لطالما عُرف وادي السيليكون باتباع عقلية "اطلب العفو لا الإذن" و"تحرك بسرعة واكسر الأشياء". ولكن مؤخراً، أصبح من الصعب حساب عواقب هذه العقلية. تشير أمثلة يمكن رؤيتها في شركات مثل "أوبر" و"وي وورك" (WeWork) أن أسلوب العمل هذا يعرض الشركات سريعة النمو لمخاطر كبيرة.
وهذا الاستعداد للتحرك أولاً ومن ثم تولي أمر ما يحدث لاحقاً هو ما يقول عنه علماء النفس الذين يدرسون الدافعية إنه سعي لتحقيق الهدف باتباع نهج "التحرك". وهناك نهج آخر، وهو "التقييم"، وهو أن تسعى لتحقيق أهدافك عن طريق إجراء عملية تقييم دقيقة. وقد بينت أبحاث سابقة أن نشاط التحرك، مثل التعجيل من أجل تلبية المواعيد النهائية، يترافق مع عملية صناعة قرار لا أخلاقية، في حين يترافق أخذ الوقت اللازم لتقييم البدائل مع قرارات أخلاقية أكثر. وربما كان ذلك بسبب استعداد الأشخاص الذين يتبعون نهج التقييم لقضاء وقت للتفكير في المعايير الأخلاقية أكثر ممن يتبعون نهج التحرك، وهذا ما يساعدهم في التعرف على المخاطر والعواقب السلبية وتجنبها.
ولكن ذاك البحث كان مركزاً على الأشخاص، ولذلك، تساءلنا ما إذا كانت فكرته ذاتها تنطبق على المؤسسات أيضاً. توصل بحثنا إلى أن ثقافة التحرك على حساب التقييم، التي تذكر في بيان رسالة الشركات، مرتبطة فعلاً بعملية صناعة قرارات غير أخلاقية على مستوى المؤسسات، وهو ما رأيناه على صورة انتهاكات لقوانين لجنة فرص العمل المتكافئة. ومن خلال التجارب توصلنا إلى أن بيان رسالة الشركة الذي يروج لنهج التحرك قد يتسبب في اتخاذ من يطبقونه لقرارات مثيرة للجدل أيضاً.
بدأنا بالبحث في شركات الامتياز، وهي شركات سريعة النمو تضم نسبة كبيرة من القوة العاملة في الولايات المتحدة، وهي تشمل الموظفين ذوي الدخل المتدني الذين تزداد احتمالات تعرضهم للتمييز. وبالاطلاع إلى أرشيف لجنة تكافؤ فرص العمل للفترة الممتدة ما بين عامي 2007 و2017، جمعنا مجموعة بيانات عن شركات الامتياز التي شهدت انتهاكات تمييزية مختلفة (مثل التمييز بسبب العمر أو النوع أو الإعاقة أو الحمل أو العرق أو الدين أو العارض للتحرش) وقيمناها مقارنة بشركات امتياز نظيرة لها لا تمارس التمييز ذكرت في قائمة شركات الامتياز في "مجلة رائد الأعمال" (Entrepreneur Magazine) عام 2017. وتوصلنا إلى عينة تتألف إجمالاً من 559 شركة امتياز.
وكنا نعلم ما إذا كانت كل شركة منها مخالفة لقوانين لجنة تكافؤ فرص العمل أم لا، وعدد المخالفات الخاصة التي اتهمت بها. على سبيل المثال، على مدى هذا العقد، لاحظنا أن عدداً من الشركات المخالفة اتهمت بحالة انتهاك واحدة على الأقل، نذكر منها "دانكن" (Dunkin’) و"موتيل 6" (Motel 6) و"بابا جونز" (Papa Johns) على سبيل المثال.
ومن أجل اختبار الرابط بين هذه المخالفات ونهجي التحرك والتقييم، تمعنا في بيان رسالة كل من هذه الشركات لمعرفة أولوياتها. واستعنا ببرنامج معالجة لغوية يميز نهج كل بيان بناء على معجم مؤلف من 34 مصطلحاً خاصاً بنهج التحرك (مثلاً "تحرك" و"سارع" و"سرعة") و34 مصطلحاً خاصاً بنهج التقييم (مثل "قارن" و"عميق" و"تحقق").
على سبيل المثال، قد يبدأ بيان الرسالة الذي يتسم بدرجة عالية من "التحرك" بقول: "ساهمت سمعتنا بالاستجابة السريعة والجودة التي لا مثيل لها والالتزام بلا قيود في نمونا كشركة" أو "نبقى خبراء في تقديم الحلول بسرعة لأن شركتكم لا تحتمل الانتظار". في حين قد يعلن بيان الرسالة الذي يتسم بدرجة عالية من "التقييم": "تقوم شركتنا على الاستشارات، وتعمل بالتعاون الوثيق معكم بدءاً من التخيل مروراً بالتطبيق وصولاً إلى تحقيق الجودة الرفيعة التي ترجون، مع الالتزام بجدولكم الزمني وميزانيتكم" أو "من أجل دعم هذا العهد، نقوم بفحص دقيق للمرشحين للوظائف لدينا ولا نعين إلا المهنيين ذوي الخبرة الذين يتمتعون بمهارات عالية".
وأشارت نتائجنا إلى أن اللغة المستخدمة في بيان الرسالة قد تنبئ بانتهاكات قوانين لجنة تكافؤ فرص العمل. كانت الشركات التي ركز بيان رسالتها على التحرك ("نفذ فحسب") معرضة لاحتمالات الاتهام بالتمييز أكثر من غيرها بكثير مقارنة بالتي تركز على التقييم ("افعل الصواب"). ومع أخذ عمر المؤسسة وقطاعها وجنس رئيسها التنفيذي وعدد موظفيها وموقعها في الحسبان، اكتشفنا أنه كلما ازدادت مصطلحات التحرك وقلّت مصطلحات التقييم في بيان الرسالة، ازداد احتمال ورود اسم الشركة في تسويات التمييز لدى لجنة تكافؤ فرص العمل. وشملت هذه النتائج الهامة جميع القطاعات والولايات والفئات الفرعية من العينة. والمثير للاهتمام هو وجود شركات امتياز غير مخالفة يحتوي بيان رسالتها كلا نوعي المصطلحات بنفس القدر، وهذا ما يشير إلى إمكانية عمل نهجي التحرك والتقييم كقوتين متقابلتين تحدان من حالات التمييز في المؤسسة.
وبالطبع، كان ما توصلنا إليه بناء على بيانات الأرشيف هذه يتمتع بعلاقة ترابطية. ومن أجل معرفة ما إذا كان النهج التحركي قادراً فعلاً على التسبب بالتمييز، أجرينا مجموعة تجارب خاضعة للمراقبة. إذ قمنا بعملية توظيف عشوائية شملت 717 مشاركاً على الإنترنت من المقيمين في الولايات المتحدة للتصرف كمدراء في شركات امتياز يتبنى بيان رسالتها نهج التحرك أو نهج التقييم بدرجة عالية (أو لا يتبع أي منهما في شرط ثالث "تحكم تام"). حيث بدأ المشاركون أولاً بقراءة بيان الرسالة، ثم قدمت لهم تصورات موارد بشرية وضعت وفق حالات واقعية من القضايا المسجلة في أرشيف لجنة تكافؤ فرص العمل.
على سبيل المثال، طُرح في أحد التصورات سؤال على المشاركين عما إذا كانوا سينقلون موظفاً معاقاً من دور يتطلب التعامل مع الزبائن مباشرة. وفي تصور آخر، طُرح على المشاركين سؤال عما إذا كانوا سيستبدلون موظفاً متقدماً بالعمر غير قادر على تعلم مهارات البرامج الجديدة، وهكذا دواليك. وفي كل تصور، كان على المشاركين الاختيار بين خيار ينتهك قوانين لجنة تكافؤ فرص العمل بصورة صريحة وآخر يشكل بديلاً مقبولاً توصي به اللجنة.
وجدنا أن بيان الرسالة الذي يتبنى نهج التحرك زاد احتمالات اختيار المشارك مساراً غير قانوني بنحو أربعة أضعاف. بعبارة أخرى، عندما قرأ المشاركون بيان الرسالة الذي يحث على التحرك السريع على حساب التفكير العميق ازدادت احتمالات اختيارهم للخيار الذي ينتهك قوانين لجنة تكافؤ فرص العمل، كنقل الموظف المعاق مثلاً أو استبدال الموظف المتقدم بالعمر.
كما سألنا هؤلاء المشاركين "المدراء" عن العوامل التي أثرت في القرارات التي اتخذوها، فقال من قرؤوا بيان الرسالة الذي يتبنى نهج التحرك أنهم شعروا بحاجة إلى اتخاذ القرار بأقصى سرعة وأقل جهد ممكن، وهو ما منعهم من الانتباه إلى المعايير الأخلاقية. وكانت هذه النتائج ثابتة مع الأخذ بالاعتبار اطلاع المشارك على سياسات عدم التمييز وامتلاكه خبرة عمل ذات صلة بالإضافة إلى الخيارات التمييزية التي تشمل عدم اتخاذ أي إجراء.
عززت هذه التجارب ما لاحظناه في بيانات أرشيف لجنة تكافؤ فرص العمل، وهو ترافق لغة نهج التحرك مع التمييز في العمل، باستثناء الحالات التي ترافقت فيها لغة نهج التحرك مع قدر مساو من لغة نهج التقييم. بعبارة أخرى، يحث نهج التحرك على اتخاذ إجراءات سريعة، ولكن دمج نهجي التحرك والتقييم يحث على اتخاذ إجراءات تتبع ما يمليه الضمير.
لا تنحصر هذه النتائج بشركات الامتياز، وتنطبق على وجه الخصوص على شركات التقنية سريعة النمو. إذ يؤدي اتباعها الأسلوب ذاته في السعي لتحقيق الهدف، بسرعة ومن دون مساومة، والذي يمكنه تعزيز نمو الشركة، إلى تعريضها لاتخاذ إجراءات لا أخلاقية كالتمييز. قال المدير العام والرئيس التنفيذي والنائب الأول لرئيس الشركة للعمليات الدولية في شركة "أوبر"، رايان غريفز، مفكراً بالمشكلة التي حدثت: "كان علينا أخذ بعض الوقت للتفكير في أخطائنا وإحداث التغيير معاً، كان يبدو لنا دائماً أن هناك هدف آخر، وغاية أخرى، وشركة أو مدينة أخرى لنطرح خدمتنا فيها".
يشير عملنا إلى وجود فرصة متاحة لنمو المؤسسات بشكل واع، عن طريق تحييد حوافز التحرك القوية بواسطة حوافز التقييم القوية، أيضاً. وهذا يعني أن المعايير الأخلاقية لا يمكنها الوجود ببساطة كوثائق مستقلة عن مواثيق السلوك وبيانات القيمة، بل يجب غرسها في النشاطات اليومية التي تشمل طرق تنفيذ الأعمال وتوجيه الموظفين في خياراتهم اليومية في غياب الرقابة المباشرة. ابدأ ببيان الرسالة، فحتى أوبر أصبحت اليوم تتبنى هدف تقييم بسيط، وهو: نقوم بالأمر الصحيح، وانتهى".