غالباً ما يشعر القادة الجدد بأنهم ملزمون بمعرفة إجابة أي سؤال. خذ على سبيل المثال عميلي فادي، وهو مدير وصل إلى منصبه مؤخراً إثر حصوله على ترقية. قبل حصوله على هذه الترقية، كان خبيراً مختصاً بمجال معين يتولى من خلاله مسؤولية مشروع أو مشروعين على الأكثر. وأدت جدارته ومهاراته المميزة إلى ترقيته ليشغل منصباً قيادياً يشرف فيه على العديد من المشاريع والموظفين في آنٍ واحد.
قال لي فادي إن فريقه كان ينتظر منه دائماً اتخاذ القرارات وتوضيح المواقف الإشكالية. وأراد أن يرتقي إلى مستوى التوقعات، لكنه شعر بالعجز لأنه لم يكن مُلماً بتفاصيل المشروعات التي يديرها كافة. وأخبرني بأنه عندما كان يطرح عليه أحد أعضاء الفريق سؤالاً، كان غالباً ما يتلعثم ويخشى تقديم إجابة خاطئة. ولم يكن من المستغرب أن تنتقل عدوى توتره إلى أعضاء فريقه حينما كان يلوم نفسه لعدم معرفته بما يجب قوله,وعدم تقديمه الأداء المتوقع. كان الأمر مزعجاً للجميع نتيجة شعوره هو وفريقه بالتوتر، حتى إن بعض أعضاء الفريق بدأوا يتخطونه ويتواصلون مع مديره مباشرة دون الرجوع إليه.
بصفتي مدربة للقادة، فإن أكثر المفاهيم المغلوطة شيوعاً التي أسمعها عن القيادة هي أن القائد ملزمٌ بمعرفة إجابة كل سؤال، ولكن هذا منافٍ تماماً لمتطلبات شغل منصب إداري بفعالية.
ماذا تفعل عندما لا تعرف أجوبة الأسئلة كلها؟
يتطلب العمل الإداري التعامل مع مهام متعددة ومعقدة، بالإضافة إلى ضرورة التأقلم مع التغيُّرات المتلاحقة في البيئة المحيطة؛ إذ يضطر المدير في كثير من الأحيان إلى خوض مواقف ضبابية وتجارب جديدة كلياً بصحبة فريقه دون نماذج جاهزة للاسترشاد بها؛ لذلك لا تعتمد القيادة المتميزة على المعرفة المطلقة، بل على كيفية تعامل القائد مع المجهول والقدرة على التقدم في مواقف محاطة بالغموض؛ إذ ترتبط القيادة بالقدرة على وضع خطط لمشروعات غير مسبوقة ومساعدة الفريق على تخطي التحديات المرتبطة بالتغيُّرات والتفكير في أساليب مبتكرة أو حتى المضي قدماً خطوة بخطوة عند مواجهة ظروف غير متوقعة.
كان هذا التغيير صعباً لشخص مثل فادي الذي كان معتاداً على معرفة إجابة أي سؤال في منصبه السابق باعتباره شخصاً يؤدي مهام فردية تخصصية؛ لكن منصبه القيادي الجديد يتطلب منه ممارسة مهام عمله بأسلوب مختلف. وعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف أجوبة أسئلة فريقه كلها، فلم يكن يرغب في أن يُخيّب أملهم.
إذاً، كيف يبدو النجاح في حالته؟ وما الذي يمكن للقائد أن يقوله لطمأنة أعضاء فريقه وتوجيههم بنجاح في هذه المواقف الصعبة، على الرغم من عدم معرفته ببعض الأجوبة؟
إليك 6 عبارات كان بإمكان فادي استخدامها ويمكنك استخدامها في المواقف المشابهة؛ فاحرص على إضافتها إلى صندوق أدواتك القيادية:
"لست متأكداً، لكنني سأبحث عن الإجابة".
عندما لا تعرف إجابة سؤال يطرحه أحد أعضاء فريقك، قد تشعر بالقلق وكأنك تخشى فقدان مصداقيتك والظهور بمظهر عديم الكفاءة، لكن ثبت أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة وأن الأمر ليس بهذا السوء بالنسبة للقائد؛ فالتزامك بالصراحة بشأن ما لا تعرفه يعكس أصالتك واستعدادك للاعتراف بمواطن ضعفك، وقد أثبتت الأبحاث أن ثقة فريقك بك تعتمد على أصالتك بقدر ما تعتمد على قدراتك المعرفية. بالإضافة إلى ذلك، فالاعتراف بعدم معرفتك ببعض الأمور يسهم في بناء بيئة مفعمة بالأمان النفسي؛ فعندما تُظهر استعدادك للاعتراف بعدم امتلاك الإجابة، فستشجع أعضاء فريقك على طرح أي أسئلة تراودهم والتحدث بصراحة تامة عن الجوانب التي يحتاجون فيها إلى المساعدة.
"دعونا نتوصل إلى الحل معاً".
مارس ما يُطلق عليه عالم النفس التنظيمي آدم غرانت "التواضع الواثق": وهو إدراك أنك لا تمتلك الأجوبة كلها، ولكنك تؤمن بقدرتك على التعلُّم؛ فعلى القائد أن يثق في قدرته وقدرة فريقه على استثمار الموارد المتاحة والعمل معاً لحل المشكلات.
تنبع أهمية هذه المهارة من القدرة على الجمع بين الثقة والتواضع. تخيّل أنك تعمل تحت إشراف قائد يمتلك الثقة المطلقة بنفسه دون أي قدر من التواضع. سيبدو على الأرجح شخصاً متعجرفاً يدّعي معرفة كل شيء ولا يعترف أبداً بأخطائه. وعلى الجانب الآخر، تخيّل أنك تعمل تحت إشراف قائد يتحلى بالتواضع المطلق لكنه غير واثق من نفسه. من المؤكد أنه سيتصف بالتردد وعدم القدرة على الحسم، علاوة على الشك في قراراته باستمرار عند كل منعطف، مثل فادي.
