يُستخدم مصطلح "متلازمة" عادة في المجال الطبي، ويُقصد به مجموعة من الأعراض المترابطة التي تدل على وجود حالة مَرضية محددة تتطلب تدخلاً طبياً، أما في مجال الأعمال، فيُستخدم المصطلح للإشارة إلى مجموعة من الأعراض تصيب الأفراد والشركات على حد سواء حيث تدل على خلل حاصل في طريقة تفكير الفرد أو في سير العمل داخل الشركة أو حتى ثقافة سلبية تسود مكان العمل. يوجد من يُصنف الاحتراق الوظيفي على أنه متلازمة، لذلك يُعدّ من أكثر المتلازمات شيوعاً بين الموظفين بنسبة تفوق 70%. اخترنا لكم في هذا المقال 4 متلازمات يجب الانتباه لها خلال مساركم المهني:
1. متلازمة المؤسس (Founder's Syndrome)
مصطلح يشير إلى سلوك مَرضي يصيب مؤسسي الشركات، حيث يصبح مؤسسو الشركة بمثابة عقبة تواجه نموّ الشركة ونجاحها.
تظهر متلازمة المؤسّس حين ينتهي الأمر بمؤسس كفء كافح لإنشاء شركة ناشئة، ليصبح أكبر عائق تواجهه حيث يرفض اعتماد عقلية جديدة أو تعلّم مهارات جديدة تواكب التوسّع الذي تشهده الشركة، وبدلاً من إفساح المجال أمام قائد جديد، يحاول التمسك بالسلطة بأي ثمن. تنطوي متلازمة المؤسّس على بعض السلوكيات مثل:
- يكون المؤسس غير قادر أو غير راغب في رؤية الآثار السلبية المترتبة على تقييده للعمل والابتكار في الشركة.
- يصبح المؤسس مهووساً بولاء الموظفين له.
- يعاني من نقص في الوعي الذاتي أو التفكير المتناقض. على سبيل المثال، يقرّ المؤسس بأن بعض الأشياء يجب أن تتغير ولكنه يتمسك بالطريقة القديمة ولا يغيّر شيئاً.
- يلقي اللوم على أشخاص آخرين أو عوامل خارجية بدلاً من تحمّل المسؤولية.
- يرفض فكرة أنه يعرقل العمل في الشركة، ويصر على أن له الفضل في سير العمل وتحقيق الإنجازات.
- يتبع أسلوب قيادة أوتوقراطي.
تنطوي المؤسسات التي يكون فيها المؤسسون مصابين بهذه المتلازمة على مجموعة من الأعراض منها:
- تكون علاقة المؤسس بشركته كما لو أنها إقطاعية شخصية تتبع له.
- عملية اتخاذ القرارات بطيئة لأن المؤسس يتدخل ويتبع أسلوب الإدارة التفصيلية.
- ترتبط الصورة الذهنية للشركة بالمؤسّس، فتجد العملاء وأصحاب المصلحة يتعاملون معها على أساس التعامل مع المؤسّس.
2. متلازمة المحتال (Imposter Syndrome)
يُطلق عليها أيضاً "متلازمة المنتحل" و"متلازمة الدجال". ظهر هذا المصطلح لأول مرة في عام 1978 عقب دراسة أُجريت بجامعة جورجيا الأميركية، وتُطلق هذه التسمية على الشخص الذي يعتقد بعدم استحقاقه لنجاحاته وإنجازاته، مع أنّ هذه النجاحات تمت بفضل جهوده وقدراته. يتوهم المصاب بهذه المتلازمة بأن الحظ كان وراء نجاحه، أو أنه حقق إنجازاته بطرق ملتوية؛ وعادة ما تكون النساء أكثر عرضة لهذه المتلازمة في بعض المجتمعات الذكورية، ونتيجة لذلك يقبلون أجوراً أقل، ولا يطالبون بمستحقاتهن وحقوقهن بسبب توهمهن أنهن غير مؤهلات. من الأعراض الشائعة لهذه المتلازمة عدم احترام الذات، والقلق والإحباط، والتشكيك في استحقاق الإنجازات. ترتبط متلازمة المحتال بعوامل عدة بما في ذلك التنشئة الأسرية؛ إذ يؤدي الأسلوب التربوي الصارم المتسلط دوراً مهماً في هذه المتلازمة، وكذلك يمكن أن يؤدي تقلُد منصب جديد إلى إثارة مشاعر عدم الملاءمة والاستحقاق. يوجد بعض السمات الشخصية التي تزيد من احتمالية الإصابة بمتلازمة المحتال منها السعي المستمر إلى تحقيق الكمالية، واضطراب القلق الاجتماعي إذ يشعر الشخص المصاب به أنه لا ينتمي إلى بعض الطبقات الاجتماعية. من أهم الوسائل التي تساعد في علاج هذه المتلازمة محاربة التصورات السلبية التي تخطر في بال الشخص، وإدراكه أنّ نظراءه أيضاً قد يواجهون نفس المخاوف، والنظر إلى الإخفاقات على أنها فرص للتعلم واكتساب الخبرة، وتسجيل الإنجازات كوسيلة لتذكر النجاحات، والتوقف عن المقارنة مع الآخرين، ومشاركة المشاعر التي يشعر بها مع أشخاص آخرين موثوقين، وعدم محاربتها.
3. متلازمة الإعداد للفشل (Set-Up-To-Fail Syndrome)
مصطلح يشير إلى الآلية التي تجعل الموظفين أصحاب الأداء المتوسط أو الضعيف يعيشون على مستوى التوقعات المنخفضة لمدرائهم، وينتهي بهم الأمر بالاستقالة أو تخلي الشركة عنهم.
ذُكرِت متلازمة الإعداد للفشل أول مرة من قبل الأكاديميين الفرنسيين جون فرانسوا مانزوني (Jean-Francois Manzoni) وجون لويس بارسو (Jean-Louis Barsoux) في مقال نُشر في هارفارد بزنس ريفيو عام 1998، حيث تناول كيفية إعداد بعض المدراء لفشل موظفيهم دون قصد. تنطوي متلازمة الفشل على مجموعة العلامات هي:
- تعد متلازمة الفشل حلقة تغذي نفسها؛ لأن توقعات المدير المنخفضة عن الموظفين تؤدي إلى استمرار الموظف بنفس السلوك.
- تسبب استقرار المدير والموظف في روتين غير مرضٍ قائم على المتابعة والتدقيق والمشاحنات.
تترك متلازمة الفشل تأثيرات سلبية على الموظفين والمدراء والشركة وتتمثل في التالي:
- قد يلجأ بعض المدراء إلى التدخل المكثف والتدقيق ما يسبب شللاً في أداء الموظف وتقاعسه بحيث يستقيل أو يُطرد.
- تستهلك الكثير من وقت المدراء لأنهم يخصصون المزيد من الوقت للتدقيق على أداء الموظف.
- تتسبب في خسارة الموظفين الذين كان من الممكن تحسن أدائهم.
- يتوقف الموظفون عن تقديم أي أفكار ذات مغزى بالعمل ويركزون فقط على عدم ارتكاب الأخطاء.
4. متلازمة "المنصة المحترقة" (Burning Platform Syndrome)
مصطلح يُستخدم عادة في مجال إدارة التغيير، ويُقصد به نوع محدد من حالة عدم الارتياح تؤدي إلى خلق حاجة ماسة تجاه تغيير الأوضاع الراهنة، وهو شعور يعتبر محركاً للتغيير الجذري، سواء كان على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي (مستوى الشركة). يعود أصل مصطلح "المنصة المحترقة" إلى حادث حريق مأساوي حصل عام 1988 في منصة نفطية كانت راسية في بحر الشمال، وأودى بحياة 167 شخصاً احتُجزوا فيها، غير أن ثلاثة من العمال الذين كانوا على متنها استطاعوا الوصول إلى حافة المنصة، وهنا واجهوا قراراً مصيرياً: المخاطرة بالقفز في مياه البحر شديدة البرودة، أو البقاء في المنصة وانتظار مروحيات الانقاذ، فقرر اثنان منهم القفز وعاشوا رغم الإصابات الجسدية التي عانوا منها، إذ أُنقذا من طرف قوات الإنقاذ البحرية، بينما لقى العامل الثالث حتفه إذ لم تستطع مروحيات الإنقاذ الوصول إليه في الوقت المناسب. تؤكد قصة ظهور المصطلح على وجوب التحرك عندما نكون في وضع سيئ، إذ إن أسوء ما يمكن أن تتبناه الشركة هو الثبات والجمود في حين إن كل شيء يتغير حولها.
يعدّ الوعي بالذات، وهو أحد مكوّنات الذكاء العاطفي، من أهم الأسلحة في مواجهة هذه المتلازمات، ويُقصد به قدرة الفرد على قراءة المشاعر وفهمها فضلاً عن إدراك أثرها الذي تحدثه في أداء العمل وفي العلاقات وغيرها من المجالات، بالإضافة إلى قدرته على التقييم الواقعي لنقاط القوة التي يتمتع بها، ونقاط الضعف التي يعاني منها.