب الاجتماعي واضطراب الشخصية الحدية)  والمخاطر التي تهدد السمعة (حورية)، والمشاعر في المؤسسات (هيلاري). بالإضافة إلى ذلك، استفدنا من خبرة حورية التي أمضت أكثر من 10 سنوات من العمل في مجال العلاج السريري مع المسؤولين التنفيذيين في وادي السيليكون. أخيراً، لاختبار أفكارنا وتوضيحها، أجرينا مقابلات مع 6 مسؤولين تنفيذيين ناجحين مصابين بالاضطراب الثنائي القطب يعملون في قطاعات مختلفة. صمم هؤلاء المسؤولون حلولاً برمجية مبتكرة، وجمعوا مبالغ مالية قياسية من رأس المال، وقادوا نمو الشركات الناشئة، ووظفوا آلاف العاملين، وقادوا جهوداً أثمرت اكتشافات علمية حديثة.

وضعنا 3 أنواع من التوصيات حول تصميم الوظائف، والممارسة الإدارية، والثقافة المؤسسية من هذه المصادر. تفترض نصائحنا أن الموظفين يتحكمون في أعراض حالاتهم جيداً وأنهم على استعداد لبدء حوار حول التسهيلات مع مدرائهم أو مسؤولي قسم الموارد البشرية. نحن ندرك أن ثمة العديد من العوائق التي تحول دون الإفصاح عن الإعاقات لأصحاب العمل، وكما تحدثت لودميلا براسلوفا في مقال لها في هارفارد بزنس ريفيو، نوصي الأفراد بأن يوازنوا بعناية بين إيجابيات الإفصاح وسلبياته.

يجب على الشركات من جانبها أن تدرك أن عدم توثيق حالات الصحة النفسية للموظفين لا يعني عدم وجودها. إحصائياً، من المرجح أن تضم أي مؤسسة متوسطة أو كبيرة العديد من الموظفين الذين تنطبق عليهم معايير الاضطراب الثنائي القطب. لذلك نحن نشجع كل القادة على أخذ هذه النصيحة في الحسبان لتحسين بيئة العمل لديهم.

1. تعديل خصائص الوظائف.

ثمة خصائص مشتركة بين الوظائف يمكن أن تقوّض إنتاجية الموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب ويمكن للمؤسسات التخفيف من أثرها. وهذه هي الطريقة:

خذ في الحسبان تأثير المهام على النوم.

يحتاج البشر جميعهم إلى النوم، لكن الأساس العصبي للاضطراب الثنائي القطب يجعل المريض حساساً بصفة خاصة لنقص النوم أو اضطراب نظامه. وهذا يعني أن رحلات الطيران الطويلة، والرحلات القصيرة المتلاحقة إلى مناطق زمنية مختلفة، والاجتماعات الدورية في وقت متأخر من الليل والصباح الباكر يمكن أن تكون ضارة للغاية.

يسافر أحد الذين أجرينا مقابلات معهم، وهو رئيس قسم استقطاب المواهب في هيئة حكومية بريطانية، إلى أماكن انعقاد الاجتماعات الرئيسية قبل يوم واحد لتجنب الآثار السلبية للسفر. حتى إذا كانت الرحلة ممكنة في الصباح الباكر، ويقول: "أحتاج إلى السفر في الليلة السابقة حتى أتمكن من العمل في اليوم التالي والأيام التي تليه". يمكّنه ذلك من البقاء بصحة جيدة مع تحقيق أداء عالٍ في أثناء السفر.

كن مرناً إذا اختاروا العمل الهجين.

إن الطاقة الإضافية والقدرة العالية على التواصل الاجتماعي المرتبطتين بالإصابة بالاضطراب الثنائي القطب مفيدتان لبيئة العمل. في المقابل، من الأفضل أن يعمل المصابون بالاضطراب الثنائي القطب عن بُعد عندما يعانون أعراض الاكتئاب.

أفاد الذين أجرينا معهم المقابلات أن العمل من المنزل يتيح لهم الاحتفاظ بمخزون طاقتيهم الذهنية والبدنية لأداء مهام العمل المهمة بدلاً من استنزافهما في التنقل والتفاعل الشخصي. من الأفضل للموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب أن يكونوا قادرين على اختيار المستوى المفضل لديهم من التفاعل الشخصي.

اسمح للموظفين ببعض الاستقلالية في أعمالهم اليومية.

يمكن أن يستفيد الموظفون المصابون بالاضطراب الثنائي القطب من التوفيق بين مهامهم وأهدافهم اليومية ومزاجهم الحالي. على سبيل المثال، يفضل مهندس البرمجيات في الولايات المتحدة العمل على مهام البرمجة الأساسية المهمة مثل تصحيح أخطاء البرمجيات خلال فترات الاكتئاب وتأجيل المهام الأكثر ابتكاراً وتحدياً مثل تصميم أنظمة جديدة لأوقات أخرى.

قدّم الدعم الإداري.

غالباً ما يترافق الاضطراب الثنائي القطب مع اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه والحالات العصبية المتنوعة الأخرى، وهو مزيج يمكن أن يحد من الأداء التنفيذي للموظف وقدرته على متابعة المهام الإدارية. يمكن تخفيف هذا العبء من خلال الدعم الموجه.

على سبيل المثال، قدّمت باحثة طبية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية أداء متميزاً بعد أن توّلت منصب مساعدة إدارية بدوام جزئي لتسهيل عملها. حققت 10 ساعات فقط من العمل في الأسبوع مكاسب كبيرة لمؤسستها.

