تحدي تصنيف الأداء في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة

6 دقائق
المجالات الرئيسية ذات الاهتمام (ESG)

عندما باشرتُ العمل في شركة "ساستيناليتيكس" (Sustainalytics) عام 2008، عقب حصولي على الماجستير في إدارة الأعمال في تخصص المالية والاستدامة، كان حقل تصنيف الشركات بناءً على أدائها في المجالات الرئيسية ذات الاهتمام (ESG) "البيئية والاجتماعية والحوكمة" حديث العهد وضيّق النطاق. لم تكن شركتنا تضم أكثر من 20 موظفاً في مكتب واحد في تورنتو، حيث كنا نصدر تقارير عن 300 شركة، معظمها عبارة عن شركات كندية مدرجة في بورصة تورنتو. أما اليوم فقد بات لدينا 650 موظفاً يعملون في أميركا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، وأستراليا وينجزون أبحاثاً وتصنيفات ويوفرون بيانات تخص أداء عشرات الآلاف من الشركات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. ونحن لسنا وحدنا، إذ إن هناك مجموعة من شركات التصنيف الكبيرة الأخرى، إلى جانب عشرات المؤسسات الأصغر حجماً التي توزع بيانات تتعلق بالاستدامة.

استخدام المعلومات المتعلقة بالمجالات الرئيسية ذات الاهتمام (ESG)

لم يكن حجم فريقنا وكمية الأبحاث التي ننتجها هو ما تغيّر فقط، بل الطريقة التي تُستخدمُ بها التصنيفات المشابهة لتصنيفاتنا. فقد شهدنا زيادة هائلة في استخدام المعلومات المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة في عملية الاستثمار. قبل عقد من الزمن، لم تكن هذه المعلومات تهم إلا شريحة صغيرة نسبياً من المستثمرين. أما اليوم، فإن معظم المؤسسات الاستثمارية الكبرى تستعين بأبحاث الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى حد ما. ويعود السبب في ذلك إلى أن هناك إدراكاً متنامياً أن هذه البيانات تتمتع بقيمة حقيقية ويمكن أن تقود إلى نتائج استثمارية أفضل – وإن كان ذلك لا ينطبق على جميع الحالات، وإنما على عدد كافٍ من الحالات بما يساعد في إحداث فرق كبير بالنسبة للمستثمرين. وعلاوة على ما سبق، ورغم أن العوامل البيئية والاجتماعية وعوامل الحوكمة يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً على إيرادات الشركة، إلا أنها تؤثر أيضاً على سمعة الشركة، في حين أن قادة قطاع الأعمال والمستثمرين باتوا يدركون التكاليف المحتملة التي قد تترتب على عدم إدارة المخاطر البيئية والاجتماعية ومخاطر الحوكمة في الشركة.

وضع التصنيفات هو عملية محفوفة بقدر كبير من التحدي. فليست هناك اشتراطات موحدة للإبلاغ عن المعلومات المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة، والعديد من الآثار البيئية والاجتماعية من الصعب قياسها. لذلك فإن البيانات الأولية التي نبدأ بها تكون جوهرياً أقل تنظيماً، وأقل اكتمالاً، وذات جودة أدنى مقارنة بتنظيم البيانات المالية واكتمالها وجودتها، حيث يفترض بالشركات أن تعرض بياناتها المالية بشكل قياسي وأن تخضعها للتدقيق على يد محاسبين. إن غياب القواعد والمقاييس المُحكمة يصعّب عملنا، لكنه يزيد من قيمته. فبما أننا نجمع البيانات ونستخرج منها النتائج التي لم يسبق للمستثمرين أن استعملوها في الماضي ولا يستطيعون الحصول عليها بسهولة أصلاً، فإن هذه المعلومات لا تحتسب في أسعار الأسهم غالباً.

من المهم بالنسبة لنا أن تفهم الشركات التي نُخضعها للتقويم كيف توصّلنا إلى تصنيفاتنا. فنحن نأخذ عنصرين بعين الاعتبار ألا وهما: المخاطر التي تتعرض لها الشركات وكيف ستتعامل معها. نصنف كل شركة ضمن واحد من 138 قطاعاً ولدينا قائمة بالمخاطر المتعلقة بكل قطاع. فعلى سبيل المثال، عادة ما تواجه شركة تعمل في قطاع التعدين مخاطر مرتبطة بالانبعاثات الكربونية وغير الكربونية، وأنظمة الإدارة البيئية، واستخدام المياه، والصحة والسلامة المهنيتين، وحوكمة الشركة، فضلاً عن جملة أخرى من المسائل. ولتحديد مستوى المخاطر التي تحيط بالشركة، فإننا نراجع التفاصيل المحددة لنشاطها. لنفترض أن الشركة تعمل في مناطق تشيع فيها الرشوة والفساد أو تتصف فيها إدارة العلاقات مع المجتمع والعمل بالتحدي. فهذا يعني أنها تواجه مخاطر أكبر بالمقارنة مع المنافسين الذين يتجنبون العمل في هذه المناطق، لذلك فإننا نعدّل مدى انكشافها على المخاطر من خلال رفع مستوى هذا الانكشاف. يتمثل جزء كبير من عملنا في معايرة درجة المخاطر التي تواجه الشركات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

تتمثل الخطوة التالية في تصنيف أي شركة في تقويم مدى حسن إدارتها لانكشافها على المخاطر. ويشمل ذلك مراجعة أنواع البرامج والسياسات والممارسات الإدارية التي تستعملها الشركة، ومدى جاهزيتها لتجنب مخاطر معينة أو التخفيف من وطأتها. فالشركات التي تتبنى تدابير مناسبة للتعامل مع المخاطر يجب عليها أن تفصح عما تفعله، وأن تضمن أخذ هذه التدابير بالحسبان. وقد تزايدت مستويات الإفصاح زيادة هائلة في السنوات القليلة الماضية، لكنها ما تزال أدنى من المستوى المرغوب.

تستعين معظم المؤسسات الاستثمارية الكبيرة اليوم بأبحاث الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى حد ما. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه البيانات يمكن أن تقود إلى محصلات أفضل.

تفاعل الشركات

تتفاوت الطريقة التي تتفاعل بها الشركات معنا على مدار عملية التصنيف تفاوتاً كبيراً. فقبل عقد من الزمن، كانت 10% من الشركات فقط تتجاوب مع طلباتنا وتتحدث إلينا بخصوص تحليلنا. أما اليوم، فإن أكثر من 60% من الشركات الكبيرة تشاركنا بالمعلومات، وهذا الرقم في تصاعد كل عام. ويبدو عموماً أن الشركات التي تفخر على نحو خاص بسمعتها وتلك التي لديها قاعدة مستثمرين تولي اهتماماً خاصاً للاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الذهنية التي تتبناها مستعدة لإمضاء وقت أطول في التواصل معنا. وفي حالات أخرى، نجد الشركات التي تسجل أداء ضعيفاً في تصنيفاتنا أو تواجه النقد بسبب ممارساتها في مجال الاستدامة أو الحوكمة تتلقى التشجيع من مستثمريها للتفاعل معنا.

في بعض الأحيان، يشتكي قادة الشركات من "إرهاق استطلاعات الرأي" ويقولون إن هناك عدداً هائلاً من شركات التصنيف التي تتواصل معهم وتطلب منهم قدراً زائداً عن اللزوم من المعلومات. وأنا أشعر بالتعاطف معهم. هناك منظمات دولية مختلفة تعمل على توحيد شكل تقارير الأداء في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، الأمر الذي سيخفف من العبء عن كاهل مدراء الشركات. وبغضّ النظر عن ذلك، فإنني أعتقد أن الوقت الذي يمضونه في التفاعل بشكل أعمق مع الشركات التي لديها الحضور الأكبر في السوق، مثل شركتنا، هو وقت لن يضيع سدى.

بعد أن ننتهي من عملية التصنيف التي نتّبعها، نرسل الملف إلى الشركة لنحصل منها على رأيها التقييمي. وخلال هذه الحوارات، نبحث عن أي معلومات إضافية أو توضيحات يمكن أن تعزز تحليلنا. والمعلومات الجديدة لا تقود على الدوام إلى تغيير في تصنيفنا، لكننا نصغي. ومع تزايد أهمية التصنيف وفق الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإننا وبكل تأكيد نستمع إلى الأشخاص الموجودين داخل الشركات والذين يدافعون عن وجهة نظرهم بكل ما أوتوا من قوة الحجة والبرهان.

المخاطر المتعلقة بالمجالات الرئيسية ذات الاهتمام (ESG)

غالباً ما ترى الشركات تصنيفاتها تتغير عندما تبدأ بمعالجة مشاكل الاستدامة بطريقة جديدة أو عندما تنشأ أي حالة مثيرة لجدل كبير وتتعلق بالمسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة ويمكن أن تشير إلى ثغرة في الإدارة. لكن بعضاً من التغييرات الأكثر جذرية التي تحصل تنتج عن تغييرات في الانكشاف على المخاطر عندما تنطلق الشركات في عملية تحول استراتيجي يطال عملياتها أو نموذجها التجاري. فعلى سبيل المثال، اعتادت شركة الكهرباء النرويجية "أورستيد" (Ørsted) (التي كانت تعرف سابقاً باسم "دانسكي أولي أوغ ناتورغاز" (Danske Olie og Naturgas)) الانخراط في عمليات استكشاف الغاز وإنتاجه. لكنها في عام 2017 باعت أصولها في مجالي النفط والغاز واستثمرت بقوة في الطاقات المتجددة؛ وهي حالياً واحدة من أكبر الشركات في قطاع طاقة الرياح في البحر. ما تزال الشركة تمتلك بعض محطات الكهرباء التي تعمل على الفحم، لكنها أعلنت عن خطط قوية للتخارج منها. وخلال الفترة الواقعة بين 2018 و2019، حصل تحسّن ملحوظ في تصنيف الشركة في مجال المخاطر.

ويمكن لانكشاف الشركات على المخاطر المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة أن يتخذ منحى سلبياً. فعلى سبيل المثال، تراجعت تصنيفات فيسبوك على المقاييس البيئية والاجتماعية ومقاييس الحوكمة بسبب تزايد حالة القلق في صفوف عامة الناس تجاه تعامل الشركة مع خصوصية البيانات وأمنها. وعلى المنوال ذاته، حصل تراجع في تصنيفات أمازون على المقاييس البيئية والاجتماعية ومقاييس الحوكمة بعد أن خضعت إلى تدقيق متزايد من الجهات المعنية بمكافحة الاحتكار وعلى خلفية المخاوف المتعلقة بظروف عمل موظفيها في أماكن عملهم. وشهدت شركة بيجو الفرنسية لصناعة السيارات تراجعاً في تصنيفاتها على المقاييس البيئية والاجتماعية ومقاييس الحوكمة منذ استحواذها في عام 2017 على شركتي أوبل وفوكسهول (Vauxhall) اللتين تصنعان مركبات أقل كفاءة في استعمال الوقود. ونتيجة لعملية الاستحواذ، فإن بيجو لن تتمكن على الأغلب من الإيفاء بمستهدف الاتحاد الأوروبي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعام 2021، مما قد يعرضها إلى غرامات محتملة بمئات الملايين من اليوروهات.

بالنسبة للشركات التي ترغب في أن تكون في مصاف الشركات الأرفع مقاماً في هذا المجال، فإن الإفصاح الجيد عن أكبر التحديات التي تواجهها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة – وكيف تعمل على معالجتها – هو السبيل الأفضل للتصدي لهذه المسألة. وأفضل طريقة لتحسين الإفصاح هي إصدار تقرير استدامة محضّر وفقاً لمعايير تقارير الاستدامة الخاصة بالمبادرة العالمية لإعداد التقارير. فعندما تستثمر الشركات الوقت لإنتاج تقرير شامل، فإن تحليلنا يكون أسهل والزمن المطلوب للحديث معنا ومع غيرنا من الشركات المعنية بتصنيفات الأداء في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة يتراجع تراجعاً كبيراً. لكن الجزء الأهم من العملية يحصل عندما تدقق الشركات في أنشطتها ونموذجها التجاري لتفهم المسائل الأهم التي تشكل خطراً على أدائها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وعادة ما يؤدي تقليل انكشافها على المخاطر أو العثور على طريقة أفضل لإدارة المخاطر إلى تحقيق الشركة ومستثمريها لمكاسب أكبر، ناهيكم عن المكاسب التي تتحقق على مستوى البيئة والمجتمع.

حصل تزايد كبير في حجم التحليل الصارم في عمليات تصنيف الأداء وفق المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة (المعايير الخاصة بالمجالات الرئيسية ذات الاهتمام ESG) وهذا أمر جيد. وقد أصبحت هذه التصنيفات أهم وأعلى شأنا من أي وقت مضى، وبات المستثمرون يولونها اهتماماً أكبر. كما أن التصنيف السيئ يقود إلى تدقيق أكبر في الشركة، في حين أن التصنيف الأعلى يمكن أن يزيد من تدفق الاستثمارات إليها. وهذا جزء مما يجعل هذا النوع من العمل مثيراً جداً للاهتمام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي