إقناع الآخرين بتقبل ملاحظاتنا يمكن أن ينطوي على تحديات، خاصة إذا كانت بالغة الأهمية. وبسبب قلق المدراء من أن تجرح ملاحظاتهم مشاعر الموظفين أو تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، فإنهم يلجؤون إلى الأساليب التي تحفظ الكرامة "كتقديم الملاحظات بطريقة الساندويتش" ولكنها في نهاية المطاف تضر أكثر مما تنفع. والنتيجة هي تقديم الملاحظات وفق ثقافة هشة وقائمة إلى حد كبير على المراوغة والغموض وخداع الذات.
ولكن يمكن أن تتغير هذه الدينامية بتوصيل رسالة أفضل والتفكير بطريقة أكثر شجاعة. بناء على عملي مع فِرق القيادة، وجدت أنه عندما تكون المحادثات المتعلقة بالأداء مدعومة بشراكة، فإن المشهد يختلف. وحينها لن يحظى المدراء بعلاقات أفضل مع فرقهم فحسب، ولكن قد تؤدي ملاحظاتهم إلى شعور أعضاء فرقهم بقدر كبير من البهجة والفرح وليس الخوف.
وبدلاً من الاعتماد على تسلسل هرمي في تقديم الملاحظات والتقييمات، ينبغي للمدراء التفكير في بناء نموذج شراكة يوزع السلطة ويزيد من المحادثات ثنائية الاتجاه مع موظفيهم، ما يؤدي إلى تقديم الملاحظات بطريقة واضحة وأكثر واقعية تعزز الثقة وتتناسب مع وتيرة العمل إلى جانب وضع شروط لإجراء تغييرات إيجابية ودائمة. فهذا النهج ينطوي على التواضع في إدارة الأفراد ويركز على طرح الأسئلة وليس إعطاء الأوامر. وهذا هو الفرق بين "التحديق في النافذة" و"الإمساك بالمرآة"، كما أطلق عليه.
"التحديق في النافذة" هو عملية تنطوي على النظر ثم الإخبار أو الوصف. فإذا طلبت من شخصين التحديق في النافذة نفسها لوصف ما يرونه، على الأرجح ستحصل على منظورين مختلفين جوهرياً ولكن لا يزال كلاهما صحيحاً. ولكن الأمر ليس كذلك في سياق العمل، حيث إن عدم التوازن بين السلطات يسمح لوجهة نظر واحدة فقط، وهي وجهة نظر المدير، أن تكون هي السائدة. وغالباً ما تتصف هذه الصورة المحدودة للأداء بوجود قدر كبير من التحيز وعدم الموضوعية، حيث يتجاهل المدراء التفاصيل المتعلقة بعمل الموظف ويشوّهونها ويغفلون عنها. وهذا المنظور يصبح مشوشاً بمرور الوقت؛ فالأمر يشبه في الغالب "منحنى النسيان" الذي يبدأ بضعف حاد أولي في الذاكرة يعقبه فقدانها بشكل بطيء ومطرد. وبينما يتخبط المدراء في الماضي، يضطر الموظفون إلى تحمّل الأحكام التي تصدر عليهم، ما يجعلهم عالقين في الحاضر وينتظرون انتهاء هذا الوضع بفارغ الصبر.
ولكن هذا الوضع يتغير باتباع طريقة "الإمساك بالمرآة" التي تُحدث تحولاً كبيراً في أسلوب ومسار المحادثات التي تُقدَّم فيها الملاحظات والتقييمات. فبدلاً من أن يخبر المدراء موظفيهم بما يجب أن يروه، سيوجّهون نظرهم إلى ما يريدونهم أن يروه. حيث إنهم يجرون محادثات مدروسة وعميقة مع موظفيهم حول نقاط قوتهم الحالية وأهدافهم المستقبلية وكيف يمكن المواءمة بينها. وبدلاً من تقديم توجيهات، يمكن أن يطرح المدراء أسئلة استقصائية تساعدهم على فهم شكل العمل على نحو أفضل وإتاحة الفرصة أمام موظفيهم لرسم مسار المضي قدماً.
من خلال عملي مع القادة في جميع المستويات، رأيت مدى قوة اتباع نهج يتسم بالتواضع في التعامل مع الموظفين. فالإمساك بالمرآة يوسّع نطاق وجهات نظر الموظفين مع زيادة فرصهم في الحوار والتفكير. كما أنه يعفي المدراء من تقديم الملاحظات والتقييمات بالطريقة الإلزامية التي غالباً ما تكون غير مريحة والتي من خلالها يتم المرور سريعاً على الإنجازات الأخيرة ثم إعداد قائمة طويلة للغاية بأوجه القصور. وبالتالي فإن طريقة "الإمساك بالمرآة" تحول المدراء إلى أبطال يشجعون موظفيهم على النمو بفاعلية ويعززون قوة إرادتهم. إذا كان القائد الجيد هو مَن يعمل على بناء قادة آخرين، فطريقة "الإمساك بالمرآة" هي تطبيق للقيادة التحويلية.
يتطلب الانتقال من طريقة "التحديق في النافذة" إلى طريقة "الإمساك بالمرآة" ممارسة مدروسة، ولكن يمكن لكل قائد فعل ذلك بالقدر الصحيح من الجهد والعزم. فيما يلي بعض التوصيات لتطبيق طريقة "الإمساك بالمرآة" في محادثاتك مع فريقك بشكل أكبر:
اطرح الأسئلة التي تخاطب البطل بداخلهم
أطلق إمكانات موظفيك من خلال طرح الأسئلة التي تركز على نقاط قوتهم وقصص نجاحهم. فهذه الأسئلة تتطرق إلى صميم تجارب الموظفين، ما يعني الطريقة التي ينظرون بها إلى كفاءاتهم وإسهاماتهم.
تتضمن بعض أسئلتي المفضلة من هذا النوع ما يلي:
- أخبرني عن الأوقات التي شعرت فيها بالحماس خلال هذا الشهر.
- ما الذي تعلمته عن نفسك من خلال العمل على هذا المشروع؟
- أي من نقاط قوتك وجدت أنها مفيدة للغاية من خلال عملك على هذا المشروع؟
- مَن الذي ساعدته مؤخراً، وما الفرق الذي أحدثه ذلك في أعمالكما؟
عندما يطلب المدراء من الموظفين التفكر في هذه اللحظات المميزة فهذا يساعدهم على فهم ما يتطلبه الأمر للمرور بهذه اللحظات، والأهم من ذلك ما سيتطلبه الأمر للمرور بها مجدداً.
حدد التحديات
عندما يلمح الموظفون إلى وجود تحديات، اهتم بتلميحاتهم. واسأل نفسك: هل يتراجع أداء هذا الموظف؟ وما الذي تعبر عنه لغة جسد الموظف ونبرة صوته؟ يمكن لعملية التحليل والاستماع هذه أن تنبه المدراء إلى الخسائر العاطفية غير المرئية للعمل وكيف تؤثر على الأداء. حاول أن تكتشف كيف يتصور الموظف التحدي وكيف يمكن معالجته، من خلال طرح الأسئلة التالية:
- ما هي النتائج التي تحاول تحقيقها؟
- ما الذي يحدث؟ ولماذا تعتقد أنه يحدث؟
- ما الذي حاولت فعله حتى هذه اللحظة؟ كيف واجهت التحديات المماثلة في الماضي؟
- هل حاولت التغلب على هذا التحدي؟ وما الذي حدث نتيجة لذلك؟
يمكن أن توفر مساعدة الآخرين على إدراك التحديات التي تواجههم في العمل قدراً من الراحة. فعند التحدث بصراحة حول المشكلات، تتضح الأمور لدى الطرفين وبالتالي يمكنهما العمل على إيجاد حلول مشتركة.
رسم المسار
إذا كان تحسين الأداء رحلة، فمهمة المدير هي رسم مسار نحو الالتزام خلالها. ولذلك بمجرد أن يقترح الموظفون طريقاً للمضي قدماً، ينبغي للمدراء توجيههم في خطواتهم القادمة. وهذا يوجِّه المحادثة نحو إحراز تقدم عملي، ما يجعل التقييمات أكثر واقعية. حاول إنهاء جلسة تبادل الملاحظات بأسئلة من قبيل:
- كيف ستتصرف حيال هذه الملاحظات؟
- ما الذي يمنعك من تحقيق أهدافك؟
- ماذا سيحدث إذا جربت أن تفعل ذلك؟
- كيف يمكنني مساعدتك على إعادة تهيئة الظروف التي تكفل نجاحك؟
أفضل التقييمات هي تلك التي تساعد الآخرين على فهم نقاط قوتهم وتشجعهم وتوجههم للاستفادة منها. وممسكو المرآة هم الذين يهيئون الظروف لإجراء تغييرات إيجابية ودائمة، حيث يمكن لإجراء هذا التغيير الصغير على طريقتك في التفكير أن يُحدث تغييراً كبيراً في الرسالة التي ترغب في إيصالها، كما أنه قد يساعد الآخرين على النظر إلى أنفسهم بطريقة جديدة تماماً.