عندما أقرأ بعض النصوص في مجال الأعمال، سواء كانت اقتراحاً أو تقريراً أو بريداً إلكترونياً بسيطاً، يستوقفني أولئك الأشخاص الذين يبذلون جهدهم ليبدوا أشخاصاً ماهرين في الكتابة بدلاً من تطويرهم تلك المهارة بالفعل، وأحبّذ في الواقع أن أقرأ الرسائل التي لا تبدو فيها الكتابة مصطنعة على الإطلاق، فأفضَلُ الكتابات هي تلك التي تتسّم بالشفافية والتي لا تحجب الرسالة الأساسية، وهي مهارة يمكنك إتقانها في كتاباتك من خلال التفكير في محتوى رائع وثم تجريده من أي عبارات تصرف التركيز عن الموضوع الأساسي.
كيف تجعل محتوى كتاباتك مميّزاً؟ حدد الغرض والنتيجة المرجوة من التواصل قبل أن تبدأ الكتابة، أي تجاوز الحقائق والمعلومات التي تودّ نقلها، وحاول التركيز على أفكار جمهورك ومشاعره بعد قراءة رسالتك.
على سبيل المثال، عندما تقول إنك حققت 60% من هدفك السنوي، قد يظن أحدهم أنك تتقدم بشكل جيد ويظن آخر أنه يستحيل عليك إكمال فجوة الـ 40% المتبقية. وإذا أردت أن يتوصل الأشخاص إلى استنتاج واحد فقط، فعليك إما إضافة حقائق (على سبيل المثال، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حققنا 49% فقط من أهدافنا وتخلّفنا عن 2% منها فقط) وإما إضافة تعليق (على سبيل المثال، أعلم من التجربة أن تحقيق نسبة الـ 40% المتبقية أمر سهل). بمعنى آخر، أدرج في رسالتك كل ما هو مطلوب لجعل جمهورك يفسّر الرسالة بالطريقة التي تريدها.
وبمجرد أن توضّح الأفكار التي تريد لجمهورك أن يستخلصها، انتقل إلى الخطوة التالية وحدد المشاعر التي تريد نقلها لهم. فإذا كنت تريد أن يتّخذ جمهورك إجراءً فورياً، فعليك إثارة مشاعر في نفوسهم تتجاوز مجرد فهم الرسالة؛ بمعنى آخر، عليك استحضار المشاعر التي من شأنها أن تحفّز العمل. ما الذي تحاول التعبير عنه؟ كن واضحاً بشأن المشاعر التي تحاول إثارتها لأن التواصل المكتوب يولّد ردود أفعال عاطفية مختلفة جداً. ففي المثال أعلاه، هل تريد أن تحفّز الناس على إكمال فجوة الـ 40% المتبقية؟ وكيف تقلل من احتمالية شعورهم بالخوف من الفشل؟ ستعبّر الكلمات التي تختارها عن مشاعرك، فاخترها بحكمة.
إذا كان لرسالتك هدف ما، فهذا يعني أنك تتواصل مع الآخرين لحثّهم على اتخاذ إجراء ما. ما الإجراء الذي تودّ منهم اتخاذه؟ هل سدّ الفجوة يعني الاتصال هاتفياً بزبون واحد كل صباح قبل أن يفتح بريده الإلكتروني؟ هل تريد منهم التوصية بمنتج تكميلي في كل مرة يشتري فيها الزبائن منتجاً ما؟ لا تنسَ أن تطلب منهم ذلك.
قد تفترض أنك أتممت المهمة بعد أن تحدد الأفكار التي تود من جمهورك استخلاصها وتنقل المشاعر التي تحفّزهم من خلالها، لكنها لم تنته بعد، بل عليك قراءة رسالتك مرة أخرى لتتأكد إذا ما كانت المعلومات والتصورات والعواطف تحفّز الإجراء المنشود، وإضافتها إلى رسالتك إن لم تكن موجودة أو تعديلها.
وبعد أن تدعم رسالتك بجميع العناصر اللازمة لتحقيق النتيجة المرجوة، يحين وقت مراجعة اللغة والقواعد اللغوية وتبسيط أسلوب الكتابة وصقله، بمعنى تعديل أي شيء يصرف الانتباه عن الرسالة الأساسية. وكما قال إلمور ليونارد: "إذا بدت رسالتك أنها مكتوبة، فأعِد كتابتها". وفيما يلي بضعة تدابير ينبغي التحقق منها:
تخلص من الكلمات المبهرجة
إذا كنت تنوي تحقيق تواصل فعّال، فعليك تقليل المسافة بينك وبين القارئ. لسوء الحظ، يستخدم كثير من الناس لغة تزيد تلك المسافة وتضعف الروابط، لكن استخدام كلمات طنانة تُقصي جمهورك بدلاً من أن تجذبه (مثل كلمة طنانة نفسها).
احذر من الاستخدام الخاطئ للكلمات
أكثر ما يستفزني هو كلمة "المنهجية" التي تشير إلى دراسة أو نظام ما، لكن إذا كنت تود التحدث عن طريقة أو أسلوب ما، فاستخدم ببساطة كلمة طريقة. والأمر نفسه ينطبق على كلمات مثل الانتفاع والتسخير والمنظور! (استخدام لغة الأعمال ليست "قيمة مضافة"). وكلما شعرت أنك تميل إلى استخدام كلمات تفترض أنها تجعلك أكثر ذكاءً من الشخص الذي تتواصل معه، فاختر كلمات أخرى تقوي العلاقة بينك وبينه.
استخدم القوائم المنقطة
قد يساعدك استخدام القوائم المنقّطة في الحفاظ على الإيجاز وتساعد القارئ على استيعاب المعلومات الأكثر أهمية، شرط أن تكون العبارات فيها متناغمة مثل تناغم سطور أبيات الشعر، إذ من الشائع للأسف أن نقرأ قوائم لا تتطابق فيها عناصر الكلام. على سبيل المثال، قد تبدأ ثلاث من النقاط الأربع بأفعال، في حين تبدأ الأخيرة بصفة، ما يقطع تدفق القراءة ويصعبها على القارئ. تخيل قائمة منقّطة تتضمن: تقليل حالات الغياب؛ زيادة الدافع؛ موظفين منفصلين ذهنياً عن العمل؛ تحديد المخاوف. باختصار، إذا كنت تستخدم قائمة منقّطة، فاحرص على مراعاة القواعد النحوية عند كتابتها.
استخدم المبني للمعلوم
لعلّ الطريقة الوحيدة المؤكدة لجعل أسلوب كتابتك غريباً هي استخدام المبني للمجهول، بحيث يصبح المفعول به نائباً عن الفاعل. ويضم الويب بالفعل أمثلة كثيرة ورائعة عن استخدام المبني للمجهول مثل: "كُتبت الوظيفة".
وأسهل طريقة لاكتشاف المبني للمجهول هي تحديد الجمل التي يكون فاعلها مجهولاً أو مؤخّراً، ومحاولة إعادة كتابتها بتقديم الفاعل، على سبيل المثال، "قُدّمت شكاوى من قبل الزبائن" تصبح "قدّم الزبائن شكاوى"، "سيُنشر العقد يوم الجمعة"، تصبح "سأنشر العقد يوم الجمعة". إذا استخدمت أفعالاً مبنية للمعلوم، فستكون رسالتك أكثر تشويقاً للقارئ، وتتيح له استيعاب مزيد من المعلومات، وتُبرز خبرتك في الكتابة في مجال الأعمال.
باختصار، من الأفضل أن تترك البهرجة في الكتابة للشعراء والروائيين، وأن تقدّم رسالتك في مجال الأعمال دون تعقيد. كرّس جهودك عند الكتابة في مجال الأعمال لاختيار الكلمات التي تحفّز على اتخاذ الإجراءات المنشودة واحذف أي عبارات تصرف التركيز عن رسالتك الأساسية.