2. تدريب المدراء.

تُظهر الأبحاث أن المشرفين يؤدون دوراً كبيراً في الرفاهة النفسية لمرؤوسيهم المباشرين. وللأسف، روى لنا الأشخاص الذين قابلناهم قصصاً عن تجاهل المدراء لطلبات التسهيلات وتهميشهم في الترقيات، وحتى فصلهم من العمل بعد معرفة حالتهم. وفي حالات أخرى، أشار مدراؤهم إلى أنهم لا يريدون معرفة تفاصيل حالة الموظف. وصفت إحدى من أجرينا معهم المقابلة ثقافة مكان عملها بأنها ثقافة "اعمل بصمت"؛ أي التزم الصمت ولا تتذمر. للأسف، لا يرغب العديد من المدراء في التحدث عن مشاكل الصحة النفسية في العمل، أو يكونون غير مستعدين لذلك.

الخطوة الأولى للقضاء على هذه الأساليب السلبية وغير المثمرة هي تدريب جميع المدراء على أساسيات الصحة النفسية. يقدم هذا التدريب التثقيف حول مختلف الحالات بالإضافة إلى إرشادات عملية حول طرق الاستجابة لأي معلومات أو مشكلات يعرضها الموظفون عليهم. يجب على المؤسسات أيضاً تزويد المدراء بمعلومات واضحة حول مزايا الرعاية الصحية ذات الصلة وقواعد الامتثال وبروتوكولات الدعم لتوجيه تعاملاتهم مع العاملين.

كما يحتاج المدراء إلى تعزيز الأمان النفسي في فرقهم لتسهيل المحادثات الصريحة حول الصحة النفسية. تُشير الأبحاث إلى أنه عندما لا يجد الموظفون حرجاً في الكشف عن تشخيص الإعاقة، يرتفع رضاهم الوظيفي وتطلعاتهم بنسبة 30% في المتوسط مقارنة بالموظفين الذين يمتنعون عن التصريح عن إعاقتهم. بوسع المؤسسات تقديم تدريبات الأمان النفسي لتعزيز البيئة المنفتحة التي تشجع على الكشف عن الإصابة بالاضطراب الثنائي القطب. كما يمكنها تعديل أنظمة التقييم والمكافآت، مثل تضمين تقييمات الموظفين لمدى شمولية المدراء في تقييمات الأداء لتركيز الاهتمام على الشمولية باعتبارها عنصراً ضرورياً بدلاً من أن تكون ميزة إضافية.

وعلاوة على ذلك، سيجد العديد من المدراء أنه من المفيد التعاون مع موظفيهم الذين يعانون الاضطراب الثنائي القطب حول سبل دعمهم على أفضل وجه. على سبيل المثال، أخبرتنا إحدى مديرات البرامج في مسرّعة أعمال ناشئة في لبنان بأنها تناقش مع مديرها حالتها النفسية أسبوعياً. وإذا لزم الأمر، يعيدان ترتيب أولويات مهامها أو توزيع الموظفين. وقد أدى هذا النمط إلى علاقة عمل مبنية على الثقة مكّنت كبير مدراء البرامج من أن يكون على درجة عالية من الإنجاز.

3. تعزيز ثقافة الأداء والتعاطف.

ترتفع احتمالية نجاح الموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب في ثقافة تقدّر الأداء والتعاطف مع الموظفين. لم يتوقع أي من أصحاب الأداء العالي الذين قابلناهم أن يتلقوا دلالاً ولا يريدون أن يكونوا مدللين؛ في الواقع، الطموح العالي سمة شائعة لدى المصابين بالاضطراب الثنائي القطب. قال أحد الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلة: "نحن أقوياء، ولن ننكسر".

ومع ذلك، فإن الطبيعة الدورية والمزمنة للحالة قد تعوق قدرة الموظف على الأداء في أوقات معينة. على سبيل المثال، قال معظم المسؤولين التنفيذيين الذين قابلناهم إنه من المفيد أن يأخذوا يوم إجازة من حين لآخر في حال كانت حالتهم المزاجية متقلبة أو عانوا آثاراً جانبية نتيجة تغيير الدواء. وقد أخذ بعضهم فترات طويلة للعلاج المكثف في المستشفى.

المؤسسات التي تُظهر اهتمامها بموظفيها، حتى في الأوقات الصعبة، تحظى بقدر أكبر من التفاني والجهد على المدى الطويل من الأفراد المصابين بالاضطراب الثنائي القطب. يمكن للقادة تقييم ثقافة شركتهم وقياسها من حيث التركيز على الأداء والرعاية العطوفة. كما يمكنهم تشجيع دعم النظراء وإقامة مجموعات لمساعدة المصابين بالاضطراب الثنائي القطب وحالات الصحة النفسية الأخرى.

قد يجلب الموظفون المصابون بالاضطراب الثنائي القطب مهارات ووجهات نظر فريدة من نوعها للمؤسسة عندما تتعامل مع وضعهم الصحي بطريقة جيدة. ومن الجدير الاستثمار في نجاحهم من خلال إجراء تعديلات على تصميم الوظائف والممارسات الإدارية والثقافة المؤسسية. قد تكون التضحيات ضئيلة لأن الفوائد التي تعود على الموظفين المصابين بالاضطراب الثنائي القطب تحسّن بيئة العمل، وذلك ينعكس إيجاباً على صحة الجميع النفسية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي