دراسة: اللاجئون يمكنهم دعم اقتصاد المناطق التي تستقبلهم

5 دقائق
اللاجئون

شهد العالم ارتفاعاً حاداً بعدد اللاجئين في العالم في السنوات الأخيرة واحتدم معه الجدل بين الحكومات حول البلدان التي عليها استقبال المُهجرين بسبب الحروب أو الكوارث. يبرز في صلب هذا الجدل الحديث عن التكلفة حيث يُنظر إلى اللاجئين على أنهم عبء اقتصادي على البلدان التي تستقبلهم. وهكذا يشتعل النقاش بين فريق يرى أن التكلفة باهظة جداً، وفريق آخر يرى أن تلبية الاحتياجات الإنسانية أهم من أي تكلفة.

لكن دراسة أجريتُها، بالإضافة إلى دراسات أجراها آخرون، تُظهر أن الفرضية التي يقوم عليها الجدال هي بالأساس خاطئة: ليست مساعدة اللاجئين بتلك التكلفة الباهظة التي نعتقدها. في الواقع، عندما تُدار مخيمات اللاجئين جيداً تعود مساعدة اللاجئين بالفائدة على كل من المهجَّرين والاقتصادات المحلية على حد سواء. وبالفعل لاحظنا في أحد المخيمات التي درسناها، أن النشاط الاقتصادي المرتبط بمخيم اللاجئين زاد من دخل الفرد في المجتمع المضيف بمقدار الثلث.

تعاونت "جامعة دافيس" (US Davis) مع برنامج الغذاء العالمي التابع لـ "الأمم المتحدة" لتقييم التكاليف والفوائد الاقتصادية لثلاثة مخيمات للاجئين في راوندا تديرها "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين". استخدمت الدارسة، التي نشرتها صحيفة "تقارير الكلية الوطنية للعلوم" التحليل الاقتصادي القياسي مع بيانات من استبيانات محلية ونماذج اقتصادية محلية لمحاكاة تأثير اللاجئين على اقتصاد البلد المُضيف ضمن مساحة نصف قطرها 10 كيلومترات من كل مخيم.

بدا واضحاً لنا أن اللاجئين الكونغوليين في راوندا يكسبون دخلاً أعلى من المعونة التي يتلقونها من "برنامج الغذاء العالمي". بالإضافة إلى ذلك، توصلنا إلى وجود عاملين اثنين يمكنهما إلى حد كبير مساعدة اللاجئين والمجتمعات المُضيفة لهم معاً.

الدرس 1: أعطِ نقوداً بدل الطعام

في اثنين من المخيمات التي درسناها، يتلقى اللاجئون الأغذية من برنامج الغذاء العالمي نقداً، بينما في المخيم الثالث يحصل اللاجئون على القيمة نفسها من المساعدات، ولكن في شكل أغذية. في جميع هذه المخيمات الثلاثة، يُسمح للاجئين بالخروج والعودة إلى المخيمات متى أرادوا، والتعامل مع المؤسسات التجارية في البلد المضيف، وإدارة أعمالهم الخاصة، واستئجار عمال للعمل لديهم داخل أو خارج المخيمات. راوحت أحجام هذه المخيمات التي درسناها من 14,774 إلى 18,614 شخصاً في مقاطعات يتوسط فيها عدد السكان بين 126 ألفاً إلى 183 ألف نسمة.

وجدنا منافع اقتصادية أكبر للبلد المضيف عندما تُقدَّم المعونة الغذائية للاجئ في صورة نقدية بدلاً من الغذاء. وقد تحققت أعظم المنافع في المنطقة المحيطة بمخيم يعتمد النظام النقدي للمعونة يقع في منطقة جيدة إلى حد ما زراعياً وفيها وفرة في موارد الغذاء والوظائف التي تتلاءم مع مجموعة المهارات لدى معظم اللاجئين.

إليك تفصيل ما يحدث بالضبط: يوفر "برنامج الغذاء العالمي" هواتف جوالة مرتبطة بحسابات للدفع يستخدمها اللاجئون لشراء الأطعمة وأي مستلزمات من متاجر اللاجئين أو متاجر البلد المضيف التي تقبل الدفع عبر الجوال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاجئين تحويل رصيدهم إلى نقود والتعامل مع أي موَّرد بما في ذلك الأسواق المحلية الأسبوعية التي كثيراً ما تنشط خارج المخيمات التي تعتمد النظام النقدي. وجدنا أن اللاجئين يُنفقون معظم أموالهم على الطعام، وهذا يرفع من دخل الأعمال التجارية والمزارع في البلد المضيف ويمتد أثره على الأسر التي تُورد العمالة وأدوات الإنتاج الأخرى.هذه الزيادة في الدخل تُحفِّز دورة جديدة من الإنفاق وإيرادات الدخل في الاقتصاد المحلي.

ماذا يحدث عندما يقدم برنامج الغذاء العالمي الطعام بدلاً من النقود؟ هذه هي الطريقة التقليدية لمساعدة اللاجئين، ولا تزال الطريقة الأكثر شيوعاً لتقديم المساعدات الغذائية. نظراً لأن معظم الأطعمة الممنوحة هي أغذية مستوردة، فإن هذا يحد من أي دور للمزارعين والمُوردين المحليين. المشكلة الأخرى هنا هي أن الطعام المتبرّع به يفتقر إلى التنوع. في راواندا مثلاً هناك 4 مكونات في السلة الغذائية التي تُعطى للاجئين: الفاصولياء والذرة والملح وزيت الطبخ، وهو ما يفسر سبب بيع اللاجئين عادة للأطعمة الممنوحة لهم. في مخيم "كيجيم" في راواندا، باع 9 من كل 10 لاجئين في المخيمات جزءاً أو كامل مخصصاتهم الغذائية المقدمة لهم من "برنامج الغذاء العالمي" في أسواق البلد المضيف خارج المخيم. عندما يبيع اللاجئون مخصصاتهم الغذائية فإنهم يحصلون دائماً على سعر أقل بكثير من سعر البيع المحلي، وما يفاقم الأمر سوءاً أن هذه المواد الغذائية المباعة تُضاف إلى المعروض من الأطعمة المحلية في ذلك البلد وهي بذلك تضغط على الأسعار ما ينعكس سلباً على المزارعين المحليين والمنتجين الآخرين. وهذا يجعلهم يتنافسون مع مساعدات غذائية أرخص.

تمنح المعونة النقدية اللاجئ حرية أكثر في مشترياته وخيارات أكثر لطعامه، وتخلق في الوقت نفسه منافع للأعمال التجارية والمزارع في البلد المضيف. في الواقع، وجدنا أن الدخل الحقيقي للأسر في البلد المضيف يزيد بمقدار يصل حتى 69 دولاراً عن كل لاجئ في راوندا. وهذا بلا شك تأثير كبير، يعادل ثلث متوسط دخل الأسر القاطنة خارج مخيم اللاجئين. يخلق إنفاق اللاجئين أيضاً سوقاً للأعمال التجارية للاجئين الذين يشترون معظم أدوات الإنتاج من المزارع وتجار البلد المضيف، وهم بهذا يحققون ما تصل قيمته حتى 56 دولاراً لكل لاجئ في شكل رواتب وأرباح.

ركزت دراستنا في غالبها على مساعدات الأغذية من "برنامج الغذاء العالمي". لاشك أن هناك على الأرجح فوائض أخرى في الإيرادات المحلية مصدرها المعونات غير الغذائية للاجئين من "الأمم المتحدة" والجهات الأخرى، والرواتب المدفوعة للقائمين على المخيم، والإنفاقات الأخرى المطلوبة لتشغيل مخيم اللاجئين. لهذا فإن نتائجنا على الأرجح تمثل تقديرات الحد الأدنى من تأثيرات مخيمات اللاجئين على الإيرادات المحلية.

الدرس 2: روّج للإدماج على المدى الطويل

يجد أغلب اللاجئين أنفسهم في بلدان ذات سياسات مصممة لإيواء المهجرين على المدى القصير فقط، لكن للأسف، غالباً ما تصبح هجرة اللاجئين دائمة. خذ اللاجئ الكونغولي على سبيل المثال: عاش اللاجئ الكونغولي العادي في أقدم مخيمات راوندا (جيهمبي) لمدة 16.7 سنة، وولد أكثر من 44% من سكان ذلك المخيم في المخيم نفسه. ومن هنا، فإن تشجيع الاندماج في البلد المضيف لا يخلق فقط منافع للاجئين والسكان المحليين، ولكنه يتعامل أيضاً مع حقيقة أن اللاجئين على الأرجح سيقيمون في البلد المضيف لفترة من الزمن.

بالإضافة إلى دعمهم للمزارعين والموّردين المحليين، يمكن أن يصبح اللاجئون أيضاً جزءاً مهماً من القوة العاملة المحلية في المزارع والأعمال التجارية في البلد المضيف. في راوندا، مع أن اللاجئين يشكلون ما يقرب من 6% من العمال المستأجرين (و7% من عمال المستأجرين في المزارع) للعمل خارج المخيمات التي درسناها، كان تأثير هذه العمالة على أجور العمال الراونديين طفيفاً. لقد رأينا أيضاً أن اللاجئين حفزوا التجارة بين الاقتصاد المحلي وبقية راواندا ـ بقيمة وصلت إلى 55 دولاراً عن كل لاجئ سنوياً.

حتى أن أوغندا، الجارة الشمالية لرواندا، اتخذت خطوة أكثر تقدماً في قضية الاندماج، وقدمت قطعاً من الأراضي للاجئين، وأبعدتهم تدريجياً عن الحاجة إلى مساعدات "برنامج الغذاء العالمي". ونتيجة لذلك، يدفع اللاجئون رواتب للعمال من البلد المضيف، ويشترون أدوات الإنتاج، ويسهمون في إمداد السوق المحلية بالطعام مثل المزارعين في البلد المضيف. ويعمل مشروع جديد في أوغندا حالياً على قياس تأثيرات هذه المبادرة.

كلما زاد تفاعل المهاجرين مع اقتصاد البلد المضيف، تعاظم احتمال أن ينشأ عن وجودهم منافع للاجئين ولسكان البلدان المضيفة على حد سواء.

الإسقاطات على أزمات اللاجئين الأخرى

تظهر دراستنا أن الفكرة المسبقة التي تصور اللاجئين على أنهم مُضرون بالاقتصاد هي فكرة خاطئة.

يختلف طراز ملاجئ اللاجئين على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، بدءاً من المخيمات الكبيرة والمعزولة إلى الإدماج الكامل في اقتصادات البلد المضيف. تنطبق نتائج دراستنا في معظمها مباشرة على أكثر من 50% من اللاجئين الذين تدعمهم "الأمم المتحدة" والذين يعيشون في مخيمات.

هجرة اللاجئين السوريين مسألة تختلف في حجمها عن هجرة اللاجئين الكونغوليين في رواندا، ومع ذلك، فإن النتائج العامة نفسها تنطبق عليها: من المؤكد تقريباً أن قدرة اللاجئ على مساعدة نفسه وقدرته على خلق منافع لاقتصاد البلد المضيف تتعاظم عندما تتاح له فرص للتفاعل بإيجابية مع اقتصاد البلد المضيف المحيط به.

نتوقع أيضاً أن تكون اكتشافاتنا أكثر ملاءمة في البلدان المرتفعة الدخل، حيث تعداد اللاجئين صغير مقارنة بتعداد سكان البلد المضيف، وحيث يُظهر البحث أن الحراك الاقتصادي للاجئين أكبر. (يبدأ معظم المهاجرين في وظائف متواضعة مقارنة بالوظائف التي شغلوها في وطنهم، لكنهم يتسلقون السلم الوظيفي أسرع نسبياً مقارنة بالمهاجرين الآخرين).

لخلق منافع اقتصادية لسكان البلد المضيف وللأعمال التجارية فيه، هناك حاجة إلى سياسة مستنيرة تسمح للاجئين بالتفاعل مع اقتصاد البلد المضيف من خلال: توفير المساعدة في صورة نقدية للاجئين وتمكينهم من كسب دخل بالعمل داخل المخيم أو خارجه؛ وضع مخيمات اللجوء في مناطق يمكن فيها للموردين المحليين تلبية احتياجات اللاجئين وفيها فرص للاجئين لتدعيم دخلهم بالعمل أو تأسيس أعمالهم الخاصة؛ مساعدة المزارع والأعمال التجارية للبلد المضيف في توريد الأغذية والمواد الأخرى للاجئين وسكان البلد المضيف.

تزيد اكتشافاتنا الأمل في التوصل لسياسات موضوعة بعناية تحقق الهدف المزدوج في إعانة المُهجرين وخلق منافع اقتصادية لمن حولهم. ستلعب مثل هذه السياسات دوراً محورياً في تخفيف التوتر بين اللاجئين والبلاد المضيفة لهم، وزيادة استعداد الدول للمساهمة في التخفيف من أزمة اللاجئين الحالية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي