تعالوا نتخيل الحالة التالية: أنت تعمل في وظيفتك منذ مدة طويلة من الزمن، وتستمتع بعملك، وتعرف كيف تؤديه على أكمل وجه، وتفخر بالنتائج التي تنجزها. ثمّ فجأة تتغير الأمور.
ربما يتعلق الأمر بتعيين مديرة جديدة من خارج الشركة، لا تتحدّث إليك أو إلى زملائك بما يكفي من العمق لتفهم ما الذي يسير على ما يرام في الشركة وما هي التحديات التي تواجهونها. فإنها تتجاهلها وتلجأ إلى فرض سياسات وإجراءات جديدة. ربما تكون المديرة طبقتها في سياق مختلف، أو قرأت عنها في دورة دراسية ما. لكنها بالمحصلة تحدُ من السيطرة والاستقلال الذاتي اللذين كنت تتمتع بهما في الماضي، وتضعف من الفرص المتاحة لك لتضع خبرتك موضع التطبيق، وتصادر منك كل الاستثمارات التي قمت بها في عملك.
إذاً، قدرتك على توليد القيمة للشركة تتلاشى، ومعنوياتك تتراجع.
هذه الحالة التي وصفتها للتوّ تعتبر واحدة من أكثر المواضيع التي يتطرق إليها طلابي من المدراء التنفيذيين في تقاريرهم حول أسوأ التجارب التي تعرضوا لها مع قادتهم. فالقادة الذين يقوضون الاستقلال الذاتي لموظفيهم يعتبرون مصدر ضيق كبير، لأنهم يقوّضون كرامة العمل. وهذه قضية خطيرة لأن الكرامة هي ركن أساسي لسلامة الإنسان والازدهار المؤسسي على حد سواء. ونظراً لأن معظمنا يقضي معظم ساعات نهاره في العمل، فإن العمل هو مصدر أساسي للكرامة في حياتنا.
اقرأ أيضاً: كيف ومتى نرد على الإساءات الضمنية؟
لا يدعم الكثير من الناس هذه الفكرة. إلا أن عدداً قليلاً من المدراء يحصلون على أي إرشادات حول كيفية الإعلاء من شأن الكرامة في مكان العمل على أساس يومي.
في المؤسسات الكبيرة، يشعر الناس بأن كرامتهم تُحترم عندما يجدون من يصغي إليهم ويأخذ آراءهم على محمل الجد بغض النظر عن المنصب الذي يشغلونه – أي عندما يشعرون بأنهم قادرون على إبداء آراء مخالفة باحترام، وبأن هناك من يسمعهم دون أن يخشوا نتيجة لذلك.
إن إبداء الثقة، ومنح الاستقلال الذاتي، وتقدير قيمة الإسهامات الفردية، كلها أمور تعلي من شأن الكرامة في مكان العمل وتبني لدى الموظفين إحساساً بملكية عملهم وتجعلهم يفخرون بأدائهم (على سبيل المثال: عندما تعطي الموظف خيار العمل من المنزل؛ فذلك أمر بالتأكيد يقدّره الموظف، ليس فقط لأن ذلك يقلّل من التضارب بين العمل والحياة الشخصية، وإنما لأنه يعبّر عن الثقة أيضاً). فوجود قدر أكبر من الإحساس بالملكية، إضافة إلى الدافع الناتج عن اكتساب الاستقلالية، يؤدي جميعها إلى محصلات ذات نوعية أرفع للزبائن.
أما في الجهة المقابلة، فإن الإقدام على رفض منح الثقة والاستقلال الذاتي والإخفاق في تقدير إسهامات الموظف واحترامها، تفسد الأساسات التي تجعل من العمل تجربة تستحق العناء.
اقرأ أيضاً: النرجسية في بيئة العمل… كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟
لكن لسوء الحظ، ما إن تتعرّض كرامة المرء إلى التهجم، فإن ذلك غالباً ما يُطلق العنان لدوّامة تأخذ صاحبها إلى الدرك الأسفل فقط. وقد يتجاوب الموظفون مع ذلك بتقليل جهودهم والتزامهم، ما يدفع المدراء المضللين، الذين قد يفسرون حالة الانسحاب هذه لدى الموظف على أنها ضرب من ضروب المزاجية أو الرغبة بعدم التعاون، إلى معاملتهم بالمزيد من قلة الاحترام. أما المدير الماهر، في المقابل، فإنه يتفهّم بأن الخطوات الأولى على الطريق الذي يقود إلى التفوق في الأداء تكمن في إعطاء الموظف أكبر قدر من التحكم تسمح به قدراته، وفي دعم إنجازه للأهداف ذات المغزى من خلال استقلاله الذاتي.
باختصار، المدير المستنير هو الذي يعامل الناس بكرامة.