نجوميتها لم تخبُ يوماً لأنّها صقلتها بالدراسة والتخطيط والتحديث. تسعى جاهدة لتحافظ على الأصالة وتواكب الحداثة والتطوّر في عالم الفن إما على صعيد الموسيقى أو الكلمة أو على صعيد تقديم منتجها الفنّي. تعيش في نشاط مستمر، من المسرح إلى السينما والتلفزيون لتدعم تثبيت نجاحاتها وتكرّس وجودها الفنّي. مع الفنانة لطيفة كان هذا اللقاء...
هارفارد بزنس ريفيو: ما هي العقبات التي اعترضت مسيرتك بعد انتقالك من تونس إلى مصر لتلقي علومك الموسيقية؟
لطيفة: الطريق لم تكن مفروشة بالورود وكانت التحديات والعقبات كثيرة أبرزها عبء إثبات أنّني على قدر المسؤولية والثقة التي منحها لي أهلي ودعمهم لقراري بالانتقال إلى القاهرة للالتحاق بأكاديمية الفنون، إلا أنّ تشجيع أهلي في تونس واحتضان الشعب المصري لي كان كفيلاً بتجاوز كلّ تلك العقبات، فكنت أستمدّ قوتي منهما ومن إصراري على النجاح وتحقيق حلمي.
ما هو دور الأهل في تكوين شخصية لطيفة المقدامة لتحقيق أحلامها؟
كنا عائلة منفتحة على الثقافات والفنون بأنواعها وألوانها المختلفة، ولدى كل فرد من أفرادها موهبة مختلفة. والدتي تحديداً هي من زرعت في شخصيتي المثابرة والدأب على تحقيق وإنجاز ما بدأته والسعي للتعلّم لصقل الموهبة. أذكر جيداً أنّها كانت تشجعني وتصرّ على أن أشارك في النشاطات الفنية والثقافية في المدرسة، وكانت دائماً تقول لي إن بدأتِ بعمل عليك أن تنجزيه على أكمل وجه دون تقصير، ما خلق في داخلي حب الالتزام الذي يبقى حتى يومنا هذا.
هل كان النجاح دوماً نصب عينيك وكيف تأقلمت بعيداً عن الوطن الأم؟
دائماً ما أضع النجاح هدفاً أتطّلع وأسعى وأجتهد لإنجازه. لم أكن يوماً بعيدة عن تونس وأزور وطني باستمرار، لا أعترف بالبعد الجغرافي، فحبّ تونس يسري في عروقي ودمي وحاضر في أغنياتي وثقافة تونس وتراثها حاضرة في أدق تفاصيل حياتي وفي كل ركن من أركان بيتي في مصر الحبيبة التي احتضنتني ولم أشعر يوماً فيها بالغربة.
هل من شخصية فنية ناجحة كنت تتخذينها قدوة أو مثال؟ إلى أي درجة من المفيد لفنانة اتخاذ قدوة فنية؟
كل فنان اجتهد ليسعدنا ويمتّعنا بفنه هو قدوة ومثال لي ولكل فنان، ولكن تبقى فيروز هي القدوة والمثال بعطائها وإصرارها وتميّزها وصوتها الاستثنائي. اتخاذ القدوة الفنية أمر مهم فهو بمثابة الدليل للسير نحو النجاح والاستفادة من خبراتها.
هل يعتبر لقاؤك بالموسيقار محمد عبد الوهاب وقوله "بَخّري صوتك" مذلّلاً للعقبات في مشوارك المهني بعد الانتهاء من دراستك أم كان رافعاً للمسؤولية تجاه خياراتك الفنية؟
كان لقاءً غير عادي مع شخصية غير عادية، عندما يقوم فنان كبير بحجم ومكانة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بالإشادة بصوتي وأنا طالبة على مقاعد الدراسة، حمّلني مسؤولية كبيرة لأبرهن للجميع أنني أستحق وجديرة بهذا التقدير الذي منحني إياه.
من هو الملحن الذي تعتبرين أنه استطاع اكتشاف صوت لطيفة ومهاراته بشكل حقيقي ولماذا؟
كل ملحن تعاملت معه كان يبحث عن مساحات جديدة في صوتي ليكتشفها ويقدّمني بشكل مختلف وجديد ومميز، فكل مرحلة كان فيها تجديد وتقديم ما هو غير متوقّع، فبعد نجاحاتي مع العباقرة سيد مكاوي وبليغ حمدي، قدّمت أغنيات قصيرة من ألحان عمار الشريعي حققت نجاحاً كبيراً ومهّدت لأن يصبح الألبوم ثمانية أغاني بدلاً من أغنيتين وبألوان عصرية، ومن ثم توالت النجاحات مع صلاح الشرنوبي، زياد الطويل، كاظم الساهر، زياد الرحباني، محمد الرفاعي، سامر أبو طالب، وغيرهم الكثير.
