شاع خلال العقد الماضي نوع من التدريب يسمّى "تدخل الشهود"، وأصبح مقاربة سائدة في الكليات التي تحاول التقليل من أعداد حالات الاعتداء والتحرش التي تحصل في المباني الجامعية. وقد أظهرت الأبحاث أن تعليم المراقبين كيفية التدخل عندما يشاهدون شخصاً ما يتصرف بطريقة غير مناسبة أو عدوانية يمكن أن يقلل من هذه الحوادث – وفي السنوات القليلة الماضية، انتشر هذا التدريب خارج أروقة الجامعات ليصل إلى القواعد العسكرية والشركات الكبرى. ولكي نفهم الأسباب التي دفعت هذه الشركات إلى البدء بتوفير هذا التدريب لموظفيها، تحدثت هارفارد بزنس ريفيو إلى آشا سانتوس، المحامية المتخصصة بشؤون التوظيف التي تقيم ورش عمل معنية بالتدخل. وفيما يلي مقتطفات من هذه المقابلة.
كيف انخرطت في تدريب الشهود؟
في إطار عملي في مكتب للمحاماة، كنت أقدم تدريبات تقليدية خاصة بالتدخل في حالات التحرش منذ سنوات. شملت ورش العمل هذه عادة قسماً صغيراً خاصاً بتدخل الشهود. ولكن بعد أن اكتسبَت حملة "#أنا_أيضاً" (#MeToo) زخماً في 2017، طلب مني ميتا مالك، رئيس قسم التنوع والدمج في شركة "يونيليفر" (Unilever)، تصميم ورشة عمل مدتها ساعة تركّز حصراً على تدخل الشهود. لقد أرادت الشركة توفير أدوات عملية، والابتعاد عن قضايا الامتثال القانوني التي تهيمن على برامج التدريب التقليدية. عملْت مع "يونيليفر" على تصميم المنهاج، وقد حظي بالترحاب الشديد. ومنذ ذلك الوقت، أقمت ورش عمل مع عدد من شركات "فورتشن 500"، إضافة إلى مكاتب المحاماة وشركات العلاقات العامة. ويعتبر مكتب المحاماة الذي أعمل لديه، "ليتلر مندلسون" (Littler Mendelson) أكبر مكتب للمحاماة متخصص بشؤون التوظيف في العالم، وقد ساعدني ذلك في نشر التوعية بخصوص فاعلية هذه الجلسات.
هل تسعى الشركات بذلك إلى توفير تدريبات للشهود عوضاً عن البرامج التدريبية التقليدية الخاصة بمحاربة التحرش، أم أنها بمثابة تدريبات مكملة؟
الأمر يختلف من شركة إلى أخرى. ولعل نصفها يندرج ضمن الفئة الأولى والنصف الآخر يندرج ضمن الفئة الثانية. العديد من الولايات الأميركية لديها قوانين تشترط وجود منهاج قانوني معيّن يشمل تدريبات نموذجية تتعلق بالتحرش أو هي تشجع على تبنّي هكذا منهاج. ولكن خلال السنتين الماضيتين، وسّعت نطاق المحتوى التقليدي من أجل زيادة التركيز على تدخل الشهود، الذي بات الآن يستغرق 20 دقيقة من ورشة العمل الممتدة على مدار ساعة. فعندما تختار شركة ما تقديم ورشة عمل مخصصة لتدخل الشهود فقط، فإنها تبعث بذلك رسالة إلى الموظفين مفادها أن الشركة جادة في التعامل مع هذه المسألة.
ما الذي تغطونه في ورشة العمل المخصصة لتدريب الشهود؟
أبدأ بوصف "تأثير الشاهد"، وهو ميلك إلى إشاحة نظرك بعيداً أو الجمود عندما يحصل سلوك غير متوقع أو غير ملائم أمامك. أصف بعض الدراسات النفسية التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي. نتحدث عن السبب الذي يدفع الناس إلى عدم التدخل عندما يتعلق الأمر بالتحرش في مكان العمل. أكبر مسألة تدفع الناس إلى الصمت هي احتمال دفع أثمان شخصية، ولا سيما مواجهة الردود الانتقامية.
أكبر مسألة تدفع الناس إلى الصمت هي احتمال دفع أثمان شخصية، ولا سيما مواجهة الردود الانتقامية.
في حالة التحرش، كيف تريدين من الناس أن يتدخلوا؟
يجب على زملاء العمل أن يردّوا من خلال اتخاذ أي إجراءات مفيدة يرتاحون إليها. ليست هناك إجابة خاطئة في هذه الحالة. بعض الناس لا يترددون في اتخاذ موقف مباشر. فهم ليست لديهم مشكلة في أن يقولوا لشخص ما: "هذا سلوك غير مناسب. أنت تُبدي سلوكاً غير لائق. يجب عليك أن تتوقف عن ذلك". وهناك أيضاً أنواع أخرى من الردود غير المباشرة. فعلى سبيل المثال، أعرض خلال ورشة العمل شريط فيديو يُظهر شخصاً غريب الأطوار في حفل يركز انتباهه على زميلته. نتحدث عن طرق للتدخل من خلال الدخول في الحديث وتغيير الموضوع، أو تشتيت انتباه المتحرش، أو إبعاد الشخص الذي يتعرض للتحرش.
كيف تدربين الناس على التغلب على الميل الموجود لديهم إلى عدم فعل شيء؟
تُظهرُ الأبحاث أن الناس يتجاوبون مع التعليمات، لذلك أطلب منهم في ورشة العمل ما يلي: "إذا شهدتم مشكلة أو شعرتم أن هناك خطباً ما، سواء كان ذلك نكتة أم تعليقاً غير مناسبين، أنتم بحاجة إلى المجاهرة بذلك. وهناك أيضاً أبحاث تخص "تأثير المساعدة"، تصف العدوى التي يمكن أن تنجم عندما يعرض شخص ما المساعدة: فجأة يحاول الجميع تقديم المساعدة. هذا ما نتطلع إلى تحقيقه.
إذا تدخّل الناس بنجاح، هل يجب عليهم أيضاً أن يبلغوا قسم الموارد البشرية بالحادثة؟
بوصفي محامية، أنصح دائماً بالمبادرة إلى الإبلاغ عن أمر معيّن حتى لو انطوى ذلك على ارتكاب خطأ. فمن الناحية القانونية، الشركة بحاجة إلى معرفة هذا السلوك من أجل معالجته. لا يجب على الشاهد أن يقلق كثيراً من التبعات التي ستطال الشخص المُبلَغ عنه، وليدع القرار إلى الشركة. وكما ذكرت، السبب الأساسي الذي يدفع الناس إلى الامتناع عن الإبلاغ هو خشيتهم من التعرض للانتقام. أنا أشدد على أن الانتقام غير قانوني، وهو ضد سياسات الشركات، وأصحاب العمل يأخذون هذا الحظر على محمل الجد بشكل كبير. وغالباً ما تُطرح المخاوف من الانتقام خلال جلسات الأسئلة والأجوبة، وأنا أستطيع تفهّم ذلك. فالطبيعة البشرية تقتضي الشعور بالقلق من الأثمان التي ستدفعها – كأن يلجأ الشخص الذي أبلغت عنه بسبب التحرش إلى معاملتك معاملة مختلفة. لكن الإبلاغ عن هذه الحوادث مهم.
هل هناك سيناريوهات خاصة يجب على الشهود فيها أن ينتبهوا انتباهاً شديداً؟
نعم. أحدها هو الخدمات التي تقدّم إلى طرف ثالث، حيث يتفاعل المتخصصون مع الزبائن أو العملاء. في هذه الحالة، يشعر الناس غالباً أنهم غير قادرين على الرد أو التدخل لأنهم لا يريدون الإضرار بالعلاقة التجارية. وثمة سيناريو آخر شائع هو المخالطة الاجتماعية خارج المكتب. أنا أدافع عن الشركات ضد مزاعم التحرش التي تتعرض لها، لذلك لدي الكثير من القصص عن هذين الوضعين، واستعملها في ورش العمل.
هلا أعطيتِنا مثالاً.
في إحدى القضايا التي عملت عليها كانت هناك مديرة دعت 15 من موظفيها إلى مطعم للاحتفاء بتحقيق وحدتها لإنجاز مهم. احتسى الجميع كميات كبيرة من المشروبات. وفي نهاية الاحتفال، طلبت المديرة من كل شخص أن يروي قصة حميمية خاصة عاشها. وبطبيعة الحال فإن هذا الموضوع لم يكن مناسباً على الإطلاق، وجعل الجميع يشعرون بعدم ارتياح عميق. وقد ذهب شخصان إلى المرحاض لتجنّب الإجابة عن السؤال. لكن أحداً لم يتدخل لوقف الحديث. في اليوم التالي، ذهب عدد من الموظفين إلى قسم الموارد البشرية وتقدموا بشكوى، لكن ذلك لم يمنع الموظفين الذين كانوا جالسين إلى المائدة من الحديث عن هذه التجربة المزعجة جداً. لو تدخّل شخص ما لكان ذلك قد سمح بتجنّب قدر كبير من عدم الارتياح.
إذا كان التدخل يهدف بصورة أساسية إلى وقف حادثة معيّنة تحصل، وقاد هذا التدخل إلى عدم إبلاغ الناس عن الحادثة، هل هناك من حجّة تقول إن التدخل قد يسمح بتكرار هذه الحوادث بشكل غير طوعي؟
تجربتي الشخصية تقول إن العكس هو الصحيح. ينجم العديد من المزاعم التي أراها عن بعض السلوكيات التي بدأت كسلوكيات محدودة نسبياً وسُمِحَ لها أن تتطور. وأنا أسمي ذلك "السلوك الذي يشكّل مدخلاً". عندما يشيح الناس بنظرهم بعيداً أثناء حصول حادثة معيّنة من التحرش المنخفض المستوى، فإن ذلك يسمح للتحرش أن يتكثّف مع مرور الوقت. لكن تدخل الشهود في وقت مبكر، في اللحظة الأولى التي يُقرع فيها جرس الإنذار، يسمح لهم بكسر الحلقة والحيلولة دون تفاقم المشكلة.
نتحدث أنا وأنتِ الآن في ذات الوقت الذي تجري فيه محاكمة هارفي واينشتاين – فهل فكرت يا ترى كيف كان يمكن لتدخل الشهود أن يُحدث فرقاً في تلك الحالة؟
أرغب في الاعتقاد أنه لو كان التدريب على تدخّل الشهود شائعاً قبل 15 عاماً، فإننا لم نكن لنرى أشخاصاً يشتكون من حالات تحرّش بدرت منذ عقود من شخص أقدم على ارتكاب سلسلة عمليات تحرش لسنوات طويلة. يحدوني الأمل أن يساعد التدريب على تدخّل الشهود على تقوية الناس وجعلهم يرتاحون لفكرة التدخل قبل أن يتعاظم السلوك غير المناسب ويتحول إلى مسألة قانونية.