لماذا نبالغ في بعض ردود أفعالنا خلال العمل؟

3 دقائق

شعر أدهم بالارتباك بشأن ما حدث للتو. كل ما يعرفه هو أنه طلب من فهد، وهو مدير جديد، أن يكون أكثر مبادرة في تعامله مع زبائن الشركة. ولكن فهد غضب فجأة وتصرف بصورة دفاعية وخرج من مكتبه بسرعة.

ومن جهته، شعر فهد بالارتباك أيضاً. لماذا كان رد فعله بهذا الشكل؟ فهو عادة قادر على التحكم بانفعالاته. لكن تعليقات أدهم جرحته بطريقة ما، وجاء رد فعله دون تفكير منه.

سنتمكن من فهم ما حدث بين فهد وأدهم إذا فهمنا أنّ العقل البشري مصمم للتعرف على الأنماط. باختصار، يتصرف العقل كما لو أنه آلة لمطابقة النماذج وتوليدها، وعندما لا تكون الأمور مطابقة فعلاً لأحد النماذج يحاول العقل فهم ما يراه عن طريق إيجاد ما يناسبه من القوالب المألوفة. ويستخدم العقل التجارب السابقة كطرق مختصرة لفهم وتفسير المعلومات الجديدة. هذا أمر منطقي، فإذا وجد العقل تطابقاً بين بيانات جديدة وقديمة سيتمكن من تطبيق معلوماته المخزنة على الوضع الجديد بتكلفة أقل بكثير من كلفة محاولة إيجاد حلول جديدة للوضع الجديد.

ويطبق النمط المنطقي ذاته عندما يتعلق الأمر بعلاقاتنا مع الآخرين. وبناءً على "مخزون بيانات العلاقات" الموجودة مسبقاً، يعمل العقل بصورة لا إرادية بترتيب التجارب الجديدة بطريقة تجعلها تتطابق مع العلاقات التي عرفناها سابقاً. ولذلك، عندما نحاول فهم شخص لا نعرفه جيداً، يخدعنا العقل ويقودنا إلى افتراض أنّ هذا الشخص سيتصرف بصورة مماثلة لتصرف شخصية عرفناها في وقت سابق. فنشعر بالرضا عن الشخص الذي يذكرنا بمن نحبهم، بينما ينذرنا بالخطر إذا كان الشخص الجديد يذكرنا بشخص تسبب لنا بألم في ما مضى. وبهذه الطريقة، غالباً ما ننسب للناس صفات ليست فيهم فعلاً، بصورة تلقائية ودون تفكير، ونتجه نحو التصرف مع الآخرين في الحاضر بناءً على تجاربنا في الماضي.

بعد أن هدأ فهد، أدرك أن أدهم ذكّره بأبيه المتسلط. وعندما اتكأ أدهم على مكتبه الخشبي الكبير وقال لفهد أن يكون مبادراً أكثر، تذكر فهد كيف كان أبوه يتكئ على طاولة المطبخ ويتساءل عن سبب عدم كون فهد شخصاً طموحاً ومثابراً. فكان رد فعله المبالغ هذا شديد الشبه برد فعله تجاه أبيه في شجاراتهما، إذ كان يغضب ويخرج مسرعاً أيضاً.

لقد عرّف سيغموند فرويد هذا التواصل الشخصي الخاطئ لأول مرة باسم "الانتقال" في حالة دورا الشهيرة. عندما حاول فرويد فهم تدخله العلاجي الفاشل لدى مريضته، أدرك أن سبب فشله يكمن في عدم ملاحظته لانتقال المشاعر التي حملتها دورا تجاه شخصية من ماضيها نحوه هو.

ونظراً لكون المصدر الأصلي لانتقال ردود أفعالنا هو شخصيات مهمة في سنوات الطفولة، كالآباء، أو غيرهم ممن يقدمون الرعاية، والأخوة وأفراد العائلة المقربين، تتوجه ردود الأفعال الانتقالية نحو أشخاص يؤدون أدواراً شبيهة بالأدوار الأصلية التي أدتها تلك الشخصيات في الماضي. ولذلك، يزداد احتمال أن يتسبب الأطباء والمدرسون والمشاهير وأصحاب السلطة بإثارة ردود الأفعال الانتقالية تلك.

إن شعورك بالحب من النظرة الأولى تجاه الشخص الذي يذكرك بمن كانت تجمعك به علاقة حب قوية يوماً هو رد فعل انتقالي. وعندما تثق بشخص فوراً دون أن تدرك أنه يذكرك بشخص موثوق من الماضي، هذا رد فعل انتقالي، وكذلك الأمر عندما تُعجَب بمديرة تشبه جدتك التي كانت تشجعك وتدعمك دوماً. كما أن شعورك الفوري بالبغض تجاه شخص يذكرك بتأثير سلبي في ماضيك هو رد فعل انتقالي أيضاً.

إذا اختبرت يوماً رد فعل عاطفي تجاه شخص ما وكان شديداً بصورة أكبر مما يستحقه الموقف، فعلى الأغلب أنك قد مررت برد فعل انتقالي. وبما أن ردود الأفعال الانتقالية هي أساساً تكرار لتجربة من الماضي، يكون رد الفعل الذي تثيره غالباً غير لائق وغريباً ضمن سياق الحاضر.

ليست ردود الأفعال الانتقالية المعتدلة مزعجة، ولكنها قد تتسبب بمشاكل عندما تكون مبالغة وعندما تمنعنا من بناء علاقة سليمة مع شخص يمكنه امتلاك تأثير كبير على حياتنا. وعندما نتعرض لردود أفعال انتقالية مكررة ومبالغة نتعرض لارتباك أكبر بسبب بعض المشاكل الأعمق أو الأمور غير المنتهية من الماضي.

على الرغم من أنه بإمكان ردود أفعالنا الانتقالية غير الإرادية أن تبعدنا عن المسار الصحيح بسهولة، إلا أنه بإمكان إنشاء الوعي بشأنها مساعدتنا في أن نصبح أكثر وعياً لدوافعنا الخفية وتعلم كيفية تجنب تكرار الأخطاء، وبالتالي التحكم بحياتنا أكثر.

فكّر بأنماط السلوك التي تسببت لك بالمشاكل، والأماكن التي تشعر أنك أسأت الحكم فيها بصورة متكررة. ولمساعدتك على تحليل ما حدث، اطرح على نفسك الأسئلة التالية: ما أنواع الأشخاص الذين يجعلونك تشعر بالتوتر أو الغضب أو الحزن أو السعادة؟ ما هي الأمور التي تحبها أو تبغضها فيهم؟ وبمن يذكرك هؤلاء الأشخاص من الشخصيات التي عرفتها في الماضي؟ كيف يتشابهون ويختلفون؟ إنّ اكتشاف أشباح الماضي التي تخيم في عقلك الباطن هو الخطوة الأولى نحو عدم السماح لها بالتدخل بحياتك الحاضرة.

قد يكون التعامل مع المشاكل الانتقالية بمفردك صعباً. لذلك، فكر باستشارة معالج أو مستشار نفسي لمساعدتك، وبذلك ستتمكن من معالجة الصراعات الماضية وتركها في الماضي حيث تنتمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي