يتركّز اهتمام وسائل الإعلام اليوم على السيارات الكهربائية، وبالأخص استراتيجية شركة "يو بي إس" وعندما تطلق شركة ما إحدى مركباتها الكهربائية الجديدة. ولكن هناك أمراً هاماً يدور في عالم المركبات التجارية أيضاً. ففي العام الماضي، أعلنت شركة تيسلا أنها ستنتج شاحنات كهربائية كبيرة تقطع مسافات بعيدة. وتعهدت شركات بيبسي وول مارت و"يو بي إس" (UPS) بشراء بضع المئات منها. كما أعلنت شركة تيسلا مؤخراً إعلاناً هاماً عن خططها في إطلاق 50 شاحنة كهربائية متوسطة الحجم في أتلانتا ودالاس ولوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية.
وللمرة الأولى يكون العنوان الرئيسي هو: من المتوقع ألا تتجاوز تكلفة المركبات الكهربائية تكلفة مركبات الديزل الاعتيادية. وبذلك لن يشكّل السعر الأولي عائقاً بعد اليوم.
استراتيجية شركة "يو بي إس"
هناك وجهاً آخراً للموضوع لم ينل كفايته من الحديث. فهذه المركبات الجديدة ستولّد قيمة إضافية كبيرة للأعمال التجارية في المدخرات التشغيلية الجارية وكفاءة التوجيه المحسنة وبناء العلامة التجارية. باختصار، إنّ المركبات الكهربائية أفضل بكثير من مجرد اقتراح تعادل. وقبل أن أشرح كيف سيكون ذلك سنتحدث قليلاً عن هذا الموضوع.
إنّ هذه الشركات ليست أول من يستعين بالمركبات الكهربائية كبديل لمركبات الشحن. فقد بدأت شركة فيديكس (FedEx) في الولايات المتحدة باستخدامها في العام 2010. واليوم، لديها حوالي 2,000 مركبة هجينة وكهربائية في الخدمة. كما أنّ شركة دي آتش إل (DHL) ستقوم بوضع 150 شاحنة كهربائية من صنع شركة فورد في الخدمة أيضاً. أما في شركة "يو بي إس"، يضم الأسطول الذي يقارب عدده الإجمالي 112,000 مركبة حوالي 9,000 شاحنة صديقة للبيئة، يعمل أغلبها على الغاز الطبيعي، ومنها 1,000 مركبة هجينة أو كهربائية تماماً.
ولكن حتى اليوم، كانت الشركات تتحمل كلفة أولية أكبر من أجل اختبار المركبات الكهربائية. إذ كانت الشاحنات الكهربائية عموماً تعتبر غير قابلة للاستخدام، من الناحية الاقتصادية ومن ناحية الطاقة اللازمة لنقل حمولات كبيرة لمسافات بعيدة. فما الذي حدث ليغيّر مسار الأمور؟ انخفضت تكلفة البطاريات الكهربائية إجمالاً بنحو 80 في المئة خلال 6 سنوات فقط، بسبب تزايد الابتكارات والاستثمارات الواسعة في الطاقة الإنتاجية، وذلك في الصين بنسبة كبيرة. كما أنّ المواد المركّبة الجديدة تتيح صنع مركبات أخفّ وزناً، ما يوسّع مدى عمل البطاريات ويجعلها قادرة على العمل مدة أطول.
وفي حالة هذه الشاحنات الجديدة، عملت شركة "يو بي إس" يداً بيد مع المورّد، شركة وورك هورس (Workhorse)، لإعادة تصميم الشاحنات من الصفر كما يقول سكوت فيليبي كبير الإداريين في قسم الصيانة والهندسة في "يو بي إس"، الذي يؤمن أنّ التصميم الجديد سيجعل وزن الشاحنة أقل بنحو 455 كيلوغراماً مقارنة مع الشاحنات التي تعمل على الديزل أو الغاز. وسيكون ذلك بالإضافة إلى البطاريات الأفضل، ما يمنح الشاحنات مدى كهربائياً يصل إلى نحو 100 ميل، وهو ما يكفي لقطع معظم الطرق ضمن المدن وحولها. وكي تبّين شركة "يو بي إس" مدى جديتها بشأن المركبات الكهربائية، أعلنت عن استثمار مثير للاهتمام في البنية التحتية للمركبات الكهربائية في لندن من أجل السماح لعدد أكبر من المركبات بشحن بطارياتها في وقت واحد معاً.
إنّ عائدات الاستثمار أفضل مما تبدو عليه. إذ أنّ هذه المركبات الكهربائية الجديدة ستكون ذات كلفة تشغيل أقل، وستُستخدم فيها تقنيات أفضل لرفع كفاءتها كما أنها ستبني قيمة معنوية للعلامة التجارية الخاصة بالشركة. كيف سيكون ذلك؟
أولاً: ستكون كلفة الملكية أقل
سيكون استهلاك المركبات الكهربائية للطاقة أقل بكثير. فمن الصعب مقارنة "كفاءة الوقود" في المركبات التي تعمل على الديزل مع مركبة لا تستخدم الوقود، ولكن المركبة الكهربائية ستحقق ما يعادل 52 ميلاً تقريباً للغالون الواحد، أي خمسة أضعاف ما تحققه مركبات الغاز. وبالتأكيد، تبقى المركبة الكهربائية أقل تلويثاً للبيئة حتى عندما ينفد شحن بطاريتها الكهربائي وتسير على الوقود العضوي، ويمكن شحن بطاريتها حيثما كانت في الولايات المتحدة. كما أنّ تكاليف الصيانة ستكون أقل أيضاً بما أنّ المركبات الكهربائية تحتوي على عدد أقل من القطع والسوائل. ويتوقع فيليبي أن يكون إجمالي كلفة التشغيل أقل بحوالي 20 في المئة. وستكون المبالغ التي تم توفيرها كبيرة على مدى حياة عمل المركبة، الذي يبلغ حوالي 20 إلى 25 عاماً.
ثانياً: ستعمل المركبات ذات التقنيات الأعلى بكفاءة أكبر
يقول فيليبي: "إنّ المحرك الكهربائي يتمتع بعزم دوران هائل، ومع قدرته على الانطلاق من الصفر إلى سرعة 30 ميلاً في الساعة بسرعة أكبر من محرك الديزل، سيكون ذا كفاءة أعلى في عمليات الشحن". ومع إضافة التحكم الرقمي إلى الدفع الكهربائي، أي أدوات تحكم باستخدام الإنترنت، سنحصل على دقة أكبر في عملية القيادة. وشرح فيليبي ذلك عن طريق طرح سؤال، وهو: "ماذا لو صنعت مركبة لا تسمح لك بالقيام بأي تصرف غير فعّال أو غير آمن؟".
وستساعد البيانات الإضافية في تعزيز جهود الشركة الدؤوبة لاستخدام التوجيه الذكي في قطع مسافات الشحن. وعبّر الرئيس التنفيذي ديفيد آبني عن ذلك ببساطة أثناء حديثه مع المستثمرين في فعالية حضرتها مؤخراً، حيث قال: "إنّ أفضل مسافة نقطعها هي المسافة التي لا نقود المركبة فيها". ويقول أيضاً أنّ نظام التوجيه لدى شركة يونايتد بارسل أدى إلى توفير 400 مليون دولار في السنوات الأخيرة.
ثالثاً: هذا النوع من الابتكارات يعود بفوائد على العلامة التجارية للشركة
ستسير الشاحنات الكهربائية التابعة لشركة "يو بي إس" وغيرها بهدوء في الشوارع من دون أن يصدر عنها أي ملوث للبيئة. كما أنّ التقنيات الرائعة الجديدة التي تم وضعها في خدمة الاستدامة ستجعل الموظفين يتحمسون لاستخدامها وينسجمون في العمل معها. يقول آبني: "يودّ الموظفون من مواليد الألفية أن يروا أنهم يعملون لدى شركة ذات هدف عظيم".
في المجمل، وعلى كل الأصعدة، نجد أنّ المركبات الكهربائية هي الأفضل. وأنا واثق من أنّ بعض الشركات التي تفكر بالاستثمار في المركبات الكهربائية أو غيرها من التقنيات صديقة البيئة تنتظر أن يصبح سعرها مساوياً للخيارات التقليدية. وأعتقد أنّ هذا خطأ.
لنفرض أنك تفكر باستثمار في تقنية صديقة للبيئة تكلف أكثر بنسبة 10 في المئة في الكلفة النقدية الأولية. ولكن ماذا لو كانت كلفة ملكيتها على مدى الحياة أقل؟ وماذا لو كانت ستساعد الشركة في الابتكار وبناء قيمة علامتها التجارية؟ ألن تكون جديرة بتلك النفقات الأولية الإضافية؟ ومن الضروري أيضاً أن نعيد التفكير بحساب عائدات الاستثمار لأي من التقنيات صديقة البيئة التي تبدو مكلفة الآن. لربما كنت تضيع فرصة ربح كبيرة وتضحي بالفائدة والقيمة إن كنت تنتظر نقطة تحوّل العائد النقدي البسيط.
وفي نهاية الحديث عن استراتيجية شركة "يو بي إس" الناجحة، لا شك أننا يجب أن نحتفل بالإسراع باستخدام المركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات صديقة البيئة. وإن تمكنت الشركات من اتخاذ قرارات استثماراتها بأساليب مبتكرة أكثر، سيتحرك هذا الانتقال الهام حينها نحو التقنيات المستدامة بسرعة أكبر.
اقرأ أيضاً: