ملخص: تميزت قائمة فورتشن 500 العربية التي صدرت مؤخراً بضعف الحضور القيادي للمرأة، إذ لم تزد نسبة النساء اللواتي تبوأن منصب الرئيس التنفيذي على 3%، فما الأسباب الكامنة وراء هذا الحضور الخجول؟
صدرت في 31 من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم قائمة فورتشن 500 العربية لأكبر 500 شركة في 22 دولة عربية، وذلك بناء على الإيرادات السنوية التي يبلغ مجموعها 1.6 تريليون دولار أميركي. اللافت للنظر أن النساء لم يترأسن سوى 3% فقط من هذه الشركات، وهو حضور قيادي ضعيف، خصوصاً إذا ما قورن بنسبة الرئيسات التنفيذيات على قائمة فورتشن 500 الأميركية لعام 2023 التي تزيد على 10%. وإن أردنا قول الحق، فكلا النسبتين أقل مما ينبغي. لماذا يا تُرى؟
ما الأسباب الكامنة وراء ضعف الحضور القيادي للمرأة في قائمة فورتشن 500 العربية؟
على الرغم من أن النساء في العديد من دول العالم حققن في العقود الماضية تقدماً ملحوظاً فيما يخص تولي المناصب الإدارية العليا؛ لكنّ تمثيلهن ما يزال خجولاً، لا سيما في مجال الأعمال قيادة المؤسسات. فعلى مستوى البلدان العربية، أقل من 5% من المؤسسات تقودها النساء مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 23 و26%، وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (United Nations Industrial Development Organization) لعام 2022.
ولا يمكن القول إن وضع المرأة في القيادة وريادة الأعمال أفضل كثيراً على مستوى العالم؛ إذ وعلى الرغم من أن عدد الشركات التي تملكها النساء أو تُؤسسها يتزايد يوماً بعد يوم، لكنها شركات تميل لأن تكون أصغر حجماً وتوظف عدداً أقل من الأشخاص وتُدرّ إيرادات أقل مقارنة بالشركات الأخرى التي يرأسها الرجال، وفقاً لما يقوله مستشار مؤسسة غالوب (Gallup) والباحث في ريادة الأعمال، سانجيتا بادال (Sangeeta Badal). فأين هنّ جميع رائدات الأعمال والرئيسات التنفيذيات العربيات؟ حسناً، الأمر معقد وله الكثير من الأسباب والتفسيرات، وأهمها:
تحديات اجتماعية
تعاني المنطقة العربية من ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل أساساً، وقد يُعزى ذلك إلى التأثر بالأعراف الاجتماعية والعوامل الاقتصادية التي تعوق مشاركتها في الاقتصاد والعمل.
وقد أشارت دراسة منشورة في المجلة الدولية للإدارة الثقافية المشتركة (International Journal of Cross Cultural Management)، إلى أن بعض العوامل الحاسمة التي تؤثر في توظيف النساء وترقيتهن إلى مناصب قيادية في البلدان العربية تُعزى إلى العديد من العوامل القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعقِّد دور المرأة في المنطقة.
فالنظام الأبوي الذي يركز على الشرف والسلطة والأسرة والزواج يُنمّط المرأة أحياناً بدور ربة المنزل وبعض الأدوار المحددة الأخرى في المجتمع. كما أن تنظيم الثروة والسلطة في المجتمعات العربية غالباً ما يتم عبر شبكة من الذكور، في حين يرتبط الوضع الاجتماعي للمرأة بوضعها العائلي. فضلاً عن أن الثقافة والدين والتقاليد والتعليم وقضايا العمل والأسرة تؤثر كثيراً في سعي المرأة نحو إدارة الأعمال.
تحديات في الحصول على التمويل
من ناحية أخرى، تكافح الشركات التي تقودها النساء من أجل تأمين رأس المال اللازم للتوسع والتطوير. فوفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، فإن النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجهن مستوىً عالٍ جداً من التحيّز الجندري والممارسات التمييزية التي تعوق وصولهن إلى الموارد المالية والإنتاجية اللازمة لتطوير أعمالهن التجارية ونموها. وقد لا يكون ذلك غريباً إن عُلم أن الرجال يسيطرون على قطاع رأس المال الاستثماري بنسبة 92% في المنطقة العربية، حيث يؤدي التحيز الجندري دوراً في دفع الرجال إلى تمويل الرجال الآخرين، وتجاهل رائدات الأعمال اللواتي يبحثن عن تمويل لأعمالهن غالباً.
ويؤكد ذلك نائب الأمين العام لمنظمة الاتحاد من أجل المتوسط (The Union for the Mediterranean)، جون بول غريش (John Paul Grech)، قائلاً "عندما يتعلق الأمر بقدراتهن المالية، فإن النساء لا يتمتعن بفرص متساوية مع الرجال من أجل الابتكار والارتقاء والنمو وخلق الثروة من خلال تمويل الأسهم. وعلى الرغم من هذا كله، تؤكد البيانات إن رائدات الأعمال عند حصولهن على التمويل يكنّ قادرات على تقديم أداء جيد مشابه لأداء الرجال، بل وأفضل أحياناً".
والأمر ليس منوطاً دائماً بالتحيز الجندري؛ ففي كثير من الأحيان وعندما يتعلق الأمر بملكيّة الشركات، فإن الأشخاص أصحاب الخبرة الأكبر يكونون أكثر عرضة للحصول على التمويل، والنساء غالباً ما يتمتعن بخبرة أقل في ملكيّة الأعمال والشركات. علاوة على ذلك، غالباً ما تمتلك النساء ضمانات أقل لتقدمنها للبنوك، هذا بالإضافة إلى أن البنوك تعتبر أن تمويل النساء خطوة تشتمل على مخاطرة عالية. ويوضح ذلك مستشار مؤسسة غالوب، بادال، قائلاً إنه إذا ما حاول رجل وامرأة يتمتعان بمؤهلات وخبرات متطابقة الحصول على تمويل من مؤسسة مالية، فمن المرجح أن يحصل الرجل على القرض وليس المرأة، وحتى ولو حصلت المرأة على القرض، فغالباً ما يكون أصغر بكثير من قرض الرجل، ويعزو ذلك إلى التحيزات التاريخية والاجتماعية ضد المرأة عموماً، والتي تمتد لتطال رائدات الأعمال.
الصور النمطية والتحيزات القائمة على الجندرية
لا يعود ضعف الحضور القيادي للمرأة إلى عوائق اجتماعية أو مالية فحسب، بل نتيجة الصور النمطية والتحيزات ضد المرأة، وهذا الحال ينطبق على الدول العربية مثلما ينطبق على معظم دول العالم. وفي محاولة لفهم ضعف الحضور القيادي للمرأة في الأعمال، أجرت مجموعة من الباحثين في جامعة كيوتو اليابانية مراجعة شاملة منشورة في مجلة ميريتس (Merits) عام 2023، حيث توصلوا إلى أن التحيز الجندري ما يزال يشكل عائقاً أساسياً يمنع النساء من التقدم إلى المناصب العليا ضمن المؤسسات الحديثة.
يتضمن ذلك مفاهيم وصور نمطية مسبقة عن أدوار النساء وقدراتهن وكفاءاتهن وسلوكياتهن، وكثيراً ما يؤدي هذا إلى التمييز ضد النساء في فرص التوظيف والترقية والقيادة، ما يجعل النساء عالقات في مناصب أدنى مستوى. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب نقص تمثيل المرأة في المستويات الإدارية العليا، يصعب على النساء تصور أنفسهن في أدوار قيادية، ما يجعلهن عالقات في حلقة مفرغة. لكن حتى ولو استطاعت المرأة كسر هذه الحواجز ووصلت إلى مناصب إدارية عليا، فإنها ستواجه طريقاً معقداً مليئاً بالعقبات، خصوصاً أن الكثير من الرجال لا يحبون فكرة العمل تحت قيادة امرأة، وقد يُنظر إليها على أنها قائدة أقل كفاءة، أو أنها تولي عائلتها أهمية أكبر من العمل، فالناس وعندما يفكرون في القادة، فإنهم غالباً ما يتصورون شخصاً يتمتع بصفات ذكورية تقليدية.
لذلك، غالباً ما تجد النساء أنفسهن في مأزق مزدوج؛ فهنّ بحاجة إلى تحقيق التوازن بين كونهن حازمات وواثقات مع كونهن محبوبات أيضاً. وتحقيق هذا التوازن أمر معقد، خاصة في البيئات التي يهيمن عليها الذكور. علاوة على ذلك، وعندما تتبنى المرأة أساليب القيادة الذكورية بغية الاعتراف بها، فقد تواجه رد فعل سلبي وعنيف، كونها تجرأت على الدور التقليدي للمرأة وتوقعات المجتمع منها، ما يجعها أكثر عرضة للنقد والتحيز من الزملاء والمرؤوسين.
تحديات شخصية
قد يعود ضعف الحضور القيادي للمرأة في بعض الأحيان نتيجة تحديات أو طبيعة شخصية؛ إذ يقول مستشار مؤسسة غالوب، سانجيتا بادال، إن النساء قد يمتلكن أهدافاً مختلفة عن الرجال؛ إذ يرغبن عموماً في تحقيق التوازن بين أهداف أعمالهن والمسؤوليات الأخرى في حياتهن، ما يؤدي إلى مستوى مختلف من المشاركة في إدارة الأعمال.
في الواقع، غالباً ما تتركز أعمال النساء في القطاعات التي تسمح لهن بتحقيق التوازن بين العمل والحياة، فالتركيز على المواءمة الشخصية يقودهن للتركيز على بعض المجالات المحددة؛ مثل خدمات الرعاية أو خدمات تصنيع الطعام أو قطاع الخدمات.
ولسوء الحظ، فإن هذه المجالات ذات طبيعة تنافسية عالية وأقل ربحية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشبكات الاجتماعية التي تبنيها النساء تختلف عن تلك التي يمتلكها الرجال، والشبكات الاجتماعية أمر ضروري لإنشاء الشركات الجديدة وإدارتها، فشبكات النساء أكثر شخصية بطبيعتها ولا تستخدمها لأغراض تجارية مثلما يفعل الرجال بسهولة وذلك يؤثر في نتائج أعمالهم.