يمكن أن تكون الكمالية سيفاً ذو حدين تماماً مثل أي سمة شخصية متطرفة. إذ يمكن لامتلاك المعايير المرتفعة والعمل بجد أن يساعد الكماليين في التميز في الميدان المزدحم، كما تساعدهم مثابرتهم في تحسين مهاراتهم مع مرور الوقت. كما يمكن لضميرهم الحيّ أن يساعدهم في تفادي الأخطاء إلى حد ما.
يمكن للفوائد التي ذكرتها، بالإضافة إلى الخوف من النتائج الكارثية لأي خطأ، احتجاز الإنسان في عقليته الكمالية. ولكن هناك أيضاً مجموعة جوانب سلبية كبيرة لمحاولة تحقيق أداء خال من العيوب.
إن كنت تصارع في محاولة التخلي عن بعض ميولك الكمالية، أو تدير شخصاً يعاني من ذلك، ربما كان من الجيد أن تتذكر الطرق التي يدمر بها الشخص الكمالي نفسه في مكان العمل. لذلك، سأناقش خمساً منها في ما يلي، وستلاحظ الملامح العامة للشخص الذي لا يتمكن من رؤية الصورة بأكملها.
كيف يعيق الكماليون أنفسهم؟
ليست الكمالية مفيدة بالقدر الذي تبدو عليه. ولا يقوم كلّ شخص كمالي بجميع الأشياء السلبية، ولكنها كلها تؤدي إلى نتائج عكسية.
الصراع من أجل صنع قرار أو اتخاذ إجراء ما
يمتلك الكماليون دافعاً لاتخاذ أفضل خيار على الإطلاق، حتى وإن لم يكن ذلك ضرورياً، ما يؤدي إلى شلل في اتخاذ القرارات. مثلاً، يودّ بهاء شراء برنامج يسرّع عمله، ولكنه مصرّ على إيجاد خيار لم ترد أي آراء سلبية عليه. أصبح مدفوعاً لفعل ذلك على الرغم من معرفته أنه، منطقياً، لا بدّ من ورود بعض الآراء السلبية مهما كان المنتج عظيماً، وأنّ هذه الآراء السلبية التي يقرأها بالذات لا علاقة لها بالطريقة التي يعتزم استخدام البرنامج بها. ولكن بسبب مقياسه الذي فرضه على نفسه يحتاج إلى عدة أسابيع لاختيار ما سيشتريه. وهو بالنتيجة يفوّت فوائد استخدام البرنامج، ويرى أفراد فريقه أنّ بهاء شخص غير قادر على اتخاذ القرارات وغير منظم.
القلق المفرط بشأن التكاليف
بما أنّ الكماليين يستمرون بالتفكير حتى بأصغر الأخطاء، فهم مدفوعون بقوة لمحاولة إصلاح المواقف التي تتضمن تكاليف غارقة. على سبيل المثال، اشتركت أسماء في خدمة برسم شهري ولكنها لا تستخدمها، وتبقي على اشتراكها وتحدد لنفسها هدفاً بالحصول على قيمة مضاعفة من الخدمة المستمرة كي تشعر أنها استعادت المال الذي أنفقته على تسديد رسومها لعدة أشهر من دون استخدامها. وكذلك الأمر بالنسبة لكمال، الذي يقضي 10 دقائق على الهاتف محاولاً معالجة مشكلة في خدمة الزبائن مع عميل ما، ومن الواضح عدم امتلاكه السلطة لإصلاح المشكلة. لا يرغب كمال بالاستسلام من دون النجاح، لذلك يبقى على الهاتف لمدة 20 دقيقة أخرى. يمكن أن يمضي الشخص الكمالي وقتاً أطول مما ينبغي في العمل على نشاطات ذات إنتاج هامشي قبل الانتقال لغيرها.
تفادي التحديات لتفادي الفشل
يرغب الشخص الكمالي بأن يشعر بالجهوزية التامة قبل مواجهة التحديات. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إعاقة تقدمه واستلامه المناصب القيادية. على سبيل المثال، يفكر آدم بما يلي: "قبل أن ألقي كلمة في مؤتمر ما، يجب علي أن أخضع لدورة تدريبية في الخطابة"، ولكنه يفكر بذلك من دون أن يكون ذلك ضرورياً فعلاً، وهو لن يقوم به واقعياً في أي وقت قريب. وبالنتيجة، يفوّت آدم فرصة عظيمة.
تطبيق معاييرهم العالية على الآخرين
يميل معظم الكماليين إلى تطبيق معاييرهم الصارمة بإفراط على أنفسهم فقط. ولكن قد تكون هناك حالات، حيث يتوقع الكماليون من الآخرين الانصياع لهذه المعايير. وينطبق هذا بالأخصّ على المشاريع الجماعية التي تنعكس نتائجها النهائية على الكماليين. خذ مثلاً جاد، الذي نفر زملاؤه منه عندما اقترح مجموعة من تغييرات اللحظة الأخيرة على العرض التقديمي الذي كانوا يعدونه. لم تكن التغييرات كبيرة ولكن كان أفراد الفريق منهكين ولا يرغبون سوى بالعودة إلى منازلهم، وبدا الأمر وكأن جاد يراكم الأعمال عليهم أكثر. تسيء كثرة انتقاد الزملاء وكثرة التطلب إلى العلاقات معهم، ويمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى استبعاد الكماليين اجتماعياً بسبب صعوبة التعامل معهم عاطفياً.
كثرة التفكير بشأن نقاط الضعف والأخطاء والفشل
تطلق الأخطاء الصغيرة التفكير المستمر لدى الكماليين، وهذا أحد الأسباب التي تدفعهم بقوة إلى تجنبها. خذ مثلاً أسماء، التي تفكر كثيراً في الخدمة التي اشتركت بها من دون أن تستخدمها، وجاد الذي لا يستطيع التخلي عن فكرة أنّ العرض التقديمي بدا غير متقن أبداً. إنّ التفكير المستمر هو تفكير زائد ذو منحى سلبي بمواقف حدثت (على عكس القلق الذي هو التفكير الزائد بمواقف يحتمل حدوثها). ويكثف التفكير الزائد شعور الألم العاطفي لدرجة أنه يصبح مفرطاً نسبة للموقف، ويسبب التهيج ومشاعر الاكتئاب ويمكن أن يعيق أداء الشخص وعلاقاته.
ماذا يمكن أن يفعل الشخص الكمالي كي يتغير؟
إن شعرت بأن شيئاً مما سبق يصفك، إليك بعض الحلول العملية من أجل تقليص الجوانب السلبية للنزعة الكمالية لديك.
تعلّم من النجاح. إن فكرة التعلّم من الأخطاء تبدو مواجهةً شديدة الصعوبة بالنسبة للشخص الكمالي وتودي به إلى الغرق في التفكير المستمر. والبديل هو التعلّم من النجاح. لأن التفكير بالطرق التي أدت إلى نجاحك يساعدك على رؤية أنك حققت نتيجة ذات مغزى على الرغم من عدم القيام بكل شيء من دون أخطاء تماماً أو دون الوثوق مسبقاً بصورة مطلقة بأن النجاح ممكن. وخلال هذه العملية، ستكون قادراً على فهم كيف يمكنك الاستفادة من اتباع خطة تمكنك من إجراء تغييرات على الإجراءات والقرارات بناءً على الخبرة بدلاً من البحث المرهق والمداولات. كما يمكنك أن تتعرف على زملاء وقدوات ناجحين على الرغم من أنهم ليسوا كماليين. كيف يعملون بكفاءة دون السعي للكمال؟ راقب ما يفعلونه وتعلّم منهم.
طوّر حدساً مهنيّاً لتمكين عملية صنع قرار واتخاذ إجراءات أسرع. غالباً ما يكون الهدف من الحدس المهني أو القواعد المبنية على الخبرة هو إنتاج قرارات جيدة، ولكن ليس دائماً. فهما يساعدان على الموازنة بين فوائد صنع قرار أسرع والأرباح الإضافية التي يمكن الحصول عليها من تأجيل الإجراء والتفكير المستمر. ومثال على الحدس المهني الجيد، عند اختيار فندق لاستضافة فعالية من أجل العمل، ستحدد خمسة معايير وتختار فندق تنطبق عليه أربعة منها.
إنّ الحدس المهني طريقة رائعة لوضع الأولويات بالنسبة للكماليين. ولدي قاعدة شخصية مبنية على التجربة تقول: "قم بالأعمال ذات القيمة التي تساوي 100 دولار قبل الأعمال ذات القيمة الأقل من 100 دولار". تساعدني هذه القاعدة على عدم وضع الأعمال ذات الإنتاج الهامشي ضمن أولوياتي، كقضاء 30 دقيقة من أجل إعادة منتج غير مرض ذو قيمة منخفضة إلى المتجر في حين يمكنني القيام بأمر أكثر إنتاجية من ذلك بكثير.
إسأل نفسك "كيف يمكنني التحسن بنسبة 1%"؟ هذه طريقة ذات شعبية كبيرة، ولها فائدة بالأخص إذا كانت لديك نزعة للإفراط في تعقيد حلول المشاكل. لأن الكماليين يرغبون بأن يكونوا معدومي الأخطاء، وغالباً ما يرفضون الأرباح الإضافية. وعند البحث عن طريقة لتحسين سلوكك بنسبة 1%، ستبدأ برؤية أنّ هناك طرقاً للتحسن أسهل مما تتخيل. مثلاً، قد يقرر شخص يعرف أنه سلبي أكثر مما ينبغي وأنّ الآخرين يجدون سلوكه محبط، أن يبدأ بإعطاء ملاحظة إيجابية واحدة في كل اجتماع يحضره. هذا التصرف هو خطة تحسين بنسبة 1% ومثال على قاعدة مفيدة مبنية على التجربة في آن.
تعلّم استراتيجيات لإعاقة التفكير المستمر. يصبح التسامح مع ارتكاب الأخطاء وامتلاك العيوب أسهل بكثير عندما تعرف كيف تكبح التفكير المستمر. انتبه إلى نفسك عندما تبدأ بالتفكير بأمر ما، واسأل نفسك إن كان التوجس حوله بهذا الشكل يساعدك. غالباً ما يبدو التفكير المستمرّ معالجة للمشاكل، ولكنه ليس كذلك. ويتوجب عليك التخلي عن التفكير بالأمر إن كانت أفكارك تدور في دوائر فقط أو إن كنت تلاحظ أنّ تفكيرك المستمر هذا يجعل مزاجك سيئاً.
عندما تعي تكلفة الكمالية وكيفية تأثيرها على إنتاجيتك وراحتك وعلاقاتك في العمل والمنزل، ستتمكن من تخفيف هذه العادة الهادمة.