في عام 1971، تم تعيين رجل كان يبدو عادياً وقتها، يدعى داروين سميث، رئيساً تنفيذياً لشركة "كيمبرلي كلارك" (Kimberly-Clark)، وهي شركة ورق عريقة ضخمة تخلّف سهمها بنسبة 36% عن السوق خلال العشرين عاماً الماضية.
لم يكن سميث، محامي الشركة دمث الأخلاق، متأكداً من أن مجلس الإدارة اتخذ القرار الصائب. وما زاد الطين بلّة قيام مديره بسحبه جانباً، مذكراً إياه أنه يفتقر إلى بعض المؤهلات اللازمة للمنصب. لكنه غدا على الرغم من ذلك الرئيس التنفيذي، ليستمر في ذلك المنصب لفترة تزيد عن العشرين عاماً.
وقد كانت 20 سنة مميزة للغاية، إذ أحدث سميث خلال تلك الفترة تحوّلاً مذهلاً في شركة "كيمبرلي كلارك"، محولاً إياها إلى شركة رائدة في مجال المنتجات الورقية الاستهلاكية في العالم. وتغلبت الشركة – في ظل قيادته – على منافستيها "سكوت بيبر" (Scott Paper) و"بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble)، مع تحقيقها في الوقت نفسه لعائدات تراكمية تزيد 4.1 مرة عن عائدات الشركات الأخرى في السوق، متفوقة حتى على الشركات العريقة أمثال "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (Hewlett-Packard)، "ثري إم" (3M)، "كوكاكولا" (Coca-Cola)، و"جنرال إلكتريك" (General Electric).
يُعد التحوّل الذي شهدته "كيمبرلي كلارك" على يد سميث أحد أفضل الأمثلة في القرن العشرين عن قائد يأخذ شركة كانت تسير بشكل تقليدي ويحولها إلى شركة عظيمة حقاً. لكن القليل من الناس، حتى الطلاب المتحمسين لتاريخ الأعمال، سمعوا بداروين سميث. وربما كان هو نفسه يفضّل ذلك. ويمثّل سميث مثالاً تقليدياً حول القائد من المستوى الخامس، أي الفرد الذي يمزج بين التواضع الشخصي الشديد والعزيمة المهنية الصلبة. فوفقاً لدراسة بحثية استمرتْ فترة خمس سنوات، وجدنا أنه من النادر جداً إحصائياً وجود رؤساء تنفيذيين لديهم هذا المزيج المتناقض جداً من السمات، ويحولون شركة جيدة إلى شركة عظيمة. (يتم تناول هذا البحث بالشرح في قسم "سؤال واحد، خمس سنوات، 11 شركة" التالي).
سؤال واحد، خمس سنوات، 11 شركة
جاء اكتشاف المستوى الخامس من مشروع بحثي بدأ في عام 1996، عندما شرعتُ أنا وفرق البحث في الإجابة عن سؤال واحد: هل يمكن لشركة جيدة أن تصبح شركة عظيمة، وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟
نشأت معظم الشركات الكبرى مع مؤسسين ممتازين – أشخاص مثل جورج ميرك وديفيد باكارد ووالت ديزني – ممن غرسوا العظمة في وقت مبكر. ولكن ماذا عن الغالبية العظمى من الشركات التي تنشأ في الحياة وتدرك أنها جيدة ولكنها ليست عظيمة؟
للإجابة عن هذا السؤال، بحثنا عن الشركات التي انتقلت من الأداء الجيد إلى الأداء العظيم وحافظتْ عليه، وحددنا شركات المقارنة التي فشلت في تحقيق الاستمرارية في التحول، بعد ذلك درسنا التباين بين المجموعتين لاكتشاف الأمور المختلفة بين تلك التي صنعتْ تحولاً وحافظتْ عليه، وبين تلك التي صنعته لكن لم تتمكن من المحافظة عليه.
وبتعبير أدق، بحثنا عن نمط محدد: عوائد أسهم تساوي ما يقدمه سوق الأوراق المالية في العادة أو أقل منه على امتداد فترة 15 عاماً، ثم نقطة تحوّل، ثم تزايد تلك العوائد ثلاثة أضعاف السوق على الأقل خلال السنوات الـ 15 التالية (انظر المعرض المصاحب). واستخدمنا بيانات من "مركز جامعة شيكاغو لبحوث أسعار الصكوك"، وقمنا بتعديلها لحساب الأسهم والأرباح الموزعة. وكان يجب على التحوّل أن يكون أكبر من تحوّل الصناعة نفسها؛ فإذا أظهرت الصناعة بأكملها التحوّل نفسه، لن تكون الشركة ناجحة. بدأنا مع 1,435 شركة ظهرت في قائمة مجلة "فورتشن" 500 من 1965 إلى 1995، وجدنا 11 مثالاً تحولت كلها من جيدة إلى عظيمة. لم تكن تلك عينة، بل كان العدد الإجمالي الذي تخطّى العقبات التي لدينا كلها، ونجح في الوصول إلى الدراسة.
أما الشركات التي خرجت من القائمة، فكانت تلك التي انخفض متوسط عوائدها بواقع 6.9 أضعاف سوق الأوراق لمدة 15 سنة من بعد نقطة التحوّل. وكمثال على ذلك، تفوقتْ شركة "جنرال إلكتريك" بقيادة جاك ويلش على سوق الأوراق المالية العام بنسبة 2.8 إلى 1 خلال فترة ولايته في الفترة من 1986 إلى 2000. ووصل أي دولار تم استثماره في صندوق مشترك يضم تلك الشركات التي تحولت من جيدة إلى عظيمة في عام 1965 إلى مبلغ مقداره 470 دولار بحلول عام 2000 مقارنة بمبلغ 56 دولاراً لو كان قد تم استثماره في سوق الأسهم العام. هذه أرقام رائعة، صنعتها حقيقة أنها أتت من شركات غير ملحوظة سابقاً.
بعد اختيارنا لتلك الشركات، حاولنا اختيار أنسب شركة مقارنة لها، بناءً على تشابه مجال الأعمال والحجم والعمر والأداء الذي أفضى إلى التحوّل ذاك. ولقد أنشأنا أيضاً مجموعة من ستة مقارنات "غير مستدامة" (الشركات التي أظهرتْ تحولاً قصير الأجل ولكنها توقفت بعد ذلك) لمعالجة مسألة الاستدامة. ولكي نكون محافظين، اخترنا باستمرار شركات مقارنة كانت في حالة أفضل من الشركات التي تحولت من جيدة إلى ناجحة في السنوات التي سبقت نقطة التحوّل.
وتضمنت دراستنا مجموعة واسعة من التحليلات النوعية والكَمية، مع 22 باحثاً عملوا في مجموعات من أربعة إلى ستة في وقت واحد في الفترة 1996 إلى 2000. فعلى الصعيد النوعي، جمعنا ما يقرب من 6,000 مقالة، وأجرينا 87 مقابلة مع مسؤولين تنفيذيين رئيسين، وقمنا بتحليل وثائق الاستراتيجية الداخلية للشركات، واستندنا إلى تقارير محللين. أما على الصعيد الكمي، فقد أنشأنا مقاييس مالية، وفحصنا الرواتب التنفيذية، وقارنا أنماط دوران الإدارة وعمليات التسريح وإعادة هيكلة الشركة كمياً، وحسبنا تأثير عمليات الاستحواذ والتصفية على أسهم الشركات. بعد ذلك، جمعنا النتائج لتحديد محركات التحولات الجيدة. واحد كان المستوى الخامس القيادة. (أما الأخرى فموصوفة في قسم "ليس بالمستوى الخامس وحده").
ونظراً لوجود 11 شركة فقط كانت مؤهلة لتكون من جيدة إلى عظيمة، فقد كان على النتائج تلبية معايير صارمة قبل النظر إليها على أنها مهمة. وظهر كل مكوِّن من المكونات في الإطار النهائي في جميع الشركات الـ 11 الجيدة خلال فترة التحوّل، بغض النظر عن الصناعة (من الصلب إلى المصارف)، أو عُقد الانتقال (من الخمسينيات إلى التسعينيات)، أو الظروف (من وضع عادي إلى أزمة طاحنة)، أو الحجم (من عشرات الملايين إلى عشرات المليارات). إضافة إلى ذلك، كان يجب أن يظهر كل مكون في أقل من 30% من شركات المقارنة خلال السنوات ذات الصلة. لقد وصل المستوى الخامس على الرغم من كل تلك المرشحات كلها، وكان العامل الأبرز وحتى الوحيد بين الشركات التي انتقلت من جيدة إلى عظيمة في مقابل شركات المقارنة.
يشير "المستوى الخامس" إلى أعلى مستوى في التسلسل الهرمي للقدرات التنفيذية، والذي لاحظناه في بحثنا. ويمكن للقادة على المستويات الأربعة الأخرى في التسلسل الهرمي تحقيق درجات عالية من النجاح، لكن ليس بما يكفي لنقل الشركات من الرداءة إلى التميز المستمر. (للحصول على مزيد من التفاصيل حول هذا المفهوم، راجع قسم "المستوى الخامس ضمن التسلسل الهرمي"). ويُظهر بحثنا أن المستوى الخامس من القيادة شرط ضروري لتحويل شركة جيدة إلى شركة عظيمة، إلا أنه ليس الوحيد، إذ تضم القائمة أيضاً عوامل أخرى على غرار وجود الأشخاص المناسبين في المؤسسة (ومغادرة الأشخاص الخطأ) وخلق ثقافة الانضباط. ببساطة، لا يحدث تحوّل لشركة من شركة جيدة إلى شركة عظيمة من دون قائد من المستوى الخامس. ببساطة، لن يحدث هذا الأمر مطلقاً.
ليس ما تتوقعه
يعاكس اكتشافنا للمستوى 5 من القيادة ما تفترضه البديهة العامة، كما أنه يعارض الثقافة السائدة، إذ يفترض الناس عموماً أن تحوّل الشركات من جيدة إلى عظيمة يتطلب قادة أسطوريين على غرار لي أياكوكا، وآل دنلاب، وجاك ويلش، وستانلي غولت، ممن يتصدرون عناوين الصحف ويصبحون من المشاهير.
لدى مقارنة داروين سميث مع هؤلاء القادة، سيبدو وكأنه قادم من عالمٍ آخر، إذ كان سميث خجولاً ومتواضعاً، وحتى مُحرَجاً من نيل الاهتمام. فعندما طلب منه أحد الصحفيين وصف أسلوب إدارته، حدّق سميث من وراء نظارته السميكة ذات الحواف السوداء وملابسه المتواضعة، مثل شخص من ذوي الدخل المحدود يرتدي بذلة لأول مرة، في الصحفي. ثم قال أخيراً بعد فترة الصمت الطويلة وغير المريحة تلك "إنه أسلوب لا تمركزي". وغني عن القول إن صحيفة "وول ستريت جورنال" لم تنشر مقالة مطوّلة عن داروين سميث قَط.
لكن إذا كنت تظن أن سميث شخص ناعم أو وديع، ستكون مخطئاً بشكل رهيب، إذ كان عدم حبه للمظاهر مصحوباً بحزم عنيف وشديد للغاية تجاه الحياة. نشأ سميث في مزرعة في ولاية إنديانا، وأمضى حياته الدراسية يدرس ليلياً في جامعة "إنديانا"، ويعمل نهاراً في مؤسسة "إنترناشيونال هارفستر" (International Harvester) للحصّادات. وذات يوم فقد إصبعه خلال العمل. تقول القصة إنه ارتاد المدرسة في مساء ذاك اليوم، وذهب إلى العمل في اليوم التالي. وفي النهاية، نال هذا الولد المزارع الفقير من إنديانا ذي العزم قبولاً في كلية الحقوق بجامعة "هارفارد" (Harvard).
وأظهر الإرادة الحديدية نفسها عندما كان على رأس "كيمبرلي كلارك". ففي الواقع، وبعد شهرين من توليه منصب المدير التنفيذي، شخصّه الأطباء بسرطان الأنف والحنجرة، وأخبروه أن لديه أقل من عام ليعيش. وأبلغ المجلس حسب الأصول بمرضه، لكنه قال إن لا خطط لديه للموت في القريب العاجل. واحتفظ سميث بجدول أعماله الصعب أثناء ترحاله أسبوعياً بين ويسكونسن وهيوستن لعلاج الأشعة. وعاش سميث 25 سنة إضافية، منها 20 سنة كرئيس تنفيذي.
وكان عزم سميث الشرس ضرورياً لإعادة بناء "كيمبرلي كلارك"، خصوصاً عندما اتخذ القرار الأكثر دراماتيكية في تاريخ الشركة، والمتمثل في بيع المطاحن.
لتفسير أهمية ذاك القرار، فإنه وبعد فترة قصير من تولي سميث للمنصب، خلُص هو وفريقه إلى أن الأعمال الأساسية التقليدية للشركة (الورق المطلي) محكوم عليها بالتدهور نظراً لسوء أرباحها وضعف المنافسة. لكن آمنوا في الوقت نفسه أنه إذا انتقلت "كيمبرلي كلارك" ناحية قطاع المنتجات الورقية الاستهلاكية، فإن الاقتصاد الأفضل والمنافسين العالميين، مثل "بروكتر آند غامبل"، سيوديان بالشركة إما إلى العظمة أو إلى الهلاك.
وهكذا، فعل سميث مثل ما فعل طارق بن زياد عندما أحرق سفنه حال هبوطه الأندلس، قائلاً "العدو من أمامكم والبحر من ورائكم"، إذ أعلن سميث أن "كيمبرلي كلارك" ستبيع مصانعها، بما فيها مطحنة تحمل اسم الشركة ذاته في ويسكونسن. وذكر أن العائدات ستوظّف بالكامل في قطاع الورق الاستهلاكي، مع الاستثمار في علامات تجارية كحفاضات "هاغيز" ومناديل "كلينيكس". وصفت وسائل الإعلام بدورها الخطوة "بالغبية"، وخفّض محللو "وول ستريت" تقييمهم لأسهم الشركة، لكن لم يوهن ذلك من عزيمة سميث مطلقاً. وبعد 25 عاماً، استحوذت "كيمبرلي كلارك" على شركة "سكوت بيبر" (Scott Paper) وتغلبت على "بروكتر آند غامبل" في ستة من فئات المنتجات من أصل ثمانية. وعندما تقاعد، نظر سميث إلى أدائه الاستثنائي، قائلاً عنه ببساطة "لم أتوقف مطلقاً عن محاولة أن أصبح مؤهلاً لهذه الوظيفة".
لا تحدث التحولات الجيدة إلى العظيمة من دون قادة من المستوى الخامس. إنها فقط لا تحدث.
ليس ما توقعناه أيضاً
سننظر بعمق في المستوى الخامس من القيادة، ولكن أولاً علينا أن نوضح بعض الأمور حيال نتائجنا، فلم نكن نبحث عن المستوى الخامس أو أي شيء من هذا القبيل، بل كان سؤالنا الأصلي هو: هل في إمكان شركة جيدة أن تصبح شركة عظيمة؟ وإذا كان في الإمكان ذلك، كيف؟
في الواقع، أُعطيتْ فرق البحث تعليمات صريحة للتقليل من دور كبار المدراء التنفيذيين خلال إجابة الناس عن هذا السؤال، حتى لا ننزلق إلى "مدح القائد" أو "ذم القائد" والذي يعد أمراً شائعاً للغاية اليوم.
لكن المستوى الخامس نفسه هو ما وجدنا؛ فخلال الدراسة، استمرتْ فرق البحث في قول "لا يمكننا تجاهل كبار المسؤولين التنفيذيين حتى لو أردنا ذلك، فهناك شيء غير عادي دائماً حيالهم". وكنت أرد بدوري "للشركات المقارنة أيضاً قادة، فما الفرق هنا؟" وكان النقاش محتدماً بيننا. وفي نهاية المطاف، وكما هو الحال دائماً، انتصرتْ البيانات، لأن الرؤساء التنفيذيين في الشركات التي انتقلت من جيدة إلى عظيمة واستمرت في هذا الأداء لمدة 15 عاماً أو أكثر ينتمون جميعاً إلى فئة واحدة؛ فئة مختلفة للغاية عن المدراء التنفيذيين في شركات المقارنة في دراستنا. ولا يهم ما إذا كانت الشركة في أزمة أو مستقرة، أو كانت موجهة للشركات أو للمستهلكين، أو كانت تقدم خدمات أو منتجات، ولا يهم متى حدث الانتقال، أو ما حجم الشركة. لقد كان لدى جميع المؤسسات الناجحة قائد من المستوى الخامس في وقت الانتقال.
علاوة على ذلك، لم تكن هناك قيادة من المستوى الخامس لدى الشركات المقارنة مطلقاً. ونافلة القول هنا هو أن اكتشاف المستوى الخامس جاء من قبيل المصادفة، فلم نكن نسعى وراءه. ومن المهم الإشارة إلى ذلك، نظراً لأن نتائج المستوى الخامس تتناقض بشكل كبير مع المنطق التقليدي للأمور، وأيضاً مع الكثير من نظريات الإدارة الحالية. (للحصول على مزيد من المعلومات حول التحول من شركات جيدة إلى شركات عظيمة، راجع الفقرة الجانبية "ليس بالمستوى الخامس وحده").
ليس بالمستوى الخامس وحده
تُعد القيادة من المستوى الخامس عاملاً ضرورياً لنقل الشركة من جيدة إلى عظيمة، ولكنها ليست العامل الوحيد، إذ كشفت أبحاثنا عوامل متعددة تساهم في تقدّم الشركات من جيدة إلى عظيمة. وتأتي هذه العوامل جميعها في باقة واحدة، بمعنى آخر، القيادة من المستوى الخامس زائد بقية العوامل، لجعل الشركة تتفوق على البقية. وهناك علاقة مترابطة بين المستوى الخامس وبقية النتائج التي توصلنا إليها: يمكّن المستوى الخامس من تنفيذ النتائج الأخرى، وقد تساعدك ممارسة النتائج الأخرى في الوصول إلى المستوى الخامس. ولقد تحدثنا بالفعل عمن هم قادة المستوى الخامس، وتصف بقية النتائج التي توصلنا إليها ما يفعلونه. فيما يلي نظرة مختصرة على بعض النتائج الرئيسة الأخرى.
أوّل مَن
لقد توقعنا أن يبدأ القادة الجيدون بالرؤية والاستراتيجية. بدلاً من ذلك، كانوا يتواصلون مع الأشخاص أولاً، ثم الاستراتيجية بعد ذلك، فقاموا في البداية بتوظيف الأشخاص المناسبين، وإزاحة أولئك غير المناسبين، فضلاً عن إلهام الأشخاص لتولي المهام المناسبة لهم، ثم بعد ذلك عرفوا الطريق إلى العظمة.
مفارقة ستوكديل
وسُميت هذه المفارقة على اسم الأدميرال جيمس ستوكديل، الحائز على ميدالية الشرف، والذي نجا بعد سبع سنوات قضاها أسير حرب في معسكر الانفصاليين الفيتناميين عبر التمسك بمعتقدين متناقضين: لا يمكن أن تكون الحياة أسوأ مما عليه في الوقت الحالي، لكنها ستكون لاحقاً أفضل مما عليه الآن. ومثل ستوكديل، واجه الأشخاص في الشركات الجيدة في بحثنا الحقائق الأكثر سوءاً حيال وضعهم الحالي، لكنهم حافظوا في الوقت نفسه على إيمانهم المطلق بأنهم سينتصرون في النهاية. واحتفظوا بكل من التخصصات - الإيمان والحقائق - في الوقت نفسه، الوقت كله.
كرة الثلج
لا يحدث التحول من جيد إلى عظيم بين عشية وضحاها، أو عبر قفزة واحدة كبيرة، بل يشبه كرة الثلج التي تندفع نزولاً من جبل. تبدأ الكرة في البداية صغيرة وتسير ببطء، ولكن عبر دحرجتها ودفعها بشكل متسق، فإنها تكبر ويزيد زخمها حتى مرحلة تتسارع فيها، وتصل إلى مرحلة الاختراق لتتحرك بعدها ذاتياً وبسرعة هائلة. ولم تحقق شركات المقارنة لدينا الزخم ذاته الذي حققته الشركات التي انتقلت من جيدة إلى عظيمة، وبدلاً من ذلك، تحركت جيئةً وذهاباً مع برامج التغيير الجذري، والتحركات الرجعية، وإعادة الهيكلة.
مفهوم القنفذ
وصف الفيلسوف والعالم أشعيا برلين، في مقال شهير/ طريقتين للفكر والحياة باستخدام مثال بسيط: الثعلب، يعرف القليل عن أشياء كثيرة، لكن القنفذ يعرف شيئاً واحداً بشكل جيد. إن الثعلب معقد بينما القنفذ بسيط، والقنفذ يفوز. يوضح بحثنا أن الاختراقات تتطلب ببساطة فهم القنفذ لثلاث دوائر متقاطعة: ما يمكن أن تكون الشركة الأفضل في العالم، وكيف تعمل اقتصاداتها بشكل أفضل، وما الذي يحفز مشاعر الناس على أفضل وجه. تحدث الاختراقات عندما تحصل على مفهوم القنفذ وتصبح منهجياً ومتسقاً معه، مما يؤدي إلى التخلص من أي شيء لا يصلح في الدوائر الثلاث.
المسرعات التقنية
كان لدى الشركات الجيدة علاقة متناقضة مع التقنية. فمن ناحية، تجنبتْ بشدة القفز إلى عربات التقنية الجديدة. ومن ناحية أخرى، كانت رائدة في تطبيق تقنيات المختارة بعناية، فقامت باستثمارات جريئة وبعيدة النظر في تلك المرتبطة مباشرة بمفهوم القنفذ. مثل أمور تساهم في جعل كرة الثلج السالف ذكرها أكبر، مما يخلق انفجاراً في حجم كرة الثلج تلك وتسارعها.
ثقافة الانضباط
عندما تنظر عبر التحول من جيد إلى عظيم، سنرى باستمرار ثلاثة أشكال من الانضباط: الأشخاص المنضبطون، والفكر المنضبط، والإجراء المنضبط. فعندما يكون لديك أشخاص منضبطون، لن تحتاج إلى تسلسل هرمي. وعندما يكون لديك فكر منضبط، لن تحتاج إلى بيروقراطية. وعندما يكون لديك إجراء منضبط، لن تحتاج إلى ضوابط زائدة. وعندما تجمع بين ثقافة الانضباط وأخلاقيات ريادة الأعمال، ستحصل على الكيمياء السحرية للأداء الرائع.
التواضع + العزيمة = المستوى الخامس
لدى القادة من المستوى الخامس ازدواجية مثيرة للاهتمام، فهم يجمعون التواضع والعزيمة، وأيضاً الخجل والإرادة.
لفهم ما سبق، لننظر إلى أبراهام لينكولن الذي لم يدع "الأنا" لديه تعترض طريقه لخلق أمة عظيمة مستمرة، إذ وصفه المؤلف هنري آدمز بأنه "شخصية هادئة وسلمية وخجولة". لكن أولئك الذين اعتقدوا أن أسلوب لينكولن يشير إلى ضعف، وجدوا أنفسهم مخطئين بشكل فظيع، وكان عددهم 250 ألف شخص من المعارضة الكونفدرالية و360 ألف من الاتحاد، وأيضاً أشخاص مقربون من لينكولن نفسه.
قد تكون مبالغة أن نقارن بين 11 مديراً تنفيذياً في المستوى الخامس في بحثنا مع لينكولن، لكنهم كلهم أظهروا النوعية نفسها من الازدواجية. ولنأخذ كولمان موكلر، الرئيس التنفيذي لشركة "جيليت" (Gillette) من عام 1975 إلى عام 1991. كان موكلر، الذي واجه ثلاث محاولات استحواذ، رجلاً مهذباً وكريماً ولطيف المعشر، وأرستقراطي الطابع. ولم يفقد أبداً أسلوبه الخجول المهذب، على الرغم من معاركه المحتدمة مع المنافسين، فقد هاجم رونالد بيرلمان مرتين وكونستون بارتنرز مرة. كما حافظ على سلوك هادئ حتى في وجه الأزمات، فقد استغنى أولاً عن الأعمال المستمرة للشركة قبل مواجهته لعمليات الاستحواذ.
لكن تعرّض كل مَن ظن أن تواضع موكلر الخارجي دليلاً على ضعفه الداخلي إلى صدمة كبيرة. ففي معركة بالوكالة، اتصل موكلر وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين بالآلاف من المستثمرين، واحداً تلو الآخر، لنيل أصواتهم في معركتهم. ولم يكن موكلر ببساطة ليستسلم، فقد اختار الكفاح من أجل عظمة "جيليت" المستقبلية على الرغم من قدرته على جني الملايين لو باع الشركة أو قَبِل عرض الاستحواذ.
لنتخيل سيناريو فيه موكلر استسلم للاستحواذ. فلو كان أحد المستثمرين قد قبل العلاوة على السهم والبالغة 44% التي قدمتها "بيرلمان" (Perelman) ثم استثمر ذاك المبلغ في سوق الأوراق المالية مدة عشر سنوات، كان المبلغ الذي يجنيه سيبقى أقل بنسبة 64% من المبلغ الذي حققه المستثمر الذي ظلّ مع موكلر و"جيليت". ولو كان موكلر قد استسلم، لم نكن لنرَ منتجات "جيليت"، مثل "سنسور" و"ليدي سنسو" و"ماخ 3"، وكنا لنبقى نعاني خلال محاولاتنا حلاقة ذقوننا كل يوم.
من المحزن أنه لم تتح لموكلر فرصة جني ثمار جهوده بالكامل. ففي يناير/كانون الثاني 1991، تلقت "جيليت" نسخة قبل النشر من مجلة "فوربس"، يُظهر غلافها رسماً فنياً لموكلر الخجول واقفاً على قمة جبل، ممسكاً بآلة حلاقة يرفعها فوق رأسه في وضعية انتصار. وبعد عودته إلى مكتبه بعد دقائق فقط من رؤية هذا الإقرار العلني بنجاح نضاله الذي دام 16 عاماً، سقط موكلر أرضاً وتوفي بنوبة قلبية حادة.
حتى لو كان موكلر يعلم أنه سيموت في مكتبه، لم يكن ليغير ما قام به. ففي شخصيته الهادئة اختبأ إصرار وتصميم على جعل أي شيء يلمسه أفضل، ليس فقط بسبب ما سيناله منه لاحقاً، ولكن لكونه لا يستطيع تخيل أي سيناريو آخر مختلف. لم يستطع موكلر تقديم الشركة لأولئك الذين سيدمرونها، تماماً، كما كان الحال مع لينكولن الذي خاطر لصالح بناء عظيمة مستمرة.
حياء مُقنَّع
توضح قصة موكلر التواضع النموذجي لقادة المستوى الخامس. (للحصول على ملخص حول سمات المستوى الخامس، راجع فقرة "الخير والشر للمستوى الخامس"). وفي الواقع، وخلال المقابلات التي أجريناها مع هؤلاء الرؤساء التنفيذيين، دُهشنا بالطريقة التي تحدثوا بها عن أنفسهم، أو بالأحرى، التي لم يتحدثوا بها عن أنفسهم، لأنهم كانوا يتحدثون بشكل متواصل عن الشركة وإسهامات بقية المسؤولين التنفيذيين، مع تفادي النقاش غريزياً عندما يصل الحديث إلى دورهم. وعندما يُضغط عليهم للتحدث عن أنفسهم، يقولون أشياء على غرار "آمل ألا أبدو وكأنني شخصية مهمة". أو "لا أعتقد أن لي الفضل في كثير مما حدث، بل لأننا بوركنا بالحصول على أشخاص رائعين". حتى أن أحد قادة المستوى الخامس أكد أن "هناك كثيرين في هذه الشركة قادرون على أداء عملي بشكل أفضل مني".
الخير والشر للمستوى الخامس
التواضع الشخصي
- يعرض تواضع كبير، ويتخلى عن التصريحات العلنية، ولا يتفاخر.
- يتصرف بتصميم هادئ ومسترخٍ، ويعتمد بشكل أساسي على المعايير الملهمة، وليس الكاريزما الملهمة، للتحفيز.
- يضخ الطموح في الشركة وليس الذات، ويضع خلفاء لعظمة أكثر في الجيل القادم.
- يبحث في المرآة، وليس خارج النافذة، لإلقاء اللوم فيما يتعلق بالنتائج السيئة، ولا يلقي اللوم على الآخرين أو العوامل الخارجية أو سوء الحظ.
العزيمة المهنية
- يخلق نتائج رائعة، محفزاً واضحاً في الانتقال من جيد إلى عظيم.
- يُظهر تصميماً ثابتاً على فعل ما يجب القيام به كله لتحقيق أفضل النتائج على المدى الطويل، بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك.
- يضع معيار بناء شركة عظيمة دائمة؛ لن يقبل بأي شيء أقل.
- ينظر خارج النافذة، وليس في المرآة، لعزو نجاح الشركة إلى أشخاص آخرين، وعوامل خارجية، والحظ السعيد.
