المدراء الجيدون يسهمون في تحسّن صحة الموظفين أكثر من البرامج الصحية

3 دقائق
مسادعة المدراء الجيدين الموظفين في تحسين صحتهم

تحت اسم عافية الموظف والاهتمام بصحته، واستجابة لمطالب شركة التأمين، تقدم الشركات الكبرى مبادرات الرفاهة لموظفيها مع توفير حوافز مالية. مثلاً: أكمل فحص الكولسترول هذا واحصل على 100 دولار تضاف إلى بدل أتعابك؛ أو شارك في عدد من برامج الحفاظ على الصحة، وستحصل على علاوة أخرى. وفي سعيها للمحافظة على صحة الموظفين، غالباً ما تعمل المؤسسات على جعل الأمور اكثر سوءاً دون قصد. هل من المفاجئ أن تُظهر الدراسات الأولية حول برامج الحفاظ على الصحة أنها لا تؤدي إلى أي نتائج ملموسة؟

في أحسن الأحوال، هذه المبادرات ليست أكثر من كلام بلا هدف أو معنى. ولكن في أسوأ الأحوال، فهي تسبب المزيد من التوتر. إن الاضطرار إلى عملية بيروقراطية شاقة وطويلة، كإجراء اختبارات كولسترول الدم، وملء استمارات الاستقصاء عن الرفاهة، ما هو إلا مجرد طريقة لإضافة هذه البرامج المزيد من المهام إلى جدول المواعيد المكدس أصلاً. عندما شاركني أحد الموظفين بقوله: "أشعر أن مكان عملي يريد مني الاهتمام بصحتي، إلا أنه يضغط عليّ بمواعيد نهائية ضيقة حتى أنه لا يكاد يتوفر لدي الوقت لتناول طعام الغداء في مكتبي. أعلم أنه سيكون من المفيد بالنسبة لي أن أحضر هذه البرامج، لكنني اشعر أيضاً بالقلق عندما يعبس مديري وزملائي في وجهي ويغادرون مكتبي لينعموا بالاسترخاء. والأفظع من ذلك أنني أشعر في نهاية اليوم بالذنب لأنني لم أهتم برفاهتي وحضور دروس اليوغا". لم تعد الرفاهة استراحة مطلوبة من جرّاء ضغوط العمل بل أضحت مجرد شرط إضافي من شروط الوظيفة.

وعندما تنظر إلى البيانات، يتبادر إلى ذهنك أن أصحاب العمل يفتقدون البوصلة. الرفاهية لن تتحسن من خلال إلزام الموظفين على المشاركة في هذه الأنواع من الدروس أو العروض، كما أنها لن تتحسن عن طريق توفير امتيازات مادية؛ حيث كشفت دراسة أن الموظفين يفضلون في الواقع مكان عمل أكثر سعادة على استلام بدل أتعاب شديدة السخاء على أي حال.

إذاً، ما الذي يؤدي إلى سعادة الموظف؟

إذاً، ما الذي يؤدي إلى سعادة الموظف؟ مكان عمل يتميز بالإنسانية. ثقافة مؤسسية تتميز بالتسامح واللطف والثقة والاحترام والإلهام. أظهرت مئات الدراسات التي أجراها رواد علم النفس التنظيمي الإيجابي، بما في ذلك جين داتون وكيم كاميرون من "جامعة ميشيغان" (University of Michigan) وآدم غرانت في وارتون (Wharton)، أن وجود ثقافة تتميز ببيئة عمل ايجابية تؤدي إلى تحسين ولاء الموظفين والمشاركة والأداء والإبداع والإنتاجية. بالنظر إلى أن حوالي ثلاثة أرباع القوة العاملة في الولايات المتحدة غير مندمجين في العمل — والتكلفة المرتفعة لدوران الموظفين — فقد حان الوقت لأن لكي تبدأ المؤسسات في الاهتمام بالبيانات.

تشير الأبحاث إلى أن أقوى وسيلة يمكن للقادة من خلالها تحسين رفاهة الموظفين ليست من خلال البرامج والمبادرات ولكن من خلال الإجراءات اليومية. على سبيل المثال، تُظهر البيانات الناتجة عن دراسة موسعة أجرتها آنا نيبرغ في "معهد كارولينسكا" (Karolinska Institute) أن وجود مدير قاس مرتبط بارتفاع نسبة حدوث مشكلات قلبية لدى الموظفين. ومن زاوية أخرى، تظهر البحوث أن القادة الملهمين والمتعاطفين والمساندين لديهم موظفين أكثر ولاء واندماجاً. لذا، قد يساعد سؤال الموظفين عن أحوال عائلاتهم بين الحين والآخر أكثر من تقديم محاضرة عن التركيز الذهني في وقت الغداء،

المدراء الجيدون وتحديدهم لهجة مؤسستهم

حيث يحدد القادة لهجة مؤسستهم، ويحدد سلوكهم ما إذا كانت التعاملات في مؤسستهم تتميز بالثقة والغفران والتفاهم والتعاطف والكرم والاحترام. على سبيل المثال، يوجد لدى إحدى شركات "فورتشن 500" في منطقة "باي آيريا" (Bay Area) نظام معمول به، حيث يُبلغ الرئيس التنفيذي على الفور عما إذا كان الموظف مصاباً بمرض خطير أو تعرض لفاجعة شخصية. وفي غضون 15 دقيقة، بغض النظر عن مدى انشغاله، يوفر الرئيس التنفيذي الوقت الكافي للاتصال بهذا الشخص وتقديم الدعم له.

نسينا أن المؤسسات هي أولاً وقبل كل شيء أماكن للتفاعل الإنساني، وليس فقط لـ لمعاملات. تشير الأبحاث أن احتياجنا الأكبر بعد الطعام والمأوى هو الترابط الاجتماعي، أي إقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين. فإذا أنشأنا بيئات عمل تتميز بهذه الأنواع من التعاملات الإيجابية والداعمة، فإننا ننشئ مؤسسات ناجحة، مؤسسات تتمتع بمعدل دوران للموظفين منخفض جداً، مؤسسات ملهمة، ومؤسسات تتمتع بنتائج مبهرة للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء.

هذا لا يعني أن القادة والمدراء يجب أن يكونوا "ليّنين" للغاية، ولا يعني هذا أن تصبح المؤسسة مكاناً "هشاً" للغاية، حيث يبقى بإمكانك القيادة بقوة ويبقى بإمكانك ممارسة السلطة ويبقى بإمكانك التأثير ويبقى بإمكانك التواصل بصراحة مع بقائك مهذباً ومتعاطفاً ومتفهماً. بدلاً من إضافة المزيد والمزيد من مبادرات الرفاهة والامتيازات المادية، يمكن لأصحاب العمل في واقع الأمر فعل شيء أبسط بكثير، ناهيك عن التكلفة المادية، التي سيكون لها نتائج أكبر بكثير. يحدث ذلك من خلال خلق ثقافة قائمة على القيم الإنسانية، وحينئذ يمكنهم إنشاء مؤسسة ذات رفاهة حقيقية في مكان العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي