ملخص: تُعد منهجية أجايل أداة فعالة للغاية في تطوير المنتجات، وخاصة العروض المستندة إلى برمجيات. ولكن مع توسيع الشركات نطاق استخدامها لهذه المنهجية في مجالات جديدة (مثل الميزانية وإدارة المواهب)، أصبح يتم استخدامها في كثير من الأحيان بوصفها حجة لتجنب التخطيط والإعداد الدقيق. فبدلاً من قضاء بعض الوقت في التفكير المتأني الذي يتطلبه المنتج المبتكَر، ينحصر تفكير الفِرق في العملية المكونة من مراحل قصيرة تمتد لأسبوعين؛ ما يعني أنها تفكر في أجزاء صغيرة بناءً على الموارد التي تملكها بالفعل. تتبع "أمازون" نهجاً مختلفاً تسميه "العمل بالعكس". وهو يتطلب رؤية مفهومة تماماً لمنتج مقترح مجسدة في بيان صحفي مكتوب وقائمة بالأسئلة الأكثر تداولاً التي تشرح للزملاء والعملاء والإدارة العليا كيف يمكن لشركة "أمازون" تقديم هذا العرض الرائع بسعر مناسب ومربح أيضاً دون المبالغة في استخدام منهجية أجايل. وفقط عندما يصبح المسؤولون التنفيذيون في الشركة راضين عن هذه المستندات، يمكن للِفرق البدء في كتابة التعليمات البرمجية وتجميع المنتج فعلياً.
انتشرت فكرة التفكير أو الابتكار "المرن" أو "الرشيق" فيما يتجاوز حدود تطوير المنتجات وأصول التصنيع. وفي الوقت الحالي ليس بالغريب أن نسمع عن النهج المرن في وضع الميزانية أو إدارة المواهب أو حتى إدارة اجتماع عائلي.
تُعد منهجية أجايل عملية فعالة لتطوير المنتجات، إلا أن العديد من المؤسسات تبالغ في اعتمادها وتستخدمها لتجنب التخطيط والإعداد المتأني. ولكن المؤسسات ستحقق نتائج أفضل إذا دمجتها مع نهج مختلف تعلمناه من خلال العمل بوصفنا مسؤولين تنفيذيين في شركة "أمازون"؛ وهو نهج "العمل بالعكس" الذي يمكن أن يعوض عن أوجه القصور في المراحل الأولى الحاسمة.
كيف تتفوق الشركات المرنة على نفسها؟
قد يبدو أن منهجية أجايل مناسبة تماماً عندما تعمل شركة ما على تطوير منتج أو خدمة غير موجودة وتتطلع إلى القيام بذلك بخطوات سريعة. في هذه الحالات، من الصعب إجراء مقابلات مع العملاء أو ملاحظتهم في أثناء العمل، لأنهم لا يستطيعون الاستجابة لمنتج افتراضي.
الحل هو وضع نموذج أولي تجريبي أو صنع منتج الحد الأدنى. فمن خلال سلسلة من المراحل القصيرة، تستغرق عادة أسبوعين، يصمم فريق المنتج شيئاً جيداً بما يكفي لعرضه على العملاء ومعرفة ردود أفعالهم. إذا باءت الفكرة بالفشل، فعلى الأقل سيعرف الفريق هذه المعلومة بسرعة وباستثمار صغير فقط، وربما سيكتشف فكرة أفضل في أثناء العملية. أما إذا نجحت وجذبت العملاء، فحينها يمكن للفريق تكرارها بسرعة لتصميم منتج أفضل.
فلنقارن ذلك بنهج "العمل بالعكس" الذي يتمحور حول التخطيط. ظهر هذا النهج عام 2004 عندما أثبتت استراتيجيات التجارة الإلكترونية في "أمازون" نجاحها، وكانت الشركة تبحث جاهدة عن فرص جديدة في سوق كبيرة محتملة. ولكن أين يجب أن تبحث؟
بدلاً من الانخراط في تطوير منتج مقنع، ما قد تشجعه عقلية الأجايل، سعت الشركة إلى التحرك ببطء لتنطلق بعد ذلك سريعاً. غالباً ما يطلق الرئيس التنفيذي جيف بيزوس على نفسه لقب "الرئيس التنفيذي لتباطؤ الأعمال"، وقد تدخّل عندما رأى أن الفِرق تتحرك بسرعة فيما يتعلق بكتابة الشفرة البرمجية دون تحديد مشكلة العميل بوضوح وتقديم حلول ممتازة.
يتطلب نهج "العمل بالعكس" رؤية مفهومة تماماً لمنتج مقترح مجسدة في بيان صحفي مكتوب لإطلاق المنتج. بدا هذا خطأ، بل مخالفاً لما هو متعارف عليه أيضاً، في نظر مطوري البرمجيات ومدراء المنتجات الذين أرادوا الاستمرار في كتابة الشفرة البرمجية. تقضي الفِرق أسابيع، إن لم يكن شهوراً، في الاتفاق على هذا البيان الصحفي، بالإضافة إلى قائمة بالأسئلة الأكثر تداولاً التي تشرح للزملاء والعملاء والإدارة العليا كيف يمكن لشركة "أمازون" تقديم هذا العرض الرائع بسعر مناسب ومربح أيضاً. وفقط عندما يصبح المسؤولون التنفيذيون راضين عن هذه المستندات، يمكن لأي شخص البدء في كتابة التعليمات البرمجية وتجميع المنتج بالفعل.
وقد أصبحت هذه الممارسة ثابتة؛ فحتى يومنا هذا، تعمل "أمازون" بالعكس انطلاقاً مما تعتقد أنه سيسعد العملاء، حتى لو كانت تفتقر حالياً إلى القدرات اللازمة لصنع هذا المنتج. على سبيل المثال، جهاز القارئ الإلكتروني "كيندل" (Kindle)، وشركة "أيه دبليو إس" المتخصصة في خدمات الحوسبة السحابية، والمساعِد الصوتي "إيكو" (Echo) المزود بتطبيق "أليكسا" (Alexa) جميعها ظهرت من خلال اتباع نهج "العمل بالعكس" في وقت كانت فيه "أمازون" تتمتع بخبرة قليلة في صنع الأجهزة أو استضافة أنشطة الشركات الأخرى على خوادمها. وقد أصبحت كل هذه العروض الثلاثة منتجات ناجحة. وبمرور الوقت اجتذب كل منها المنافسين، لكنها ما تزال تحتفظ بأكبر حصة سوقية.
السرعة ليست كل شيء
تكمن المشكلة الأساسية في منهجية أجايل، كما تستخدمها العديد من الشركات، في أن وتيرتها التي لا هوادة فيها تجعل مطوري البرمجيات متحيزين. فهم يريدون الخروج بمنتج الحد الأدنى في غضون أسابيع قليلة فقط، لذا فهم يهملون استكشاف ما يجب أن يحققه المنتج. أو ما هو أسوأ من ذلك، من واقع تجربتنا، أن يقدموا نوعين من التنازلات.
أولاً، بدلاً من قضاء الوقت في تطوير قدرة جديدة والشعور بالقلق حيالها، يستغلون المهارات التي يملكونها في الوقت الحالي. فهم يتقبلون قيودهم الحالية، ما يحد تلقائياً من إمكانية تقديم عرض بمعدلات نمو عالية.
ثانياً، يقلصون طموحاتهم حول المنتج. فبدلاً من تحقيق إنجاز كبير، يميلون إلى إجراء تحسينات تدريجية فقط على العروض الحالية. أو إذا اتخذوا خطوات جريئة، فلن يكون منتج الحد الأدنى قابلاً للتطبيق على الإطلاق، وبالتالي لن يتمكن العملاء من تقديم ملاحظات واقعية، ما يعني أنه لم يتح للمطورين الوقت لدراسة الأمر جيداً وإعداد منتج مستدام.
يخبر الفريق نفسه أن أي معلومات يحصل عليها ما تزال ذات قيمة لبعض المنتجات المبتكَرة المستقبلية. ولكن هذا المستقبل نادراً ما يأتي. ففي كثير من الأحيان، تصبح العملية المكونة من مراحل قصيرة تمتد لأسبوعين هي محور تركيز الفريق، ولا يتوفر لدى الفريق أبداً الوقت والمجال للرجوع خطوة إلى الوراء والتفكير ملياً فيما هو مطلوب لإسعاد العملاء حقاً. فالفِرق تفكر في أجزاء صغيرة بناءً على الموارد المتوفرة لديها بالفعل، وبالتالي لا يوجد وقت للتفكير المتأني الذي يتطلبه تحقيق إنجازات.
يشعر أنصار منهجية أجايل بالقلق من أن نهج "العمل بالعكس" يسلب الفِرق الصلاحيات والسرعة لإطلاق تعليمات برمجية جديدة، والحصول على ملاحظات العملاء، وإجراء عمليات التكرار بسرعة. لكن السرعة ليست كل شيء، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمنتجات المبتكَرة. ولا تخلط بين كتابة التعليمات البرمجية وإحراز التقدم في حد ذاته. باتباع نهج "العمل بالعكس"، يمكنك طرح منتج ناجح في السوق بشكل أسرع.
كيف يمكن الاستفادة من منهجية أجايل على نحو أفضل؟
نحن لا نقول إنه ينبغي للشركات إلقاء منهجية أجايل من النافذة. فهي ما تزال أداة فعالة للغاية في تطوير المنتجات، وخاصة العروض المستندة إلى برمجيات. وقد استخدمت "أمازون" وشركات أخرى العديد من مبادئها وعملياتها بنجاح. ففي النهاية تنطوي معظم عمليات تطوير المنتجات على إجراء تغييرات تدريجية فقط. وأنت لا تحتاج إلى التفكير كثيراً في هذه التحسينات. فقط صمم بديلين تقريبيين وجربهما في العالم الواقعي حيث ستحصل على تعليقات وملاحظات بالغة الأهمية.
يمكن للفِرق التي لديها منتجات مبتكَرة الاستفادة من منهجية أجايل أيضاً، بمجرد قيامها بهذا النوع من العمل المتقدم الذي ينطوي عليه نهج "العمل بالعكس". عندما تكون في مرحلة كتابة الشفرة البرمجية وبناء المنتج، فينبغي لك التحرك بسرعة وتجنب التعثر. والمراحل القصيرة في منهجية أجايل تبقيك على المسار الصحيح وتضمن لك إطلاق منتج جيد في السوق.
إذاً فأفضل حل من أجل عدم المبالغة في استخدام منهجية أجايل هو دمج هذه المنهجية بنهج مثل "العمل بالعكس". تستخدم شركة "أمازون"، على سبيل المثال، عملية "العمل بالعكس" لتطوير الأفكار، ولكنها بعد ذلك تتبع منهجية أجايل في صنع المنتج وشحنه. إذا كان بإمكان شركة عملاقة مثل "أمازون" تغيير مسارها بهذا الشكل، فيمكن حتى للشركات الناشئة أن تحذو حذوها.