المدراء المؤذون. لقد تعرّضنا جميعاً للتعامل مع أحدهم؛ فهم دائمو الصراخ في وجوهنا ويدسّون أنوفهم في أدق التفاصيل، كما أنهم متقلبو المزاج وغير جديرين بالثقة، ويمكن اعتبار العمل معهم واحداً من أسوأ الكوابيس التي قد نتعرّض لها في حياتنا العملية. أمثال هؤلاء المدراء موجودون في كل مكان، وبمقدورهم إلحاق أضرار جسيمة بمن حولهم، وكذلك بمؤسساتهم على وجه العموم. ويبدو أن هذا السلوك الممقوت آخذٌ في الازدياد. لماذا؟ لأن الناس يخشون آثار الأزمات الاقتصادية. وباتت أنظمتنا الاقتصادية تتعرّض لهزات عنيفة، ولم تعد تتبع القواعد المقرَّرة، ونتأثر بها جميعاً في المنازل وفي محال البقالة وفي العمل. وقد يزداد الأمر سوءاً بأسرع مما نتخيّل. إنه أمر مخيف بكل معنى الكلمة.

الأدهى من ذلك أن الكثيرين منا لم يدخروا وسعاً في العمل بجد واجتهاد لفترة طويلة من الزمن، ويعانون آثار الشعور بالإجهاد والتوتر ومتلازمة الضحية. ويتفاقم شعورنا الشخصي بالإجهاد والتوتر بسبب الأخطار المحدقة بكوكبنا، وهو ما يمثّل مشهداً مرعباً بحق. واسمحوا لي بأن أقولها بطريقة أخرى: لقد وصلت الأخطار المحدقة بكوكبنا إلى نقطة اللاعودة، متجاوزةً النقطة التي يمكننا فيها وقف آثار الاحتباس الحراري. وقد سلكت السياسة والسلطة العالميتان اتجاهات لم يكن لأحد أن يتخيلها قبل عقدين من الزمن. أضف هذا المزيج وستتكوّن لدينا صورة للعالم لا تشبه صورة العالم الذي نشأنا فيه من قريب أو بعيد. وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد، بل تزداد الصورة قتامة.

لذا، فإن الكثيرين منا مضطرون إلى اتخاذ وضع رد الفعل. ربما لسنا تحت رحمة عواطفنا بالمعنى الدقيق للكلمة، لكننا بالتأكيد نعيش حالة تشهد تقلبات أكثر عنفاً نقف عاجزين خلالها عن الوصول إلى الوعي الفكري للتمييز بين الغث والسمين ويتعذر علينا الاستفادة من قدراتنا ومواهبنا وذكائنا العاطفي. وكلّما واجهنا اختيارات على مدار اليوم، سواء في المنزل أو العمل أو السوبر ماركت، وجدنا أنفسنا نستسلم لغرائزنا الأساسية. ونوجّه إلى الآخرين أقسى عبارات النقد عندما لا يرتقون إلى مستوى توقعاتنا أو لا يفون بالمواعيد النهائية المحدّدة لهم. ونصرخ في وجوه أطفالنا، أو نفقد أعصابنا بسبب أشياء تافهة، مثل عدم القدرة على إيجاد مكان لركن السيارة. وقد تمر علينا أيام نشعر فيها بالرغبة في إلقاء أجسامنا على السرير وسحب الأغطية فوق رؤوسنا.

لقد كتبتُ مقالات كثيرة مؤخراً حول ما يمكننا فعله للتخلُّص من متلازمة الضحية، وذلك من خلال اكتساب اليقظة الذهنية والشعور بالأمل والاندماج مع الآخرين بإيجابية من خلال المشاركة الوجدانية والتعاطف. وعندما نشعر بأننا قد بدأنا نخرج عن أطوارنا، يمكننا أن نمهل أنفسنا دقيقة إضافية لالتقاط أنفاسنا وتمالك أعصابنا عند الاستجابة للحدث. وحبذا لو استطعنا تطوير استراتيجيات للتجديد، أي الممارسات اليومية التي يمكن أن تغيّر مجرى الآثار الفسيولوجية والنفسية للضغوط غير الصحية التي نتعرّض لها اليوم في حياتنا الشخصية والعملية.

لكن ماذا لو كنت تعمل مع شخص منفلت الأعصاب ولا يستطيع التحكم في انفعالاته، لا يلبث أن يخرج من مصيبة حتى يقع في أخرى وتقع أنت ضحيته في كل مرة؟ يمثل هؤلاء المدراء المؤذون عبئاً كبيراً علينا؛ فهم يسيئون إلينا، ويكادون يجعلون الوصول إلى أفضل حالاتنا أقرب إلى المستحيل. وأسوأ ما في الأمر أن المشاعر السامة معدية؛ وبالتالي ما لم ندرك أخطارها، فقد نصاب نحن أيضاً بالقلق والسلبية ونصبح أشخاصاً هدّامين، وننشر ثقافة التنافر بين أعضاء فرقنا وكل مَن يعتمدون علينا للإلهام والتوجيه. وهكذا تتحوّل مؤسساتنا إلى أماكن عمل سامة بسرعة البرق، دون أن نعي. فما الذي يمكنك فعله للحفاظ على التوازن الشخصي والقرب من الآخرين في علاقاتك؟ وما الذي يمكنك فعله لحماية نفسك؟

  1. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي! لا تدع الأشخاص السامين يهزون ثقتك في نفسك. واعلم أن صراخهم وإهاناتهم وسمومهم التي ينفثونها تخصهم هم، ولا علاقة لها بك أنت. فاحرص على إدارة حدودك بوعي حتى لا تتسرب سمومهم إليك.
  2. لا تساوم على قيمك في مواجهة المشاعر السامة للآخرين، أياً كان ما تفعله. فمن السهل أن تزل قدماك وتقبل بأشياء ما كنت لتفعلها لولا ذلك؛ لذا راقب ردود فعلك بعناية.
  3. انتبه للدوافع (الطبيعية) التي تستحثك على الدفاع عن نفسك بطريقة انتقامية من أجل تنفيذ أعمال تخريبية والثأر لنفسك؛ لأنك إن فعلت، فستصبح جزءاً من المشكلة.
  4. قاوم إغراء الشعور بأنك ضحية الطغاة والمستبدين من حولك؛ فالضحايا يقتاتون على السم، والضحايا لا يصلحون لقيادة الآخرين. تعرّف على مواطن قوتك الشخصية وقدرتك على التحمل واعمل على الاستفادة منها في هذا المضمار.

لا شك في أن الأمر يستلزم بذل بعض الجهد وجرعة كبيرة من الإدارة الذاتية، ولكن ليس عليك أن تصبح جزءاً من الجو السام الذي ينتشر بكثافة في الكثير من مؤسساتنا. لنضع حداً لهذا الجنون! فليس ثمة مجال لوصول الأفراد إلى أفضل حالاتهم في ظل وجود أشخاص وبيئات سامة مصبوغة بطابع الخوف والغضب والتوتر. ونحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن يكون الأفراد في أفضل حالاتهم، لكي يكونوا أكثر إبداعاً ومرونة وابتكاراً وذكاءً. وتستلزم التحديات التي نواجهها، بدايةً من الانهيار الاقتصادي وصولاً إلى الاحتباس الحراري مروراً بمجرد محاولة الموازنة بين الحياتين العملية والشخصية، تسخير أفضل قدراتنا الفكرية.

تذكر أن العواطف معدية. ولك مطلق الحرية في أن تكون جزءاً من الأجواء المسمومة أو أن تبتعد عنها كلية؛ فكل إنسان يملك من السيطرة على بيئته ما يفوق تصوراته بكثير، فاحرص على استغلال هذه الخاصية أحسن استغلال.