يكمن السر في تحقيق التوازن بين التواضع والثقة. كُن صادقاً بشأن عدم معرفة إجابة كل سؤال، وفي الوقت نفسه أظهر الثقة في قدرتك على التوصل إلى الحلول. هذا هو دور القائد: مساعدة أعضاء الفريق على الوصول إلى الأجوبة بأنفسهم، لا تقديم أجوبة جاهزة.
"ما هي آخر مستجدات المشروع حالياً؟".
على غرار ما حدث مع فادي، قد تجد نفسك مضطراً لحضور عدد كبير من اجتماعات متابعة المشروعات يفوق ما اعتدت عليه في السابق. في بعض الحالات، قد لا تكون مطلعاً على آخر المستجدات أو غير ملّم بالتفاصيل الصغيرة على خلاف ما كان يحدث عندما كنت تؤدي مهام فردية تخصصية. لا تتردد في طرح الأسئلة حتى لو بدت بسيطة أو أظهرت قلة خبرتك كي تحسّن فهمك للموقف وتتجاوز أي فجوات معرفية؛ فطرح الأسئلة يوفّر لك السياق اللازم لفهم ما يجري، كما يتيح لك الفرصة للهدوء والتوصُّل إلى إجابة مدروسة تستند إلى المعلومات.
"ما رأيكم أنتم؟".
إذا حمّلت نفسك مسؤولية تقديم الإجابة عن كل سؤال، فستحرم أعضاء فريقك فرصة التعلم والنمو؛ لأنهم سيعتمدون عليك كلياً بدلاً من تطوير قدراتهم الذاتية؛ لذلك احرص على اتباع نهج التيسير والمساعدة. قد لا تعرف الإجابة عن كل سؤال، لكن بإمكانك دعم عملية الوصول إليها من خلال طرح أسئلة فعّالة تسهم في توضيح أبعاد المشكلة والحلول المحتملة، وبذلك ستمنح أعضاء فريقك فرصة الاستفادة من خبراتهم وتطوير قدرتهم على تقييم المواقف وتحمل مسؤولية الحل، كما ستوصل لهم رسالة مفادها أنك تقدر خبراتهم وآراءهم، ما يعزز شعورهم بالتقدير والأهمية.
"دعني أرتب أفكاري وأعود إليك بعد الظهيرة".
من المؤكد أنك ستتعرض لمواقف يطرح فيها أحد أعضاء الفريق سؤالاً لا يملك أحد الإجابة عنه سواك أنت شخصياً بصفتك قائداً للفريق؛ لكن هذا لا يعني أنك ملزم بتقديم الإجابة فوراً.
لا بأس بأن تمهل نفسك بعض الوقت. على سبيل المثال، كان فادي يتبع أسلوب التفكير المتأني والمتروي، وبالتالي كان يحتاج إلى بعض الهدوء والتفكير العميق قبل اتخاذ القرار. لم يجعله هذا الأسلوب المتأني قائداً ضعيفاً، بل جعله قائداً متزناً يفكر بعمق قبل اتخاذ القرارات؛ لكن من المهم أن تكون صريحاً بشأن الوقت اللازم لتقديم الإجابة أو الحل كي لا تعطّل عمل الفريق.
"لا أعرف، لكني أعلم من يمكنه أن يقدم لنا الإجابة".
يتمتع القائد الفعّال بمهارة استثمار الموارد المتاحة له؛ قد لا يعرف الإجابة عن سؤال معين، لكنه لا يتردد في الاعتراف بذلك ويعلم من يمكنه اللجوء إليه لمعرفة الإجابة، كما أن هذه العبارة تنمّ أيضاً عن تحليك بالتواضع وتُظهر لفريقك أنه لا بأس بطلب المساعدة عند الحاجة.
قد يتجنب المدير طلب المساعدة لأنه يخشى أن يُنظر إلى هذا السلوك على أنه علامة ضعف، لكن القدرة على استثمار الموارد المتاحة سلوك يدل على الشجاعة ويمثل إحدى الأدوات التي يجب أن يمتلكها القائد الناجح؛ واستخدام لغة واثقة لطلب المساعدة من موقف قوي يعزز صورتك بصفتك قائداً عملياً يفكر بعمق قبل اتخاذ أي قرار، وإذا كنت تمتلك شبكة قوية من الأشخاص الجاهزين للمساعدة، فستكون أكثر استعداداً لمواجهة التحديات المختلفة التي قد تظهر على نحو غير متوقع.
من غير المنطقي أو الممكن أن تحمّل نفسك مسؤولية معرفة إجابة كل سؤال؛ فمن المستحيل أن يعرف شخص واحد أياً كان كل شيء؛ فهذا توقع غير معقول ومُبالغٌ فيه إلى أبعد الحدود، كما تمثل هذه المسؤولية عبئاً ثقيلاً جداً وتؤدي إلى الإصابة بالاحتراق الوظيفي؛ لذلك عليك أن ترفق بنفسك وتتقبّل عدم معرفة بعض الأشياء. باستخدام هذه العبارات وإضافتها إلى صندوق أدواتك القيادية ستكون جاهزاً لمواجهة اللحظات الصعبة بثقة، بينما تتيح الفرصة أمام أعضاء الفريق لبناء الثقة، ما يسمح لهم بالتعلم والنمو، وبالتالي القدرة على التوصُّل إلى حلول مدروسة.