عرضت الأستاذة نايليا أورداباييفا من كلية دارتموث وزميلاها ليزا كافانو ودارين دال من جامعة بريتيش كولومبيا على 300 من مشجعي الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية وصفاً لسترة ذات قلنسوة تحمل شعار الدوري مرفقاً بمراجعة ذات نجمة واحدة أو مراجعة ذات خمس نجوم لها من مشجّع لفريق كليفلند براونز. وأجاب المشاركون عن أسئلة تتعلق بتشابههم مع المُراجِع واهتمامهم بشراء هذه السترة. وعندما كان الناس يعتقدون أن ثمة تشابهاً بينهم وبين المراجع، كانت نيتهم بالشراء أقل في حالة رؤيتهم للمراجعة ذات النجمة الواحدة مقارنة برؤية المراجعة ذات النجوم الخمس. أما عندما كانوا يشعرون أنهم مختلفين عن المراجع، فإن المراجعة ذات النجمة الواحدة قادت إلى ارتفاع أكبر في نية الشراء مقارنة برؤية المراجعة ذات النجوم الخمس.
أستاذة أورداباييفا، دافعي عن بحثك العلمي
أورداباييفا: عندما يتماهى الناس بقوّة مع إحدى العلامات التجارية، كما يحصل في حالة مشجّعي الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، فإن المراجعة السلبية قد تبّدو وكأنها تهديد لهويتهم. وغالباً ما يحصل ذلك عندما تأتي المراجعة من مصدر "بعيد اجتماعياً"، أي من شخص غير مشابه لهم من حيث الموقع الجغرافي، والعمر، والنوع، والنادي الذي يشجعونه وهكذا دواليك. في تلك الحالة، يجد الناس أنهم في وضع يسمح لهم بالتشكيك بحق المراجع في توجيه الانتقاد إلى العلامة التجارية. وبالتالي قد يشعرون بحاجة ملحة إلى "حماية" هذه العلامة التجارية من خلال زيادة تفضيلهم لها ونيتهم بشرائها. وهذا رد فعل غريزي على ما يشعرون بأنه هجوم شخصي.
هارفارد بزنس ريفيو: هل الأنا لدينا بهذا القدر من الهشاشة؟
كقاعدة عامة الإجابة هي لا. فرد الفعل هذا لا يحصل إلا في أنواع معيّنة من العلامات التجارية، وتحديداً تلك التي نعتقد أنها تمثلنا نوعاً ما. فأنت قد تُبدين إعجابك بصابون جلي أو مسحوق غسيل معيّن، لكنك لن ترينه كجزء أساسي من هويتك. ففي نهاية المطاف، كل الناس يجب أن ينظفوا المطبخ وأن يغسلوا الملابس؛ أي أن هذه الأشياء جزء لا مفرّ منه في الحياة اليومية. وهي لا تمثّل تعريفاً للذات كما يمكن أن يكون حال الولاء إلى فريق رياضي.
قد تكون لديك علامة تجارية مهمة للهوية في كل فئة من فئات المنتجات تقريباً، لكنها أكثر شيوعاً في البعض منها مثل المطاعم المحلية. ويمكن لعلامات تجارية تكنولوجية محددة أن ترتبط بهويتك أيضاً؛ فالكثير من الناس ينظرون إلى اقتناء جهاز آيفون على أنه علامة على الإبداع والابتكار. وتندرج كل من هارلي ديفيدسون ودانكن ضمن هذا القالب أيضاً.
لماذا يمكن للتشابه أو البعد الاجتماعيين أن يكونا مهمّين؟
يميز الناس بين مصادر التهديد لهوياتهم. انظري إلى العلاقات العائلية مثلاً. فإذا كان أحد أقربائك يمقت أفراداً من عائلتك، فإنك ربما تقبلين بأن له الحق في انتقادهم. لكن الوضع سيختلف لو جاء النقد من خارج أوساط العائلة. وستلجئين على الأغلب إلى استنكار تعليقات ذلك الشخص، تماماً كما فعل مشجّعو الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية الذين شعروا بالبعد الاجتماعي عن المُراجع.
لا تستثير ردودَ الأفعال هذه إلا أنواعٌ محددة من العلامات التجارية، وتحديداً العلامات التي ترون أنفسكم فيها.
ما حجم الدفعة الإيجابية التي أعطتها المراجعة ذات النجمة الواحدة لنية الشراء لدى هؤلاء المشجعين؟
بين صفوف المعجبين الذين شعروا ببعد شديد عن المُراجع، كان الأشخاص الذين اطلعوا على المراجعة السلبية أكثر استعداداً وبنسبة 20% لشراء السترة ذات القلنسوة مقارنة بالأشخاص الذين اطلعوا على المراجعة الإيجابية.
في تجربة أخرى شملت سترات ذات قلنسوة تحمل شعار الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، تأكدنا من أن المراجعات السلبية لا تترك هذا الأثر إلا عندما تكون العلامات التجارية على صلة بالهوية. وفي هذه التجربة، استعنّا بمشاركين من عامة الناس. طلبنا من 399 شخصاً لم يكونوا جميعهم من مشجعي كرة القدم الأميركية قراءة تعريف موجز عن الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية وتحديد مدى قوة علاقتهم بالدوري. ثم قرأوا بعد ذلك وصفاً للسترات ذات القلنسوة إضافة إلى مراجعة ذات نجمة واحدة أو مراجعة ذات خمس نجوم لها من مشجّع لفريق دالاس كاوبويز وأشاروا إلى مدى بعدهم الاجتماعي عن المراجع فضلاً عن نيتهم بالشراء. وضمن المشاركين الذين كانوا يتمتعون بعلاقة قوية مع الدوري لكنهم شعروا بالبعد عن المراجع، كانت نية الشراء أعلى بمقدار 27% في حالة من قرؤوا المراجعة ذات النجمة الواحدة مقارنة بمن قرؤوا المراجعة ذات الخمس نجوم. وضمن المشاركين الذين كانوا يتماهون بقوة مع الدوري وشعروا ببعد بسيط عن المُراجع، كانت الدفعة الإيجابية من المراجعة ذات النجمة الواحدة أقل بكثير. وكانت نية الشراء لدى المشاركين الذين لم تكن تربطهم إلا علاقة محدودة بالدوري أدنى عندما قرؤوا المراجعة ذات النجمة الواحدة مقارنة بقراءة المراجعة ذات النجوم الخمس، بغضّ النظر عن درجة بعدهم الاجتماعي.
هل هناك سمات أخرى للمُراجع قد تكون مهمة بخلاف التشابه أو البعد الاجتماعيين؟
تاريخ المراجعة مهم. فإذا ما كان المستهلكون يعلمون أن شخصاً ما دأب على نشر التعليقات السلبية، فإن ذلك سيعطيهم جميع الأسباب التي تدفعهم إلى تجاهل المراجعة ومضاعفة دعمهم للعلامة التجارية. اختبرنا هذا الشيء في تجربتين يبن صفوف المستهلكين الكنديين باستعمال مراجعات لشركة "بريزيدنتس تشويس" (President’s Choice) للقهوة، وهي علامة تجارية يشعر الكثير من الكنديين بالتماهي معها. في التجربة الأولى، اطلع المشاركون على مراجعة سلبية لهذه القهوة إما من مُراجع أميركي – أي شخص بعيد عنهم اجتماعياً – أو مراجع كندي، إضافة إلى مراجعتين سلبيتين كتبهما الشخص ذاته. ولم يطّلع المشاركون الآخرون على أي مراجعات. كانت نية الشراء لدى الأشخاص الذين قرؤوا مراجعة الشخص الأميركي أعلى بنسبة 9% مقارنة بمن قرؤوا مراجعة الكندي، وأعلى بنسبة 11% تقريباً مقارنة بالأشخاص الذين لم يقرؤوا أي مراجعة أبداً. في التجربة الثانية، أشرنا إلى الأسلوب السلبي الدائم للمراجع بطريقة مختلفة، وذلك من خلال القول إن هذا الشخص كان يدأب وسطياً على منح نجمة ونصف النجمة من أصل خمسة نجوم. في هذه المرة، كانت نية الشراء لدى من قرؤوا مراجعة الشخص الأميركي أعلى بنسبة 11% مقارنة بالذين قرؤوا مراجعة الشخص الكندي، وأعلى بنسبة 6% تقريباً مقارنة بالأشخاص الذين لم يطلعوا على أي مراجعة على الإطلاق.
يبذل المدراء أحياناً جهداً هائلاً لقمع المراجعات السلبية. هل هذا يعني أنهم يهدرون وقتهم؟
يتوقف الأمر على طبيعة علاقة العملاء مع العلامة التجارية – ويمكن في بعض الأحيان تحديد هذه العلاقة بسهولة من خلال الاطلاع على منتديات المعجبين، ومتابعي العلامات التجارية، وهكذا دواليك. فإذا ما كانت الفئة المستهدفة تتماهى بقوة مع العلامة التجارية، فقد يكون الأفضل هو السماح بنشر التعليقات السلبية. وفي تلك الحالة، يجب على المدراء جمع المعلومات عن المراجعين ونشرها ليكون بمقدور المستهلكين استعمالها لكي يستنتجوا بعدهم الاجتماعي عنهم. كما أن بمقدور المدراء أيضاً قياس مدى البعد الاجتماعي من خلال البحث في منصاتهم وقواعد بياناتهم لتحديد المجالات التي تشهد تفاوتاً بين سمات العملاء وسمات المراجعين. وستكشف عملية البحث هذه عن شرائح العملاء التي يمكن للمراجعات السلبية فيها أن تثمر عن نتائج إيجابية.
كيف بوسع المعنيين بالتسويق زيادة ارتباط علاماتهم التجارية بهوية العملاء؟
في بعض الأحيان، يحدث ذلك من خلال حملات التواصل. وفي أحيان أخرى، بوسع المدراء إدماج بعض جوانب الهوية ضمن المنتج بحد ذاته. ففي كندا على سبيل المثال، تضع العلامة التجارية المتخصصة بأسلوب الحياة "روتس" (Roots) ورقة شجرة القيقب (التي تستخدم رمزاً لكندا وموجودة على علمها) على بعض منتجاتها. وفي الولايات المتحدة الأميركية، بدأت شركة "جيب" (Jeep) باستعمال العلم الأميركي على سياراتها.
غالباً ما تدغدغ هذه المنتجات الهويات الجماعية للمستهلكين أو إحساسهم المشترك بالانتماء إلى مجموعة، ويمكن أن يقود ذلك إلى ظهور استجابة حمائية حتى لو جاءت المراجعة السلبية من مُراجع قريب، لا بالأحرى عندما تأتي من مُراجع قريب. فقد اكتشفنا في تجاربنا أنه عندما تُستدعى الهوية الجماعية، فإن التعليقات السلبية من مراجع بعيد لم يكن لها أي أثر – أي كما لو أنه لم تكن هناك مراجعة. أما عندما رأى المشاركون مراجعة سلبية من مُراجع قريب – أي شخص كان جزءاً من المجموعة ذاتها ويجب أن يشاركهم الهوية الجماعية – فإنهم نظروا إلى هذا الشخص على أنه خارج عن الجماعة لا بل اعتبروه خائناً تمثل تعليقاته تهديداً وجودياً. لذلك فإنهم بذلوا قصارى جهودهم للتعويض وعبّروا عن نيّة بالشراء أعلى بنسبة 10% مقارنة بالمستهلكين الذين لم يطلعوا على أي مراجعة. يشير لنا هذا إلى أن المدراء الذين لا يستطيعون العثور على طرق للتأكيد على الهوية الجماعية بوسعهم تحصين علامتهم التجارية ضد التعليقات السلبية من مُراجعين بعيدين لا بل بإمكانهم تلقّي مفاجأة إيجابية إذا ما اعتمدوا على تعليقات سلبية كتبها مُراجعون قريبون.