عندما أصبحت مديراً تنفيذياً لأول مرة في سن الثالثة والثلاثين، قرأت كل ما كان يقع عليه بصري حول قادة الأعمال الأسطوريين والشركات التي بنوها. كنت أحاول اكتشاف السر الذي يمكنني من خلاله بناء مؤسسة مبتكرة تعمل على تمكين الموظفين، وتنفيذ مهمتنا الجريئة في تطوير دواء جديد للسرطان، ومكافأة أصحاب المصلحة. وكانت الإجابة، وفقاً للكثيرين، "ثقافة الشركة":
"ما يميز ثقافتنا، هو قول الناس في تسع حالات من أصل عشر (مهلاً لحظة، لنجرب هذا، ولنرى ما سيحدث)".
"يُسمح لك بقضاء وقت ممتع والتفكير بشكل غير تقليدي ... لارتكاب الأخطاء".
"لقد تمكنا من بناء هذه العلامة التجارية وهذا الحضور العالمي القوي ... لأننا بنينا حقاً ... ثقافة رائعة".
وصرح المدراء التنفيذيون لشركات جنرال إلكتريك ونوكيا وبلاك بيري بهذه العبارات، لسوء الحظ، قبل فترة وجيزة من انخفاض القيمة السوقية لشركاتهم، مجتمعة، بمقدار نصف تريليون دولار. لقد كانت تلك الشركات استكشافية و"ممتعة" ومتسامحة مع الأخطاء وقادرة على رعاية العمل الثوري، حتى جاء يوم وتوقفت ببساطة عن القيام بذلك.
ولطالما شعرت بأن نظريات الإدارة التي تركز على الثقافة مفتقدة لأساسٍ صلب، إذ كنتُ، انطلاقاً من خلفيتي في الفيزياء، أبحث عن أرضية أصلب. فكيف أمكن لهذه الشركات الانتقال بسرعة من رعايتها للمشاريع "المجنونة"، تلك "المشاريع الخلاقة" التي تنقل الصناعة إلى مجال آخر، إلى رفضها لابتكارات مهمة؟ لمَ تُقدم فرق جيدة تضم أعضاءً رائعين لديهم نوايا متميزة على قتل أفكار عظيمة؟ ذكرني ذلك بما يدعوه العلماء "المرحلة الانتقالية" التي تعد بمثابة تغيير مفاجئ في السلوك الجماعي لأجزاء متعددة من منظومة في حالة تفاعل مع بعضها البعض. ففي حالة الماء مثلاً، يحدث التحول عند درجة حرارة صفر مئوية والتي فيها تتوقف الجزيئات عن التنقل بحرية (من حالة سائلة) لتبدأ في الثبات في مكانها (حالة جليدية) بدل ذلك. وقد عمل العلماء طوال العقد الماضي على محاولة تطبيق هذا المبدأ لمساعدتنا على فهم كيف تطير الطيور وتعمل الأدمغة ويدلي الأشخاص بأصواتهم وتسير حركة المرور وتعمل الأسواق وتنتشر الأفكار وتنتشر الأمراض وتنهار المنظومات. وقمت بدوري، على مدار السنوات القليلة الماضية، بتصميم نموذج حول مفهوم المرحلة الانتقالية لمساعدتنا في فهم كيف تتغير المؤسسات.
جاء النموذج نتيجة لخبراتي في الأماكن المختلفة التي عملت فيها (شركة استشارية عالمية وشركة ناشئة تأسست على يد شخصين لتنمو وتصبح شركة تجارية عامة)، فضلاً عن أبحاثي ضمن مؤسسات أخرى. ويُظهر النموذج وجود نقطة محددة تبدأ فيها المجموعات البشرية انتقالها من تبني الأفكار غير التقليدية إلى سحقها. ولنرمز لها بالرمز "M".
ولا يكتفي النموذج بعرض ذلك، وإنما يشير أيضاً إلى أن تلك النقطة غير ثابتة، بل هي ناتج قوتين تتنافسان فيما بينهما، بحيث يمكن تعديل قوة أي منهما نسبياً باستخدام متغيرات ندعوها "متغيرات التحكم". وبالعودة إلى مثالنا عن الماء، تكون القوتان المتنافستان في هذا المثال هما قوة الارتباط (التي تفضل الصلابة) والإنتروبيا أو اضطراب النظام (التي تفضل الحركة). وعادة ما يستقر النظام عند الدرجة صفر مئوية، ولكن في حال قمت بإدخال عنصر آخر، مثل الملح، ستصبح نقطة التجمد عند درجة حرارة أدنى. وفي المؤسسات، تكون القوتان المتنافستان هما "المستفيدون من النتيجة" في مقابل "امتيازات التراتبية". فعندما يشعر الموظفون أن حصيلة المجموعة ككل ستحقق لهم المزيد من الأرباح، سيستثمرون فيها طاقاتهم بشكل أكبر. وعندما يشعرون أن المكافآت تكون أكبر في حال نالوا الترقيات داخل الشركة، سيتوقفون عن استغلال الفرص الجديدة المحفوفة بالمخاطر والتي قد يؤدي فشلها إلى التسبب في حدوث أضرار لوظائفهم.
ويمكن للقادة أن يعدّلوا الكفة ويزيدوا من قيمة M لضمان أن تستمر الابتكارات الثورية بغض النظر عن حجم الشركة. ويمكن القيام بذلك عبر ضبط أربعة متغيرات تحكم رئيسة هي: جزء المساهَمة (E) ونسبة الملاءَمة (F) والتمدّد الإداري (S) والزيادة في الراتب (G). لاحظ أن كل ما سبق لا يُعتبر من عناصر "الثقافة"، بل يمكن النظر إليها بشكل أفضل على أنها عناصر هيكلية متصلة بتصميم المؤسسة. وكما تشير المعادلة أدناه، تنتج M من زيادة المتغيرات E وS وF (الموجودة في بَسْط الكسر)، وتقليل G (الموجودة في مقامه).
M = (E × S2 × F)
__________
G
لنلق فيما يلي نظرة على كيفية عمل المتغيرات الأربعة عملياً.
متغيرات التحكم الأربعة
لنتخيّل أنك تعمل مصمماً في شركة لبيع الأجهزة الطبية، حيث تتمثل مهمتك في تطوير جهاز تنظيم ضربات قلب متطور. لقد حلّت الساعة الرابعة عصراً، وعليك أن تحدد الآن ماذا ستفعل خلال الساعة الأخيرة من يوم عملك. هل ستتابع العمل على تصميمك واختباره، أم ستستخدم تلك الساعة في عمليات التواصل وتنفيذ الخدمات لمديرك أو باقي المدراء ذي النفوذ؟ بمعنى آخر، هل ستقوم بالتركيز على إنجاز مشروعك أم على السياسة؟
إن الخيارات اليومية البسيطة مثل هذه التي يواجهها مصممو أجهزة تنظيم ضربات القلب والموظفون من جميع المستويات الوظيفية هي ما يحدد مستوى الابتكار في الشركة، وليس التغيرات الثقافية التي تقدمها الإدارة. إن "المشاريع الخلاقة"، اللبنات الأساسية للابتكار، هشة وتحتاج إلى دعم واسع، فلا يمكن لشخص واحد مهما كانت قدرته تحويل فكرة إلى منتج نهائي، إذ يجب تصميم النماذج الأولية وصنعها، وتحديد قطاعات السوق، وإجراء الاختبارات الميدانية، وغير ذلك. ولكي تتحول تلك الأفكار "المجنونة" إلى منتجات ناجحة، يجب تحفيز الناس ضمن المؤسسة على استثمار وقتهم في تطوير تلك المشاريع بدل العمل على أنفسهم.
وإليك كيف يؤثر كل متغير على سلوك الشخص:
جزء المساهَمة. يمثل هذا المتغير مدى تأثير الحوافز على نتيجة المشروع في مقابل التراتبية الوظيفية ضمن المؤسسة، ففي جزء المساهَمة، يرتبط راتبك بشكل مباشر بجودة عملك، فلو قمت مثلاً بإنشاء جهاز تنظيم ضربات قلب رائع، من المحتمل أن تبيع الشركة الكثير منه، وستكون بالتالي لمساهمتك أثر أكبر. ويكون هناك نوعان من التعويض للمساهمة في العادة، مادي ومعنوي. ويتكون التعويض المادي في العادة من أسهم في الشركة وعلاوات وعمولات ومكافآت وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، تدفع صناديق الاستثمار لمدراء المحافظ نسبة مئوية من العائدات التي يحققونها مع أخذ المخاطر في الحسبان، أما شركات الخدمات فتعوض موظفيها بناءً على الإيرادات التي يحققونها من عملائهم. وتُبقي شركة صناعة الأجهزة الصينية هاير الرواتب الأساسية منخفضة للموظفين الذين يتواصلون مع العملاء مع تقديم عمولات لهم بحسب مبيعاتهم.
أما النوع الثاني من التعويضات، فهو التعويض المعنوي والذي يتضمن أموراً مثل تقدير زملاء العمل مثلاً. فإذا كان من الممكن ترشيح تصميمك لمنظّم ضربات القلب هذا لجائزة مرموقة في الصناعة، سيكون ذلك تعويضاً معنوياً لمساهمتك في نجاح المشروع. ويقوم الرئيس التنفيذي لشركة ولفرام (Wolfram) للأبحاث ستيفن ولفرام، وهي شركة متخصصة في علوم الكمبيوتر وعلوم البيانات، بتقديم التعويض المعنوي للموظفين عبر البث المباشر لجلسات البرمجة واجتماعات تطوير البرمجيات مع العملاء، مما يوفر قابلية المشاهدة المباشرة والمساءلة بين المهندسين وعملائهم الأساسيين.
وبغض النظر إن كان تعويض مساهمتك مادياً أم معنوياً، فكلما زاد ذلك زادت احتمالية قضائك تلك الساعة الإضافية على المشروع بدلاً من التركيز على سياسات المؤسسة.
نسبة الملاءمة. يتطرق هذا المتغير إلى العلاقة بين نسبة ملاءمة المهارات للمشروع (PSF) والعائد على السياسات (ROP) ويمكن حسابه بالشكل التالي: F = PSF / ROP (وتشير F هنا إلى نسبة الملاءمة). يطلق الاقتصاديون على هذه، النسبة بين عائدين حديّين. ويكون بسط الكسر قياس المكافأة على الوقت الذي استثمرته في المشروع، أما المقام فهو قياس المكافأة على الوقت الذي استثمرته في السياسة.
لنفترض أنك مصمم أجهزة طبية بارع. وقد يؤدي استثمارك لساعة إضافية يومياً في العمل على جهاز تنظيم ضربات القلب إلى تضاعف قيمته لمرتين أو ثلاثة؛ بل يمكنك حتى إنشاء تصميم يتفوق على كل التصاميم الحالية في السوق. ومن شأن الملاءَمة الممتازة بين مهاراتك ومشروعك (قيمة PSF مرتفعة) أن تساعدك على قضاء وقت أطول في العمل على المشروع، إذ لن تكون هناك حاجة لتملق المدراء نظراً لأن إنجازك يتحدث عن نفسه. ولكن لنفترض، من ناحية أخرى، أنك معين على مشروع لا يلائم مهاراتك (قيمة PSF منخفضة)، كأن تكون مهاراتك في التصميم رديئة، بالتالي لن يحقق لك إنفاق ساعة إضافية الكثير. وهنا، ستقوم باستثمار تلك الساعة الإضافية في السياسة نظراً لأنها قد تكون الطريقة الأفضل، أو حتى الوحيدة، لتنال ترقية.
يجب تحفيز الموظفين على العمل على مشاريعهم، وليس الترويج لأنفسهم.
وفي بعض الحالات، قد تنتج تلك الملاءمة الضعيفة من قلة المهارة، وبمعنى آخر قد لا ترقى المهارات والخبرات التي يتمتع بها الموظف إلى مستوى المهمة المطلوب. وفي الوقت نفسه، قد تكون ناتجة عن زيادة المهارة: أي أن مهارات الموظف أعلى بكثير من احتياجات المشروع لدرجة مساهمته بجزء صغير من قدراته الحقيقية. تخيل أن يصمم موظف شاب بشخصية إيلون ماسك جهاز تنظيم ضربات القلب. لن يقدم له المشروع الكثير من التحدي، وسيكون لديه الكثير من الوقت لممارسة السياسة. وسيكون مستوى الملاءمة في مؤسسة ما ممتازاً إن كانت مستويات الأدوار التي يؤديها جميع الموظفين تناسب مهاراتهم بلا زيادة أو نقصان.
يمثل العائد على السياسة في مقام الكسر الخاص بنسبة الملاءمة أعلاه أمراً يشعر به كل موظف رغم صعوبة قياسه، وهو مدى تأثير ممارسة الضغوط وبناء العلاقات والترويج الذاتي في قرارات الترقية. وقد يختلف ذلك ما بين فريق وآخر، ولكن سيكون لكل شركة معدل وسطي. للنظر مثلاً إلى مؤسستين عالميتين، هما الشركة أ والشركة ب. لكل من الشركتين مكتب في كاليفورنيا يضم ثلاثة نواب للرئيس و30 مصمماً للمنتجات. وفي كلتا الشركتين، ظهر شاغر لتعيين نائب رابع للرئيس سيتم اختياره من بين المصممين الثلاثين. ستتصرف الشركة أ مثل معظم الشركات: سيقرر المكتب المحلي من يحصل على الترقية، حيث سيتنافس المصممون الثلاثون فيما بينهم على العمل بإشراف نائب الرئيس طوال فترة اتخاذ القرار التي ستستغرق ما يقرب من عام، وسيكون العائد على السياسة مرتفع. أما في الشركة ب، فسيناط بالمهمة إلى لجهة تقييم مستقلة لا علاقة لها بمكتب كاليفورنيا، وستعمل على إجراء تقييمها وستقدم النتائج إلى مجموعة مستقلة من المدراء التنفيذيين ليتخذوا القرار بدورهم. وهنا سيكون من المرجح أن يقوم المصممون في الشركة ب بالتركيز على مشاريعهم وعلى التعاون بشكل جيد نظراً لعدم وجود فائدة كبيرة من ممارسة الضغط السياسي، وسيكون العائد على السياسة أدنى بكثير.
التمدد الإداري. ويسمى في بعض الأحيان امتداد السيطرة، ويشير إلى متوسط عدد المرؤوسين لمدراء الشركة التنفيذيين. وقد نوقشت مسألة "أفضل" تمدد إداري في الأدبيات المؤسسية لسنوات. ولمعرفة مدى تأثير هذا المتغير على الابتكار، تخيل أنك تعمل في شركة تضم ألف شخص بمتوسط تمدد إداري هو 2، والذي يعني وجود 10 مستويات في التسلسل الهرمي (أي يوجد للرئيس التنفيذي اثنان من المرؤوسين المباشرين؛ ولكل واحد منهما اثنان من المرؤوسين أيضاً وهلم جراً). وعندما يكون هناك العديد من المستويات الإدارية في المؤسسات – أي يوجد تمدد إداري ضيق – تكون الترقيات هي الشغل الشاغل للجميع، الأمر الذي وصفه رائد الإنترنت روبرت ويليام تايلور (بوب) ذات مرة بقوله، "ميل الباحثين المتزايد إلى القلق حيال الألقاب والمناصب بدل حل المشكلات". ولننظر الآن إلى شركة لديها تمدد إداري يبلغ 32، أي يوجد بها مستوى إداري واحد فقط بين المدير التنفيذي والأشخاص الذين يقومون بالعمل الحقيقي. هنا تكون الترقيات نادرة جداً لدرجة أنها لا تشغل بال أحد، حيث يركز الجميع على عملهم بدلاً من ذلك. وتقدم المجموعة الكبيرة من الموظفين ضمن المستوى الإداري نفسه "شكلاً مستمراً من أشكال مراجعة الأداء بين زملاء العمل، كما تحصل المشاريع المثيرة للحماس والتحدي على المزيد من الدعم المالي أو الإداري، وتتلقى المساعدة والمشاركة من الباحثين... الآخرين. ونتيجة لذلك، يزدهر العمل عالي الجودة ويتلاشى العمل متدني الجودة"، بحسب تايلور.
لا يعتبر التمدد الإداري الضيق أمراً سيئاً بالضرورة مقارنةً بالتمدد العريض، إذ قد يكون التمدد الضيق الخيار الأفضل إذا كنت تريد معدلات أخطاء منخفضة وتميز تشغيلي مرتفع. ويعد التمدد الواسع والضوابط الفضفاضة خياراً أفضل لتجريب المشاريع الخلاقة والتقنيات الجديدة وتطويرها.
نمو الراتب. يعتبر متوسط الزيادة في الراتب الأساسي (والامتيازات التنفيذية الأخرى) التي يتلقاها الموظفون أثناء الترقية ضمن التسلسل الهرمي عاملاً مهماً آخر. ومن جديد، تصور نفسك كمصمم لمنظم ضربات قلب وفكر في كيفية تأثير الراتب على قراراتك. إذا كانت كل ترقية في شركتك تأتي بزيادة مذهلة في الراتب مقدارها 200%، سترغب في التأكد من معرفة كل شخص مؤثر من تكون ولماذا ينبغي ترقيتك أنت وليس زميلك في العمل. ولكن، في حال كانت الترقية تقدم زيادة بسيطة في الراتب مقدارها 2% فحسب، فقد تصب طاقتك على مشروعك، حيث يمكن أن تُكسبك بعض الجهود الإضافية مكافأة أكبر أو تزيد من قيمة حصتك في نجاح الشركة. ويشجع تقديم زيادة محدودة في الرواتب عند الترقية الموظفين على تخصيص آخر ساعة من يومهم في العمل وليس السياسة. ولقد توصلت الدراسات الأكاديمية الحديثة إلى نتيجة مماثلة، إذ ذكرت إحداها أن "زيادة الفرق [في الأجور] مرتبطة بانخفاض الإنتاجية وقلة التعاون وزيادة معدلات مغادرة الشركة".
بالنظر لكل ما سبق
هناك طرق عديدة يمكن للشركات ضبط متغيرات التحكم فيها لزيادة معدل M وتعزيز الابتكار. وإليك بعضها فيما يلي:
الاحتفاء بالنتائج وليس التراتبية الوظيفية. يجب على الإدارة هيكلة المكافآت لتكون بحسب النتائج وليس بحسب التراتبية الهرمية في الشركة وذلك من أجل زيادة متغير جزء المساهمة وخفض متغير الزيادة في الراتب، إلا أن الشركات اليوم تفعل العكس، إذ نرى الرواتب في الولايات المتحدة تزداد بشكل كبير ضمن الترقيات مع تقديم فرص مكافآت محدودة أو معدومة للمستويات الوظيفية الدنيا (10% أو أقل من الراتب الأساسي)، مقارنةً بالمكافآت ضمن المستويات الإدارية العليا (التي تصل إلى 50% أو أكثر). والاحتفاء بالنتائج بدلاً من التراتبية الوظيفية يعني تغيير ظاهرة التعويضات، وإلغاء (أو التقليل من) الامتيازات الملموسة بشكل مبالغ فيه، مثل المنتجعات الفاخرة والكافيتريات الخاصة وأماكن الانتظار المفضلة، وما إلى ذلك من ميزات خاصة للمدراء التنفيذيين.
استخدام التعويض المعنوي. أظهرت دراسات عديدة أن الأشخاص يعملون نتيجةً لدوافع مختلفة؛ فبينما يرى البعض المكافآت المالية الملموسة الأمر الأكثر أهمية لهم، يحب البعض الآخر تلقي تقدير زملاء العمل أو يرغب في مساعدة الآخرين؛ وهناك فئة ثالثة يكون لديها دوافع ذاتية مثل الشعور بالإنجاز والتطور الشخصي. ويجب على الشركات تحديد جميع الوسائل المتاحة لها – المالية وغير المالية – واستخدامها لزيادة عمل الموظفين على إنجاح مشاريعهم.
إزالة السياسة من المعادلة. يحتاج الموظفون إلى رؤية كيف أن الضغط السياسي من أجل زيادة رواتبهم وترقياتهم لن يعود بالنفع عليهم. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في أن تكون قرارات الترقية أقل اعتماداً على مدير الموظف وأكثر اعتماداً على تقييمات محايدة من أطراف محايدة. ففي شركة ماكنزي (McKinsey) مثلاً، يقوم شريك من مكتب آخر، ويفضل حتى من قسم وظيفي مختلف، بمقابلة زملاء المرشحين للترقيات وعملائهم ثم يقدم تقريره إلى مجموعة من الشركاء الذين يتخذون القرار. وتستخدم جوجل عملية مشابهة. وكما يشرح رئيس قسم الموارد البشرية السابق لازلو بوك، بالقول "إن المدراء الجدد مصدومون من عدم قدرتهم على ترقية من يرون أنهم أفضل موظفيهم". وقد يكون الوقت والتكلفة الخاصة بإنشاء نظام مثل هذا كبيرين، إلا أنه استثمار مفيد من أجل تجانس العمل بالمؤسسة.
الاستثمار في التدريب. تستثمر الشركات عادة في تدريب الموظفين بهدف تحسين المنتجات أو زيادة المبيعات. قم بإرسال مصمم أجهزة إلى ورشة عمل فنية، وستحصل على الأرجح على أجهزة تنظيم نبضات قلب أفضل. أرسل مندوب مبيعات إلى مدرب خطابة، وقد يتحسن أداؤه الميداني. ولكن قد تكون هناك فوائد أخرى، فالمصمم يريد أن يطبق الأساليب الجديدة التي تعملها. ويشجع التدريب الموظفين على قضاء المزيد من الوقت في المشاريع، مما يقلل الوقت المستغرق في ممارسة الضغوط السياسية وبناء العلاقات.
وضع الموظف المناسب في المكان المناسب. حدد شخصاً أو فريقاً مركزياً صغيراً بإجراء مسح منتظم للمؤسسة لمعرفة مدى تناسب المشاريع مع قدرات الموظفين الجدد والقدامى، وضمان قيام الجميع بالعمل المناسب في الوقت المناسب. ويجب أن يكون الشخص أو الفريق المكلف بتلك المهمة منفصلاً عن أي وظيفة معينة لضمان تقديمه رؤية واسعة للمؤسسة. فعلى سبيل المثال، قد لا يكون مدير تطوير المنتجات الشخص الأفضل للحكم على ما إذا كان مصمم الجهاز المكافح مندوب مبيعات محتمل ناجح أم لا.
ضبط التمدد الإداري. يجب على الشركات توسعة التمدد الإداري وتصميم ضوابط أكثر مرونة للمجموعات التي يكون فيها ابتكار الأفكار الثورية هو الهدف، حيث تشجع هذه الهياكل على التجريب وحل المشكلات بين زملاء العمل وعلى المشاركة في أعمال المشروع. كان لبيل كوغران رئيس قسم الهندسة السابق في شركة جوجل 180 مرؤوساً مباشراً.
تعيين مدير مسؤول عن الحوافز. تحتاج المؤسسات إلى مسؤولين تنفيذيين رفيعي المستوى ومدرَّبين بشكل جيد على التفاصيل الدقيقة لمواءمة الحوافز والتركيز بشكل خاص على تحقيق نظام تعويضات متطور. يمكن لمسؤول الحوافز الجيد أن يحدد المكافآت التي تبدد الموارد (مثل خيارات الأسهم والمكافآت التي تشمل كل أفراد الشركة بدل مكافأة فرد أو مجموعة)، ويقلل من تبعات الحوافز الضارة (على سبيل المثال، عندما تؤدي أهداف مبيعات تجار السيارات إلى زيادة التكلفة على العملاء)، ويستفيد من قوة المكافآت المعنوية (تقدير زملاء العمل، واختيار المهام، وحرية العمل على مشروع يثير الشغف، وهلم جراً). ويعتبر السعي لتحقيق أكبر تحفيز ممكن للموظفين بما يتسق مع الميزانية المحددة أمراً مهماً واستراتيجياً للشركات كما هو الحال بالنسبة لتحقيق أفضل مبيعات في ظل ميزانية تسويق معينة (وهو عمل مسؤول الإيرادات الرئيس) أو إنشاء أفضل أنظمة تقنية معلومات للشركة ضمن ميزانية معينة (وهي وظيفة رئيس قسم المعلومات).
لقد شاهدنا جميعنا شركات تتغير فجأة وبطريقة غامضة، حيث تبدأ فرق الابتكار، والتي طالما تم الإشادة بها بشدة نظراً لمنتجاتها المتطورة ورؤيتها، في رفض أكثر الأفكار ثورية. ويقوم الناس بالشيء ذاته، وفي هذه الحالة لا يوجد فرق في الثقافة عندما يتوقف الناس فجأة عن اغتنام الفرص. والخبر السيء هنا هو أن جميع المؤسسات عرضة لمثل هذه المرحلة الانتقالية؛ إنما الخبر الجيد هو أنه مثلما أن في إمكاننا تخفيض نقطة تجمد المياه عن طريق إدخال عناصر تميل لصالح الإنتروبيا، يمكن إدارة العناصر الرئيسية في أي مؤسسة لتعزيز فرق عمل أكثر ابتكاراً حتى مع زيادة حجم الشركات. لا تزال الثقافة مهمة بالطبع، ولكن حان الوقت لتكريس المزيد من الاهتمام بهيكلية المؤسسات.