يقال دوماً إنّ لطيفة محظوظة بالتعامل مع الكبار أمثال عبد الوهاب محمد، بليغ حمدي، يوسف شاهين، زياد الرحباني وغيرهم... هل اللقاءات مع هؤلاء الكبار كانت صدفة أم مخططاً وهل قوامها فقط موهبتك الفنية أم الكاريزما والذكاء الاجتماعي؟
لا شكّ أنني محظوظة بتعاملي مع الكبار، ولكنه كان كذلك بفضل دعاء أمي ومثابرتي واجتهادي وتقدير هؤلاء الكبار لموهبتي التي تبقى هي الأساس. فالكاريزما والذكاء الاجتماعي عناصر ثانوية إلا أنّها مكمّلة للنجاح وتحقيق الهدف وهي كذلك من نعم الله علينا.
ماهي الأغنية أو الألبوم التي/ الذي نقل/ت مشوارك المهني من مرحلة الهواية إلى الاحتراف؟ متى كان أول نجاح وكيف قمت باستثماره بشكل إيجابي؟
ألبوم "أكتر من روحي بحبك" هو أول ثمرة نجاح أقطفها وساهم بترسيخ اسمي كفنانة لها أعمالها الخاصة، وحقّق نجاحات كبيرة بأغنيات جديدة مختلفة عن السائد وقتها، واستثمرنا النجاح بأن يكون الألبوم من إنتاج شركتي الخاصة.
هل أخافك؟ هل كان مدروساً أو هل أتى غير محسوب؟
النجاح حمّلني مسؤولية أكبر، فالجمهور الذي أحبّ "أكتر من روحي بحبك" لا بدّ أن أقدّم له عملاً جديداً بهذا المستوى، فالنجاح وإن كان صعباً يبقى الأصعب الحفاظ عليه.
يعتبر البعض أن تنويع لطيفة بين ألحان كلاسيكية وحديثة سريعة لم يساعدها في تحديد هوية محدّدة لصوتها، ماذا تقولين؟
أحترم الآراء جميعها، ولكني أرى أنّ التنوّع مطلوب ولا يؤثر على هويّة الصوت، فأنا أؤمن أنّ الغناء غذاء للروح لابد وأن يكون غذاء منوّعاً فيه كلّ العناصر والألوان التي تجعل الفنان يستمر ويقدّم كلّ ما هو جديد يرضي متابعيه ويرضي طموحه كفنان.
ما هو مفهوم لطيفة للتجديد؟ وكيف تواكب العصر ومتطلبات الذوق الفني مع المحافظة على خصوصيتها؟
التجديد هو سنّة الحياة، فكلّ الكائنات تتجدّد وكذلك الفنان عليه أن يتجدّد ويواكب العصر، وشخصياً أسعى لأن أحدث توزاناً ما بين التجديد والذوق الفني والحفاظ على خصوصيتي، فأختار نوع التجديد الذي أرغب بتقديمه وفق قناعاتي وشخصيتي، ولا أرضى أن يُفرض عليّ ما لا أحبّ أو بشكل يمسّ بالثوابت التي نشأت عليها.
ذكرت مرة أنّك تختارين كلمات أغنياتك وتطلبين من بعض الشعراء كتابة أغنية عن أشياء تجول في داخلك. كيف يتم الحوار بينك وبين الشعراء لإيصال فكرة بداخلك لشاعر؟ ومتى تشعرين أنك حامل بفكرة تحتاج شاعراً يكتبها؟
فعلاً حدث هذا كثيراً، فكنت أطلب من الشاعر أن يتطرّق لموضوع أودّ تناوله بأغنياتي، وأطرح عليه ما يجول بفكري وخاطري وهو بموهبته يحولّها لكلمات وصور شعرية رائعة. تعرّضي لمواقف شخصية أو تعرّض من يحيط بي من أهلي وأصدقائي لمواقف وتجارب يخلق في داخلي فكرة أسعى لأن أعبّر عنها غناءً.
نعمة الصوت والدراسة الموسيقية لا تكفيان لصوغ نجمة غناء... إلى جانب الكاريزما يتطلب الأمر فريق عمل... متى أسّست أول فريق عمل وكيف تمنهجين إدارة هذا الفريق؟
قد تستغربين إن قلت لك أنه لم يكن يوماً لي فريق عمل أو إدارة أعمال بالمعنى الحرفي المتعارف عليه، كل من هم حولي هم أهلي وأصدقائي وأشخاص أثق بآرائهم، وأجدهم أشدّ الناس حرصاً وخوفاً عليّ، فنحقّق سوياً كلّ المهام التي تضمن نجاحنا المشترك.
متى أسست شركة "لارين" ومن ثم "لاتيسول برودكشن"... ما هي ظروف تأسيسها وما هي طبيعة عملها بعيداً منك؟
تمّ تأسيس شركة "لارين" في عام 1987، أسستها بجهود فردية أنا وصديقتي "دوريس" ابنة المنتج الكبير الراحل "موريس اسكندر"، ومن نجاحات ألبوم "أكتر من روحي بحبك" رسخنا وجود الشركة بشكل أكبر وكان لها استوديو تسجيل خاص سجّل فيه عدد من الفنانين العرب أهمّ أغنياتهم، واستمرت في إنتاج ألبوماتي حتى عام 2006 عندها أسست شركة "لاتيسول" التي تولت إنتاج أعمالي حتى يومنا هذا.
في عام 2005 كنت أول فنانة عربية أسست مؤسسة خيرية... ما هي القضايا الأبرز التي تهتم بها المؤسسة اليوم؟
تأسيس مؤسسة لطيفة الخيرية كان حلماً يراودني وسعيت لتحقيقه. تهتم المؤسسة بدعم التعليم باعتباره السلاح الأهم لتنمية المجتمع والنهوض به، والحمدلله ساهمت ببناء وإعادة ترميم عدد من المدارس في تونس ومصر وفلسطين، ومن خلال تعاوننا مع مؤسسات خيرية أخرى تمكنا من جلب استثمارات ضخمة لبناء المدارس في تونس في المناطق الأقل حظاً، بالإضافة لمشاركتي بعدة حملات إغاثية خيرية في تونس ومصر.
كنت أول فنانة في العالم العربي تعلن عن موقع إلكتروني خاص بها والموقع واكب كل التطوّرات الحاصلة إلكترونياً وتكنولوجياً... كيف تواكبين هذا التطوّر بالغوص في التفاصيل أو تسليم دفّة المسؤولية إلى مَن كان بها خبيراً؟
فعلاً كنت من أوائل الفنانات اللواتي كان لهن حضور على الإنترنت بشكل مميز وسبّاق حيث تم تأسيس أول موقع لي في عام 1999. فزنا مرتين بجوائز في أحداث دولية نظمت برعاية شركة مايكروسوفت، واليوم اتجاه العالم ومستخدمي الانترنت تحول نحو مواقع التواصل الاجتماعي التي خلقت نوعاً من التواصل المباشر والآني ما بين الفنان ومحبيه. لدينا وجود قوي على مختلف منصاتها وأديرها بشكل شخصي بحسب ما يسمح وقتي بالإضافة إلى وجود فريق مختص للمساعدة.
هل من تحضيرات ودراسات تقومين بها مع نفسك أو مع مستشارين قبل أي قرار مفصلي؟
بالتأكيد أستشير والدتي وشقيقتي منيرة وصديقتي دوريس وعدداً من الأصدقاء المقرّبين الذين أثق بآرائهم.
هل تجدين اليوم أن خطوتي التمثيل والتقديم كانتا ناقصتين ولم تقدما أو تؤخرا في مسيرتك؟ أم العكس صحيح؟
بشكل شخصي أي خطوة أقوم بها اعتبرها إضافة لي ولمسيرتي، فهي تجربة أتعلم منها وأسعد بنجاحها، فعملي مع العمالقة يوسف شاهين ومع منصور الرحباني وفي مسلسل "كلمة سر" هو بالتأكيد إضافة هامة لمشواري الفني بشهادة النقاد والجمهور، وتقديمي لبرنامجين لأكثر من موسم على أهم القنوات العربية شكل إضافة وتجربة جديدة لي.
كيف تنظرين لمسألة انخراط الفنان في القضايا المجتمعية والسياسية التي تشكل استقطاباً وتتطلب من الفنان اتخاذ موقف محدد؟ كيف تتعاملين مع الحالات المشابهة؟
الفنان هو إنسان، والحدث المجتمعي والسياسي يؤثر عليه كما يؤثر على سائر أفراد المجتمع بل قد يدفع الثمن بشكل أكبر كونه شخصية معروفة لها تأثيرها، ونحن في عصر بات التعبير عن الرأي ضرورة ومطلباً جماهيرياً، وأسعى دائماً لأن يكون لي رأيي الذي أعبر عنه مهما كان جريئاً.
ماذا يعني الفشل بالنسبة لك؟ وهل تعترفين به بسهولة حينما يقع؟
الفشل خطوة وحافز للتمسك بالنجاح والسعي إلى تحقيقه والحفاظ عليه، ولولا الفشل لما عرفنا طعم النجاح، وبالتأكيد أعترف به بسهولة لأجعل منه سبباً لتقديم الأفضل.