هل يوظف المدراء استناداً إلى ما يمكنهم تحقيقه أم إلى ما حققوه بالفعل؟

4 دقائق

خمسون عاماً مضت على إصدار كتاب "مبدأ بيتر" (The Peter Principle)، ولا يزال هذا المبدأ سارياً حتى يومنا هذا. ويشير هذا المبدأ، الذي لاحظه لورانس بيتر؛ رائد هذا المبدأ الشهير، إلى أنه "في وقت ما، قد يشغل أي موقع وظيفي موظف غير مؤهل للقيام بالمهام المطلوبة منه". وتؤمن نظريته بأن أكثر الناس كفاءة ينالون ترقيات إلى أن يصلوا إلى مناصب تكون أكبر من إمكاناتهم، وبهذا يتوقفون عن التطور.

وتوضح دراسات أكاديمية أن الترقيات لا تزال تُعطى على إنجازات الأداء الماضية، وأن المؤسسات لا تزال تفترض أن السمات التي جعلت من أحد الأشخاص ناجحاً إلى الوقت الحالي، يمكن أن تجعل منه ناجحاً في المستقبل أيضاً (وإن تغيرت المهام). وهذا يفسر لماذا لا يزال هناك عدد كبير من المدراء غير الأكفاء في مناصبهم.

تحتاج المؤسسات، التي ترغب في اختيار أشخاص لمناصب قيادية، إلى تغيير طريقة تقييمها للمرشحين. وعند اختيارك لأحد المرشحين لشغل منصب إداري في الأيام المقبلة، عليك أن تسأل نفسك الأسئلة الثلاثة التالية:

1- هل يمتلك المرشح المهارات اللازمة ليكون مشاركاً عالي الأداء، أو لديه المهارات اللازمة ليكون قائداً مؤثراً؟

يقاس مستوى الأداء للمشاركين الأفراد بشكل عام بمقدرتهم وقبولهم لدى الآخرين وحيويتهم. وعلى النقيض من ذلك، تتطلب القيادة مزيداً من المؤهلات وقدراً أوسع من السمات الشخصية، بما في ذلك مستويات عليا من النزاهة، ومستويات منخفضة من السلوكيات الغامضة الناتجة عن صفات سلبية كالنرجسية أو الاضطرابات النفسية.

يفسر الفرق بين هاتين المجموعتين من المهارات فشل بعض الرياضيين الكبار في أن يصبحوا مدربين عاديينالعكس صحيح)، وأيضاً يفسر لماذا غالباً ما يفشل أشخاص ذوو أداء متميز حين يصلون إلى المواقع القيادية.

نعرف أن لدى أنجح مندوبي المبيعات ومطوري البرمجيات وسماسرة الأوراق المالية مهارات تقنية خاصة ومعرفة عامة بالأمور وانضباطاً وقدرة على ضبط النفس، لكن هل هذه المهارات ذاتها يمكن استعمالها لجعل مجموعة من الناس تنسى ميولها الذاتية وتتعاون بشكل فاعل وتعمل كفريق واحد؟ من المحتمل أن تكون الإجابة بالنفي. يحتاج المدراء إلى امتلاك مستوى معين من الكفاءة الفنية ليؤسسوا مصداقيتهم، لكن الخبرة الطويلة في ميدان واحد يمكن أن تصبح عاملاً معيقاً. فالعقلية الثابتة والرؤى الضيقة تعيق بعض الخبراء بسبب خبرتهم الطويلة في مجال محدد. في حين أن القادة قادرون على البقاء منفتحين ومتكيفين مع المتغيرات مهما كانت خبرتهم. هم ينجحون لأنهم قادرون على التعلم باستمرار.

وهو ما تأكد بالفعل في مواضع عدة، خاصة في مجال المبيعات. وجدتْ دراسة أكاديمية لأكثر من 200 شركة أن أداء مندوب المبيعات يتعارض كلياً مع أداء مدير المبيعات. فإذا ما منحت مندوب المبيعات الأول ترقية في المسار الإداري، فإنك تخلق مشكلتين: تفقد مندوب مبيعات مميَّزاً وتكسب مديراً ضعيفاً.

2- هل يمكنني الوثوق بمقاييس الأداء الفردية لمرشح؟

مؤشر الأداء الأكثر شهرة لشخص ما هو التقييم الشخصي الفردي الذي يقدمه مديره المباشر. وهذا يجعل مقاييس الأداء ضعيفة وخاضعة للتحيز والسياسة ومقدرة الموظف على تدبر الأمور. وعلى الرغم من تطور إدارة الأداء المعتمدة على الأقران والموجهة بحسب نطاق العمل، فإنها لا تزال في بداياتها. ونتيجة لذلك، لا يمكن الاعتماد على مقاييس الأداء، كما تعتقد.

ومن المحتمل أن يكون هذا هو السبب في عدم ترقية النساء إلى مناصب إدارية كالرجال، حتى وإن كان أداؤهن مثالياً. يُرقّي بعض المؤسسات أشخاصاً إلى مواقع قيادية لأن لديهم القدرة على إعطاء انطباع حسن عن أنفسهم، حتى وإن كانت مشاركاتهم العملية في حدودها الدنيا.

فإذا سألت نفسك السؤال السابق فيما يخص المدير، وكانت الإجابة بالنفي، فهذا يعني أن عليك التريث لتفكر في شكل القيادة الجيدة في مؤسستك. فهل تبحث عن القيادة التي تأخذك إلى الإنجازات الكبرى، وتجمع الناس بعضهم مع بعض، وتستمع إلى الآخرين وتأخذ بأيديهم إلى الأمام؟ أم تبحث عن قيادة تتواصل مع الآخرين وتبدع وتساعد في تطوير الأعمال؟ كل شركة في حاجة إلى نوع خاص من القيادة، وتختلف باختلاف الأوقات. فما كان يصلح بحسب دوره في زمانه قد لا يصلح هذه الأيام للوصول إلى الأهداف المرحلية.

3- هل أنظر إلى الأمام أم إلى الوراء؟

يكمن السر في اختيار القيادة القادرة على التنبؤ بالمستقبل وليس المكافأة على ما تحقق في الماضي. تواجه كل الشركات مشكلة في كيفية تحديد الأشخاص الذين من المحتمل أن يقودوا فرق العمل رغم التعقيدات وضبابية المشهد والتغيرات المتلاحقة. قد يكون لدى هؤلاء الأشخاص القياديين سِير مهنية مختلفة عن أولئك الذين تمكنوا من النجاح في الماضي، وحتى عن أولئك الأشخاص الذين يحققون نجاحات في الوقت الراهن.

تجنَّب ترقية أشخاص اعتماداً على ثقافتهم المناسبة. قد يكون لهذا الأمر نواياه الطيبة، لكنه غالباً ما يؤدي إلى الافتقار في تنوع الأفكار ويُظهر نماذج قيادة بالية. في عالم اليوم سريع المتغيرات، من المتوقع أن تتطور الأعمال بسرعة مثلما تتطور التقنيات المحيطة بها. ويجب أن يكون ما يمثّل عالم الأعمال في تحوّل مستمر. فما كان مفيداً ونافعاً في الماضي وصالحاً للوقت الحالي ربما لا يكون كذلك في المستقبل. لذلك على الشركات التأني في التفكير والبحث عن أفكار غير تقليدية. وهو ما يعني اختيار الأشخاص "غير العاديين" أو "الذين يفكرون بطريقة غير مألوفة" وإعطاءهم مناصب قيادية. ثم تقديم الدعم والوقت الكافي لهم ليثبتوا أنفسهم، وهذه إحدى الطرق لتعميق مسار القيادة.

ويجب أيضاً الاهتمام بأولئك الذين يبدون أنهم غير مؤهلين لتولي الإدارة، ومن ثَم تحليل طبيعتهم على أسس الطموح والسمعة والشغف للأعمال. غالباً ما تجد شاباً سريع البديهة واثقاً من نفسه يصبح مديراً باهراً، على الرغم من أن سجل مساره المهني ليس الأفضل. مارك زوكربيرغ واحد من أكثر المدراء التنفيذيين نجاحاً في العقود الماضية بكل المقاييس، على الرغم من عدم وجود خبرة جيدة لديه في الأعمال قبل بدء عمله في شركة "فيسبوك". ولم يُدِر ستيف جوبز شركة كبيرة في حياته قبل وصوله إلى شركة "آبل"، ولكنه امتلك رؤية ثاقبة وقدرة على التواصل ليجعل منها اسماً مألوفاً.

حان الوقت لإعادة التفكير في مفهوم القيادة. فإذا انتقلت إلى ما هو أبعد من ترقية أشخاص إلى مواقع قيادية وهم الأكثر كفاءة، وبدأت في التفكير بإمعان في أولئك الذين يمكنهم إيصالك إلى ما تريد أن تصل إليه، فحينها ستشهد شركتك نمواً وتطوراً. بمعنى آخر، تطلّع إلى أولئك الذين لديهم إمكانات كبيرة، وليس فقط أفضل الأشخاص أداء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي