كيف يجد المدراء التنفيذيون وقتاً للإبداع؟

5 دقائق

بحسب استطلاع لشركة "آي بي إم" (IBM)، لأخذ آراء ما يزيد على 1,500 مدير تنفيذي في 33 منشأة صناعية ضمن 60 بلداً،تبين أن الانضباط أو النزاهة أو الذكاء أو الذكاء العاطفي ليس أول ما يسعى لإيجاده كبار المدراء التنفيذيين في فرق عملهم الجديدة، بل يُعتبر الإبداع غايتهم. وفي النهاية، كل شركة تسعى إلى احتلال المركز الأول في مجالها وأن تكون السباقة في الابتكارات. ولذلك نحتاج إلى موظفين غاية في الإبداع.

في حين أن النصائح الخاصة بكيفية زيادة إبداعنا مألوفة لدى الجميع، نجد أن المهمة الأصعب تقع على كاهل المدراء التنفيذيين لإيجاد سبل لتطبيق هذه النصائح في خضم أشغالهم الكثيرة التي تمتلئ بها أوقاتهم الضيقة. ولمعرفة الجواب حول هذه المسألة، تحدثت إلى بعض من المدراء المبدعين في الصناعات الكبرى، بدءاً من صناعة التكنولوجيا مروراً بالشركات الاستشارية وصولاً إلى المصانع. وإليكم ما قالوه.

ابحث عن غير المألوف

أظهرت إحدى الدراسات أن الإبداع يزداد بنسبة 50% بعد قضاء بضعة أيام في الطبيعة بعيداً عن كل الأجهزة، وهي تجربة غير مألوفة وغير اعتيادية لمعظمنا. ولكن إذا لم يكن لديك وقت لقضاء عطلة لبضعة أيام في الغابة، فكيف ستجد وقتاً لتجارب جديدة؟ إذ تقول الأبحاث إننا نكون في ذروة إبداعنا عندما نذهب إلى أوساط غير مألوفة.

كما نرى تريكسون فرناندو، المدير المبدع، الذي عمل سابقاً لدى شركة "هابل" (Hubbl)، التي اشترتها شركة "إيربوش" (Airpush)، بتكلفة 10 ملايين دولار، وهو اليوم مدير في شركة "ساتفا" (Sattva)، يحاول جعل نشاطاته اليومية فرصة للبحث والمراقبة. يقول: "إن الكون بأكمله مليء بالأفكار التي تتضمن ما أحاول ابتكاره. لذلك أخذ المفاتيح إليه من الحياة اليومية عن طريق مراقبة أدق التفاصيل كما أنني فضولي دائماً حول كيف وماذا ولماذا تحصل كل الأشياء المحيطة بي".

وإذا لم يكن ما سبق كافياً لإلهامك، فإليك نصيحة يقدمها لارس باستولم، المدير التجاري العالمي في "جوجل": "اعتدت أن أقول للمبتكرين الذين يجدون صعوبة في إعادة صياغة تقرير عن منتج أو خدمة عليكم بزيارة للمكتبة وشراء ثلاثة مجلات لا يمكن أن تشتروها أبداً في الأحوال الاعتيادية. مثل مجلة متخصصة في تقويم الأسنان، أو ربما مجلة تتعلق بالنقل والشاحنات. وقراءتها كاملة، ثم مخاولة إعادة صياغة التقرير كما لو أنهم يوجّهونه إلى قرّاء هذه المجلات. وعادة ما يكون هذا أمراً ممتعاً للغاية، بالإضافة إلى أنه يفتح أفقاً لأفكار جديدة يمكن تطبيقها على التقرير الأصلي المراد إنجازه".

إلى جانب ذلك، يوصي سايمون ملكاي رئيس موظفي التسويق في شركة "سيلز فورس" (Salesforce)، بإجراء تمرين يطلق عليه اسم "إدارة المنظار المزدوج إلى الجهة الأُخرى". على سبيل المثال، لنفرض أنك فرع لبنك تحاول رفع نسبة ولاء العملاء لديك، ما عليك إلا النظر إلى شركة أُخرى في مجال عمل مختلف تماماً مثل "ستاربكس" (Starbucks)، وفهم كيف تستطيع جعل زبائنها يعودون إليها باستمرار.

اجمع التقييمات من مصادر متنوعة

على الرغم من اختلاف نتائج الدراسات في هذا الصدد، إلا أن عدداً لا بأس به من الدراسات تقول إن المجموعات المتنوعة هي أكثر إبداعاً. فالمدراء الذين تحدثت إليهم بذلوا جهداً لجمع أشخاص من خلفيات ووجهات نظر مختلفة، بالإضافة إلى أنهم أمضوا وقتاً في التحدث عن أفكارهم مع أشخاص من خارج مجال عملهم.

ويعبّر روفوس غريسكوم، رائد الأعمال وصاحب سلسلة من المشاريع ومؤسس شركة "هيليو" (Heleo)، والمدير التنفيذي فيها عن هذه الفكرة بعبارة: "الأفكار كالبشر، لا تحب أن نعزلها أو نتعامل معها من مبدأ الغيرة. بل تحب أن تختلط بالأفكار الأُخرى ونتفاعل معها".

كما أنه قال لي: "مثل رواد الأعمال الشباب الآخرين، كنت أخاف من مشاركة أفكاري الجديدة في العمل علناً حتى لا يعمل بها أحد غيري وأخسر أنا فرصتي. أما اليوم، أشارك أي فكرة واعدة تراودني مع كل شخص ذكي أقابله ممن يكون لديهم اهتمام بها. وهذا يوصلني إلى التمهيد لتنفيذ الفكرة الجديدة والحصول على مزيد من المعلومات عنها، وهذا ما يزيد من فرص تطور هذه الفكرة إلى مشروع ناجح يوماً ما".

ويضيف فيل هاريس، مدير التخطيط والنائب الأول لرئيس شركة "ريفربيد" (Riverbed)، ملاحظة مهمة. وهي أن أهمية الإصغاء لهذه التقييمات في أي مؤسسة تعادل أهمية السعي للحصول عليها. ويقول: "عندما نكون داخل غرفة، لا يكون هناك وجود للألقاب ولا الدرجات ولا الأقدمية. فكل الأصوات متساوية الوزن والوقت. والجميع يعلم أنه سيتم الاستماع إليه، وأن مشاركتهم ستُمنح الوقت الكافي. والجميع مرتبطون في علاقة أساسها الثقة والصدق، ذاك الصدق الذي لا يكون سهلاً دائماً".

امنح نفسك بعض المساحة

يحتاج الإبداع إلى المساحة. وهذا تفسير سبب ما اكتُشف عن تأثير التأمل في زيادة الإبداع. فقد قال لي فرناندو: "أمارس التأمل لأتحرر من الأفكار والأنماط الموجودة في عقلي ومن أجل ترك مساحة لأفكار وأنماط جديدة. فالابتكار بالنسبة لي يتعلق بجعل الأشياء داخلنا أقل ثقلاً".

مع أن العديد من الإداريين يمارسون التأمل فعلاً، إلا أنني أتفهم عدم قدرة الكثير من رجال ونساء الأعمال على إيجاد الوقت لذلك. وإذا كان ذلك ينطبق عليك، هناك طرق أخرى للحصول على فوائد تجوال العقل.

إذ تبين أن المشي يزيد الإبداع، لأنه يحرر عقلك ويمكّنه من الاستغراق في أحلام اليقظة، التي ثبت أنها بمثابة الوضعية النشطة لحل المشكلات في العقل البشري. وهذا ما يعبّر عنه بيتر سيمز، المدير التنفيذي ومؤسس شركة بارليمنت (Parliament, Inc)، بقوله: "إذا أردت أن يكون الناس مبتكرين، فهم يحتاجون إلى المساحة. فستيف جوبز كان يمشي كثيراً، ودائماً أرى مارك زوكربيرغ يمشي على سطح مقر شركة فيسبوك الجديد".

ويوصي باستولم بأي نشاط فيزيولوجي بسيط، حيث يقول: "نظف منزلك بالمكنسة الكهربائية، أو قم ببعض التمارين في نادي الرياضة أو قم بطلاء سور الحديقة. قم بأي نشاط يسمح لعقلك بالعمل في الخلفية".

ويتفق غريسكوم معه حيث يقول: "إن كنت أعمل على أمر ما، فأُحب ممارسة النشاطات البدنية غير المجهدة مثل المشي أو ركوب الدراجة أو قيادة السيارة أو حتى تنظيف الأواني. وأعتقد أن إنجاز عمل مهما كان متواضعاً مثل إنهاء تنظيف الأواني والمشي لمسافة معينة في الوقت الذي يكون فيه عقلي منهمكاً بالتفكير بموضوع يخص العمل يخفف ضغط التفكير عن عقلي ويساعد على تدفق الأفكار إليه".

احتضن القيود

ربما تتساءل عمّا إذا كانت الحاجة إلى المساحة تتماشى يداً بيد مع الحاجة إلى القيود. فالأمران يبدوان مختلفين تماماً. لكن الدراسات تُشير إلى أن الإبداع ينشط قسمين من الدماغ معاً، أحدهما مرتبط بأحلام اليقظة والآخر مرتبط بالتحكم الإداري. وعلى كل الأحوال، يحتاج النجاح إلى إمكانية التدفق الحر للأفكار مندمجة مع إمكانية تحويل تلك الأفكار إلى منتج مدروس.

ويجب أن تكون القيود جزءاً من العمل نفسه لا قيوداً اعتباطية. إذ يقول ملكاي: "لا يمكنك أن تقول: (تسلق تلك الهضبة) فحسب، بل عليك قول: (تسلق تلك الهضبة كي تستطيع القيام بأمر آخر). وبذلك يعلم جنودك أنه ليس عليهم تسلق تلك الهضبة إذا تغير الوضع".

وعلى سبيل المثال، صُمم حذاء نايكي فلاينيت (Nike Flyknit)، ليجمع بين أهداف الاستمرارية والأداء الرياضي. وتصف هانا جونز، مديرة قسم الاستدامة ونائبة رئيس قسم تحفيز الابتكار في شركة "نايكي"، كيفية تعريفهم للقيود في مشروع ما بقولها: "نضع المبدأ الرئيسي الذي يدعى (لا تسوية). ثم نصنع منتجاً مذهلاً جميلاً ومستداماً. حيث أعطينا الفريق قيوداً مزعجة، وهي وجوب إنجاز ضعف العمل ولكن بنصف الأثر. ويُعتبر هذان عاملان لم نعتد ترافقهما، وسيكون عليك جعلهما يلتحمان معاً. إن هذه القيود تفتعل توتراً خلاقاً ينتج عنه محادثات مختلفة". وتقول جونز أيضاً: "إن الشركة تعتبر المشروع ناجحاً. حيث إن إنتاج حذاء نايكي فلاينيت يقدم الأداء الرياضي مع مخلفات أقل بنسبة 60% من طرق القص والخياطة التقليدية في التصنيع".

أخيراً، إذا أردت لنفسك أن تكون مبدعاً أكثر أو تحصل على أفكار خلاقة أكثر ضمن فريقك، فتُعتبر البيانات ونصائح الخبراء واضحة جداً، ولا يحتاج تطبيقها استهلاك الوقت الطويل كما توحي لك في البداية. فقط اخرج من منطقة راحتك وامنح نفسك مجالاً للتفكير. وخذ فكرة عن أمور خارج محيطك وتعرف على القيود المفيدة. كل ذلك في إطار يوم اعتيادي من أيام العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي