تَسبب توقيف منغ وانزهو، الرئيسة التنفيذية للشؤون المالية في شركة هواوي الصينية، من قبل الشرطة الكندية بناء على طلب تسليمها الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، في حدوث تشويش على المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ويعتقد البعض أنّ عناصر الأمن القومي المتشدد التابع للحكومة الأميركية أمرت بتسليمها من أجل تخريب المحادثات التجارية أو على الأقل إغفالها توافقاً مع العرف التاريخي لوكالات الأمن القومي الأميركي التي تحمي أهدافها على حساب المسائل التجارية.
ويعتقد البعض الآخر أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أمر بطلب تسليمها كوسيلة لممارسة الضغط على الرئيس الصيني شي جينبينغ ليقدم المزيد من التنازلات التجارية.
أما البعض الآخر فيظن أنّ الولايات المتحدة لديها ثأر ضد شركة هواوي، وقد انجرفت نحو ذلك الفعل مدفوعة بالكراهية ودون حق بأسلوب قد يقوض المناقشات التجارية.
وكما يحدث دائماً، فإنّ الحقيقة من شبه المؤكد أن تكون أقل إثارة بكثير.
لنبدأ بالمسألة الأخيرة، صحيح أنّ شركة هواوي تشكل مصدر قلق بالغ للحكومة الأميركية، لكن هذا القلق لم يأت بالكامل من فراغ. إذ تعد شركة هواوي أكبر شركة مصنعة لأجهزة وسائل الاتصال في العالم، وقد جاء مؤسسها من جيش التحرير الشعبي واستمرت العلاقة الوثيقة معه إلى جانب وكالات الأمن الأخرى التابعة للحكومة الصينية. واستفادت الشركة من الدعم الحكومي الواسع والعقود وتأمين الحماية، ويقول البعض أنها استفادت أيضاً من الرعاية الحكومية لقرصنة مواقع الشركات التكنولوجية الأجنبية وحكومة الولايات المتحدة.
وقد اتهمت الحكومة الأميركية شركة هواوي ببيع مكونات (أو برامج كمبيوتر) أميركية بصورة غير قانونية إلى إيران، وقد كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يتتبع المسؤولين التنفيذيين في هواوي منذ فترة لغرض توقيفهم. وصادف أن كانت منغ في كندا عندما أُوقفت، ولكن تحرّك مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن ناتجاً عن حالة غضب مفاجئ، إذ إنّ أمر التوقيف كان صادراً منذ فترة من الزمن.
هل حاولت مجموعة من المتشددين (أي الداعمين لاستخدام القوة في العلاقات السياسية) تخريب المحادثات التجارية عمداً؟ لا يمانع الصينيون إذا كان هذا الاعتبار هو الاعتقاد السائد، ولكن يبدو أنّ هذا الاحتمال بعيد. في المقام الأول، المتشددون الحقيقيون هم المفاوضون التجاريون للإدارة بقيادة الممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت لايتهايزر، ومساعد الرئيس بيتر نافارو، وهما بالتأكيد لا يريدان تخريب أعمالهما. بالإضافة إلى ذلك، وبما أنّ توقيت التوقيف كان مفاجئاً، فإنه لم يكن أمراً يمكن تنظيمه عن عمد لتخريب المحادثات التجارية.
وإذا صحّ أنّ ترامب ولفتايزر لم يكونا على علم بالتوقيف مسبقاً، فإنّ ذلك يثير مسألة حول سبب عدم إخبارهما بذلك من قبل أحد. وهنالك تفسيران يمكن وضعهما على الطاولة، أحدهما هو أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يركز على قضيته، وببساطة لم يربط التوقيف بسياق المحادثات التجارية. على الرغم من أنه تم إبلاغ مستشار الأمن القومي جون بولتون بالأمر، لكنه لم ينقل المعلومات إلى الرئيس. ويُعتبر إبلاغ مستشار الأمن القومي أمراً طبيعياً في مثل هذه المسائل.
لماذا لم يعط بولتون علماً للرئيس؟ إحدى الإجابات المحتملة هي أنه رأى ببساطة أنّ تلك المسألة متعلقة بعمل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وبالتالي لم يكن هناك أي سبب لتعطيل الرئيس الذي كان في خضم المناقشات مع الرئيس شي. والإجابة الأخرى المحتملة هي أنّ بولتون هو من متشددي الأمن القومي الذي قد يفضّل تعطيل المحادثات التجارية وبالتالي تخفيف الضغط داخل الحكومة الأميركية من أجل اتخاذ تدابير دفاعية أشد صرامة فيما يتعلق بالصين. أو ربما تكون الإجابة مزيجاً من الاثنين، اختر ما يُقنعك أكثر.
ماذا عن الاعتقاد بأنّ الرئيس هو الذي أمر بتوقيف منغ من أجل انتزاع المزيد من التنازلات التجارية من الرئيس شي بالتحديد؟ هذا الاحتمال مستبعد للأسباب التالية: أولاً، كان التوقيت غير متوقع، ولم يكن الرئيس ليعلم مسبقاً أنّ التوقيف ممكن أصلاً. ثانياً، من المحتمل أكثر أن يؤدي تداخل التوقيف مع المحادثات التجارية إلى تقويض المحادثات بدلاً من انتزاع المزيد من التنازلات.
وبالطبع، أثار الرئيس الشك في هذه المعادلة بعد ذلك من خلال تصريحه بأنه سيتدخل لوقف الإجراءات ضد منغ، وذلك إذا حصل على صفقة تجارية كبيرة بالفعل من الرئيس شي. لكن الرئيس في الواقع ليس لديه السلطة للتدخل في الإجراءات القانونية ضد منغ، لذا يبدو أن تصريحه يدور حول أمر قد فكر فيه إثر حادث التوقيف، وليس قبله.
وهنالك جزء أساسي من المعادلة ألا وهو إصرار لفتايزر الشديد على أنّ المحادثات والتوقيف هما أمران مختلفان تماماً وغير مرتبطين. إنه يعلم أنّ الصينيين ربما يرغبون في خلق تصوّر عام لوجود رابط بين الأمرين لأنّ ذلك سوف يُضعف موقفه التفاوضي، لذا فهو يؤكد أنه لا صلة بين المحادثات والتوقيف على الإطلاق. وطالما أنّ لفتايزر سيكون الخاسر الأكبر في حال إثبات أي ارتباط، فمن السهل تصديق أنه لم يكن جزءاً من أي خطة عدوانية.
باختصار، من المحتمل جداً أنّ يكون توقيف منغ والمحادثات التجارية حديثة العهد بين الولايات المتحدة والصين ليسا مرتبطين أساساً. ولم يتضح إلى الآن البعد الذي ستسمح به الحكومة الصينية وإدارة ترامب لهذه المسألة أن تصبح جزءاً من المفاوضات، لا آمل شخصياً سوى أن تُبقي إدارة ترامب المسألتين منفصلتين. فقد ضحت الحكومة الأميركية في مرات عديدة في الماضي دون مبرر بأولويات تجارية بالغة الأهمية لصالح أهداف أو مخاوف وكالات الأمن القومي، وسيكون من العار حدوث ذلك مرة أخرى.