يحتاج المرشدون العظماء والقادة الطموحون إلى إرشاد أكبر وأفضل مما يحصلون عليه اليوم.
وفقاً لدراسة أجريت مؤخراً، هناك ثمة خلل حاد بين العرض والطلب: ففي حين أن أكثر من 75% من المهنيين رجالاً ونساء يودون الحصول على مرشد، إلا أن 37% فقط لديهم مرشداً بالفعل. الأدهى من ذلك، أن معظم الأشخاص الذين يعملون كمرشدين حالياً لا يتركون أثراً كبيراً على النحو المرجو منهم نظراً لاقتصار تركيزهم على تطور المسار المهني.
اقرأ أيضاً: السبب وراء عدم نجاح برنامج التوجيه في مؤسستك
أمضيت بضع ساعات مع أمين مكتبة قسم البحوث بجامعة ستانفورد عام 2018 بغرض جمع أكبر كم ممكن من المقالات والدراسات والكتب حول الإرشاد. ووجدنا أن غالبيتها العظمى تركز على كيفية ممارسة الإرشاد في مكان العمل وسبل إدارة البرامج على مستوى المؤسسات. ولاحظنا ندرة التحليلات أو النصائح الموجهة إلى كيفية الإرشاد المتكامل للشخص، حيث يتجاوز المسار المهني إلى مناقشات حول السلوك والقيم والعلاقات والتربية والأمور المالية وحتى الحياة الروحية.
ومن واقع خبرتي كمسؤول تنفيذي بشركات وول ستريت لمدة 35 عاماً، وكمرشد لكثير من الزملاء والأصدقاء، والآن كرئيس لمنظمة غير ربحية تهتم بمساعدة القادة على بناء العلاقات بين مختلف الأجيال، تعلمت أن هذا النهج المتكامل هو أكثر فاعلية في مساعدة الناس على تحقيق إمكاناتهم الحقيقية. وهذا أحد أروع ما في الإرشاد في الواقع وما يميزه عن التدريب على بناء المهارات أو تطوير الأداء.
كيف تصبح من المرشدين العظماء؟
يتطلب إرشاد إنسان في حياته بشكل عام مزيداً من الجهد والوقت والتفكير. وإليك بعض الممارسات لإجادة تلك المهمة:
شارك قصصك
عندما ألتقي شخصاً أصغر مني سناً لأول مرة، أقول له: "أخبرني قصتك. ابدأ من البداية وخذ وقتك - 20 أو 30 دقيقة. ربما أطرح بعض الأسئلة، واعلم أن كل ما ستقوله سيظل سراً بيننا. وعندما تنتهي، سأخبرك بقصتي إن شئت". (ودائماً ما يطلبون ذلك). يمكن لهذا التمرين البسيط أن يحوّل مسار علاقة الإرشاد لأنه يُظهر أنك مهتم حقاً بفهم المتدرب وفهم رحلته، دون الاكتفاء بتقديم المشورة المهنية فقط. كما أن هذا النهج يمدك بمعلومات عن ماضي الشخص وهو ما يمكّنك بدوره من طرح المزيد من الاستفسارات الاستكشافية مع مرور الوقت. وعندما أحكي قصتي، فإنني أحرص على وصف فصل أو اثنين من الفصول الصعبة في حياتي المهنية والشخصية، بما في ذلك حياتي الزوجية. وهذا يعني أن كل جوانب حياتنا تكون مطروحة للنقاش.
