يُعتبر إجراء محادثات بناءة جزءاً حيوياً من التوصيف الوظيفي لأي قائد. ويمكن لأي شخص إغفال أهمية الحديث والتواصل بوصفهما من المهارات القيادية. لكن يوجد حالياً الكثير من البراهين والأدلة التي تُظهر أن هناك زماناً ومكاناً مناسبين للحديث – وبأن أي قائد يطمح للقيادة على الأغلب سيحقق فائدة أكبر إذا أجرى مراجعة جدية للمخاطر المحتملة لبعض أنواع الحوار.
دعونا في السطور المقبلة نتطرق إلى 3 حالات، لا يكون الحديث فيها بالضرورة هو الخيار الفعال بالنسبة للقائد:
"الكلام والكلام فقط دون اتخاذ أي أفعال"
يخلق اللجوء إلى الكلام فقط وهماً بأن شيئاً ما يجري أو أن هناك تقدماً يُحرز، في الوقت الذي يقتصر فيه الأمر عملياً على التواصل دون اتخاذ أي من الإجراءات الضرورية. وهذا أمر اختبرناه جميعاً ونعاني منه في مكان العمل، غير مدركين أن هناك براهين علمية تساعد في شرح ما الذي بوسع القادة فعله.
وضعت الباحثة مارغريت آرتشير، المفهوم المتعلق بكيفية تأثير الطريقة التي يفكر فيها الشخص بينه وبين نفسه على تصرفاته. وحددت 3 أنواع من الطباع الموجودة عند البشر في هذا المجال: أولاً، الأشخاص الذين يحتاجون إلى الآخرين كي يتمموا لهم محادثاتهم الداخلية التي تدور في رؤوسهم من أجل تحقيق النجاح في الأداء. ثانياً، الأشخاص الذين يفكرون بينهم وبين أنفسهم بطريقة مستقلة ذاتياً، ويفعلون العكس تماماً، حيث يعزلون أنفسهم عن الآخرين لاستكمال أفكارهم الداخلية وتأملهم في ذواتهم، وهم أشخاص أكثر شعوراً بالحنين. الفئة الثالثة والأخيرة، هم الأشخاص الذين يعتمدون على مجموعة من القيم التي يؤمنون بها لتوجه طريقة تدبّرهم للأمور. وخلصت آرتشير إلى أنك عندما تعتمد على الآخرين لمساعدتك في استكمال أفكارك الداخلية بينك وبين نفسك، فإنك على الأرجح لن تتحرك كثيراً ضمن التراتبية الوظيفية وستظل في مكانك، بينما يرتقي الأشخاص الذين يعتمدون على محادثاتهم الداخلية بينهم وبين أنفسهم في السلم إلى الأعلى، أما الفئة الثالثة فإنها ستراوح في مكانها ضمن الشركة فلا تصعد ولا تهبط وتظل في مكانها.
الحساسية العاطفية المرتفعة
ربما نقع في ورطة إذا كان كل ما نفعله هو "الشعور" بما يقوله الآخرون حتى نفهم. فقد كشفت سلسلة من الدراسات أن هذا النوع من الحساسية العاطفية يمكن أن يضر كثيراً بنتائج النقاش الدائر على مائدة المساومات. وعوضاً عن ذلك، هناك نوع آخر من التعاطف وهو "التعاطف الإدراكي"، الذي ينطوي على فوائد أكبر في اكتشاف نقاط التوافق الخفية في أثناء المفاوضات. فهذا النوع من الحديث يتطلب من المرء استعمال عقله إضافة إلى قلبه عند التفاوض، مع إتقان مهارات التفاوض.
التوافق "الوهمي"
غالباً ما تجري النقاشات من أجل التوصل إلى التوافق في الآراء، لكن التوافق في الآراء بحد ذاته لا يعني ضمنياً القيادة الفعّالة. فالبشر معرضون إلى الأوهام المتعددة، والأفخاخ النفسية، ومن ثم، فإن وجود توافق في الآراء على هذه الأمور يقود إلى وهم جماعي عوضاً عن القيادة الفعّالة.
فما الذي بوسعنا فعله إذا ما تعرضنا لهذه المواقف؟
أولاً: تشير أبحاث آرتشير إلى أن كل المحادثات يجب أن يليها نوع من التفكير والتأمل الداخليين من أجل تحاشي حالة الركود. وحاول أن تفكر بينك وبين نفسك بوعي بمعطيات الحديث والنقاط الأساسية فيه، واسمح لدماغك بمعالجة التفاصيل بعمق.
ثانياً: تؤكد الدراسات التي أجريت حول مفهوم "التعاطف الإدراكي" أننا يجب ألا ننجرف وراء العواطف المشتركة خلال المفاوضات، وإنما يجب أن نشترك في وجهات النظر. وبما أننا جميعاً عرضة للوقوع في الأفخاخ النفسية، فإن ذلك يشير إلى أن القرارات بحاجة إلى أن تتجاوز التوافق في الآراء، وربما يكون البديل الذي يجب تطبيقه هو "أفضل تقدير ممكن" للأمر.