الإدارة عبارة عن عدسة، وهي أفضل وسيلة تم اختراعها حتى الآن لتركيز رأس مال الشركة، ورأس المال البشري، والموارد المالية نحو أهداف الشركة. وقد لاحظ الكثيرون أنه يمكن أن يكون للشركات أهداف مثيرة للإعجاب، إلا أنها إذا أديرت على نحوٍ سيئ فإن نجاحها يكون بعيد المنال.
لنفترض أن عدسة الإدارة كانت ملطخة، أو حتى معتمة بالكامل، في هذه الحالة يمكن بسهولة أن تسيء الإدارة استخدام الموارد. أو لنفترض أن تلك العدسة كانت كالمرآة التي لا ترى سوى الوسائل القديمة في استغلال الموارد.
هناك دلائل على أن هذا هو حال الإدارة اليوم إلى حد كبير، حيث يواجه المدراء رقمنة الأعمال. وتشير العديد من الاستقصاءات إلى أن المدراء إما متحيرون بشأن ما ينبغي عليهم فعله أو أنهم غير متأكدين من كيفية تغيير أولوياتهم.
وكجزء من مشروع "نيكست سينسينغ" (Nextsensing) لدينا، وجدنا 4 مهارات يحتاجها المدراء لتنظيف عدسة الإدارة لديهم، ورؤية المستقبل بوضوح أكبر، والـ "قيادة" بفعالية أكبر نحو المستقبل:
وسّع مداركك. يحتاج المدارء إلى تغيير طريقة التفكير وإلى الالتزام بالاستكشاف، والتحرك إلى ما وراء قراءة أفضل ما كتب في مجال الأعمال للحصول على التوجيه.
فكيف يمكن أن تبدأ؟ أنشئ حلقة للقيادة، وهي مجموعة من كبار القادة الذين يعملون خارج الإطار الهرمي لإعداد التقارير تجمع بينهم مجموعة محددة من التحديات في مجال الأعمال التي تتجاوز نطاق المسؤولية لأي فرد واحد (أو مجموعة واحدة). سيجلب ذلك العديد من وجهات النظر ويشاركها فيما يخص التوجهات الناشئة وينظمها ضمن نماذج محتملة. إذ إنه ما من شخص واحد، أو مجموعة صغيرة واحدة، ذكية بما يكفي لمعرفة وقيادة الجميع. فاستخدم الحلقة للوصول إلى الحدس التقديري بشأن الفرصة المنتجة الممكنة في المستقبل.
وظاهرة شركة "أوبر" هي أحد الأمثلة على ذلك. وعلى الرغم من أن البعض يرى أنها ببساطة "تطبيقاً لاستدعاء سيارة أجرة"، يرى البعض الآخر أنها منصة جديدة لسيارات الأجرة، بل ويرى البعض أنها بمنزلة الخطوة الطبيعية نحو المستقبل عندما ستصبح سيارات الأجرة من دون سائق. فهذا الحدس أن سيارة الأجرة المستقبلية ستكون مختلفة اختلافاً جذرياً، يمنح المدارء الفرص لاتخاذ الخطوات استعداداً للمستقبل الذي لا يمكنهم التنبؤ به على وجه اليقين، ولكنه يستطيع أن يقدم لشركاتهم مساراً جديداً.
قف مع التغيير. عندما يأخذ القائد على عاتقه المضي في اتجاه جديد، فلا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك حول التزامه بالمضي في ذلك الاتجاه. ويجب على القادة أن يحددوا الاتجاه الجديد وكيف سوف يغير أولويات الجميع. كما يجب أن يصر القائد على أن العودة إلى الوسائل القديمة خطأ لا يغتفر.
في خمسينيات القرن الماضي، كانت شركة "بوينغ" لاعباً غير ذي شأن في مجال الطيران التجاري. واستمرت شركتا "ماكدونل دوغلاس" (McDonnell Douglas) و"لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) في تحسين الطائرات ذات المراوح. أما "بوينغ" فنقلت تركيز الشركة إلى بناء الطائرات النفاثة، وكان ذلك حدساً تقديرياً لم يثمر لسنوات عديدة، إلا أن قادة شركة "بوينغ" لم يتوانوا عن ذلك. والشركات التي لديها الفرصة الأكبر في البقاء اليوم، لديها القادة الذين يقفون شخصياً مع التغيير، وليس أولئك الذين يتحدثون عن التغيير، أو يلمّحون إليه أو يقترحونه على الآخرين.
أنشئ نظاماً جديداً. فالوقوف مع التغيير يتعلق بإيجاد برنامج جديد، والتخطيط لوجهة نظر غير مألوفة. أما إنشاء نظامٍ جديد فهو إعادة تجهيز الشركة وإطلاق الأنشطة المطلوبة لتحقيق الأهداف التي ربما لم يسبق لأحد أن أعدها أو حققها من قبل.
تعود جذور شركة "نينتندو" إلى عام 1889، حيث كانت شركةً لصناعة أوراق اللعب. وعندما تولى هيروشي ياماوتشي إدارة الشركة عام 1948 كانت هناك مقاومة كبيرة من المطلعين على الأمور في الداخل تجاه التغيير. وفي أحد الأوقات فصل كل المدراء وعيّن مكانهم الأشخاص الذين يتفقون مع وجهة نظره. وجربت "نينتندو" مختلف منتجات الألعاب دون تحقيق نجاح مستمر. وفي عام 1977، انصبّ تركيز الشركة على هدف جديد، وهو الألعاب الإلكترونية. وحتى عندما كانت هذه الألعاب مجالاً لم تثبت جدارته بعد، استمر هيروشي في تخصيص الموارد لإجراء التجارب على منتجات جديدة. فبناء نظامٍ جيد يبدأ عندما يشكل القادة أولويات ومعايير جديدة أكثر إنتاجيةً وتناغماً مع المسار الجديد للشركة.
تولّ القيادة بحس مستقبلي. عندما يتحول الحدس التقديري إلى الرؤية الجديدة للشركة، فإنه ينبغي قيادتها باتجاه المكان الذي تحتاج أن تكون فيه. ويحتاج الموظفون المرتبطون بالوسائل الحالية في تحقيق النجاح إلى التحفيز للتصرف بصورة مختلفة. ويجب على القادة التخلص من كل الشك بأن الجميع يحتاجون إلى تطوير مهارات وسلوكيات جديدة ما سيحقق أشياء مميزة ومبتكرة.
ففي حملتها التي انطلقت تحت شعار "الجودة أولاً" فوضت شركة "فورد"اتخاذ القرارات المهمة إلى فرق من العمال بدلاً من المدراء الأفراد. وفي عام 1998، كان على الموظفين في شركة "كونفينيتي" (Confinity) التخلي عن أعمال التشفير من أجل التركيز على إدارة المعاملات المالية عبر الإنترنت، ولولا ذلك لم تكن لتظهر شركة "باي بال".
وكمثالٍ على كيفية تلاحم هذه المهارات معاً، انتبهوا إلى المدير التنفيذي الجديد لـ "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا الذي حول الشركة. حيث وسعت "مايكروسوفت" تحت قيادته منصتها السحابية فأصبحت المظلة لكامل الشركة. وتحت شعار "مايكروسوفت واحدة"، أخذت الحلقة القيادية لـ "ناديلا" تربط الجميع بالسحابة مع إدارة البيانات عبر المخدمات بدلاً من الحواسب أو الأجهزة المكتبية.
وقد بدأ ناديلا تغيير ثقافة "مايكروسوفت" بحيث أصبح الزبائن محور تركيزها. فنظام "ويندوز 10" الجديد لديه بنية تطبيقات شاملة ويقدم تحديثات مجانية لجذب مستخدمين جدد، وقد دفع ناديلا "مايكروسوفت" لتطوير تطبيقات ناجحة لمنتجات شركة "آبل" لوضع الشركة في موضع بارز على أجهزة "آبل" وحواسيبها. وبهذه الطريقة، تتعلم "مايكروسوفت" أن تنسى الخصومات القديمة وأن تفكر في المقام الأول بمصالحها.
وأخيراً، يوسع ناديلا أنشطته نحو "إنترنت الأشياء"، كي تستطيع الشركة أن تكون رائدة فيما يخص قيام الحواسيب بالتحدث مباشرةً إلى الحواسيب الأخرى، وأيضاً يدفع "مايكروسوفت" بسرعة إلى مجال التصوير ثلاثي الأبعاد الجديد كلياً.
ينبغي على كل قائد أن يزرع هذه المهارات الأربع على طريقته الخاصة. فعندما لا يكون القادة واثقين بشأن المستقبل فإن المنظمة بكاملها تعاني، ويصبح الاضطراب هو المعيار، ويسود الارتباك. فما ينتظرنا في المستقبل غير واضح بصورة مزعجة، وبالنسبة للبشر الذين يعملون داخل الشركة فإنه ليس هناك سوى القليل من المتعة. وهذه المهارات الأربع سوف تجهز حلقتك القيادية بما يلزم لتوضيح ما هو قادم إلى منظمتك، وتركز عدستك الإدارية على المستقبل.
جوزيف بيتسوري هو أستاذ الإدارة الريادية في جامعة إنستيتيوتو دي إمبرسا لإدارة الأعمال في مدريد. وهو أيضاً مدير مشروع Nextsensing العالمي.