اطرح أسئلة رائعة
يمتلك المرشدون الناجحون مخزوناً يضم أسئلة استكشافية حول العديد من الموضوعات، ومن الأمثلة على ذلك:
- ما الذي قد يؤرقك ليلاً؟
- هل لديك الحافز والقدرة على الإنجاز في حال قررت متابعة مسارك المهني الحالي في السنوات الخمس القادمة؟
- ماذا تفعل "لاستعادة النشاط" حتى لا تصاب بالإنهاك نتيجة الحمل الزائد من المشاغل والتكنولوجيا؟
- مَن هو الشخص الأكثر تأثيراً في حياتك؟
- ما الذي كنت تحب فعله في الثانوية؟
- ماذا الذي كنت ستفعله بصورة مختلفة في حياتك لو سنحت لك الفرصة؟
- ما تقييمك لحياتك الزوجية الآن على مقياس من 1 إلى 10؟
- كيف كانت علاقتك مع والديك؟
- هل نشأت بعقيدة معينة أو بتقاليد دينية معينة؟
في أثناء لقائي الثاني مع متدربة جديدة تدعى كيت أخبرتني كم كانت تشعر بالتعاسة لعملها ساعات طوال في إحدى كبرى شركات الخدمات الاستشارية. فرجعت بها خطوة إلى الوراء وسألتها عن نشأتها. ولم تمض سوى دقائق حتى كانت الدموع تنهمر على وجنتيها لأنها أدركت أن هاجسها في النجاح الوظيفي يرجع في الأساس إلى رغبتها في نيل استحسان والدها البارد عاطفياً. أنهت غداءها وهي تتبنى رؤى جديدة حول دوافعها وطموحاتها، وهي الآن أكثر سعادة في العمل لساعات أقل كخبيرة استشارية لا تزال تحظى بالاحترام والتقدير.
ابدأ والنهاية في ذهنك
لعل أهم سؤال تطرحه على المتدرب هو: كيف تحدد النجاح طويل الأجل من منظورك الشخصي؟ هناك طريقة بسيطة ولكنها فاعلة لطرح هذا السؤال على المتدرب، وهي أن تقول: "تخيل أن الليلة سيقام حفل تكريم لك في عيد ميلادك الثمانين. دوّن خمسة أشياء موجزة يمكن أن يقولها عنك أفراد أسرتك وأصدقاؤك المقربون". وبمجرد اطلاعي على قائمته، عادة ما أشاركه إجابتي عن هذا السؤال. إذا لم تقدم على تلك الخطوة في وقت مبكر من محادثاتك الإرشادية، فستكون كمن يبحر بسفينة دون وجهة نهائية في ذهنه، وقد تجد نصيحة مهنية جيدة تقدمها للمتدرب ولكنها ستكون نصيحة حياتية سيئة. على سبيل المثال: قد ينصح محامي متمرس زميلاً جديداً تخرج للتو في كلية الحقوق عن كيفية ارتقاء سلم النجاح ليصبح شريكاً في العمل، بالعمل لمدة 70-80 ساعة أسبوعياً على الدوام، دون التطرق إلى العلاقات الاجتماعية والأطفال والأحوال الصحية وما إلى ذلك، وهي أمور قد تكون أكثر أهمية للمحامي حديث التخرج من النجاح الوظيفي والمالي. فالميزة الإضافية لقضاء معظم وقتك في طرح الأسئلة هي أنها تمنعك من التحدث وتقديم حلول أكثر من اللازم.
اقرأ أيضاً: التباعد الاجتماعي يجب ألا يؤثر سلباً على توجيه الموظفين وإرشادهم
لا تعطهم سمكة، بل علمهم كيف يصيدون السمك
كان بوب بوفورد أفضل مرشد تتلمذت على يديه على مدار 25 عاماً، وهو رائد أعمال ناجح في مجال العمل التلفزيوني في دالاس. كان خبيراً في التحقيقات الثاقبة والنصائح السديدة. في إحدى مراحل حياتي المهنية كنت أعاني من صعوبة التعامل مع مدير صعب المراس، وكنت آمل أن ينصحني بوب بما يجب عليَّ فعله. وبدلاً من ذلك، طرح علي سلسلة من الأسئلة التي مكنتني من تحديد المشكلة الحقيقية والتوصل إلى نهج لحل المشكلة بنفسي. وقال لي في نهاية لقائنا: "إنك بحاجة لمناقشة ارتباكك فحسب". كان بوب يعلمني كيف أصطاد السمك دون أن يعطيه لي.