على النقيض من ذلك، انظر لسعي الرؤساء التنفيذيين للشهرة في شركات المقارنة. فقد عينت "سكوت بيبر"، الشركة التي قارنا بها "كيمبرلي كلارك"، بتعيين آل دنلاب رئيساً تنفيذياً، وهو رجل يخبر أي شخص يستمع له عن إنجازاته (والعديد يفضلون عدم الاستماع). فبعد 19 شهراً من جلوسه على قمة "سكوت بيبر"، قال دنلاب في مقابلة مع مجلة "بزنس ويك" (BusinessWeek)، "ستُنشر قصة "سكوت" في سجلات تاريخ الشركات الأميركية باعتبارها واحدة من أنجح الشركات وأسرعها نمواً على الإطلاق. ستبدو البقية شاحبة بجانبها".
لقد نال شخصياً 100 مليون دولار في 603 أيام عمل في "سكوت بيبر"، بمعدّل 165 ألف دولار يومياً، عبر قيامه فقط إلى حد كبير بتخفيض القوى العاملة، وتقليل ميزانية البحث والتطوير، ووضع الشركة على منشطات النمو قيد الإعداد للبيع. وبعد بيعه الشركة ونيله الملايين السريعة، كتب دانلاب سيرة ذاتية واصفاً فيها نفسه "(رامبو) عالم الشركات". من الصعب أن نتخيل داروين سميث يقول بينه وبين نفسه "أظن أننني أشبه شخصية (رامبو)" ناهيك عن قول ذلك علناً.
من المسلَّم به أن قصة "سكوت بيبر" هي واحدة من أكثر القصص درامية في دراستنا، ولكنها ليست حالة منفردة؛ ففي أكثر من ثلثي شركات المقارنة، لاحظنا وجود الأنا الضخمة التي ساهمتْ في زوال الشركة أو بقائها في وضع عادي. لقد وجدنا هذا النمط قوياً بشكل خاص في شركات المقارنة غير المستقرة، الشركات التي أظهرت تحولاً في الأداء تحت قيادة قادة موهوبين من المستوى الرابع، ممن لديهم بعض الغرور أيضاً، ثم عانت في السنوات التالية.
أنقذ لي أياكوكا، على سبيل المثال، "كرايسلر" (Chrysler) من شفا كارثة، منفذاً بجدارة واحداً من أكثر التحولات شهرة في تاريخ الشركات في الولايات المتحدة. وقد ارتفع سهم شركة صناعة السيارات بمقدار 2.9 مرة أكثر مقارنةً بالسوق خلال منتصف فترة ولايته. ولكن بعد ذلك حوّل إياكوكا انتباهه إلى نفسه، ليظهر بانتظام في البرامج الحوارية مثل "توداي شو" (Today Show) و"لاري كينج لايف" (Larry King Live)، فضلاً عن بطولته لأكثر من 80 إعلاناً تجارياً للشركة، وطرح فكرة ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة، وقام بالترويج لسيرته الذاتية، التي بيعت منها 7 ملايين نسخة حول العالم. لقد ارتفع سهم إياكوكا الشخصي، لكن انخفض سهم "كرايسلر" بدوره بنسبة 31% عن السوق في النصف الثاني من فترة ولايته.
وبمجرد أن نال إياكوكا الشهرة والامتيازات، وجد صعوبة في ترك مركز الصدارة، إذ أجل تقاعده مرات عديدة، حتى بدأ أشخاص في "كرايسلر" بالمزاح قائلين إن الحروف الأولى من "إياكوكا" ترمز إلى "أنا رئيس مجلس إدارة شركة كرايسلر دائماً". وعندما تقاعد أخيراً، طالب مجلس الإدارة بمواصلة منحه طائرة خاصة وخيارات الأسهم. وفي وقت لاحق، انضم مع فنان الاستحواذ الشهير كيرك كيركوريان لإطلاق عرض استحواذ عدائي على "كرايسلر" (والذي فشل). لقد اتخذ إياكوكا قراراً متألقاً واحداً: لقد اختار خليفة له رجلاً متواضعاً يمتلك التصميم، رجلًا ذا مستوى قيادي يقترب من المستوى الخامس. وأنقذ بوب إيتون "كرايسلر" من ثاني أزمة كانت تودي بها إلى الموت خلال عقد من الزمان، ووضع الأساس لعملية انتقال أكثر ديمومة للشركة.
عزيمة لا تنكسر
يُظهر قادة المستوى الخامس أيضاً عزيمة مهنية هائلة إلى جانب التواضع الشديد. فعندما أصبح جورج كاين رئيساً تنفيذياً لمختبرات "أبوت" (Abbot)، كانت شركة عائلية خاملة تقبع أسفل سلَّم صناعة المستحضرات الصيدلانية، وتعيش على السيولة التي تصلها من دوائها الوحيد الناجح "الإريثروميسين" (erythromycin). كان كاين قائداً نموذجياً من قادة المستوى الخامس في عدم حبه للظهور، فلم تكن لديه شخصية ملهمة من شأنها أن تحفز الشركة، لكنه كان يملك شيئاً أكثر قوة: مبادئ. لم يستطع تحمل الرداءة بأي شكل، وكان غير متسامح تماماً مع أي شخص يقبل فكرة أن الأمور الجيدة هي جيدة ويجب أن تبقى كذلك. وعلى مدى 14 عاماً، فرض إرادته بشدة على شركة "أبوت" ليصل بها إلى العظمة.
كان من بين مهام كاين الأولى تدمير أحد الأسباب الجذرية لأداء "أبوت" المتوسط: المحسوبية، فأدلى بدلوه في الموضوع عبر إعادة هيكلة مجلس الإدارة والفريق التنفيذي، عبر توظيف أفضل أشخاص يمكن أن يجدهم في تلك المناصب، مستبعداً الروابط العائلية من المعادلة. بمعنى آخر، إذا لم تكن قادراً على التعامل مع مهام منصبك وتولّي مسؤولياتك على أكمل وجه، ستخسر عملك وراتبك.
قد يكون من المتوقع رؤية إعادة الهيكلة عديمة الرحمة تلك من شخص خارجي تم جلبه لتغيير الشركة، لكن كان كاين موظفاً في الشركة عمل فيها مدة 18 عاماً، وجزءاً من العائلة المالكة لها، فقد كان ابن رئيسها السابق. ولابد أن التجمعات العائلية خلال الأعياد التي تلت إعادة الهيكلة تلك كانت مليئة بالتوتر لبضع سنوات في حياة كاين، "آسف، اضطررت إلى طردك، لكن هل تريد شريحة أخرى من الديك الرومي في طبقك؟"
ولكن في النهاية، كان أفراد الأسرة سعداء بأداء أسهمهم، فقد بدأ كاين في جعل الشركة مربحة. ومنذ إطلاقه المرحلة الانتقالية للشركة في الفترة من عام 1974 إلى عام 2000، قدمت "أبوت" عوائد للمساهمين تفوقت على السوق بنسبة 4.5 إلى 1، متخطيةً نجوم الصناعة البارزين أمثال "ميرك" (Merck)، و"فايزر" (Pfizer) بمقدار الضعف.
