سواء كنت رائد أعمال يبحث عن مصدر لتمويل مشاريعه أو مديراً في الإدارة الوسطى يمضي معظم وقته في المراسلات عبر البريد الإلكتروني، فإن إتقان الكتابة الاحترافية ضرورة لا غنى عنها لتسريع تأثيرك. لكن الكتابة الاحترافية ليست سهلة بالمرة. ولطالما رأيت مهنيين يعانون صعوبات جمة يومياً بسبب أسلوبهم الركيك في الكتابة والمليء بالإسهاب غير الضروري علاوة على اتصاف تعبيراتهم بالغموض، وذلك بحكم عملي في تدريس الكتابة في "كلية كينيدي بجامعة هارفارد" (Harvard Kennedy School). ولحسن الحظ، فبالإمكان تحسين أسلوب الكتابة، ويتلخص الأمر في اتباع هذه القاعدة البسيطة: الكتابة الجيدة هي التي تركز على ما يحتاجه جمهورك فقط، لا أكثر ولا أقل.
أساليب لإتقان الكتابة المهنية الجيدة
لقد تعلّم الكثيرون منا أساليب الكتابة في الجامعات، وكانت كتاباتنا تدور حول إظهار مدى ذكائنا أو مدى معرفتنا الجيدة بالمواد التي نكتب عنها، وبالتالي فإن التركيز على الجمهور ووضعه في المقام الأول يستلزم الممارسة العملية. ويمكنك أن تبدأ بتسهيل عثور القارئ على فكرتك الرئيسية، وذلك من خلال طرح المعلومات المهمة أولاً، فاحرص على أن تُبرزها في الجمل والفقرات والوثائق الأولى. قد تشعر ببعض الحرج في الكتابة بهذه الطريقة، ولكن في المجال المهني سيكون جمهورك مشغولاً بكل تأكيد، لذا احرص على وضع الخلاصة في المقدمة.
وهناك طريقة أخرى لإظهار التعاطف مع جمهورك، ألا وهي الإيجاز. هل تتكوّن جملك من أربعة أسطر؟ حاول اختصارها. يمكنك أيضاً تحسين قدرتك على الإيجاز والوضوح من خلال الكتابة بأسلوب المبني للمعلوم، حيث تحبّذ الكتابة الأكاديمية أسلوب المبني للمجهول، في حين أن الكتابة المهنية المتعاطفة تحبّذ أسلوب المبني للمعلوم. ويمكنك تقييم مدى اتباعك لأسلوب المبني للمجهول في الكتابة من خلال البحث عن بعض الكلمات المستخدمة بكثرة في غير موضعها، مثل "كونه" أو "لا يُعقل" أو "يُرتَجى". وما إن تعثر على هذه الكلمات، أعد كتابة الجملة في زمن المضارع وبأسلوب المبني للمعلوم. لن تنجح هذه الطريقة طوال الوقت، ولكنها تؤتي ثمارها في أغلب الأحيان، وعندما تعيد كتابة الجمل بهذه الطريقة، ستجعل مقالتك أقصر.
احرص أيضاً على الكتابة بطريقة يفهمها الجميع ولا تستخدم مصطلحات لا يفهمها إلا القليلون. فقد يعرف مديرك (أي الجمهور المستهدف) كل المصطلحات والمختصرات المستخدمة، ولكن ماذا يحدث عندما ترسل بريداً إلكترونياً إلى مسؤولي الموارد البشرية تخاطبهم فيه بأمر موظف جديد تريد تعيينه وهم لا يفهمون مصطلحاتك؟ قد ينتهي بكم الأمر إلى عدم القدرة على التواصل، أو قد يحدث ما هو أسوأ من ذلك بأن تعينوا الشخص غير المناسب. احرص دائماً على أن تكتب كما لو كنت تخاطب جمهوراً ذكياً على وجه العموم، لكنه لا يعرف ما تشير إليه على وجه التحديد. وتجنب الاختصارات وعرِّف كل المصطلحات التخصصية، إذ يجب ألا يشعر القراء بالغباء إذا لم يعرفوا أحدها، كما يجدر بك ألا تضطر أحدهم إلى ترك التقرير أو البريد الإلكتروني الذي أرسلته إليه ليبحث عن معنى كلمة ما، وإلا فإنه قد لا يعود إليه مرة أخرى.
وأخيراً، إذا كنت تعرف جمهورك جيداً، فستكون كتابتك أفضل بكل تأكيد. ولكن إذا لم تكن تعرفهم، فاحرص على معرفة المزيد عنهم. فإذا كانوا من المشرفين على المدارس المشغولين طوال الوقت، وكان التعليم المبكر (موضوعك) يأتي في مرتبة متأخرة على قائمة أولوياتهم، فاحرص على الإيجاز. وإذا كانوا برلمانيين يدعون إلى الاهتمام بحقوق الإنسان، ولكنهم لم يتخذوا خطوات عملية لتنفيذ هذه الاهتمامات على أرض الواقع، فابحث عن بعض البيانات المقنعة التي ستؤثر عليهم، ولا تُكثر من التنظير. وإذا كانوا أعضاء في مجلس المدينة مهتمين بالدعوة إلى إنشاء المزيد من المساحات الخضراء المفتوحة، لكنهم يخشون فقدان تمويل مواقف السيارات، فقدم لهم تطمينات من خلال الإشارة إلى أمثلة لمدن أخرى. بعبارة أخرى، ابحث عما يعرفه جمهورك وما يهتم به وما يخشاه، واكتب عن هذه النقطة.
ولا بد من بذل الوقت والجهد لإحداث هذا التحول إلى ما أسميه "الكتابة المتمحورة حول الجمهور". يجب أن تحرص على مراجعة كتابتك للتأكد من استخدامك لأسلوب المبني للمعلوم واختصار عباراتك وتبسيط أفكارك. ولكن ذلك يستلزم في الغالب إحداث تحول في العقلية لأن الكتابة المهنية الجيدة تتعاطف مع القراء. وهذا النوع من الكتابة أكثر ملاءمة للقراءة، ويخلق بالتالي التغيير الذي يرغب فيه الكاتب.