أفرغ "صندوق أدوات" المتدرب
المواهب والمهارات الفطرية التي يتمتع بها المتدرب هي أحد الجوانب القيمة التي يجب استكشافها لديه، إلى جانب سماته الشخصية ومواطن شغفه. فمعظم الشباب يعانون من ضعف الوعي الذاتي حول "البرمجة" الفريدة لكل منهم. ومن دون هذا المنظور سيطمحون لأن يكونون أشخاصاً لا تؤهلهم إمكاناتهم لأن يكونوا في ذلك المكان. وقد تعلمت هذا بالطريقة الصعبة وأنا لا أزال في الثالثة والعشرين من عمري في شركة مورغان ستانلي (Morgan Stanley). كانت نقطة قوتي هي تطوير العلاقات مع صناع القرار في شركتنا ومع العملاء. ومع نجاحي المبهر في هذا المجال، طُلب مني إدارة عدد أكبر من الأشخاص في مجموعتنا أيضاً. واكتشفت بمرور الوقت أن هذا يمثل عبئاً ثقيلاً عليّ يستنزف طاقتي، بينما كان التعامل مع العملاء مُثيراً ويشكل وتحدياً مرغوباً. وما إن تمكنت من إعادة توجيه مسؤولياتي إلى نقاط قوتي الطبيعية، عاد لي شغفي المهني. اطلب من المتدربين الاستفادة من أدوات التقييم الشخصية مثل مؤشر "سترينث فايندر" (StrengthsFinder)، ومؤشر مايرز-بريغز (Myers-Briggs) وإنغرام (Enneagram) لتحليل السمات الشخصية، واختبارات "جونسون أوكونور" (Johnson O’Connor) لتقييم القدرات.
تذكر أن معظم الإرشاد يكون "بالاكتساب وليس بالتلقين"
سمعنا جميعاً أن حوالي 90% من التواصل يتم بالطرق غير اللفظية. ولا يدرك العديد من المرشدين أن بصمتهم الدائمة على المتدرب تكون في كثير من الأحيان بالطريقة التي يديرون بها حياتهم، سواء في العمل أو المنزل أو غيرها من البيئات. وبروزك كقدوة يحتذى بها لا يقل أهمية عن لقاءاتك المباشرة. وقد أسعدني الحظ بالتعامل مع مدرب تنس بالجامعة ظل يمثل لي قدوة ومرشداً لمدة أربع سنوات. ويصف أحد زملائي في الفريق كيف "كان مصدر إلهام لي في كل يوم كنا فيه معاً بسلوكه وأسلوب تعامله مع شؤون الحياة". لن أنسى ما حييت تلك المرة التي كنا نوشك فيها على اللعب ضد خصمين معروفين برمي الكرات قرب الخط مباشرة. ونصحنا مدربنا أن نلعب بأسلوب المبادرة وليس برد الفعل - "اسحقوهم بلطف". وغالباً ما أستشهد بمقولاته في سياقات عديدة.
اقرأ أيضاً: تعلم إرشاد الموظفين الذين لا يشبهونك
من بين جميع الطرق التي يمكنك قضاء وقتك فيها، يعتبر الإرشاد واحداً من الاستثمارات التي تحقق أعلى العوائد. فهو يمكّنك من تطبيق كل ما تعلمته و"رد الجميل للآخرين" للمساهمة في تشكيل الجيل القادم من القادة. وكما يقول كلايتون كريستنسن، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، فإن: "المقاييس الوحيدة المهمة حقاً في حياتي هي الأشخاص الذين تمكنت من مساعدتهم، الواحد تلو الآخر، ليصبحوا أشخاصاً أفضل". قال جون وودن مدرب كرة السلة لفريق قاعة مشاهير المحترفين (Hall of Fame college) ذات مرة: "إن الإرشاد هو إرثك الحقيقي. إنه أعظم إرث يمكن أن تقدمه للآخرين. إنه السبب الذي تستيقظ لأجله كل يوم".
وفي نهاية الحديث عن المرشدين العظماء، من خلال إرشاد شخص في مختلف شؤون حياته وعدم اقتصار محادثاتك على المسائل المرتبطة بالمسار المهني، سيكون تأثيرك أكبر وسيشعر به المتدربون - وكل شخص سيؤثرون عليه - لسنوات قادمة.
اقرأ أيضاً: تحليل دايس وغرو أداة جديدة للمدراء لتقديم الملاحظات والتوجيه