مثال جيد آخر حول قيادة من المستوى الخامس وعزيمة حديدية قادم من تشارلز كورك وولغرين الثالث، الذي حوّل شركة "داودي وول غرينز" (Dowdy Walgreens) إلى شركة ذات أداء رائع في سوق الأوراق المالية بنسبة 16 إلى 1 خلال فترة تحولها بين عامي 1975 و2000. فبعد سنوات من الحوار والمناقشة داخل فريقه التنفيذي حول ما يجب القيام به فيما يتعلق بالخدمات الغذائية للشركة، شعر هذا الرئيس التنفيذي أن الفريق وصل أخيراً إلى نقطة تحول مفادها أن مستقبل الشركة المشرق يكمن في تحولها إلى سلسلة صيدليات مريحة، وخروجها من مجال الخدمات الغذائية. ويصف دان جورندت، الذي خلف والغرين في عام 1988، ما حدث بعد ذلك، قال كورك في أحد اجتماعات لجنة التخطيط لدينا "حسناً، سوف أطلق الآن عدّاً تنازلياً، سنكون خارج قطاع المطاعم تماماً خلال خمس سنوات". وفي ذلك الوقت كان لدينا أكثر من 500 مطعم. وساد الصمت المطبق. أضاف كورك، "أريد أن أخبر الجميع أن العد التنازلي بدأ". وبعد ستة أشهر كنا في اجتماع لجنة التخطيط الثاني، وذكر أحدنا أن لدينا فقط خمس سنوات للخروج من قطاع المطاعم. ولم يكن كورك شخصاً صاخباً، بل نقر بكل هدوء على الطاولة قائلاً "بل لديكم أربع سنوات ونصف فحسب، قلت إن لديكم خمس سنوات قبل ستة أشهر، والآن باتت أربع سنوات ونصف". وبدأنا في اليوم التالي العمل جاهدين على محاولة الخروج من قطاع المطاعم. لم يتردد كورك أبداً، ولم يشكَّ أبداً، ولم يراجع قراره أبداً.
كانت لدى كورك والغرين عزيمة شديدة لاتخاذ قراراته كما كان الحال مع بيع داروين سميث للمطاحن في "كيمبرلي كلارك". فلم تكن الخدمات الغذائية الجزء الأكبر من العمل، على الرغم من تقديمها أرباحاً كبيرة إلى الشركة، وكانت المشكلة الحقيقية عاطفية أكثر منها مالية. فبعد كل شيء، اخترعتْ "وولغرينز" مخفوق الحليب المملح، وكانت خدمة الطعام تقليداً عائلياً عريقاً يرجع إلى جد كورك. وليس ذلك فحسب، بل حتى كانت بعض المطاعم مسماة باسم الرئيس التنفيذي، سلسلة مطاعم "كوركيز" (Corky’s). ولكن لم يكن ذلك مهماً، فإذا كان على والغرين أن يغرّد خارج سرب التقاليد الأسرية من أجل إعادة التركيز على الساحة الوحيدة التي يمكن أن تكون فيها "وولغرينز" تحقق أرباحاً، وهي الصيدليات المريحة، وإنهاء كل شيء آخر لا يحقق نتائج رائعة، فإن كورك سيفعل ذلك بهدوء وعناد، وبكل بساطة.
ملاحظة أخيرة، رغم أنها مقنِعة، عن نتائجنا حول المستوى الخامس: نظراً لأن قادة المستوى الخامس لديهم طموح يدور حول شركاتهم، لا أنفسهم، فإنهم يقومون بشكل روتيني باختيار خلفاء رائعين، إذ يرغب قادة المستوى الخامس في رؤية شركاتهم تصبح أكثر نجاحاً في الجيل القادم، وهم مرتاحون لفكرة أن معظم الناس لا يعرفون حتى أن جذور هذا النجاح تعود إليهم. وكما قال أحد الرؤساء التنفيذيين من المستوى الخامس، "أريد أن أنظر من شرفتي إلى الشركة لأراها واحدة من أكبر الشركات في العالم يوماً ما لأتمكن من القول "اعتدت أن أعمل هناك". وغالباً ما يفشل القادة في إعداد الشركة لنجاح دائم؛ ففي نهاية المطاف، ما أفضل دليل على عظمة الشخص من مشاهدة المكان كله ينهار بعد مغادرته؟
في أكثر من ثلاثة أرباع شركات المقارنة، وجدنا قيام الرؤساء التنفيذيين بتقديم خلفاء نقلوا الشركة إلى حالة فشل، أو كانوا خلفاء ضعفاء، أو حتى كليهما. ولننظر إلى "رابرميد" (Rubbermaid)، التي نمت من العدم لتصبح واحدة من الشركات الأكثر إثارة للإعجاب في قائمة مجلة "فورتشن"، وبعد ذلك، بالسرعة نفسها، تدهورت بشكل مؤلم لدرجة جعلت شركة "نيويل" (Newell) تستحوذ عليها بلا صعوبات تُذكر.
كان الشخص وراء تلك القصة الرائعة قائداً جذاباً ورائعاً يدعى ستانلي غولت، الذي أصبح اسمه مرادفاً لنجاح "رابرميد" أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، فتذكر المقالات الـ312 التي جمعها فريق البحث لدينا حول الشركة، أنه كان قائداً قوياً. وفي أحد المقالات، يرد على الاتهام بأنه طاغية بقول "صحيح، لكنني طاغية صادق". وفي مقال آخر يتحدث فيه عن التغييرات الرئيسة في الشركة، تظهر كلمة "أنا" 44 مرة، في حين تظهر كلمة "نحن" 16 مرة. بالطبع، كانت لدى غولت الأسباب الكافية التي تجعله فخوراً بنجاحه التنفيذي؛ لقد حققت شركة "رابرميد" أرباحاً على امتداد 40 فصلاً متتالياً تحت قيادته. وهو أداء مثير للإعجاب بالتأكيد، ونجاح يستحق الاحترام.
لكن لم يترك غولت وراءه شركة تستمر بذات الروعة بعده، إذ استمر خلَفه الذي اختاره لمدة عام في الوظيفة، ثم واجه المدير الذي خلَفَه فريقاً إدارياً سطحياً لدرجة أنه اضطر إلى تحمل أربع وظائف مؤقتاً، بينما كان يحاول إيجاد خليفة تنفيذي جديد له. كافح خلفاء غولت ليس فقط مع فراغ الإدارة، ولكن أيضاً مع الفراغات الاستراتيجية التي أدت إلى تدهور الشركة في نهاية المطاف.
بالطبع، يمكنك القول – كما فعل أحد مقالات مجلة فورتشن – إن حقيقة تفكك "رابرميد" بعدما تركها غولت تثبت عظمته كقائد. كان غولت قائداً رائعاً من المستوى الرابع، وربما كان الأفضل في الخمسين عاماً الماضية. لكنه لم يكن في المستوى الخامس، وهذا هو أحد الأسباب الحاسمة التي جعلت "رابرميد" تنتقل من كونها جيدة إلى عظيمة لفترة وجيزة، ثُم من عظيمة إلى هامشية.
النافذة والمرآة
وفي قسم من بحثنا، قابلنا آلان ورتزل، القائد من المستوى الخامس المسؤول عن تحويل شركة "سيركيوت سيتي" (Circuit City) من شركة متداعية على حافة الإفلاس إلى أحد تجار التجزئة للإلكترونيات الأكثر نجاحاً في أميركا. ففي 15 عاماً مرت بها الشركة انطلاقاً من عام 1982، تفوقت على السوق بنسبة 18.5 إلى 1%.
لقد طلبنا من ورتزل سرد أهم خمسة عوامل في تحول شركته، مرتبة حسب الأهمية. وكان العامل رقم واحد لديه هو "الحظ"! فقد قال "كنا في صناعة رائعة، وكانت الرياح تدفعنا إلى الأمام". لكن قلنا له "مهلاً لحظة، كانت "سيلو" (Silo) – شركة المقارنة الخاصة بك – في الصناعة نفسها وبالرياح نفسها مع أشرعة أكبر". وبدأ النقاش الشديد بيننا وبينه، فرفض ورتزل أخذ الكثير من الفضل في عملية الانتقال، مفضلاً أن يعزو ذلك إلى حد كبير إلى الوجود في المكان المناسب في الوقت المناسب. وفي وقت لاحق، وعندما طلبنا منه مناقشة العوامل التي من شأنها الحفاظ على تحول جيد إلى عظيم، قال "أول ما يتبادر إلى الذهن هو الحظ، كنتُ محظوظاً في العثور على الخلَف المناسب".
الحظ. يا له من عامل غريب للحديث عنه، ومع ذلك، فإن قادة المستوى الخامس الذين حددناهم ذكروه باستمرار. وسألنا مسؤول تنفيذي في شركة الصلب "نوكور" (Nucor) عن سبب وجود سجل حافل للشركة في اتخاذ القرارات الجيدة ليجيب "أعتقد أننا كنا محظوظين". رفض جوزيف كولمان الثالث، الرئيس التنفيذي من المستوى الخامس لشركة "فيليب موريس" (Philip Morris) أن يُعزى له الفضل في نجاح شركته، مشيراً إلى حسن حظه بوجود زملاء وسَلَف وخَلَف جيدين. حتى الكتاب الذي كتبه عن حياته المهنية، والذي ألّفه بناءً على طلب زملائه ولم يكن ينوي توزيعه على نطاق واسع خارج الشركة، كان يحمل عنواناً غير عادي هو "أنا رجل محظوظ" (I’m a Lucky Guy).
نستمر في وضع الأشخاص في مناصب السلطة ممن يفتقرون إلى ما يلزم ليصبحوا قادة من المستوى الخامس، وهذا أحد الأسباب الرئيسة وراء وجود عدد قليل جداً من الشركات ذات تحوّل مستدام تنقل فيه من جيدة إلى عظيمة.
في البداية، شعرنا بالحيرة من تركيز قادة المستوى الخامس على الحظ؛ ففي نهاية المطاف لا يوجد أي دليل على أن الشركات التي تقدمت من جيدة إلى عظيمة كانت تنعم بحظ سعيد (أو حظ أكثر سوءاً أيضاً) مقابل شركات المقارنة. ولكن بعد ذلك، بدأنا نلاحظ وجود نمط مثير للاهتمام لدى الرؤساء التنفيذيين في شركات المقارنة: غالباً ما كانوا يلقون باللوم على الحظ السيئ فيما يحدث معهم، منتقدين الظروف الصعبة التي واجهوها.
ولنقارن بين "بيت لحم للصلب" (Bethlehem Steel) و"نوكور" (Nucor) مثلاً. تعمل شركتا الصلب هاتان مع منتجات متشابهة جداً، وقد واجهت كلتاهما تحدياً تنافسياً يتمثل في الصلب المستورد الرخيص. وكانت الشركتان تدفعان أجوراً أعلى بكثير مقارنةً بمعظم منافسيهما الأجانب. ولكن كان للمدراء التنفيذيين في الشركتين وجهات نظر مختلفة تماماً حيال الظروف نفسها.
فقد لخّص الرئيس التنفيذي لشركة "بيت لحم للصلب" مشاكل الشركة عام 1983 من خلال إلقائه اللوم على الواردات "مشاكلنا أولاً وثانياً وثالثاً هي الواردات". بينما رأى كيف إيفرسون وطاقمه في "نوكور" الواردات على أنها نعمة وكان يقول "ألسنا محظوظين؟ الصلب ثقيل، وعليهم أن يشحنوه عبر المحيط، مما يمنحنا ميزة كبيرة". في الواقع، لم يرى إيفرسون أن المشاكل الأولى والثانية والثالثة التي تواجه صناعة الصلب الأميركية هي الواردات، بل كانت الإدارة. حتى أنه ذهب إلى حد التحدث علناً ضد الحماية الحكومية ضد الواردات، إذ قال أمام مجموعة من الرؤساء التنفيذيين في مجال الصلب في عام 1977 إن المشاكل الحقيقية التي تواجه الصناعة تكمن في حقيقة أن الإدارة قد فشلت في مواكبة التكنولوجيا.
يتحول التركيز على الحظ إلى جزء من نمط أوسع أصبحنا نسميه "النافذة والمرآة"، إذ ينظر قادة المستوى الخامس، المتواضعون بطبيعتهم، إلى النافذة لتوزيع الفضل، حتى ذاك غير الضروري، ولكل شخص بخلاف أنفسهم. وإذا لم يتمكنوا من العثور على شخص معين أو حدث معين ليعزوا له الفضل، فسيعزون ذلك للحظ. وفي الوقت نفسه، ينظرون إلى المرآة لتحديد المسؤولية، ولا يشيرون أبداً إلى سوء الحظ أو العوامل الخارجية عندما تسوء الأمور. وعلى النقيض، ينظر الرؤساء التنفيذيين في شركات المقارنة في كثير من الأحيان من النافذة لتحديد من يجب عليهم لومه، وينظرون للمرآة لعزو الفضل لأنفسهم عندما تسير الأمور بشكل جيد.
المضحك في مفهوم النافذة والمرآة هو أنه لا يعكس الواقع. فوفقاً لبحثنا، كان قادة المستوى الخامس مسؤولين عن تحولات شركاتهم، لكنهم لن يعترفوا بذلك أبداً. ولا يمكننا قراءة أفكارهم وإدراك إن كانوا يؤمنون بشدة بما رأوه من خلال النافذة وفي المرآة. لكن هذا لا يهم حقاً؛ لأنهم تصرفوا كما لو كانوا يؤمنون بذلك، وكانوا يتصرفون وفقاً لذلك لدرجة أنه حقق نتائج استثنائية.
هل يُولد أم يُصنع؟
منذ وقت ليس ببعيد، شاركتُ اكتشافاتي حول المستوى الخامس مع مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين. ورفعت امرأة أصبحتْ مؤخراً رئيسة تنفيذية لشركتها يدها قائلة "أؤمن بما أخبرتنا به عن القيادة من المستوى الخامس، لكنني منزعجة لأنني أعلم أنني لم أصل إلى ذلك بعد، وربما لن أصل أبداً، جزء من سبب حصولي على المنصب "الأنا" القوية لدي، هل تخبرني أنه لا يمكنني جعل شركتي رائعة إذا لم أكن من المستوى الخامس؟"
أجبتها، "دعيني أعود إلى البيانات، من بين 1,435 شركة ظهرت في قائمة "فورتشن 500" منذ عام 1965، 11 شركة فقط دخلت دراستنا. جميع قادة تلك الشركات الـ11 كانوا قادة من المستوى الخامس في مناصب رئيسة، منها منصب الرئيس التنفيذي في فترة انتقال مصيري. الآن، للتكرار، لا نقول إن المستوى الخامس هو العنصر الوحيد المطلوب للانتقال من جيد إلى عظيم، ولكن يبدو أنه ضروري".
المفارقة العظيمة هي أن العداء والطموح الشخصي هما ما يدفعان الناس في كثير من الأحيان إلى أن يصبحوا قادة من المستوى 4، في تعارض مع التواضع اللازم للارتقاء إلى المستوى الخامس.
جلست تلك الرئيسة هناك، هادئة للحظة واحدة، ويمكنك تخمين ما كان يفكر به كثيرون في الغرفة. وأخيراً، رفعتْ يدها مرة أخرى قائلة "هل يمكنك أن تتعلم كيف تصبح من المستوى الخامس؟" ولا زلتُ بدوري أجهل إجابة هذا السؤال؛ إذ لم يتطرق بحثنا، بصراحة، إلى كيفية ظهور قادة المستوى الخامس، ولم نحاول شرح طبيعة حياتهم العاطفية أو تدوينها. حاولنا، باستخدام علم النفس، تخمين طبيعة قادة المستوى الخامس. هل قاموا بنقل طموحهم من كونه شخصياً إلى طموح يشمل مؤسسة بكاملها؟ هل كان غرورهم أكبر من أنفسهم لأسباب مظلمة ومعقدة متأصلة في صدمة طفولة؟ مَن يعرف؟ وربما الأهم من ذلك، هل الجذور النفسية لقيادة المستوى الخامس مهمة أكثر من جذور الكاريزما أو الذكاء؟ ويبقى السؤال: هل يمكن تطوير الشخص ليصبح قائداً من المستوى الخامس؟
فرضيتي الأولية هي أن هناك فئتين من الناس: أولئك الذين ليس لديهم بذرة المستوى الخامس في داخلهم، وأولئك الذين يملكون تلك البذرة. تتكون الفئة الأولى من أشخاص لن يتمكنوا أبداً من إخضاع أنفسهم وإزالة احتياجاتهم لصالح شيء أكبر وأكثر ديمومة من أنفسهم. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، سيكون العمل دائماً هو أولاً وقبل كل شيء حول ما يحصلون عليه: الشهرة والثروة والقوة والتمثيل وما إلى ذلك. لن يكون العمل أبداً حول ما يقومون بإنشائه أو بنائه أو المساهمة فيه. المفارقة العظيمة هي أن العداء والطموح الشخصي هما ما يدفعان الناس في كثير من الأحيان إلى أن يصبحوا قادة من المستوى 4، في تعارض مع التواضع اللازم للارتقاء إلى المستوى الخامس.
عندما تجمع بين هذه المفارقة وحقيقة أن مجالس الإدارة تعمل بشكل متكرر في ظل اعتقاد خاطئ بأن هناك حاجة إلى قائد أناني أكبر هائل لجعل الشركة رائعة، يمكنك أن ترى بسرعة لماذا نادراً ما يظهر قادة المستوى الخامس في قمة مؤسساتنا. إننا نستمر في وضع الأشخاص في مناصب السلطة ممن يفتقرون إلى البذور ليصبحوا قادة من المستوى الخامس، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة وراء وجود عدد قليل للغاية من الشركات التي تقوم بتحول مستدام يمكنه نقلها من جيدة إلى عظيمة.
تتكون الفئة الثانية من أشخاص قد يتطورون إلى المستوى الخامس، إذ تكون القدرات موجودة داخلهم، ربما مدفونة أو متجاهلة أو تنشأ ببساطة. وفي ظل الظروف المناسبة، ومع التفكير الذاتي، أو المرشد، أو الآباء المحبين، أو تجربة الحياة الهامة، أو عوامل أخرى، يمكن أن تبدأ البذرة في التطور. كان لدى بعض قادة المستوى الخامس في دراستنا تجارب مهمة لحياتهم ربما أنمَت تلك البذور. وصل داروين سميث إلى المستوى الخامس بعد تجربته الوشيكة مع السرطان، بينما تأثر جو كولمان بشدة بما حدث معه في الحرب العالمية الثانية، ولاسيما الأمر الذي صدر في اللحظة الأخيرة بنقله من سفينة تدمرت لاحقاً خلال الحرب، وكان ليموت عليها بالتأكيد، إلى أخرى مختلفة، لقد اعتبر السنوات الستين التي تلتها هدية عظيمة. كما قد يغذي الاعتقاد الديني القوي أو التحول أيضاً البذور. فقد تحوّل كولمان موكلر، على سبيل المثال، إلى المسيحية الإنجيلية أثناء حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة "هارفارد"، وبعد ذلك، ووفقاً لكتاب "كيت إيدج" من جوردون ماكيبين، أصبح المحرك الرئيس بين مجموعة من الرؤساء التنفيذيين في بوسطن ممن التقوا مراراً على الفطور لمناقشة تطبيق القيم الدينية على حياة الشركات.
كنا نتمنى لو أننا قادرون على تقديم قائمة من الخطوات للوصول إلى المستوى الخامس – بخلاف الإصابة بالسرطان، أو التحول الديني، أو الحصول على آباء مختلفين – لكن ليس لدينا بيانات بحثية قوية تدعمها قائمة موثوقة. لقد كشفنا عن المستوى الخامس كمكون رئيس ضمن الصندوق الأسود الخاص بما يتطلب الأمر من نقل شركة من جيدة إلى عظيمة. ومع ذلك، يوجد داخل الصندوق الأسود التطور الذي يحل بالشخص لينقله إلى قائد من المستوى الخامس، وهو أمر لا نعرفه بعد. يمكننا التكهن بما يمكن أن يكون، لكن سيكون غالباً مجرد تخمين.
باختصار، المستوى الخامس هو فكرة مُرضية للغاية، وفكرة صادقة، وفكرة قوية، ولجعل الانتقال من الجيد إلى العظيم، من المحتمل جداً أن يكون فكرة أساسية. ولكن ستجعل محاولة تقديم "الخطوات العشر للوصول إلى القيادة من المستوى الخامس" هذا المفهوم تافهاً.
أفضل نصيحة نقدمها، بناءً على بحثنا، هي التدرب على الأمور التي اكتشفناها. ونظراً لأننا وجدنا علاقة تكافلية متينة بين كل من النتائج الأخرى والمستوى الخامس، نظن أن محاولة القيادة بضمير حي باستخدام الضوابط الأخرى المذكورة يمكن أن يساعد على التحرك في الاتجاه الصحيح. وليس هناك ما يضمن أن يؤدي ذلك إلى تحوّل الرؤساء التنفيذيين إلى قادة من المستوى الخامس، لكنه يمنحهم نقطة بدء ملموسة، خصوصاً إذا كانت لديهم بذور التحوّل في داخلهم.
ولا يمكننا أن نحدد على وجه اليقين النسبة المئوية للأشخاص الذين لديهم البذرة في الداخل، أو كم من هؤلاء يستطيعون تربيتها بما يكفي ليصبحوا من المستوى الخامس. حتى أولئك الموجودين في فريق بحثنا ممن حددوا المستوى الخامس لا يعرفون ما إذا كنا سننجح في تطوريها إلى حدها الأقصى. ومع ذلك، فقد استلهم جميع الذين توصلوا إلى هذه النتيجة فكرة محاولة التحرك نحو المستوى الخامس.
أصبح كل من داروين سميث وكولمان موكلر وآلان ورتزل وجميع قادة المستوى الخامس الآخرين الذين عملنا معهم قدوة لنا. سواء أكنا قد وصلنا إلى المستوى الخامس أم لا، فإن الأمر يستحق المحاولة. على غرار الحقائق الأساسية حول أفضل ما في البشر، عندما نُلقي نظرة على تلك الحقيقة، نعلم أن حياتنا الخاصة وكل ما نقوم به سيكون أفضل خطوة لمحاولة الوصول إلى هناك.