بحث: عندما ترتفع المخاطر الجيوسياسية يتعطل الابتكار

5 دقائق
المخاطر الجيوسياسية
ريتشارد دروري/غيتي إميدجيز

ملخص: أثر النزاعات الجيوسياسية على التجارة والأمن العالميين واضح، ولكن كيف تؤثر مستويات الخطورة الجيوسياسية المتزايدة على الابتكار في الشركات؟ أجرى المؤلفون مطابقة مرجعية بين بيانات 4,625 شركة أميركية على مدى 32 عاماً والمؤشر العالمي للمخاطر الجيوسياسية بهدف تحديد الرابط بين الجغرافيا السياسية والابتكار. يشير بحثهم إلى أن المستويات المرتفعة من المخاطر الجيوسياسية توقع أثراً مقيداً بدرجة كبيرة على الابتكار في القطاع الخاص لا سيما الشركات التي تتعامل بدرجة كبيرة مع الأسواق الأجنبية، ويستمر هذا الأثر السلبي ما بين 3 و5 سنوات بعد بدء النزاع. في ضوء هذه النتائج، يقترح المؤلفون استراتيجيات لمساعدة الشركات في الحد من أثر المخاطر الجيوسياسية على الابتكار فيها، ولكنهم يقولون إنه في نهاية المطاف تتمثل الطريقة الوحيدة لمعالجة المشكلة الأساسية في عمل القادة السياسيين جنباً إلى جنب مع قادة الشركات (ومع الأطراف الفاعلة الرئيسة الأخرى من مشرعين ومنصات إعلامية وغيرهم) للحد من التوترات الدولية وبناء مستقبل ينعم بمستوى أعلى من السلام والابتكار.

 

المخاطر الجيوسياسية هي المجموعة الواسعة من المخاطر المرافقة لأي نوع من النزاعات أو التوترات بين الدول، ولها أثر واضح على التجارة والأمن العالميين والعلاقات السياسية الدولية. ولكن كيف تؤثر على الابتكار في القطاع الخاص؟

من أجل استكشاف أجوبة هذا السؤال عملنا على جمع بيانات من 4,625 شركة عامة أميركية عن الفترة الممتدة بين عامي 1985 و2017، واستخدمنا 3 مقاييس رئيسة لقياس مستويات الابتكار التكنولوجي في هذه الشركات في سنة معينة:

  • عدد براءات الاختراع التي سجلتها الشركة.
  • القيمة المالية لبراءات الاختراع التي حصلت عليها الشركة (حسب التغييرات في سعر سهم الشركة بعد الإعلان عن منحها براءة الاختراع).
  • القيمة العلمية لبراءات الاختراع بالنسبة للشركة (حسب عدد المرات التي ذكرت فيها براءة الاختراع في طلبات براءات الاختراع الأخرى).

ثم أجرينا مطابقة مرجعية بين بيانات الابتكار هذه والمؤشر الشهري للمخاطر الجيوسياسية الذي ينشره "البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" بناءً على تحليلات واسعة النطاق للمقالات الإخبارية المنشورة في 11 صحيفة من أهم صحف الأخبار العالمية، ويشمل أحداثاً مثل القصف الجوي الأميركي في ليبيا عام 1985 والنزاعات في العراق وهجمات عام 2016 الإرهابية في باريس. مكننا ذلك من تطوير نموذج إحصائي للعلاقة بين المخاطر الجيوسياسية والابتكار في الشركات يكشف 5 نتائج أساسية:

1. المخاطر الجيوسياسية المتزايدة تقيد الابتكار

بدأنا تحليلنا ببساطة بمقارنة مستويات المخاطر الجيوسياسية مع مقاييس الابتكار الثلاثة الموصوفة أعلاه. لاحظنا أنه وسطياً، أدت زيادة المخاطر الجيوسياسية بنسبة 1% إلى تخفيض عدد براءات الاختراع التي تسجلها الشركة في العام التالي بنسبة 0.18%، وتخفيض القيمة المالية لبراءات الاختراع الممنوحة للشركة بنسبة 0.24%، وتخفيض القيمة العلمية لبراءات الاختراع الممنوحة بنسبة 0.08%. تشير هذه الأرقام بمجموعها إلى أن ازدياد المخاطر الجيوسياسية بدرجة كبيرة يؤدي إلى تقييد الابتكار التكنولوجي في الشركات الأميركية.

ثم ألقينا نظرة متعمقة أكثر على أنواع براءات الاختراع التي سجلتها الشركات التي تشملها مجموعة بياناتنا، ولاحظنا أنه مع ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، تناقص تركيز براءات الاختراع على التكنولوجيا السريعة التطور (السمة المميزة للابتكار الثوري مقارنة بالابتكار التدريجي) وقل عدد المجالات التكنولوجية المختلفة التي تقوم عليها. بعبارة أخرى، ازداد ميل الشركات إلى تجنب المخاطر وقلّ سعيها لتحقيق الابتكارات متعددة التخصصات عالية التأثير.

تتوافق هذه النتائج مع التحليل الثانوي الذي أجريناه، والذي استفدنا فيه من مجموعة بيانات كبيرة حول الكشوفات العلنية التي تصدرها الشركات للتمعن في أثر المخاطر الجيوسياسية على مراحل تطوير مجموعة المنتجات الكاملة في الشركة. لاحظنا أنه في السنوات التي شهدت مستويات عالية من المخاطر الجيوسياسية تناقصت نسبة المنتجات التي تخضع للمراحل الأولى من التطوير، ما يشير إلى أن المخاطر الجيوسياسية تدفع الشركات إلى إطلاق عدد أقل من مشاريع تطوير المنتجات الابتكارية الجديدة.

2. يمكن أن تكون التهديدات مؤذية أكثر من الإجراءات الفعلية

كنا مهتمين أيضاً بالتمييز بين التهديدات والإجراءات الجيوسياسية. وعلى نحو مثير للاهتمام، لاحظنا أن أثر التهديدات على الابتكار أكبر وسطياً من أثر الإجراءات الفعلية: وسطياً، تناقص عدد براءات الاختراع التي سجلتها الشركات الأميركية نتيجة لزيادة التهديدات الجيوسياسية بمعدل يزيد على 3 أضعاف تناقصه نتيجة لزيادة الإجراءات الجيوسياسية (اتبعت القيم المالية والعلمية الوسطية لبراءات الاختراع الممنوحة توجهاً مماثلاً)، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن التهديد بالإجراءات يترافق مع مخاطر غير محققة، في حين أن الإجراءات بحد ذاتها هي شكل من أشكال المخاطر المحققة وبالتالي يصبح الغموض أقل وتزداد الدافعية للقيام بمجازفات تكنولوجية والابتكار. يتوافق ذلك مع الحدس؛ فالخوف من المجهول يكون غالباً أسوأ من الخوف من المعروف.

من المؤكد أن الغموض عامل مهم في تحفيز قابلية الابتكار، ومن الواضح أن الإجراءات التي تترتب على النزاعات الجيوسياسية توقع ضرراً كبيراً بحد ذاتها، ولكن بحثنا يوضح أنه في كثير من الحالات يكون ضرر التهديد أكبر فعلياً من ضرر الإجراءات.

3. يكون أثر المخاطر الجيوسياسية أكبر على الشركات التي تتعامل مع عملاء أجانب بنسبة أكبر

في الجزء التالي من تحليلنا استخدمنا قاعدة بيانات "كومبيوستات" (Compustat) لشركات مؤشر "إس آند بي" وعملائها من أجل فهم تأثير السوق المستهدفة في درجة تأثر الشركة بالمخاطر الجيوسياسية المتزايدة. تمعنّا في مقياسين مستخدمين في قياس تعرض الشركات للأسواق الأجنبية: نسبة كبار عملاء الشركة الأجانب (مقارنة بالعملاء المحليين) ونسبة الإيرادات التي تجنيها الشركة منهم.

لاحظنا ترابطاً بين هذين المقياسين والأثر السلبي الأكبر الذي توقعه المخاطر الجيوسياسية على الابتكار، إذ إن زيادة بنسبة 1% في نسبة عملاء الشركة الأجانب قابلها تراجع بنسبة 0.63% في متوسط عدد براءات الاختراع المسجلة، ونفس الزيادة في الإيرادات التي يولدها العملاء الأجانب قابلها تراجع بنسبة 0.78% في متوسط عدد براءات الاختراع المسجلة. وهذا يشير إلى أن الشركات التي تبيع منتجاتها إلى عملاء في دول أجنبية تختبر على الأرجح درجات أكبر من الغموض وبالتالي ستميل إلى تجنب المخاطر أكثر في الفترات التي تشهد تزايداً في المخاطر الجيوسياسية.

4. دوران الموظفين هو أحد أهم أسباب تراجع الابتكار

من الواضح أن الغموض المترافق مع المخاطر الجيوسياسية يؤدي إلى تقليص الاستثمار في الابتكار ضمن القطاع الخاص، ولكن ما هي الآليات الأساسية التي تحفز هذا التغيير؟ ثمة عوامل مساهمة كثيرة بلا شك، لكننا حددنا عاملين مهمين: لاحظنا أن ازدياد المخاطر الجيوسياسية يؤدي إلى تناقص استثمار الشركات في البحث والتطوير بينما يزداد معدل الدوران الوظيفي بين المخترعين والعلماء المسؤولين عن براءات الاختراع التي تسجلها الشركات.

يؤثر هذان العاملان في مستوى الابتكار الكلي بالشركات، على الرغم من أن رأس المال البشري له دور أكبر بكثير من دور الاستثمار في البحث والتطوير: كان تراجع الاستثمار في البحث والتطوير مسؤولاً عن نسبة 2% تقريباً من التراجع في عدد براءات الاختراع المسجلة، في حين كان التراجع في رأس المال البشري مسؤولاً عن 17% منه، ما يعني أن أثره أكبر بنحو 10 أضعاف. يشير ذلك إلى أن تأثير السياسات الإدارية المدروسة (مثل الإنفاق التقديري على البحث والتطوير) في تراجع الابتكار عقب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية أقل مقارنة بتأثير العوامل الخارجة عن سيطرة المدراء المباشرة (مثل ترك الموظفين لوظائفهم قسراً أو طوعاً).

5. يدوم أثر المخاطر الجيوسياسية على الابتكار طويلاً

أخيراً، في الجزء الأخير من تحليلنا طرحنا السؤال التالي: كم تدوم آثار المخاطر الجيوسياسية السلبية؟ لاحظنا أن الأثر السلبي الذي توقعه المخاطر الجيوسياسية على الابتكار يدوم عادة لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، ويكون في ذروته وسطياً على مدى سنتين كاملتين بعد بدء ارتفاع المخاطر الجيوسياسية. وبالتالي، وعلى الرغم من احتمال أن يستمر النزاع نفسه فترة قصيرة فمضاعفاته تبقى محسوسة لسنوات.

***

من المهم بالتأكيد ملاحظة أن جميع نتائجنا كانت بمعدلات وسطية، كما سلط بحثنا الضوء على أن تفوق الشركات الفردية في أدائها (أو تراجعها) يعتمد على خياراتها الاستراتيجية. مثلاً، أجرينا تحليل متابعة على أنشطة الإعلانات من قاعدة بيانات شركة "كومبوستات" وأنشطة حشد التأييد من قاعدة بيانات موقع "لوبي فيو" (LobbyView)، وتشير نتائجه إلى أن ازدياد المخاطر الجيوسياسية يوقع أثراً أكبر على الابتكار في الشركات التي تنفذ عدداً أكبر من مبادرات الإعلان أو حشد التأييد. قد يكون ذلك لأن الإعلانات تركز أكثر على الحصول على القيمة من المنتجات الحالية وليس من صنع منتجات جديدة، في حين أن حشد التأييد يبرز القضايا الجيوسياسية أكثر بالنسبة للمدراء وبالتالي فهو يقلل درجة تحمل المخاطر لديهم.

ولكن توضح نتائجنا مستوى عالياً من التشابك الشديد بين الشركات الفردية والقضايا السياسية العالمية، وفي حين أن البيانات تنطوي على خطوات معينة يمكن للشركات اتخاذها من أجل تخفيف أثر القضايا الجيوسياسية على مستويات الابتكار لديها، عن طريق تجنب التركيز المفرط على الأسواق الأجنبية والاستثمار في استبقاء الموظفين وربما الحد من أنشطة الإعلانات وحشد التأييد، يوضح تحليلنا في نهاية المطاف أن ازدياد المخاطر الجيوسياسية يوقع أثراً هائلاً يتمثل في تقييد الابتكار عموماً. والطريقة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة الأساسية هي أن يعمل القادة السياسيون جنباً إلى جنب مع قادة الشركات (والأطراف الفاعلة الرئيسة الأخرى من مشرّعين ومنصات إعلامية وغيرهم) للحدّ من التوترات الدولية وبناء مستقبل ينعم بمستوى أعلى من السلام والابتكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي