"الفرق بين الكلمة الصحيحة تقريباً والكلمة الصحيحة تماماً هو مسألة ذات أهمية عظيمة، فهو مثل الفرق بين الحشرة المضيئة والبرق المضيء"؛ هكذا وصف الكاتب الشهير مارك توين في إحدى رسائله عام 1888 الفروق اللغوية التي تبدو بسيطة للوهلة الأولى، لكنها في نظر أصحاب الاختصاص تغيّر مجرى المعنى كاملاً، ولعّل معظمنا سمع عن القصص الشهيرة للترجمات الخاطئة التي أدت إلى تعويضات بملايين الدولارات في مجال الأعمال، وإلى أخطاء طبية فادحة، وحتى إلى اتخاذ قرارات سياسية وحربية غيّرت مجرى التاريخ. (بعض المصادر تُرجع قرار قصف مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرية في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ترجمة غير دقيقة!).
في مجال الأعمال والإدارة، تسود اللغة الاصطلاحية التي تشير إلى المصطلحات أو التعبيرات أو الاختصارات المستخدمة في صناعة معينة، أو يشيع استخدامها بين أفراد مجموعة مهنية معينة، فلكل قطاع لغته الاصطلاحية الخاصة به، ويجري استخدامها عوضاً عن بدائل سهلة الفهم لكنها أقل احترافية، وهي لغة تكتسي أهمية بالغة، إذ يؤكد آدم غالينسكي وباحثون آخرون في مقالهم "هل يعاني مكتبك من مشكلة اللغة الاصطلاحية؟" أن هذه اللغة تلبّي عدداً من الاحتياجات الأساسية، حيث تسهم في توصيل المعلومة بدقة متناهية وبكفاءة منقطعة النظير في بعض السياقات. فعلى سبيل المثال، يتحدث مراقبو حركة الملاحة الجوية باستخدام الألفبائية اللفظية عوضاً عن الحروف الأبجدية المعتادة، كما أنها لغة تسهل إعداد الموظفين الجدد من خلال دلالتها على الانتساب إلى شركة معينة، مثل المصطلحات "الجوجلية" في شركة جوجل.
من زاوية أخرى، لا تقل أهمية الدقة في لغة الأعمال المكتوبة عن اللغة المستخدمة شفوياً، إذ يؤكد الخبير "بيل برتشارد" في مقاله "علم الكتابة القوية في مجال الأعمال" أن الكلمات والمصطلحات المحددة تحفز عدة دارات في الدماغ. خذ مثلاً كلمة "لقلق" بدلاً من "طائر"، أو "امسح" بدلاً من "نظف"، حيث تبيّن في إحدى الدراسات أن الكلمتين الأكثر تحديداً في هذين المثالين أدتا إلى تنشيط العصبونات في الأجزاء البصرية والشريط الحركي من الدماغ أكثر من الكلمتين العامتين، ما يعني أنهما دفعتا الدماغ إلى معالجة المعنى معالجة أكثر فعالية، كما أكد بيل أنّ العلماء كانوا يعتقدون منذ عدة سنوات أن الدماغ يحلل الكلمات على أنها رموز، أما اليوم، فنحن ندرك أن العصبونات في أدمغتنا "تجسد" فعلياً ما تعنيه الكلمات؛ عندما نسمع كلمات محددة أكثر "نتذوق" أثراً من معناها الحقيقي أو "نشعر" به أو "نراه". هذا ما يفسّر انجذاب القراء للمحتوى الذي يراعي دقة المعنى أكثر من المحتوى المكتوب بأسلوب عام.
من أمثلة المصطلحات التي يستخدمها الكثير من الكتّاب في مجال الأعمال على أنها مترادفات رغم أن معناها مختلف:
- التآزر لا يعني التعاون، لأن مجموع ما يحققه الأفراد أو المؤسسات عبر التآزر يفوق ما يُحقَق عبر التعاون، لذلك يوصف التآزر عادة بالمعادلة 1+1=3.
- الشراكات الاستراتيجية ليست نفسها التحالفات الاستراتيجية، فالتحالف يُطلق على التعاون بين أفراد أو مؤسسات متنافسة أو يُحتمل أن تكون متنافسة؛ مثل التحالف بين آبل وسامسونج، بينما تُطلق الشراكات على اتفاقات التعاون بين مؤسسات غير متنافسة وتنتمي عادة لصناعات متمايزة؛ مثل التعاون المُبرم بين مجرة وأمازون.
- منتجات رخيصة كلمة غير دقيقة في غالب الأحيان، لأن "رخيصة" كلمة ذات دلالة نسبية إذ إن المنتَج نفسه الذي يُعدّ "رخيصاً" بالنسبة لمشتر ذو قدرة شرائية مرتفعة، يكون منتجاً باهظ الثمن بالنسبة لمشترٍ ذو قدرة شرائية ضعيفة، والأدق في هذا السياق هو منتج منخفض التكلفة.
أكدت خبيرة اللغويات في مقابلتها مع هارفارد بزنس ريفيو التي بعنوان "اللغة الاصطلاحية في مجال الأعمال ليست بهذا السوء"، أنّ لغة الأعمال وثقافة عالم الأعمال هي مكان يحدث فيه تجديد للغة وإدخال مفردات ومصطلحات جديدة إليها. وهنالك أسباب كثيرة لذلك، بما فيها الميل إلى الابتكار واختراع العلامات التجارية المسجلة، كما تؤكد على دقة المصطلحات بقولها: "في الحقيقة، لسنا بحاجة إلى كل هذه المترادفات التي نمتلكها في اللغة الإنجليزية؛ ومع ذلك فمن الواضح أن جميع تلك المترادفات تخدمنا وتلبي حاجاتنا بطريقة أو بأخرى".
نختم بمقولة تبيّن مدى قدرة اللغة على التأثير في الأفكار، وهي مقولة للكاتب جورج أورويل في كتابه الشهير "1984": "إذا كان الفكر يستطيع إفساد اللغة، فاللغة أيضاً يمكنها إفساد الفكر".